|
الإيجابية في رواية -زمن القناطر- عامر سلطان
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8199 - 2024 / 12 / 22 - 09:23
المحور:
الادب والفن
الرواية العربي بغالبتها تفتقر إلى تقديم ما هو إيجابي، وهذا أمر طبيعي، فنحن نعيش في زمن الهزائم والتخاذل والانكسار والتخلف والتبعية، وبموضوعة لا يوجد شيء يفرح القلب، هذا الواقع انعكس على الأدب العربي عامة والرواية خاصة، فنكاد لا نجد رواية تقدم أحداثا إيجابية، وأن تأتي رواية ومن فلسطيني التي تعاني أكثر من غيرها، وتتناول أحداثا إيجابية فهذا امر مثير ومتميز. رغم صعوبة تلخيص الرواية سأحاول قدر الإمكان إعطاء صورة عن أحداثها وشخصياتها، تتحدث الرواية عن "رشيد" ابن الخليل الذي يعمل في رام الله، يأتيه تصال من "شيري" الفرنسية التي تعمل في المركز الثقافي الفرنسي، لتناقش معه التراث الخليلي، يأخذها إلى جده "رباح" الذي ما أن يراها حتى يطلب من "رشيد" طردها: "هذه الفتاة لعنة يجب أن تبعدها عنك وتبتعد عنها" ص47، إلا أن "رشيد" لا يجد كلام الجد واقعيا ولا موضوعيا، ويقرر مواصلة العمل معها، تنظم إليهما "نادرة" التي تعجب ب"رشيد" ويعجب بها، ويقرران الزواج، لكن (فجأة) تنقلب الأمور رأسا على عقب، وتأخذ "نادرة" ومعها أمها بالنفور من "رشيد" دون إبداء الأسباب، وهذا ما حير "رشيد" وحير القارئ. أثناء ذلك يدخل على الخط "علي" عميل الاحتلال ويبدأ بالتواصل مع "شيري" مما استدعى "رشيد" لإبلاغ صديقه ضابط الأمن "كريم" بما يجري، حيث كانت أسباب الخلافات بين "رشيد ونادرة" تدور حول "علي" لكن "كريم" لا يجد أدلة يستند عليها لاعتقاله، بعدها يذهب "رشيد" إلى أحد رجال المقاومة "حاتم" الذي يقوم باستجواب "علي" على طريقته الخاصة، ويتم كشف "علي" وعاملته للاحتلال، لكن ذلك لم يسهم في كشف النفور الذي حدث بين "رشيد ونادرة" وهنا يقرر " رشيد" السفر مع "شيري" إلى فرنسا، وهناك تحصل المفاجأة، وتأخذ أحداث الرواية في التوسع والتسارع، حيث يتم كشف سبب نفور الجد من "شيري" فجدتها "سارة" يهودية من الخليل، وكانت تحب جده "رباح" ويحبها، وقد أرسل لها العديد من الرسائل كانت وضعتها في صندوق خاص بها في منزلها. بعد أحداث عام 1929 وهجوم العرب على اليهود تلجأ عائلة "شيري" إلى "رباح" جد "رشيد" الذي يقوم بحمايتها، وبعدها تقرر العائلة اليهودية الخليلية السفر إلى فرنسا، وأثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد أن اجتاح الألمان فرنسيا تصبح عائلة "شيري" في خطر، فتحتمي بعائلة عربية من الجزائر ويقدموا لها كل المعونة، حتى أنها تعطيها منزلا مجانيا لمدة عامين كاملين، كل هذا الجمائل تجعل "سارة " جدة شيري" تكشف حقيقتها لحفيدتها، وتحدثها عن ماضيها وعن "رباح" الذي أحبته في الخليل، هذا ما جعل شيري تأتي إلى الخليل ـ البحث عمن أنقذ عائلتها، وعن المكان الذي كانت تعيش فيه عائلتها قبل قيام دولة الاحتلال ـ أثناء سرد الأحداث يقوم "رشيد وشيري ونادرة" بقراءة عدد من رسائل "رباح إلى سارة" متحدثا في عن الماضي ومقاومة الإنجليز، فرباح كان أحد الثوار الذي شاركوا في ثورة 1936 وبفاعليه، حتى أنه ذهب مع القائد "عبد الحليم" إلى مصر لجلب السلاح، وهذا ما جعل أولاده يسيروا على نهجه، "محمد، أبو العهد" الذي حارب في بيروت عام 1982 وبعد الخروج من بيروت مباشرة يعود إلى طرابلس، وهناك يجري حصارهم من قبل القوات السورية، يصاب ويتم أسره، ويمضي خمسة وعشرين عاما في السجن دون أن يعرف أحدا اسمه الحقيقي، حيث كان فاقد للذاكرة، بعدها تكون المنظمة وقعت اتفاق أوسلو مما جعل عودة "محمد أبو العهد" سهلة، خاصة أن الضابط مخابرات الاحتلال كان معني بحضور "محمد" إلى الضفة الغربية ليقوم بالانتقام منه، فهو سبب إصابته في قدمه. أثناء ذلك يعمل الاحتلال على الاستيلاء على البيوت القديمة في الخليل ومن ضمنها بيت عائلة "شيري" الذي اشتراه "رباح" جد "رشيد" قبل سفر العائلة، ويكونوا قد وصلوا إلى أن "علي" تم كشف أمره، وهو محتجز في مكان داخل المخيم، يتم الهجوم على المكان وإخراج "علي" لكن أوراقه سقطت فكان لا بد من التخلص منه، ضباط المخابرات يعطي إيعاز ل"نتاليا" بالتخلص منه، فهي من أسقطه بعد أن مارست معه الجنس، وتعرفه حق المعرفة، يكون "علي" قد استعد للانتقام ممن أسقطه ومن الضابط الذي عامله باحتقار، ينجح في التخلص من "نتاليا" ويرسل رسالة للضابط من هاتفها بعد أن قتلها يخبره أن المهمة (قتل علي أنجزت) وهناك معلومات مهمة يجب أن يحضر ليعرفها، وبعد حضوره مباشرة يقوم "علي" بإطلاق النار عليه وقتله، قبل أن تحضر قوات الاحتلال وتصفيه. تضع قوات الاحتلال كمينا ليتخلصوا من "رشيد" الذي يصاب إصابة قاتلة، حتى أن شخصيات الرواية ولا القارئ يعرفون ما حل به، خاصة بعد أن قامت قوات الاحتلال بمحاصرة المستشفى وخطف (جثمان رشيد)، يعرف القارئ لاحقا انه تم وضعه في مستشفى عسكري خاص، تتدخل "شيري" عن طريق الحكومة الفرنسية حيث يتم اطلاق سراح "رشيد" بعد علاجه، ويتم إخلاء بيت "جده "رباح" أيضا. أثناء التحقيق مع "علي" يكشف أن مخابرات الاحتلال هي قتل والد "نادرة" وليس والد "رشيد" وهذا يفسر الردة والجفاء الذي حصلت بين نادرة وأمهما وبين "رشيد" فوالده كان متهما بقتل والد من يريد أن يتزوجها، بعد عودة "محمد أبو العهد" من لبنان يتزوج والدة "نادرة" التي احبها قبل أن يغادر فلسطين ويلتحق بالثورة، تكون "نادرة" قد قررت الزواج من ابن عمها، بعد أن أصبح "رشيد" شهيدا، لكن أثناء عقد القران يرفض ابن عمها إتمام عقد الزواج، قائلا: "ذلك هو عريسك، نظرت من خلف دموعها ثم أغمضت وفتحت عينها لتتيقن أنها لا تحلم، كان رشيد يدخل من الباب يلبس بدلة سوداء أنيقة تسنده شيري عن يساره وكريم عن يمينه" ص260و261، وهذه النهاية الإيجابية تحسب للرواية، فقد استعادة العائلة البيت، وتم إحضار "سارة" جدة "شيري" من فرنسا لتشاهد منزلها القديم ولتقضي نهايتها فيها. ولم تتوقف النهايات السعيدة عند هذا الأمر فقط، بل تعدتها إلى تحرير فلسطين من خلال مخاطبة "شيري" التي تزوجت "حاتم" ابنتها: "سيحزن العم كريم وهو يريد أن يريك بيته في يافا ويأخذك إلى البحر" ص265، كل هذا يجعل نهايات الرواية تتجاوز حالة البؤس الذي يثقل كاهلنا، وتقدمنا من الفرح، من المستقبل، تعرفنا أن لنا حياة هنية سنحياها في وطننا فلسطين كل فلسطين. الزمن والمكان زمن الرواية ممتد يبدأ من عشرينيات قرن العشرين وحتى ما بعد قدوم السلطة، ومكان الأحداث يتمركز في مدينة الخليل، لكنه يبتعد هنا حتى فرنسا التي قطنت فيها عائلة "شيري" بعد أن قررت ترك وطنها الذي عاشت فيه، بعد توتر الأوضاع فيها. يذكر السارد "ساحة القزازين" أكثر من مرة في الرواية، والقارئ لا يعلم سبب هذا التركيز، لكن بعد أن يتم محاولة تصفية "رشيد" فيها، علم سبب هذا التركيز. ذاكرة المكان ويتحدث السارد عن المكان ضمن محيطة الاجتماعي والإنساني، فهو ليس مجرد مكان، بل هناك حياة اجتماعية وجدت وتنامت في المكان، يحدثنا عن "مسجد البكاء" قائلا "هذا البناء يعود إلى لعالم أتى من القوقاز قبل سبعمائة عام واستقر هنا وتزوج إحدى بنات المدينة وتدعي فاطمة الجعبري، كان هذا العالم كثير البكاء فعرفه الناس بالشيخ البكاء، وكان أنشأ زاوية للعلم ثم توفى ودفن فيها هو وزوجته، بعدها أمر الملك المملوكي حسام الدين طرنطاي ببناء مسجد فوق مقامهما" ص35و36، مثال هذا الحدث يشير إلى أن المكان يمثل حاضنة اجتماعية، إنسانية تتجاوز الإقليمية، ليكون كل من يحل فيه جزءا منه ومن محيطه. بعد سفر "رشيد" إلى فرنسا ومقابلته "سارة" جدة "شيري" تبدأ بالحديث معه من خلال ذاكرتها: "اشتقت إليك ولأيامك يا رباح، أما زلت تقفز عن خمس درجات في الحوش مرة واحدة لتريني مدى قوتك؟ أم خارت قواك مثلي؟" ص172، نلاحظ التكامل بين المكان والحياة الاجتماعية فيه، فهو ليس مجرد جداران أو بيت أو شجرة أو سوق بل هو حياة الناس، ودون ذلك يمسي بلا معنى. وبعد أن تعود "شيري ورشيد" إلى الخليل يلتقيا "بالحاج" الحداد ويجري بيهم هذا الحوار: "ليس صعبا فأنت رباح بعينه عندما كان شابا، ألم أقل لك أنك من تراب هذه البلاد، كانت ليعقوب طفلة أسمها سارة تشبهك تماما، هل أنت مشاكسة مثلها،؟ انتظري قليلا، نهض بظهره المقوس ودخل إلى الدكاء وأحضر من خزانة حقيبة جلدية متآكلة أعطاها لشيري بعد أن عاد وجلس بصعوبة، قاتل: هذه من صناعة جدك يعقوب، هل بقي يعمل في دباغة الجلود بعدما هاجر أم عير صنعته" ص204، هذا المشهد يؤكد حيوية المكان، ليس في الماضي فحسب، بل في الحاضر أيضا، ونلاحظ اجتماعية الفلسطيني، فلا فرق بين قوقازي وسوري، ولا بين يهودي ومسلم، فهم يتبادلون الهدايا ويحبون بعضهم، وما سؤال "الحاج" عن صديقه يعقوب إلا من باب الاهتمام والحرص على سلامته والاطمئنان عليه. تتحدث "شيري" عن اجتماعية المكان بقولها: "أن الناس هنا يعوضون غياب من يرحل بسرعة وسلاسة سواء كان رحيلا اعتياديا بالموت الطبيعي أو بالمواجهة مع المحتلين، هذا الشعور بالأمان في بلاد تلتحف المخاطر والخوف لا أشعر به في بلادي التي تتظاهر بالأمان" ص218، أعتقد أن هذا التكامل بين المكان والناس يكفي لنقول إن فلسطين بلا تنعم باجتماعية فريدة من نوعها، ليس على مستوى تقبل الآخر فقط، بل بإقامة لحمة اجتماعية بحيث لا يمز أن نميز طائفة/ملة هذا أو ذلك. يهود الخليل إذا ما توقفنا عند مضمون الرواية سنجدها تتحدث عن يهود الخليل، وهذا كافي لنقود إن الرواية قدمت ما هو جديد، فهذه المعرفة مهمة جدا لكل فلسطيني وعربي، لأننا كانا نعيش منسجمين ومتآلفين ومتحابين فيما بيننا، لكن الهجرة الصهيونية هي من شوه ودمر هذا النسيج متعدد الألوان، ويريد أن يجعله بلون واحد فقط، يرسل "رباح" رسالة (يفترض) أن تصل إلى حبيبته "سارة" يشرح فيها أحداث الخليل التي تعرض اليهود فيها للقتل وحرق البيوت: "أن الأمر فتنة لمشروع خبيث، ضحيته الظاهرة يهود الخليل، وضحيته الأكبر كل الخليل، وما قاله والدي بأن بيوتنا كلها ملجأ لإخوتنا وجيراننا اليهود وليس على أحد أن يصدق أو ينساق لتلك التهمة التي حاول الاستعمار إلصاقها بأهل المدينة، إن النظرات التي استرقناه يا سارة يومها كشفت لنا تلك الوجوه الآتية ومعها الفتنة، وقد رأيت معي أنها وجوه لا تشبه أهل المدينة، لا تشبهنا ولا تشبهكم" ص72، هذه الرسلة تنم على معرفة أهل الخليل أن هناك يد خفية تعمل على تخريب المدينة وكسر وحدتها الاجتماعية، لهذا وضع والد "رباح" بيته وبيوت أهل الخليل ملجأ لليهود. تتحدث الجدة "سارة" عن والدها إبنان أحداث الخليل وعن موقفه مما يجري: "والدي كان يرفض دوما المشاركة في الهجمات التي يشنها الشبان على الأحياء العربية ولا يشارك حتى في صد الهجمات المضادة، كان يشعر ونحن معه أننا لسنا جزءا من هذا الجنون، كنا نعيش مئات السنين في هذه البلاد بحب ووئام وألفة ويأتون الآن ليقولوا سنعيد أرضنا المسروقة، ها هي أفكارهم أخرجتنا من بيوتنا وأرضنا وليس العكس. ...يومها أيضا قررنا الرحيل، قررنا الابتعاد عن أرض عشقناها حتى تعبنا قررنا تركها يقينا منا بخسران ذاتنا إن أطلنا البقاء فيها، أدركنا يومها بأن لا مكان في القلوب لوجع جديد، قررنا الهروب على أمل إلا يقتلنا الوداع الأخير." ص 178و180، هذا الملخص يبين حقيقة الأحداث ومن يقف وراءها، وطبيعة الفلسطيني المنتمي لوطنه ولشعبه، فإثار هجرة الوطن والأهل رغم الحب والود، على البقاء ومشاهدة خراب وموت الوطن والأصدقاء، يمثل ذروة الوفاء والإخلاص للأهل وللمكان. الاستعمار الإنجليزي يكشف لنا السارد حقيقة الاستعمار والخراب الذي أحدثه في المكان وبين الناس من خلال التقسيم تحول الواحد إلى أجزاء وأقسام: "من قرر أن صور لبنانية وحيفا فلسطينية ثم إسرائيلية ودمشق سورية وعمان أردنية؟ " ص19، رغم بساطة الأسئلة إلا نها مثيرة وصادمة، وتكشف حقيقة التقسيمات السياسية التي أوجدها الاستعمار خدمة لمصالحه، فكل المدن المذكورة كان عيش ضمن إطار واحد جامع وموحد لها ولساكنها، وعلى مر التاريخ. وعن فلسطين والتغييرات الجذرية التي أحثها المستعمر فيها يقول "رباح" في رسالته "لسارة": "يستولون على الأراضي ويستقدمون لقطاء الأرض ويزرعونهم في حقولنا، لقد كانت رحى دائرة بناها المتآمرون في أوروبا لاستبدال أهل البلاد الأصليين من مسلمين ومسيحيين ويهود بغرباء يتقاطرون من كل أحياء الأرض" ص122، هذا المقطع يلخص ما جرى في فلسطين، فقد كانت الأرض تتسع للجميع، ويتشارك فيها الكل لإعمارها ماديا واجتماعيا، لكن جاء من يريد جعلها قاعدة له، فأوجدوا فكرة (شعب الله المختار والأرض الموعودة) وأحدثوا كل هذا الخراب في المنطقة، خراب الجغرافيا وما عليها، وخراب السكان وما فيهم من انسجام واجتماع، فتحولوا إلى دول مفتتة، وإلى قبائل وعشائر، وإلى طوائف، وإلى مدينة وريف، بحيث لم يعد هناك أي جامع يوحدهم لا المكان لا الاجتماع. الصهاينة الدولة الصهيونية أحدثت خرابا في الجغرافيا وفي السكان، فشوهت المكان ونزعت بكريته الطبيعية من خلال المستوطنات: "تلال لا يعكر جمالها سوى بعض المستوطنات التي تناثرت كالبثور على وجه ملاك" ص13، هذه الصورة حقيقة، فمن يرى حجم التخريب الذي حدث في الجغرافيا الفلسطينية، يتأكد أن هذا الاحتلال لم يأت للإعمار، بل لمحو أي شيء يشير إلى فلسطينية المكان، من هنا نجدهم يزيلون الجبال بآلياتهم لمحو معالم الأرض، ما فوقها وما تحتها، لتكون (أرض جيدة لشعب جديد). تخريب الجغرافية لم تقتصر على الأرضي الطبيعية بل تعدها إلى المدن والحواضر الفلسطينية، فمدينة يافا أكلتها وبلعتها (تل أبيب): "المدينة الجديدة المسماة تل أبيب وتخنق ما بنته الحضارات عبر آلاف السنين، حتى أصبحت يافا كعصفور تزحف نحوه أفعى شيئا فشيئا وهو ينحسر ويلتصق بالبحر" ص96، وهذا يؤكد نهج دولة الاحتلال القائم على الاستيلاء وسلب الأرض فلسطينية، وتغيير ما معالمها وتشويه قدمها وتاريخا، لصالح فكرة الدولة الجديدة (أرض قديمة جديدة). ويدخلنا السارد إلى البيوت القديمة في الخليل وكيف يتم الاستيلاء عليها، يقول "فردمان" يمكننا الاستيلاء على البيت ومن ثم نجد أو نخلق المبررات القانونية" ص229، إذا ما توقفنا عن المشاهد الثلاث سنجدها مرتبة، فبدأت بما هو كبير وعام (أرضي غير مسكونة)، ثم إلى المدن، بعدها أدخلتنا إلى البيوت، بمعنى أن كل أرض ومكان وبقعة وبيت ودكان فلسطيني مستهدف من الاحتلال، وبهذا يكون السارد قد وضع أصبعه على الجرح، فصراعنا هو صراع الاحتلال استيطاني، يعمل على سلب الأرض وتفريغها تماما من فلسطينيتها، إن كانت معالم بناء، زراعة، طبيعية، أم سكانية، فكل ما هو فلسطيني يجب أن يزال، هذه حقيقة دولة الاحتلال وهذا ما تقوم به على أرض الواقع. الإيجابية لا تقتصر أهمية الروية على تناولها لما جرى ويجري في فلسطين فقط، بل تعداه إلى الإيجابية التي نفتقدها في أدبينا العربي والفلسطيني، وهذه الإيجابية متعلقة بالمجتمع/بالأفراد وبالمكان، بمعنى أن السارد يقدم صورة انتصار الإنسان الفلسطيني/والأماكن الفلسطينية على الاحتلال، فهجرة عائلة "سارة" من خليل إلى فرنسا تمثل انتصارا اجتماعيا فلسطينيا على الاحتلال والاستعمار، وما وجود "شيري" ودورها في استعادة بيت "رباح" من المستوطنين إلا استكمالا للنصر الذي فعله جدها حينما قرر الحفاظ والاحتفاظ ببكرية الفلسطيني الذي يرفض أن يكون وقودا لحرب مع أهله وشعبه. يبدا السارد في تقديم (عبارات) إيجابية متعلقة بأحداث الرواية، فعندما يتم استهداف "رشيد" وإصابته إصابة قاتلة، يأتي "كريم" ويقول: "في هذه البلاد لا مكان للحزن والانكسار، فهي لا يموت فيها الأبطال" ص212، رغم الرمزية التي يحملها هذا القول، إلا أن القارئ يلمس فيه شيئا من أحداث الرواية، هو متعلق ب"رشيد" تحديدا" وأيضا بعمه "محمد براح" أبو العهد بعد أن نجى من الموت وأسر لمدة خمس وعشرين سنة ثم عاد إلى وطنه وبيته وأمه وأهله. وعندما يمتعض "شيري" من نفض "كريم" سيجارته على الأرض، يخاطبها بقوله: " كل المصاعب التي يمر بها شعبنا هي كهذا الرماد يذهب مع أول نسمة هواء" ص220، الإيجابية تكمن في مضمون القول وما يحمله من أمل في المستقبل، لكن لا تقتصر الإيجابية على ما قاله "كريم" بل تطال "كريم" نفسه، فهو رجل أمن فلسطيني، بمعنى أن السارد يقدم صورة إيجابية لرجال الأمن الفلسطينيين، وهذا يجعل الإيجابي ثنائية القطب، إيجابية أحداث الرواية كرواية، وإيجابية الأشخاص، وجعل كل ما هو فلسطيني إيجابي، جميل. تتحدث الرواية عن "الخيال" الذي يمثل البطل الكامل والمطلق الذي اعجب فيه كل الناس رجالا ونساء، حتى أنه أصبح بطلا شعبيا (أسطوريا) بعد أن سمعت "شيري" عن أعماله وبطولاته تقوم بتغيير عنوان دراستها: "أخرجت من حقيبتها كتاب مسودة الدراسة التي بدأتها مع راشد، على صفحة الغلاف كان العنوان "ترانيم القناطر" أخرجت فلما من الحقيبة وشطبت العنوان وكتبت أسفله "زمن الخيال" ص264، وهذا ما يجعل خاتمة الرواية بيضاء ومفرحة ومحببة للقارئ لذي يفتقد هذا الفرح، إن كان على أرض الواقع، أو في الأدب. واللافت أن الرواية تقدم صورة المستقبل في فلسطين، فقد تم تحريرها وما وجود بيت "كريم" في يافا: "يريد أن يريك بيته الجديد في يافا" ص265، إلا صورة لهذا الانتصار، وكذلك نجاة "حاتم" من الاحتلال وزواجه من "شيري" قررت البقاء في فلسطين وتكون عائلة فلسطينية كما كان أجداها الفلسطينيين قبل أن يغزوها الصهاينة. ومن الإيجابيات زواج "رشيد" من "نادرة" وزواج "محمد رباح أبو العهد من أم نادرة" كل هذا يجعلنا نقول إن الرواية قدمتنا من الفرح/السعادة، وجعلتنا نعيش ونحس ونستمتع به، وهذا المذاق سيجعلنا نتقدم ونعمل لنكون دائما فرحين، سعداء، كباقي الأمم والشعوب. الرواية من منشورات دار ومضة للنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى2022.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأخلاق وجمالية الكتابة في رواية -لم أكن أتوقع- راشد عيسى
-
الواقع في قصة -الكابوس- مأمون حسن
-
فشل حركة التحرر العربية
-
سورية الجديدة (4)
-
سورية (الجديد) 3
-
سورية الجديدة (2)
-
سورية
-
سامح أبو هنود قصيدة -كن بين شكك واليقين-
-
قصائد -أنا وليلى- للشاعر موسى أبو غليون
-
الإثراء الثقافي والثراء الإنساني في كتاب -الثرثرات المحبّبة-
...
-
النعومة في رواية -النور يأتي من خلف النافذة- إبراهيم جاد الل
...
-
التنوع والتعدد في ديوان -شغف الأسئلة- منذر يحيى عيسى
-
القهر في قصيدة -اعتذار- سامي البيتجالي
-
كتاب -زهرات في قلب الجحيم-[*] للمحامي حسن عبادي
-
الصراع في رواية “كليوبترا الكنعانية” لصبحي فحماوي
-
الأفيون
-
التاريخ وفنية التقديم في رواية -حكي القرايا- رمضان ا لرواشدة
-
التَّعدد والتَّنوُّع في المجموعة القَصصيَّة -طَرْقٌ على جدار
...
-
دفء الآباء عبد السلام عطاري
-
المكان في رواية -كرك موبا، رسائل المدينة- عبد الهادي المدادح
...
المزيد.....
-
رحيل الفنان المغربي محمد الخلفي عن 87 عاما بعد صراع مع المرض
...
-
-العائلة- في سربرنيتسا.. وثيقة حنين لأطلال مدينة يتلاشى سكان
...
-
فيلم عن فساد نتنياهو وآخر عن غزة.. القائمة القصيرة لجوائز ال
...
-
“بداية الفتح” مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 38 مترجمة بالع
...
-
“صدمة جديدة للمشاهدين” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 176 مترجمة
...
-
“كشف حقيقة ليلى وإصابة نور” مسلسل ليلى الحلقة 15 Leyla مترجم
...
-
-الذراري الحمر- يتوج بالتانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية
...
-
بليك ليفلي تتهم زميلها في فيلم -It Ends With Us- بالتحرش وال
...
-
“الأحداث تشتعل” مسلسل حب بلا حدود الحلقة 47 مترجمة بالعربية
...
-
في ذكرى رحيله الستين.. -إيسيسكو- تحتفي بالمفكر المصري عباس ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|