أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - رشيد عوبدة - الحضارة بين أثر الورق وسلطان الكود














المزيد.....


الحضارة بين أثر الورق وسلطان الكود


رشيد عوبدة

الحوار المتمدن-العدد: 8198 - 2024 / 12 / 21 - 21:50
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


في الألفية الرابعة قبل الميلاد، مع ظهور الكتابة لأول مرة في حضارات بلاد الرافدين، بدأ الإنسان رحلته في توثيق أفكاره وابتكار أدوات للتواصل تتجاوز الزمن. كانت الكتابة وسيلة لخلق التاريخ وحفظ الذاكرة، وأداة قوة في يد من يتقن استخدامها. وكما قال جورج أورويل: "من يتحكم بالماضي يتحكم بالمستقبل، ومن يتحكم بالمستقبل يتحكم بالحاضر"، فقد ظلت الكتابة عبر العصور رمزا للسيطرة وبناء السلطة. لكن اليوم، مع التحول إلى الرقمنة واختفاء الكتابة الورقية، نجد أنفسنا أمام نقطة تحول غير مسبوقة؛ فهل يشير هذا إلى نهاية مرحلة ثقافية أم إلى ولادة عصر جديد يعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والمعرفة؟ وهل ستظل قيم الإبداع والإنسانية قائمة وسط هذا الزخم الرقمي، أم ستختزل الهوية البشرية إلى رموز ومعادلات رقمية؟
مع هذا التحول المتسارع، يُتوقع أن تزداد سيطرة القوى التي تمتلك تقنيات التصنيع الرقمي، مما سيمكنها من احتكار تدفق المعلومات وإحكام قبضتها على مصادر المعرفة. هذا الاحتكار سيترك الدول المستهلكة لهذه التقنيات مكشوفة، أشبه بمنزل زجاجي في عالم رقمي بلا أسرار. وكما قد تتجسد رؤية ميشيل فوكو المستقبلية بأن "الهيمنة في العصر الحديث تبنى على امتلاك المعرفة والسيطرة على تدفقها"، فإن البيانات ستصبح المورد الأثمن والأسلحة الأشد تأثيرا. في هذا المشهد، تتحول المعلومات إلى أدوات دقيقة للإخضاع، بينما تجسد المخابرات الوجه الرقمي المعاصر لهذه السلطة، مهددة بإعادة تشكيل النظام العالمي وفق معايير القوة الرقمية.
في هذا السياق، تبدو التبعية الرقمية أشبه بسد ضخم يتحكم في تدفق المعلومات، حيث أصبحت المعرفة مورداً نادراً تسيطر عليه القوى الكبرى. الدول التي تحتاج إلى هذه المعلومات تجد نفسها مضطرة لدفع ثمن باهظ، مما يعمق التبعية ويهدد استقلالها الفكري والثقافي. ومع تقدم التكنولوجيا، يبدو أننا نقترب من عصر تختزل فيه هوية الإنسان إلى بيانات ومعادلات رقمية، فتفقد الإنسانية الكثير من جوهرها الإبداعي.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يستطيع الإنسان الحفاظ على دوره كصانع للمعاني ومبدع للثقافة؟ أم أن التكنولوجيا ستعيد تشكيله ليصبح مجرد جزء من نظام رقمي ضخم؟ الرقمنة ليست مجرد أداة للتطوير، بل هي قوة تعيد توزيع النفوذ والثروات بطرق غير متوقعة، وتغير شكل الحضارة.
نحن الآن في مفترق طرق: هل سنستخدم التكنولوجيا لبناء مستقبل يخدم الإنسانية، أم نتركها تسيطر علينا وتعيد تشكيل حياتنا؟ وكما قال هايدغر: "التقنية ليست مجرد أداة، بل هي طريقة جديدة لرؤية العالم، ومن يتحكم فيها يتحكم في المستقبل".



#رشيد_عوبدة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يوجد إعجاز علمي في القرآن؟
- تحولات الشرق الأوسط وصراع القوى الكبرى: قراءة في الهدنة اللب ...
- ماهية -الله- بين الاعتقاد والاقتناع
- احتياجات المغاربة بين التنمية والديمقراطية
- أزمة عقل ... أزمة قيم.
- منعطفات الظاهرة الحزبية المغربية: من التأسيس إلى الافلاس
- -حكومة التواطؤ الوطني-
- مقاومة المندوبية الاقليمية لإدارة التجهيز وإدارة المحافظة ال ...
- الانسان و البيئة : جدلية علاقة شبقية غاب عنها الحس الاخلاقي
- أسفي على آسفي
- على هامش تصريح الوزير -مبديع-: أزمة صناديق التقاعد مردها أن ...
- تأبين سي محمد اليمني بين لغز الموت و مطمح الخلود
- -الفساد- وسيلة لكي نجدد الايمان بالديمقراطية
- سلسلة مفاهيمية معقدة : النخب و النهب ... المجتمع و اللاأمن..
- على هامش تبني الوزير بلمختار-لنظام الأقطاب -: ليس كل قُطْب م ...
- من يستفيد من التستر عن المناصب الشاغرة بمؤسساتنا التعليمية ب ...
- عنوان درسنا اليوم : - الخرايف-
- الموت انبعاث... (حدث موت سي احمد الزايدي أحزن المغاربة فعلا)
- هل تخول صفة -رئيس جمعية المشرك بأولاد سلمان بأسفي- ارتكاب خر ...
- بكل موضوعية ... دعونا نحب وطننا


المزيد.....




- نقاش حول نافذة حافلة يتحول إلى طعن وقتل للسائق.. إليك كيف تع ...
- مشاهد لإقلاع مقاتلات أمريكية لضرب الحوثيين في صنعاء
- اقتياد منفذ هجوم ماغديبورغ إلى المحكمة
- الشرطة النيجيرية: ارتفاع عدد قتلى حادثي تدافع بمناسبتين خيري ...
- خامنئي يتهم أمريكا وإسرائيل بنشر الفوضى في سوريا ويؤكد: -الش ...
- -تهديدات وكلاء إيران لإسرائيل لا تزال قائمة في الشرق الأوسط- ...
- مكتب الهجرة بألمانيا: تلقينا العام الماضي بلاغا عن منفذ عملي ...
- عشرات القتلى والجرحى جراء استمرار الاستهدافات الإسرائيلية لق ...
- تركيا... اكتشاف حطام سفينة بعمر 1500 عام يضم أكبر شحنة خزفيا ...
- ارتفاع حصيلة ضحايا تدافع الأرز في نيجيريا إلى 22 قتيلا


المزيد.....

- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - رشيد عوبدة - الحضارة بين أثر الورق وسلطان الكود