محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8199 - 2024 / 12 / 22 - 00:12
المحور:
القضية الفلسطينية
في أزقّةِ غزة، حيثُ الألمُ لم يعد طارئاً، بل صار رفيقاً يومياً، تنبضُ قلوبٌ أرهقتها الخيبات.
هنا، حيثُ الحياةُ تسيرُ على أنقاضِ الأحلامِ، والسماءُ تحملُ في سوادِها صرخاتِ أطفالٍ وشيوخٍ، تختلطُ مرارةُ الخذلانِ بطعمِ العيشِ القاسي، فتغدو غزة مرآةً لكلِّ جرحٍ عميق.
في كلِّ مرةٍ تُحاصرُ غزة، تُحاربُ دفاعاً عن الأمةِ، عن القدسِ، عن شرفٍ أضاعته عروشٌ خاوية.
تدافعُ بأرواحِ أبنائها، ببيوتِها التي تسقطُ تحت القصفِ، وبأحلامِ أطفالِها التي تحترقُ تحت الركامِ. لكنها تُصدمُ، ليس فقط بوابلِ النيرانِ القادمة من الأعداء، بل بحربٍ تُشنُّ عليها ممن ادّعوا يوماً أنهم سندها.
مؤلمٌ أن تُحاربَ الأعداءَ دفاعاً عن الأمةِ، فتجدَ الأمةَ تُحاربُك دفاعاً عن الأعداء.
هذا هو واقعُ غزة. الأمةُ التي تغنّت بالوحدةِ وصرخت بالشجاعةِ، أصبحت تُديرُ بوجهها عن الدماء، متناسيةً أن غزة جزءٌ من شرفِها. تُتركُ وحيدةً تواجهُ حصاراً اقتصادياً ونفسياً، وتحملُ عبءَ الحروبِ وحدها، وكأنها خارجَ دائرةِ الإنسانية.
غزة، وهي تدفنُ أبناءها، تُنَاجِي السَّماءَ
: لماذا نُتركُ لكلِّ هذا؟ لماذا نصبحُ الحصنَ الأخيرَ في وجه الطغيان؟
لماذا نواجهُ القصفَ وحدنا، والخذلانُ يُحيطُ بنا من كلِّ صوب؟
الخيانةُ ليست فقط في الصمتِ، بل في التبريراتِ التي تجعلُ القاتلَ بريئاً، والمظلومَ مداناً.
تُلقى الاتهاماتُ، بينما العيونُ تُغضُّ عن المشهدِ الحقيقي: شعبٌ يُسحقُ، أرضٌ تُنهبُ، وأحلامٌ تتبخرُ تحت الصواريخ، لكن رغمَ كلِّ هذا، يرفضُ الغزيونَ أن ينكسروا. هم يعرفونَ أن العالمَ اعتادَ أن يُشيحَ بوجهه عن الحق، لكنهم يُصرّونَ على المقاومةِ، لأنهم يعلمونَ أن صمودهم هو آخرُ ما تبقى من كرامةٍ لهذه الأمة.
في غزة، تجدُ الألمَ مطرزاً على الوجوهِ، لكنه يرفضُ أن يتحوّلَ إلى يأس. تجدُ المرارة، لكنها تُضيءُ بشعلةِ الأمل. وبين الخيبةِ والخذلانِ، تبقى غزة شاهدةً على أن الحقَّ قد يُخذلُ، لكنه لا يموتُ.
تظلُّ غزة تنزفُ بصمتٍ، تُحاربُ وحيدةً في مواجهةِ الأعداء والخيانة. تتناثرُ آمالها بين الركامِ، لكن عزيمتها لا تنكسرُ.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟