|
هواجس عن قراءات متعددة 386
آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8199 - 2024 / 12 / 22 - 09:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اعتقد أننا نقفز على الواقع، نبرأ أنفسنا من الطائفية وننسبها إلى غيرنا، هذا هو مرض بلادنا. بلادنا غارقة في الطائفية، منتجة لها. المكان الذي يتوجد فيه الدين آلاف السنين، بل أقل، لنقل مئات السنين لا يمكن أن يكون بريئا من العنصرية والطائفية. الدين مفهوم مريض، منتج للانقسام الاجتماعي والسياسي والفكري في كل اشكاله. وهذا الدين منتج لإنسان منقسم على نفسه، منغلق، مفكك، مسخ معاصر، ينظر إلى الآخرين على أنهم أقل شانا منه. المذاهب والطوائف خرجت من رحم الدين، لأن هذا الاخير عاجز، ينتج العجز. الدين كانتون، قوقعة مغلقة منتجة لقوى عاجزة ولناس عجزة. وبدلا من أن نرجم غيرنا علينا البحث عن مخرج. لا نزال نعيش في الماضي، في التاريخ المراوغ المزور الكاذب. يفترض على المثقف أن يفكك الطائفية والدين من أجل عالم أوسع بدلا من اعلاء شأن طائفة على حساب طائفة، وان لا نشكك بكل واحد ونرجم الأخر، ونبرأ أنفسنا من هذا المرض.
ما الذي جعل من الفيلسوف نيتشه المعتل جسديًا ونفسيًا، المريض بأمراض كثيرة: " صداع شديد اختلال توازن، غثيان وتقيؤ، حمى وتعرق ليلي، نوبات أعياء، اشمئزاز من الطعام، ألم معوي وتقيؤ دم، تشنجات معوية وأمساك حاد، بواسير، مشاكل بصرية إلى حد العجز، غباش في الرؤية وتدمع العين وحساسية شديدة أزاء الإضاءة، وتقلب في المزاج". هل هذه الأمراض كلها بالإضافة إلى السوداوية الشديدة واليائس، والرغبة في الإنتحار، الدافع وراء هذا الرجل الفذ إلى تكسير جميع الأصنام الحية والميتة، والإيقونات المرموقة القديمة والحديثة، والبحث عن مصادر القوة ليكون عليها الإنسان القادم؟ ما الذي دفع النازية أن تحول هذا الرجل المعتل إلى أيقونة لها ونبراس لحركتها؟ هل كانت تعلم في قرارة أعماقها أن أمراضها الداخلية هو الذي دفعها إلى التمرد على الضعف الكامن فيها؟
لا يستطيع محمد الشحرور الخوض في تاريخانية النص، لأنه سينزع عنه المقدس، وبالتالي سيكون هو ذاته خارج السرب، وهذا لا يريده. يريد الشحرور أن يبقى النص متأرجحًا، يلعب في جنباته أو ملعبه ويحقق المصلحة من استمرار الدين. أي أنه يسوق النص الميت على أنه حي يرزق، ولا يريد نسف مشروعه الذي يعتقد أنه مؤمن به. يريد أن يبقى الإسلام ميتًا عسى أن يتم احياءه في يوم من الأيام، وفي زمن أخر. مأساتنا أننا نكذب على أنفسنا لأننا جبناء ولا نملك القدرة على مواجهة الواقع والحقيقة. صحيح أن محمد شحرور كان توفيقيًا في فكره، بيد أنه حاول أن يحرك المياه الراكدة. بعد محاولته في، القرآن والكتاب، ستعود المياه إلى طبيعتها السابقة، إلى الركود أو اسوأ. الدين يأتي كتلة واحدة ويذهب كتلة واحدة، ويميل إلى التطرف في حال وجد الرعاية والحماية من السلطة. إن اجتهادات الشحرور ستذهب أدراج الريح في زمن ما بعد الحداثة المدمرة التي لا تبقي على أحجار المعبد أو المعابد كلها.
المصلحة تعني إغلاق جدارك بالكامل، وتحصين ذاتك من الاختراق، والانتقال للحركة واللعب في ملعب الآخر في سبيل تحقيق غاياتك المبتذلة كالكسب السهل والوصول إلى الثروة والمكانة والشرف القميء. ليس مهمًا سحق من يقف في طريقك، وليس مهمًا إن بعت أمك أو مؤخرتك أو شرفك من أجل تحقيق الغاية. السلطة عمدت على ترويج هذه العلاقات السوقية، السوق الاجتماعي الأسود، مستفيدة من الثقافة العامة السائدة التي تمجد الخضوع والابتذال والقبول بالرخيص والسهل، وتنغم على الذات الضعيفة، المهلهمة والهامشية في بناءها القائم على القبول بكل ما يقدم لها من فتات. الهم الشخصي طاغي في بلادنا وهو الأقوى، يجري السهر عليه في البيت والمدرسة والشارع، ويتغذى من السلطة حتى يبقى الفرد في بلادنا رخيصًا مبتذلًا في فكره وروحه. وإبقاء نفسيته ضعيفة وهشة ويقبل بسهول للإغراءات الرخيصة التي تقدم له ويستسلم لها بكل طيبة خاطر. ربما لا يوجد في بلادنا إلا القلة ليس في ذهنها وعقلها استعداد للقبول بما يقدم لها. والاستعداد لبيع نفسه وشرفه وتاريخه ووجدانه. ومن السهل على الحبيب رمي حبيبه عند مجيء أول خاطب دسم لديه المال، أو بيع الزوجة زوجها إذا قدم الآخر بعض المال، ومن السهل أن يغدر الصديق بصديقه إذا ارتأى الآخر أن مصلحته تتطلب بقاءه في موقع يريده. النفس الخنوعة الخاضعة، خاضعة دائمًا. ولا يمكن للإنسان المقهور أن يتحول إلى بطل ويخرج من أزمته وأزمة الثقافة التي شكلته إلا ببناء منظومة ثقافية آخرى. عمدت السلطة عبر التاريخ على تحويل البشر في منطقتنا إلى مجرد كركوزات فارغة من الداخل تريد استرضاء القوي لغايات البقاء على قيد الحياة. أغلبنا مستعد لبيع كرامته وحريته وشرفه ومبادئه وزوجته وحبيبه لإرضاء النفس الخنوعة الضعفية الكامنة فيه. البنية الأخلاقية لأي مجتمع هي التي تحكم نهوضه أو بقاءه في الدرك الاسفل. ولا يمكن لأي مجتمع أن ينهض بالناس المهزومة من الداخل.
عندما يتحكم دين ما في مجتمع ما، لا يستطيع أن يستمر في السلطة دون أن يفرض نفسه، سلطته عليه. الدين عار من الفكر، خال من القيم، أنه مجرد خواء، هو ليس هو، أنه يستند على ذات ليست ذاته، أنه مرقع نفسه حتى يخرج من جلده ليلبس جلد أخر، حتى يبقى على قيد الحياة. لا يستطيع الاستمرار، لأنه دون فكر، سيستمر بالقمع والسجون والنار. لن يستمر أحمد الشرع في السلطة مهما حاول، لأنه دون هوية سياسية منقذة، دون شرعية.
المسلمون يعلمون تمام العلم أن العلمانية تعني إدارة أنجع للدولة والمجتمع، لكنها تصطدم بالهوية. الهوية بالنسبة لهم تعني الإسلام، ويعرفون أنه سيفكك في ظل الدولة العلمانية وتعني مساواة المسلم مع غير المسلم في القانون وفي إدارة الدولة، وهذا لا يرغبونه أو يقبلوه. أنهم يخافون من الدولة العلمانية، لهذا يضعون الحواجز والمتاريس لحماية الدين من الهجمة الشرسة القادمة إليهم.
الائتلاف أصبح على الرف، الشرع رجل الولايات المتحدة الموثوق به على سن ورمح. وهذه الولايات المتحدة مستعجلة لتنفيذ أجندتها في المنطقة، فقد تخلصت من حماس وحزب الله وايران وسوريا، واليوم وضعت المداميك الحقيقية للشرق الأوسط الجديد. نحن أمام مرحلة جديدة، خلفيتها الإسلام السني، وقائدها الشرع، والمسلمين المتعطشين للسلطة. بركة الله وامريكا واسرائيل يرفرفون فوق سارية الأوطان، الخليج كله جاهز، سوريا، العراق، الاردن ولبنان وفلسطين، بقيادة الديك، إسرائيل. اعتقد ان المنطقة مهيئة للانتقال إلى مرحلة جديدة، ربما تكون حسب اعتقادهم أقل سوء من مرحلة الأسد. امريكا غيرت استراتيجيتها باتجاه التحولات العميقة.
الديمقراطية لم يعد لها سند سياسي أو اجتماعي، نراها اليوم تنحدر دون أن يقف أحدهم إلى جانبها لمد يد البقاء، وكأن هناك من يحاول أن يخرجها من السوق السياسي المحلي والعالمي. اكثر المتضررين من التحولات العالمية هي الديمقراطية، ربما ستتعرى قريبًا، لأنها انجزت مهام السلطة، وبدأت رويدا رويدا تقترب من احتكار الحقل السياسي والاجتماعي العام لمصلحتها، مما حول الديمقراطية إلى شاهد زور لممارساتها.
كيف لدولة، دول، منكفئة على نفسها، لا تملك من ذاتها إلا العنوان أن تتحول إلى دولة متعصبة تفضي إلى التحكم بالأخر؟ كيف لدولة منكفئة على ثقافتها، على ذاتها المتذرية، بفعل ضربات التحولات الكبيرة في العالم أن تعتد بوجودها الذي لم يعد لديه صلابة الوجود في ذاته السابقة أن يتصرف كأنه ما زال كما كان في سابق الأيام.
كل مفهوم ينتمي إلى نفسه وإلى نقيضه. والنقيض هو سحر الزمن والكون والأشياء المحيطة بهم الحب الذي يهزنا ويقلبنا من رأسنا على عقبنا، أنه ذاته يأخذنا من يدنا إلى البراري العذبة والعوالم الموحشة، وإلى عوالم لم نألفها. ففي ألمه لذة ووجع، ودونه لا نستطيع أن نبقى على قيد الحياة. ومعه وبه نرتعش ونضيع ونتوه ونفرح ونحزن. إننا نتقلب داخله فرحًا أو حزنًا وكأننا طير مذبوح من خارجه. إنها جدلية الحياة والموت والخلود. أبق ابن حلم، وأغرق داخله لتبقى طفلًا صغيرًا نضرًا
يبدو أن إسرائيل على مفترق الطرق، هناك صراع بيني في هذه الدولة، بين المغرقين في التدين والمتطرفين من جهة، والطرف الآخر. منذ أربع سنوات والقضاء يلاحق بنيامين نتنياهو، أنه يركض بأقصى سرعة للهروب من السجن، والقضاء يركض وراءه. لقد شكل موقع نتنياهو ووجوده في الدولة الإسرائيلية انقسامًا اجتماعيًا سياسيًا عسكريًا بين تيارين متصارعين، وكأن حماس على علم بهذه اللعبة في داخل إسرائيل وتعمل على تغذيته. نتنياهو لا يهمه إلا بقاءه السياسي ووجوده خارج السجن مهما كانت النتائج، وله انصار كثر، وهو السياسي المحنك، استخدم ولا يستخدم كل الالاعيب السياسية والحنكة السياسية للبقاء في السلطة والهروب إلى الأمام، وإطالة الحرب جزء من اللعبة، مما أدخل الدولة في عنق الزجاجة. في التاسع من ديسيمبر أطلقت حماس ثلاث أسرى إسرائيليين الذين لديها، دون معرفة الدوافع، عراة الصدر، ويحملون الرأية البيضاء، إلا أن الجيش الإسرائيلي قتلهم عبر القناص، حتى أن أحدهم لم يصب بأذى إلا أنهم قتلوه فيما بعد عبر أوامر من الضابط. السؤال: 1 ـ على ماذا استندت حماس في إطلاق سراح الأسرى، ولماذا، وماذا يحدث حقيقة؟ 2 ـ هل كان هناك تنسيق بين حماس وإسرائيل مسبقًا على قتلهم، وتحميل الجيش الإسرائيلي مسؤولية هذه الكارثة، وإذاعة هذا الخبر مرارًا وتكرارًا من قبل الناطق باسم الجيش الإسرائيلي المحسوب على نتنياهو؟ 3 ـ هل أراد نتنياهو أن يخلط الأوراق أكثر مما هي مخلوطة، عبر اللعبة القائمة، بحيث يزيح قادة الجيش من السلطة ومعهم المحسوبين على الطرف الآخر، بتحميلهم مسؤولية مقتل العساكر الثلاثة، وأن الجيش مخترق أو لا كفاءة عنده. الصراع بين العسكر وحكومة نتنياهو المتطرفة دينيًا أضحى واضحًا. نحن أمام صراع غريب بين طرفين متطرفين، يهودي ـ إسلامي، يتفقان على الهدم، ومختلفان على البناء.
لماذا الربا مرذول في الدين؟ لماذا لم يضاف إلى الوصايا العشر؟ لماذا لم يحرم العبودية، مثلًا بنص صريح وواضح؟ لقد حرم السرقة والكذب، لكنه أبقى على الظلم والاضطهاد. لماذا لم يحرم الحروب واستعباد الشعوب الأخرى، أو استغلال المرأة؟ الإنسان المعاصر أقل سوءا من الله وأنبياءه. أنبياء لا أباء لهم، ماذا نسميهم؟
قميص الشعوب أضحى أوسع من قدرة الدول على خياطته. أغلب المجتمعات السابقة على الحداثة كانت خام، مادة أولية. اليوم هذه المجتمعات، خاصة مع بداية القرن الواحد والعشرين، متحركة، مزعزعة، قلقة، بدأت تنفض عن نفسها الخمول، والجيوب العالقة فيها، نافضة عن نفسها الحدود والقوميات والأسوار والأوطان. في السابق كانت المجتمعات الخام، قنوعة، راسخة، ثوراتها محلية الصنع، مؤقتة، يسهل السيطرة عليها، ولم تبذل الحكومات أي جهود في ربط الناس باللحمة الدينية والقومية، بين أبناء المجتمع الواحد تحت إدعاءات كاذبة. اليوم، تتجه الشعوب نحو البحث عن الذات في الأخر، منطلقها غير معروف، لكنها تعاني من غربة، غربة ذاتية وموضوعية، ثائرة على كل شيء، ولم يعد أي شيء يقف في وجهها، وغير مقتنعة بظروفها وحدود بلادها، وغير مستعدة أن تضحي من أجل أوطان ميتة. وليس لديها فكر أو مفاهيم جاهزة أو ناضجة للجوء إليها لتحسين شروط وجودها. أنها تريد كل شيء، وليس لديها رؤية لهذا الشيء الدولة كمفهوم على المحك، ما زالت تعيش في الماضي، ليس في جعبتها أي خطة للإبقاء على الحدود والحواجز، وليس في ذهنها التفكير في الغد. أننا أمام سيل عالمي جارف يتجه نحو التدمير الذاتي، لأن الفكر غير قادر على قراءة الواقع العالمي، واستنباط الحلول لهذا السيل ولن يكون. كما أن الدولة لا تستطيع قراءة المستقبل، فليس في جعبها الحلول، سوء العنف، أو محاولة تدجين الناس، دون سماع أصواتهم في الحرية والمشاركة في الثروة العمومية. لقد تغيرت حياة الناس كثيرًا خلال العشرين السنة الماضية، والقادم سيكون أعظيم.
لماذا لم يمت الإله في البلدان الديمقراطية الناشئة كالهند والبرازيل واليونان وتركيا؟ لماذا توضع دساتير مدنية في هذه الدول، الإله فيها ميت، ويتم العمل بأخلاق مدنية من خارجه والإبقاء على أخلاق الإله الميت؟ ارتباط الأخلاق بالدين يفترض أنه أنتهى منذ أكثر من قرن، خاصة بعد قيام المؤسسات الفاعلة في الدولة والمجتمع، كبديل عملي وحقيقي وواقعي عن أخلاق قائمة على الرعي والزراعة، حيث البساطة والمسكنة والعلاقات الفضفاضة. أليست الأخلاق خاضعة للشروط المنتجة للواقع، للواقع الاجتماعي السياسي الاقتصادي؟ أليست الغايات هي التي توجه السلوك ومرتبطة بالواقع السياسي كبناء أعلى وموجه للمجتمع؟ لا يمكن للمجتمع المعاصر أن ينتج أخلاقه دون رافعة من داخله.
المغاربة أهدوا انتصارهم في كأس العالم للملك ـ شيء بيقرف. ناس عايشة عشرات النسين في الغرب، عادوا بخفي حنين لتقبيل يد أو قدم واحد مختل عقليًا وسلوكيًا. في المجتمعات القبلية، لا يمكن أن تتحقق المواطنة أو الحس بالمواطنة مهما طال الزمن. إن الإنسان في هذه البلاد مجرد تابع، من الرعايا الخانعين. في بلاد مشبعة بقيم بدوية، يرتد فيها الإنسان الى قبيلته او عشيرته او طائفته أو عاداته أو تقاليده أو دينه في كبسة زر. الانتقال الى مفهوم الوطن، والوطن للجميع، يحتاج الى عقل مدني متحرر من الحمولات الماضية، يؤمن بأن قيم الحق والواجب، أقوى وأبقى، من الانتماء الى تكتل مغلق/ المتكاتفون على الباطل قبل الحق/. إن التخلص من تلك القيم المأفونة، القيم المنغلقة على الذات الضيقة، القيم الماضوية، والحنين إليه، هي الخطوة الأولى، للمدنية، والدخول في العصر، وقبول الدولة الحديثة، بدساتيرها ومؤسساتها كالأحزاب والبرلمان وفصل السلطات. ما زلنا نعيش في عصر وزمن محمد وابو بكر وعمر وتوابعهم.
الفن هو رحلة البحث عن الذات المفقودة، عن الأحلام المؤجلة. إنه مغامرة العقل الأولى، مغامرة القبض على شروط الحياة وقسوتها وتجلياتها. يتناغم الفن مع الموهبة والتمرد، لمحاولة القبض على الزمن وتحولاه قبل أن يرحل ويتلاشى.
إحدى السيدات تواصلت معي قبل سنتين أو أكثر، طلبت صداقتي، ثم أرسلت لي رسالة، قالت لي أنها قرأت كتابي، الرحيل إلى المجهول، وأن الكتاب رائع بكل المقاييس. الحقيقة لم تكتب عن عملي سوى ثلاثة أسطر. نشرتُ النص دون ذكر الأسم، ثم أرسلت لها رسالة قلت لها فيها، أنني نشرت نصها. وظننت أنها ستشكرني، ردت علي كالكلب المسعور: أحذفه.. أحذفه بسرعة، المخابرات السورية يعرفون أسلوبي، من قال لك أن تنشره؟ قلت لها: لا تخافي، يوميا آلاف الناس يكتبون عن السجن. لديكم تصور خاطئ عن شكل الاعتقال. لديك ظن مرضي عن نفسك، وأن الدنيا كلها تراقبك. إذا أنت خائفة إلى هذه الدرجة لماذا تقرأين هذا النوع من الأدب، وتكتبين عنه؟ بصراحة أردت أن اتصرف معها دون لباقة، ثم قلت لنفسي: دعها وشأنها، أنها خائفة. ثم قلت لها: هل تقبلين أن أحذف النص وأحذف صداقتك. قالت: ـ نعم.. نعم، أحذف النص وأحذف صداقتي. أردت أن أبصق عليها، ثم عدلت عن فكرتي. كانت استفزازية بشكل غريب. قبل يومين، أول البارحة بالتحديد، أحد الأصدقاء أرسل لي غلاف كتاب، وجه وقفا، عن أدب السجون. قال لي: ـ هل قرأت هذا الكتاب، أخذته من مكتبة مدينتي في السويد، وأكيد أنه موجود في مدينتك؟ دققت في الأسم جيدًا، قلت لنفسي: ـ يبدو أن هذا الكتاب صدر باسم تلك المعتوهة. ما هذا التناقض يا إلهي. اللعنة عليك يا غبية. ورأيت أسماء أصدقاء لي كانوا معي في المعتقل. قلت له: اقرأ الكتاب، وشوف إذا كان اسمي جاء في متن الكتاب.
ليس لدي مشكلة مع الفنان الأردني أدهم النابلسي، سواء غنى أو ترك الغناء، هذا شأن خاص جدًا به. ما فعله هذا الفنان أمام الاعلام، أشعرنا أنه ضحى بفنه وهوايته ومستقبله الفني من أجل غاية نبيلة، بهذا أزاح المسؤولية عن نفسه، وحمله للمؤمنين بالله، يريد القول: إن هذا الفعل الجميل، أزيحه عن كاهلي وعنقي، وأضعه في أعناقكم أيها المؤمنين بالله. أنظروا أنني ضحيت بالغالي والرخيص من أجلكم، من أجل الله الذي تؤمنون به. هذا التسويق الرخيص للذات، فيه فوقية واستعلاء، وصية على الأخرين. يريد أن يلقن الناس درسًا في الأخلاق والمبادئ، لا يملكه إلا أدهم فقط. لقد نال هذا الفنان الترحاب والدعم من الكثير من الناس، وأصبح نجمنا المفضل عند الله والمؤمنين والناس أجمعين. نريد القول له وللذين يصعدون على كتف الدين، ويتاجرون به: كفى لعب بالمقداسات، أذهبوا وألعبوا بعيدًا عنه. لم نسمع أن القرآن حرم الفن أو الغناء، والدليل أن قصور الخلفاء كان مملؤءًا بالأقيان وضاربي الدف، والعزف على الآلات الموسيقية، وإلقاء القصائد والرقص والفقص. وكما نعلم، كان يتخلل ذلك، كؤوس تدور ورؤوس تدور، وأصوات ترتفع: هات كأس الراح واملأ الأقداح، اسقيني الراح وأفرح الارواح.
أغلبنا يخاف من النقد، من الرأي الأخر، نخاف أن تهتز قناعتنا بأنفسنا، بآراءنا وأفكارنا ورؤانا، لهذا نبتعد عن الناس المختلفين عنا في القناعات. لدى أغلبنا عدم الثقة بالنفس، لأن آراءنا غير متجذرة في أرض الواقع، لم تتمحص جيدًا عندما اعتنقناها، لهذا نغضب، نتوتر، نصرخ ونضرب الطاولة أو الكراسي. عندما ينقدنا أحدهم، نحزن على أنفسنا، نغضب، لأنها تعرت أمام الغرباء، وانكشف خواءنا وقلة حنكتنا وضعف حجتنا. وكأن الأخر عدو لنا في ساحة المعركة وجب قتله بكل الوسائل الممكنة، لنعود إلى أنفسنا سالمين غانمين ننزوي حتى لا ننكشف على العام أو العموم، حتى لا تبان شخصيتنا الحقيقية، نهرب إلى الصمت، إلى بيت السكون، نلجأ إلى خواءنا، نحتمي به، نفرح بجهلنا، نقيم حوارًا خاصًا مع أنفسنا الجاهلة، حوار من طرف واحد، نشعر أنفسنا بالأمان أن هذه النفس لم يمسها سوء، وأنها مرتاحة في خمودها. الشتائم، البعد عن الساحة، هو الوحيد الذي يهدأ خوفنا على هذه النفس التي تبقى في العماء بعيدًا عن اليد التي توقظنا.
يفترض أن يكون الرجل رومانسيًا، هذا حلمه، تكوينه كله يشير إلى هذا، فهو الصبي المتنقل من بيدر إلى أخر ومن شجرة إلى أخرى ومن غيمة إلى أخرى باحثًا عن الحب في الأخر، حاملًا قيثارته على كتفه، عازفًا موسيقاه كالمطر في كل مكان يحط فيه رحاله. جمجمته كلها ملونة بالعشق. يلعن الزمن الذي حول الرجل إلى مجرد بغل، وحول المرأة إلى مجرد بغي في المزاد.
من الصعب قراءة النص الأصلي أو العودة له او الانفتاح عليه أو تعريته. وإن مفسر النص كائن محنط، لأنه يدخل فيه، أو يغرق فيه، يستلذ في ديمومة الخداع الذاتي في هذا المكان المظلم، في محاولة البقاء او الخروج من الإطار التاريخي القديم له. من يفسر النص أو يؤوله، يغرق فيه، لإنتاج نص منحرف عن مساره، في محاولة منح أو إعطاء ديمومة الحياة له، بالرغم من أنه فقد صلته بذاته. أقسى ما يفعله النص بعد تحنيط القابض عليه، أنه يجبره على القراءة من خارجه، ومهما حاول اختراقه سيبقى في الطبقة الخارجية منه. لا يمكن الوصول إلى نواة النص مهما حاول الحفر فيه. النص منفصل عن ذاته، تماسكه جاء من خارجه، أي أن بناءه الداخلي عاجز عن التماسك.
المكان الذي يضع يده فيه، الرئيس أردوغان، يتحول إلى خراب. في العام 2012 وعد السوريين بأنه لن يسمح بتكرار تجربة حماه الأليمة، فتدخل في سوريا وأرسل مجهاديه إليها، فنشرت هذه المنظمات الموظفة الخراب والدمار في بلدنا، ففوت علينا فرصة مواجهة نظامنا السياسي، وسحب البساط من تحتنا بالتواطأ مع المجلس الوطني الذي كان يتزعمه برهان غليون وجورج صبرا وبدعم من الأخوان المسلمين وحزب رياض الترك، فخرج السوريين مشردين مكسورين مهزومين لاجئين جائعين دون مأوى أو حماية. وسعى مع روسيا وإيران والنظام القائم على ترحيل السوريين من ديارهم في ريف دمشق وحمص وبقية المناطق وجمعهم في أدلب. اليوم يتم ارتكاب إبادة بحق شعبنا في محافظة أدلب في ظل صمت أردوغان وزلمة من المعارضة السورية. أردوغان ترك الشأن السوري لروسيا والنظام وإيران وحزب الله، ومضى إلى ليبيا، ليعيد إنتاج الدمار والخراب فيها عبر دعمه لجهة ضد جهة، ونشر منظماته العسكرية الجهادية فيه لينهي ما تبقى من هذا البلد.
الإرهاب الذي تمارسه الدولة على المجتمع له صفة شرعية وقانونية وحماية من النظام الدولي كسلطة، أو بناء فوقي على الدولة والمجتمع في كل دولة من دول العالم. كل مجتمع يحاول أو يسعى إلى تغيير النظام السياسي في بلده، يتدخل النظام الدولي، ليكرس الأمر الواقع، بعد إعادة إنتاج النظام السابق بطريقة اسوأ مما كان عليه في السابق، بهذا المعنى يعمل النظام على حماية الطبقة السائدة التي هي خليط من اللصوص والمجرمين وقطاع الطرق. لقد وضع النظام الدولي نفسه فوق المجتمعات وأعطى لنفسه قيمة عليا ليست له، على أنه يحارب الإرهاب القادم من المجتمع، وأنه نقي ونزيه ويسهر على حماية نفسه من أي إنسان يفكر على عكس ما يريد. إنه يسعى على حماية نفسه عبر ربط العالم بشبكة من العلاقات القانونية والحقوقية، والمالية والاقتصادية وتعرية المجتمع من أي لحمة وطنية أو اجتماعية، والعمل على انفصال الدولة عن الشأن العام، لتتحول إلى مجرد طبقة بوليسية تتدخل لحماية النظام القائم تحت حجة محاربة الإرهاب. النظام الدولي سلطة سياسية واقتصادية واجتماعية، منفصل عن المجتمعات، يعمل على حماية أعضاءه في كل دولة، والسهر على تفكيك اللحمة الاجتماعية والأخلاقية والوطنية، وخصخصة الاقتصاد، وفصل كل دولة عن مجتمعها وجعلها بناء فوقي مهمته حماية حركة السوق والتجارة وانسياب البضاعة أثناء دخولها وخروجها بسهولة ويسر إنه يعمل بطريقة قريبة الشبه من الشبكة العنكبوتية. الدولة الاجتماعية أو الدولة الحاملة للهم السياسي والوطني أو الرعاية الاجتماعية أضحت من مخلفات الماضي أو في الطريق إلى تفريغها من عمقها الذي كان قبل نهاية الحرب الباردة.
اكتشاف الإنسان لجمال جسده، كان مدخلاً إلى عصر التنوير. بعد أن نزل أو هبط الإله الجميل إلى الأرض، وودع السماء، وأصبح منّا وفينا. ومن ذلك الحين، بدأ الجمال الأرضي بالتآلق والسمو.
الصفقة، بين روسيا وتركيا، لتبادل مناطق النفوذ في سوريا، أعطت نتيجة مضمونة، تسليم حلب للنظام بعد اتفاق المسلحين في تركيا مع روسيا في نوفمبر الماضي. تركيا لعبت احقر واحط الادوار في مصير ومستقبل سوريا وشعبنا، والنتيجة أو الفاتورة دفعها الناس العزل الذين يعيشون اليوم في العراء. أصدقاء سوريا أو ما يسمى أصدقاء كانوا الأسوأ، وكان حاملهم، المجلس الوطني ثم الائتلاف هما الأوسخ، بقيادة الأخوان المسلمين، وبقية الشلة.
هشاشة الدولة في البلاد العربية هي التي اوصلتنا إلى هنا. لولا ذلك لما نط على الحكم شلة عجيان تافهين, سطحيين, فارغين, لا ثقافة لديهم, لا هم وطني أو إنساني. ولا معرفة ولا أخلاق ولا مبادئ. ونهم وعشق للنهب والسرقة وتعويم الذات المريضة. يكفي أن يصل أحدهم إلى الحكم مدة قصيرة من الزمن حتى يعمل العمايل.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هواجس عن العلمانية والإسلام ــ 385 ــ
-
هواجس اجتماعية وسياسية عامة 384
-
هواجي عن سجن تدمر ــ 383 ــ
-
هواجس أدبية ودينية ــ 382 ــ
-
هواجس ثقافية ــ 381 ــ
-
هواجس عن الاستبداد والعلمانية 380
-
هواجس عن الاستبداد ــ 379 ــ
-
هواجس أدبية 378
-
هواجس 377
-
هواجس عامة وخاصة 376
-
هواجس عن سوريا اليوم 375
-
هواجس عن الاستبداد ــ 374 ــ
-
هواجس تتعلق بالتأويل ــ 373 ــ
-
هواجس تتعلق بسقوط بشار الأسد ــ 372 ــ
-
هواجس تتعلق بسوريا 371
-
هواجس تتعلق بسوريا 370
-
هواجس حول الوطن والغربة 369
-
هواجس أدبية وشخصية وعامة ــ 368 ــ
-
هواجس عن الدولة ــ 367 ــ
-
هواجس عامة وخاصة 366
المزيد.....
-
-لن نتصرف بمفردنا-.. نتنياهو: إسرائيل ستتحرك مع أمريكا ودول
...
-
-أيديكم ملطخة بالدماء-.. بلغراد تشهد أكبر مظاهرة مناهضة لفوت
...
-
المعارضة السلوفاكية تنتقد زيارة فيتسو إلى موسكو
-
ترامب: سنطالب بإعادة قناة بنما إلى الملكية الأمريكية بأسرع و
...
-
حاجة غير طبيعية.. إعلامي مصري يعلق على استيراد ثلاجات بـ 6.5
...
-
البيت الأبيض: إيران قد تسعى لامتلاك سلاح نووي بعد تقليص قدرت
...
-
مصرع 9 أشخاص جراء تحطم طائرة خاصة في البرازيل
-
إعلام فرنسي: من المتوقع الإعلان عن الحكومة الفرنسية الجديدة
...
-
بوشيلين: الجيش الروسي أكمل تطهير بلدة أنوفكا ومدينة كوراخوفو
...
-
ترامب سينشئ منظومة دفاع صاروخي جديد في الولايات المتحدة
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|