أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - نعمات قدورة: حينَ يَكتُبُ الحُزنُ تاريخاً!














المزيد.....


نعمات قدورة: حينَ يَكتُبُ الحُزنُ تاريخاً!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8199 - 2024 / 12 / 22 - 02:09
المحور: القضية الفلسطينية
    


في قلبِ الألمِ وأوجاعِ الفقدِ، كانت نعمات قدورة تسيرُ مثقلةً بجراحٍ لا تندملُ وذكرياتٍ لا تموتُ. من سحماتا في الجليلِ إلى مخيماتِ الشتاتِ، عاشت حياةً لم تمنحها سوى الألمِ، ولم تترك لها إلا بقايا حلمٍ وطنٍ مسلوبٍ. رحل عنها زوجُها أحمد شهيداً، تبعَهُ ابنُها عصمت، لتصبحَ وحيدةً في مواجهةِ حزنٍ يحفرُ في روحِها عميقاً كلَّ يومٍ. نعمات، تلكَ المرأةُ التي كتبَ الحزنُ تاريخَها، ظلت واقفةً رغم أنفِ الرياحِ، تحملُ في قلبِها وطناً وأحبّةً لم يعد لهم سوى الذكرياتِ وصورٍ لا تفارقُها. هذه حكايةُ امرأةٍ لم يترك لها الموتُ سوى الأسى، لكنها أبت أن يُسقطَها الانكسارُ، فقد كانت تحملُ قلباً من فولاذٍ وروحاً لا تنكسرُ، رغمَ أنَّ الحياةَ جرّعتها كأسَ الحزنِ أكثرَ من مرةٍ.

كلَّ لحظةٍ في حياتِها كانت مليئةً بالأوجاعِ، إلا أنَّ أشدَّ تلكَ اللحظاتِ قسوةً كان يومُ استشهادِ زوجِها أحمد في تلِّ الزعترِ. في ذلك اليومِ، كان قلبُها قد فارقَ الحياةَ، وحملَ جرحاً لا يمكنُ أن يلتئمَ مهما مضتِ السنواتُ.
تذكرتهُ في كلِّ لحظةٍ، في كلِّ زوايا البيتِ الذي كان ملاذاً للحبِّ، وأصبحتِ الجدرانُ شاهدةً على غيابِهِ.
ورغم أنَّ الحروبَ قد أخذتِ الكثيرَ، فإنَّ أكبرَ فاجعةٍ تلقتها كانت حينَ سقطَ أحمد شهيداً.
في كلِّ دمعةٍ سالت من عينِها، كانت تذرفُها على أحلامِها التي كانت تُنسَفُ واحداً تلو الآخرِ. كانت تُردِّدُ في نفسها أنَّ العزاءَ الوحيدَ هو أنَّ قلوبَهم ستظلُّ حيّةً ما دامت أرواحُهم طاهرةً، ولكنَّها تعلمُ في عمقِ قلبِها أنَّ البُعدَ عنهم كان يقتلُها ببطءٍ.

ما إن هدأت هزاتُ قلبِها، حتى جاءَ الحزنُ مرةً أخرى. كان عصمت، ابنُها البكرُ، هو من سلبتِ الحربُ روحَهُ بعد أن ارتقى شهيداً في مخيمِ شاتيلا. تركَ لها ذلك الفراغَ الذي لا يمكنُ لأيِّ كلمةٍ أن تعبِّرَ عنهُ، فكيف يمكنُ للأمِّ أن تتحملَ رؤيةَ حياتِها تتداعى أمامَها؟
كيف يمكنُها أن تقاومَ هذا الموتَ المتنقّلَ الذي لا يفرّقُ بين الأحبّةِ؟
كانت تبكيهُ بصمتٍ، لكنَّ في تلكَ الدموعِ كان يشبعُ قلبَها الوجعَ والحرقةَ.
لم تجد عزاءً في صمتِها، بل كان هذا الصمتُ يغتالُها أكثرَ. كيف يمكنُها أن تتابعَ حياتَها وكأنَّ شيئاً لم يحدث؟
كيف يمكنُها أن تستمرَّ في هذا العالمِ المليءِ بالظلمِ، وقد فقدت كلَّ من تحبُّ؟

كلما مرَّتِ الأيامُ، كانت ذكرى أحمد وعصمت تجتاحُ قلبَها، وكلما مرّت ذكرى لحظاتِهم معاً، كانت تزدادُ الحسراتُ وتنهارُ الأحلامُ.
كان أحمد، حينَ عاشت معهُ، يُمثّلُ لها الأملَ، وكان عصمت، حينَ كان في حضنِها، يُمثّلُ لها الحياةَ. واليومَ، أصبحا ذكرياتٍ، وأحلاماً ضاعفَها الوجعُ.

كانت تقولُ في نفسها: "أيُّ قوةٍ تستطيعُ مقاومةَ هذا الحزنِ الذي لا ينتهي؟"، ولكنَّها كانت تُدركُ أنَّ المرأةَ التي حملت وطناً في قلبِها، وأهلكت آلامَ اللجوءِ في روحِها، لا يمكنُ أن تنكسرَ. صمدت رغم كلِّ شيءٍ، ولكنَّ كلَّ خطوةٍ كانت بمثابةِ خنجرٍ يُغرسُ في قلبِها.
كانت تعيشُ بين جراحاتٍ متراكمةٍ، بين أسئلةٍ لا تجدُ إجابةً، وبين ذكرياتٍ تمزِّقُها أكثرَ.

ومع كلِّ يومٍ يمرُّ، ومع كلِّ ساعةٍ تقضيها في فقدانِ من تحبُّ، كانت تشعرُ أنَّ القلبَ أصبحَ أقلَّ قدرةً على التحمّلِ. كان الخوفُ يعتصرُها كلما فكَّرت في غدٍ جديدٍ، ولكنَّها كانت تعلمُ في أعماقِها أنَّ لا شيءَ يمكنُ أن يعيدَ ما فقدتْهُ. كانت حنجرتُها تختنقُ من الحزنِ، ولكنَّها لا تتركُ أملَها في أن تبقى ثابتةً، مهما كانتِ الرياحُ عاتيةً. كانت تعلمُ أنَّ الفقدَ لا يقتصرُ على الموتِ، بل على كلِّ شيءٍ ضاعَ بين يديها، على وطنِها الذي لا يزالُ بعيداً عنها، على كلِّ الأحلامِ التي انكسرت في معركةِ الوجودِ ، ولكن في كلِّ مرةٍ كان يطغى فيها الحزنُ على قلبِها، كانت ترفضُ أن تستسلمَ. لأنَّها كانت تدركُ، ولو في أعماقِها البعيدةِ، أنَّ الصمودَ هو ما يجعلُها تواصلُ العيشَ.

وفي حضرةِ نعمات الإنسانةِ، لا أنسى أبا الطيبِ المتنبي في قولتِهِ: "مَنْ يَهُنْ يَسهُلِ الهوانُ عليهِ، ما لِجُرْحٍ بميْتٍ إيلامُ".

كانت تلكَ الكلماتُ ترافقُها في كلِّ لحظةٍ، وكانت تردّدُها حينَ تشعرُ أنَّ الحياةَ قد سرقت منها كلَّ شيءٍ.

تظلُّ الذكرياتُ تقاومُ الزمنَ، ولكنَّها لا تنسى أبداً الألمَ الذي تركَهُ استشهادُ الأحبّةِ في قلبِ نعمات قدورة. تبقى دموعُها أصدقَ من كلِّ الكلماتِ، تسقطُ على صورِ زوجِها أحمد، وعلى وجهِ ابنِها عصمت، اللذينَ رحلا تاركَينِ خلفَهما فراغاً لا يُملأ. لا يمرُّ يومٌ دون أن تشتعلَ في قلبِها نارُ الحزنِ، ولا تمضي لحظةٌ إلا وتتذكّرَ تلكَ الوجوهَ التي فارقتها في معاركِ الأرضِ والحريةِ.
كان حبُّهما لها أكبرَ من كلِّ شيءٍ، ولكنَّ الموتَ أخذهُما، ليتركَا في قلبِها جرحاً لا يندملُ أبداً، وسراباً من الذكرياتِ لا يستطيعُ الزمنُ أن يزيلَهُ.

ها هي نعمات، تقفُ صامتةً أمامَ كلِّ هذا الفقدِ، لا تملكُ سوى الذكرياتِ التي تعودُ إليها كلما أغمضت عينيها، ولكنَّ رغمَ هذا الحزنِ العميقِ الذي يملأُ روحَها، تظلُّ قادرةً على رفعِ رأسِها، وكأنَّها تقولُ للعالمِ: "إنَّهم رحلوا، لكنَّهُم يعيشونَ في قلبي، في كلِّ خطوةٍ أخطوها، وفي كلِّ نفسٍ أتنفّسُهُ".
فماذا تبقّى من الحياةِ عندما يُصبحُ الموتُ أهونَ من فراقِ الأحبّةِ؟



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة: ملحمةُ الصَّبرِ والأَلمِ
- غزة.. صرخةٌ في وجهِ الخذلانِ!
- حين يُغتالُ الوفاءُ.. وخذلانٌ لا يُغتَفَرُ
- دورُ الرياضيات في التخطيطِ العسكريِّ لدى المقاومةِ الفلسطيني ...
- تاريخُ علمِ الرياضياتِ القديمِ وتطوراتهِ عبرَ العصورِ
- دورُ الرياضياتِ في تنميةِ المهاراتِ وصناعةِ المستقبلِ
- عز الدين القسَّام: ملحمةُ الشَّجاعةِ في وجهِ الخُذلانِ!
- غزّة بين جحيمِ ترامب وخذلانِ الأُمّة!
- خيانة الأمانة: غدرُ الأتراكِ بفلسطين!
- نزار بنات: شهيدُ الكلمةِ في لحظةِ غدرٍ!
- الخُبّيزة: وفاءُ الأرضِ وخذلانُ الذاكرةِ!
- على أرصفةِ الانتظار: حكايةٌ من الخذلان!
- ذَاكِرَةُ الغِيابِ!
- حِينَ تُعَانِقُ الظُّلْمَةُ بَرِيقَ الأَمَلِ !
- منير زيدان: الطبيب الذي جعل الإنسانية مهنته الأولى
- خضر محمد الأحول: وحلم العودة الذي لم يتحقق!
- أوراقٌ ضائعةٌ في صمت الذاكرة !
- طفلُ الشّتات: حكايات وطنٍ وحلمٌ لا يموت!
- رسائل الحنين إلى طائر الغياب!
- الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي: سلاح خفي في عالم ال ...


المزيد.....




- كيف ستساعد بقايا سيارة الـBMW بهجوم المشتبه به السعودي على س ...
- إسرائيل تواصل هدم وجرف المنازل والبساتين في الجنوب اللبناني ...
- حادثة بـ-نيران صديقة- تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحم ...
- الحوثيون يحذرون الدول من مساندة إسرائيل في غاراتها على اليمن ...
- الثاني في أسبوع.. زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزر فانواتو
- في ظل تهديد -وباء رباعي-.. المصادر الغذائية الرئيسية لفيتامي ...
- مباشر - سوريا: تركيا ستفعل -كل ما يلزم- إذا فشلت الحكومة الج ...
- عاجل | مراسل الجزيرة: 13 شهيدا جراء قصف إسرائيلي متواصل على ...
- الحوثيون يكشفون خسائر الغارات الإسرائيلية على موانئ الحديدة ...
- قوة متحالفة مع جيش السودان تسيطر على قاعدة -الزُرق- بدارفور ...


المزيد.....

- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - نعمات قدورة: حينَ يَكتُبُ الحُزنُ تاريخاً!