بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8199 - 2024 / 12 / 22 - 09:21
المحور:
كتابات ساخرة
خلال أيامي في فترة الإعدادية، حين كنت أتابع الدراسة بمدينة مولاي إدريس زرهون، خضت تجربة إنسانية لا تخلو من العبث، حيث اختلطت المعاناة اليومية بروح الابتكار الذي يفتقر أحيانا للعقل والمنطق. كنت أقيم مع ثلاثة شبان آخرين في بيت مكتري، وكان الفقر جليسنا الدائم. كنا نحاول تجاوز مصاعب الحياة بطرق تثير الضحك أكثر مما تحل المشكلات.
ذات يوم، وأنا أفكر في كيفية تدبير مصاريفنا اليومية بأقل التكاليف الممكنة، خطرت لي فكرة كنت أظنها عبقرية في ذلك الوقت: لماذا لا أخلط زيت الزيتون الأصلي الذي أحمله معي بزيت القلي الرخيص وأبيعه في السوق على أنه زيت زيتون خالص؟ بدا الأمر وكأنه اكتشاف مذهل، وكأنني أقدم للعالم منتجا جديدا تحت اسم "زيت الوكيلي".
كانت العملية بسيطة جدا: أخلط الزيتين في قنينة نظيفة، أعدل المظهر الخارجي قليلا، ثم أذهب للسوق متقمصا دور البائع الماهر. كان التاجر يشتري مني دون أن يسأل كثيرا، وكأنني كنت أبيع الثقة بدلا من الزيت. الربح كان زهيدا ولكنه بالنسبة لي كان كافيا ليجعلني أشعر وكأنني أسيطر على اقتصاد السوق.
لكن الكوميديا بدأت عندما وجدت نفسي أمام أزمة غير متوقعة: كمية زيت الزيتون لم تكن كافية لملء القنينة. ماذا أفعل؟ هل أستسلم؟ بالطبع لا! ففي لحظة ابتكار غريبة، خطر لي أن أضيف شيئا آخر لإكمال الكمية. وهنا، في لحظة يمكن أن تدرس في كتب العبث، قررت إضافة البول للقنينة.
نعم، البول! لا أدري ما الذي كنت أفكر فيه حينها. ربما شعرت أنني عالم كيمياء يضيف "عنصرا سحريا" لمعادلة معقدة. أمسكت القنينة وهززتها بخفة كما لو كنت أقدم نخب نجاحي في الحياة. كنت مقتنعا بأن لا أحدا يعلم ما في الموضوع ، وأن "زيت الوكيلي" سيظل علامة للجودة المجهولة.
مرت الأمور بسلام، أو على الأقل لم أسمع شكوى من أحد. لكنني كنت أعيش تناقضا غريبا: شعور بالإنجاز الممزوج بقلق دائم من اكتشاف الكارثة. لم أكن أرى في الأمر سوى حلا عمليا، دون أن أفكر في العواقب أو الأخلاق.
بعد سنوات، وأنا أتجول بين رفوف زيت الزيتون في الأسواق الكبرى، تذكرت تلك الأيام. نظرت إلى القنينات التي تحمل وعود النقاء والجودة، وضحكت في سري. كيف يمكن للناس أن يثقوا في منتجات قد تكون فيها قصص خفية مثل "زيت الوكيلي"؟
"زيت الوكيلي: النكهة التي لا تنسى"
اليوم، وأنا أسترجع تلك القصة، أضحك على نفسي وأفكر: ماذا لو أنشأت علامة تجارية فعلية باسم "زيت الوكيلي"؟ ربما كنت سأروج له تحت شعار: "لأن المفاجآت تصنع الطعم الأفضل!"
القصة، رغم أنها تبدو كوميدية للغاية، تحمل درسا بسيطا: الأزمات قد تدفعنا للابتكار، لكنها لا تعفينا من التفكير في أخلاقيات ما نفعل. الفقر قد يكون قاسيا، لكن الأخلاق هي ما يبقي الإنسان متوازنا، حتى في أصعب اللحظات.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟