آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8198 - 2024 / 12 / 21 - 16:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المسلمون يعلمون تمام العلم أن العلمانية تعني إدارة أنجع للدولة والمجتمع، لكنها تصطدم بالهوية.
الهوية بالنسبة لهم تعني الإسلام، ويعرفون أنه سيفكك في ظل الدولة العلمانية وتعني مساواة المسلم مع غير المسلم في القانون وفي إدارة الدولة، وهذا لا يرغبونه أو يقبلوه.
أنهم يخافون من الدولة العلمانية، لهذا يضعون الحواجز والمتاريس لحماية الدين من الهجمة الشرسة القادمة إليهم.
الائتلاف أصبح على الرف، الشرع رجل الولايات المتحدة الموثوق به على سن ورمح.
وهذه الولايات المتحدة مستعجلة لتنفيذ أجندتها في المنطقة، فقد تخلصت من حماس وحزب الله وايران وسوريا، واليوم وضعت المداميك الحقيقية للشرق الأوسط الجديد.
نحن أمام مرحلة جديدة، خلفيتها الإسلام السني، وقائدها الشرع، والمسلمين المتعطشين للسلطة.
بركة الله وامريكا واسرائيل يرفرفون فوق سارية الأوطان، الخليج كله جاهز، سوريا، العراق، الاردن ولبنان وفلسطين، بقيادة الديك، إسرائيل.
اعتقد ان المنطقة مهيئة للانتقال إلى مرحلة جديدة، ربما تكون حسب اعتقادهم أقل سوء من مرحلة الأسد.
امريكا غيرت استراتيجيتها باتجاه التحولات العميقة.
من منكم خال من ندبة عميقة، من جرح لم يندمل، من حب لم يكتمل، وحسرة على فقدانه؟
هذا الجرح لا يزال مغروسًا في مكان لا تطاله اليد، لا يمكن الوصول إليه، لكنه يطل بين الفينة والآخرى، يخرج من مكمنه ليذكرنا أن الوجع لا يزال قائمًا.
هذا الجرح خط سيره طويل طويل، سار عليه العظماء والمساكين، النساء والرجال، في الشرق والغرب، والشمال والجنوب، أنه الألم اللذيذ الباق في مكانه، يحكنا، يدغدغنا ثم يتركنا في وجعنا ويرحل.
الجرح الأول هو الأقسى، هو الندبة، يراه المستيقظ من النوم العميق، من أعماق الوجود، أنه الأجمل والأسمى والأكثر قهرًا، لأنه دخل على غفلة وخرج وباق.
الميثولوجية السومرية والاغريقية والرومانية والبابلية والفرعونية، متفوقة بامتياز على الخرافة القابعة في التوراة. ولا يمكن المقارنة، بين ذلك العالم الجميل، والشفاف، وهذا البعيد عن الاقناع.
لا أدري، كيف يمكن للمرء أن يقتنع، أن الإله، يمكن أن يكون قاتلًا أو حقودًا أو ساديًا أو عنيفًا. ويهزم في المعارك التي يخوضها.
كيف استطاع اليهود، أن يمرروا هذا الكتاب، ويقدموا انفسهم من خلاله، ويكسبوا احترام العالم لهم.
أين الخلل، هل هو في الكتاب، أم في الناس، أم هو رغبة في الالتفاف على الذات، والكذب عليها؟
حقيقة، أننا نقبع على ثقافة مريضة، ونحتاج إلى نفض كامل، لأننا جزء منها.
رئيس الحزب س دي السويدي، أو ما يسمى ديمقراطي السويد، لماذا لا تتكلم عن الخراب في مؤسسات السويد، وأن هذه الدولة لا زالت تنحدر يوميًا إلى الأسفل في كل مجالات الحياة منها عدم انضباط القطارات بالموعد المحدد لحركته؟
إن معالجة الفساد والخراب والتسيب وعدم احترام المواطن في هذه الدولة يعتبر من عاهات البلدان المتخلفة، عاهات البلدان المدمرة داخليًا بفعل فاعل، وانتقل إليكم.
إن الفوضى والخراب الذاتي سواء على مستوى الرسمي أو العام أو الخاص أصبح واضحًا، ولا يلوح في الأفق أية معالجة أو اهتمام في هذا الجانب.
صراع الحكومة أصبح ضد الوهم، ضد طواحين الهواء مثل دون كيخوتا وصديقه سانشا، للرائع سرفانتس.
دولة عدد سكانها عشرة ملايين، لا تستطيع ضبط الوضع الاقتصادي والاجتماعي الداخلي، ولا السياسي، ولا السيطرة على التضخم، بل مضت هذه الدولة على نهب المجتمع عبر البنوك، بحجة ارتفاع الفائدة في الولايات المتحدة.
احترموا أنفسكم يا حكومة السويد، والتفتوا إلى الوضع الداخلي بدلًا من تحميل الأجانب خراب نفوسكم وتسيبكم في كل المجالات.
أصبح في السويد محسوبيات، رشاوي، اختلاس، وضع الإنسان الخربان في المواقع المهمة للدولة، هذا أنتم يا حكومة تتحملوا مسؤوليته.
مسحت رأسي بيديها الطريتين وقربته من فخذيها، وأشارت إلى اللانهاية:
هذا الموضع اللذيذ سيبقى وجعك الدائم.
قلت:
ـ هذا الإغواء تجربة متجددة. إنه سيزيفنا الأبدي.
غير أن فكرة القبول هي التي ردتني.
وأضافت:
ـ أرحل عن هذه الأرض، هذا وذاك التلذذ، سبب لك صداعًا وألم.
أرحل.
أمعنت النظر في الوجود واللاوجود، وقلت:
ـ إلى أين؟ إلى من؟
الإنسان الكبير في السن يصبح أو يتحول إلى ما يشبه الطفل الصغير.
بل انه يتحول إلى طفل، يحب أن يلعب أو يحرك يديه وقدميه في الهواء، يضحك دون سبب يبكي دون سبب، متطلب، يرفض كل شيء، يريد كل شيء، اناني، جلق، يريد الاهتمام وتأمين طلباته ومتطلباته وحاجاته ومسايرته.
يريد أن تجلس معه طوال الوقت، تضحكه وتدخل السرور إلى قلبه حتى لا يشعر بالوحدة والفراغ.
الفارق بين الطفل والعجوز، أن الأول مقبل على الحياة والثاني يشعر أنه سيودع.
كلاهما لا تعرف ماذا يريد بالضبط، كلاهما وعيه ناقص، ويجب أن ترعاه.
بالطبع ليس الجميع.
الأمل، ذلك الصليب اللذيذ الذي نتمسك به، الذي يخفي الرغبات القادمة، الرغبات التي تدغدغ وجودنا الهارب، كطيف أو لمحة برق سريع لا يقف عند نقطة أو مكان، سرعان ما يغيب في ثنايا اللحظة التي خرج منها.
الأمل هو البديل عن الحقيقة، عن الواقع بكل ثقله وواقعيته، لولاه لتحولت الحياة إلى حمل ثقيل.
إنه يمنحنا حبًا لأنفسنا من خارجنا، ويمدنا بطاقة إيجابية عليا. إنه مساومة على الوجود، على الذات القادمة والراحلة، الذات الجميلة الشهوانية التي تريد الوصول إلى الغايات في الذات والأخر.
الأمل هو التعويض عن الهزائم سواء التي حدثت أو لم تحدث أو العملية، لإعادة إنتاج ذات أخرى في المستقبل.
إنه للتعويض عن الحرمان والفشل والهرب من المواجهة.
لا يوجد أمل دون وقائع، وأحيانًا خيالية، أنه نوع من التواطأ بين الذات الهاربة والواقع العائم والقاسي.
في العري نتطهر، نتعمد.
تعروا، ارموا الثياب البالية عن أنفسكم، أغتسلوا، أخرجوا للشمس لتراكم.
الكتابة تغسلنا، تعقمنا، وتضع البودرة المنعشة الحنونة على مناطق الرطوبة في أجسادنا.
البودرة تعطر أرواحنا، تعود بنا إلى طفولتنا المبكرة، تدغدغنا وتضحكنا كوليد جديد، سعيد بقدومه إلى الحياة.
الحب يجب أن يكون موظفًا مرتبطًا بالزواج، هذ أول درس سايكولوجي تعلمته في بدء عملي في السياسة عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري.
لقد جرى تحنيط الشباب الذين عملوا في صفوف الاتحاد الشباب الديمقراطي للشيوعيين، وجرى تحنيط الحب وربطه بمؤسسة مريضة جاءت من التاريخ القميء للحضارة الأبوية.
لقد استبدل الشيوعيون الدين التوراتي بدين على مقاسهم، وحرفوا السابق عليهم وألبسوه لأنفسهم.
لقد تعلمنا أن لا نضحك، أي يجب أن نكون جادين دائمًا، وأن لا نرقص أو نفرح لأننا منذورين للهم العام.
دخلنا بيت الكآبة الذاتية بقرار سياسي مسبق، بمعنى أن نسخر أنفسنا من أجل قيم عليا دون أن ننظر إلى أنفسنا ورغباتها وأمراضها وذاتويتها.
لم نستطع أن ننسج علاقة متوازنة مع فتاة في مثل أعمارنا، ولم ندخل عالمها ولم نفهم محيطنا.
كنا غائصين في أعماق ذواتنا ولا نرى هذا العالم إلا من داخل العالم السياسي المحنط الذي دخلنا فيه وفق رؤية مسبقة الصنع.
اليوم اعترف أنني نادم على أنني فقدت الحرية الشخصية، وليس لدي القدرة على الخروج من ذلك القيد وتلك الحمولات الثقافية المريضة التي ابتليت بها دون إرادة مني.
لقد قتلوا أجمل بذرة في الذات الطبيعية، بذرة الحب من أجل قيم عدمية.
لم استطع أن أرى هذا العالم من خلال نفسي الطبيعية وأنما من خلال الثقافة والفكر الذي شكله الأخر.
أي أن الرؤية المسبقة سبقتني وفكرت بدلًا عني.
وربما يوجد من أمثالي ناس كثر، وكل واحد وفق الأيديولوجية التي مسكت بلبه وعنقه
المشكلة أن النص الحقيقي يموت بمجرد أن يخرج من رحم أمه.
الولادة تكون لمرة واحدة، ولا ولادة تشبه أخرى
نقيض اللذة هو الألم.
في داخل كل لذة ألم، وفي داخل كل ألم لذة. ففي اللحظة الذي يشعر المرء باللذة يرافقه ألم، والعكس صحيح.
وفي الألم جمال وفي الجمال لذة، وفي اللذة جمال، وفي الجمال ألم، وكلاهما، الألم واللذة، مثيران يفتحان الباب على احتمالات واسعة وكبيرة.
والألم واللذة يوسعان الخيال ويبنيان عالم من الاحتمالات. وفيهما طاقات كامنة ورغبات واسعة، وفقدان للهوية.
لم تتحرر المرأة الغربية بإرادتها، فرضت عليها فرضًا.
أدخلت المرأة إلى سوق العمل عنوة، سواء برغبتها أو بالرغم عنها.
كان الرجل يعمل 18 ساعة في اليوم دون عطل أو راحة أو إجازات، وإذا مرض يرمى في الشارع.
هذا كان حال الرجل في القرن التاسع عشر إلى النصف الأول من القرن العشرين.
ولم يكن الرجل يستطيع إعالة أسرته أو دفع ايجار البيت وشؤون المعيشة والحياة.
شمرت المرأة عن ساعدها، ونزلت إلى العمل، كانت تعمل مثل زوجها حوالي 18 ساعة في اليوم.
ضاعت الأسرة تفتت وتفككت، وتشرد الأطفال، وتحولت المرأة مثل الرجل إلى رقم، شيء.
التغييرات التي طرأت على العالم أجبرت الدول الرأسمالية المركزية أن تأخذ المبادرة، تجبر الشركات على تحديد ساعات العمل ب 8 ساعات، ورفعت مستوى المعيشة وأدخلت جملة هائلة من القوانين لتحسين وضع الأسرة.
وكمان نضالات العمال والنساء والمفكرين الإنسانيين ساهموا في رفع شأن الحقوق الاساسية للناس في الولايات المتحدة وأوروبا.
وساهمت الثورات في أطراف النظام على الامتثال والخضوع لمطالب العمال وتحسين حياتهم.
طفل سوداني عمره ست سنوات فقط/ 6 / متهم بإزدراء الأديان، وتم فصله من المدرسة، لأن لديه أسئلة وجودية عميقة جدًا، ومنطقية جدًا:
هل الله موجود في الكواكب والنجوم؟
هل هؤلاء الذين فصلوا الطفل يخافون على الله أم من الله، أو على الدين؟
هل الله هش وضعيف إلى الدرجة ان طفلًا صغيرًا لا يقوى على الكلام استطاع هز عرش الدين، والعقول المتورمة بحب الله والغيب؟
هذه القصة تشير إلى مأساة هذه الشعوب الجاهلة الغارقة في الظلام، التي لا تريد الخروج من النفق، لدرجة أن طفلا صغيرًا هز عرشهم وعرش ربهم، وضعهم في خانة الدفاع عن النفس وعراهم بالكامل.
واحد يترك الغناء لأنه يبعده عن الله، وواحدة تافهة تقول أن الاحتفال بليلة عيد الميلاد حرام، مع أنه عيد عالمي لا علاقة له بالمسيحية، وطفل لم ينجو من غضب الأغبياء.
صرنا مهزلة في العالم كله، وفي الغرب نتبجح بأنفسنا على أننا أصحاب قيم ومبادئ وحرية
الإنسان كائن امتثالي يتقبل كل شيء من حاضنته الاجتماعية والثقافية ومن الوسط الذي يعيش فيه، ويتمثلها ويدافع عنها باستماتة وكأنها مسلمات ثابتة نزلت عليه أو علينا من السماء العالية، ولا تقبل التفكير أو المراجعة.
لهذا أوجدت السلطة أو الدولة عبر التاريخ الأيديولوجيات المرتبطة بالغيب على مدار التاريخ، لتنضيد المجتمع ووضعه كطبقة واحدة على الرف السفلي لها ليتم سوقه كالقطيع إلى المزرعة.
أنظروا كيف حول الإعلام فايروس كورونا البشر إلى كائنات مثبطة الهمة، خائفة، وحدانية، تعيش حالة التوجس والقلق من نفسها ومن الآخر، من الشارع، من المارة، من المحلات والأماكن العامة والخاصة، بعد أن تم زراعة السوداوية والشك بين الناس، مع أن هذا المرض أقرب إلى الأنفلونزا العادية.
وكيف فرقت الناس عن بعضها.
الثقافة والفكر والمرض صناعة، صراع بين ما نريد وبين ما يريدون.
لقد تم تسييس المرض وأعطاءه أبعاد أكثر من المرض نفسه. وكان بالأمكان تحذير الناس كل شهر مرة واحدة دون أن يتحول الأمر إلى وسواس قهري أدخل المجتمع العالمي كله في المصح.
للتذكير نقول أن الخوف والحساسية من أي المرض يدمر الجهاز المناعي للجسم، وأول من يمرض هؤلاء الذين لديهم وهم المرض.
الفيروسات موجودة وبآلاف الأنواع ومبعثرة في الهواء ونتلقاها يوميًا ولا حل لنا إلا بتحصين أنفسنا من الداخل بالمعرفة والعلم والحذر وليس بالخوف.
بعد أن خذلت، تركيا والخليج والمنظمات المسلحة، السوريين، الذين راهنوا عليهم.
وبعد أن دمرت حلب، وهجر أهلها وشرد سكانها، وعاش أغلب السوريين عار الجوع والبرد والتشرد والحرمان والخوف واللجوء والغربة والضياع، الا يحتاج هذا منّا ان نفكر بطريقة مختلفة عن السابق؟
الأن الساحة أضحت فارغة، وهناك ترقب لما ستؤول إليه الأمور
حان الوقت، أن يأخذ السوريين الغيارا، زمام المبادرة، ويركلوا الائتلاف والمجلس الوطني بأرجلهم ويرموهم في مزبلة التاريخ. ويبدأوا مرحلة جديدة من الصراع.
إن يستنبط السوريون أساليب جديدة في إدارة الصراع
بشار بن حافظ الاسد, معتوه ومجرم, عم يخرب البلد كله, الأبنية الأثرية, المساجد والكنائس, البيوت على سكانها, يقتل ويدمر, ويسحق تاريخ دولة ومجتمع, ومع هذا هناك مشجعين له يقدرون بأكثر من نصف السكان.
هل هذا معقول؟ أين الخلل؟ هل هو في المجانين الذين يقفون معه أم في المجنون الذي يقتلهم ويشردهم ويبيع مستقبلهم للمجهول؟
ماذا ترك هذا المهبول لنيرون؟
التصحر السياسي والفكري لا ينتج تنظيم منفتح وفكر منفنح. خلال سنة من عمر الثورة السورية الشارع يقدم التضحيات والمعارضة في مكانها أو في حالة تراجع. اغلب الذين تنطحوا لقيادة الصراع ليسوا على مستوى المسؤولية. البعض يحب الشاشات, والكلام المنمق والبعض واقف في الوسط والبعض مأجور من السلطة والبعض من الخارج وهكذا. لم نشهد صراعا فكريًا أو سياسيًا أو اجتهاد فكريًا او سياسيًا لقيادة البلاد كما حدث في الثورات الكبيرة في كل العالم. مأساتنا كبيرة كبيرة جدًا. بالتأكيد لا أتمنى أن يكون لدينا تنظيم حديدي موحد يجر وراءه الجميع كالخرفان ولكني أتمنى ان يكون هناك قدر كبير من الانفتاح للتعبير عن فكر حر. من خلال تجربتي أقول لست متفاجئًا من المعارضة, أعرفها جيدًا, خبرتها جيدًا, هناك ذاتية عالية, فوقية كبيرة جدًا, إحساس بأنهم كبار جدًا, هم وحدهم الفهيمن, العليمين, الاساتذة, المفكرين, العظماء. بمعنى نحن عينة مكملة للسلطة. والشارع سبقنا. المثقف السوري ضائع, لانه لم ينطلق من العام إلى الخاص. كان الهم شخصيًا وبقي شخصيًا وان كان البسها الكثير ثوب العام. ان وحدة الاراء ليس بالضرورة صحيحًا انما الاختلاف هو الصحيح ولكن على ارضية حمل الهم العام وليس الشخصي.
لدي قناعة كاملة لو أن حافظ الاسد كان نزيها, وغيورا على مصلحة سورية ومستقبلها ومستقبل أبناءها لكرهه الناس في بلدنا, ورجموه بالبيض والبندورة الفاسدة. ولما بقي في السلطة سنة واحدة.
لدينا مشكلة سيكولوجية مع الاستقامة.
في السويد ليس هناك مشكلة ابدًا أن تبني معبد, كنيسة, جامع.
الدولة تنظر إليهم كاستثمار, ربح لا غير. بدك مكان تصلي فيه وتتعبد, أذهب واشتري مكانًا لك, بيد أن عليك أن تدفع الضرائب. ولهذا الكثير من الكنائس سكرت أبوابها لقلة المصلين.
في السابق, معلمة اللغة السويدية, قالت وهي تفرك يديها بفرح:
ـ أبنتي ستتخرج كاهن, سيكون لها وظيفة, راتب.
الدولة العلمانية الديمقراطية ليس لديها مشكلة مع الدين. إنها تنظر إليهم كدافعي ضرائب ليس إلا؟
يذهب ليسمع ما يريد أن يسمعه. استعداده النفسي يسبقه. وما هو إلا كتلة خانعة, خاضعة, يتابع الكلمات التي سمعها من قبل, ويريد أن يستعيدها مرة ثانية, ليرمم العجز النفسي الكامن في داخله
كنت صغيرًا, في الرابعة عشرة من العمر, في ندوة للحزب الشيوعي السوري قبل الانقسام. جميع الموجودين جاؤوا ورؤوسهم تهز, إلى الأعلى والأسفل مع كل كلمة ينطقها المحاضر. عيد ميلاد خالد بكداش الستين.
وقتها, كان البعض يصحح أو يطلب القص أو يضيف ليكمل ما يقوله المحاضر. اعتقد لو أنه شذ سنتمتر عن النص لضربوه. جميع الموجودين كانوا يعرفون تاريخ زعيمهم عن ظهر غيب. وكم مرة بال خلال حياته.
إذاً لماذا جاؤوا إلى هذا المعبد ما داموا يعرفون النصوص المقدسة عن ظهر غيب؟
ربما نحن من منطقة نحب التكرار, ونخاف من الابداع والجديد.
ذكريات من راس العين
أخذت الأرض تفتح ذراعيها للأفق المستند على صوت النسيم وتلال السراب. ومضت الحصادة تتوغل في العراء كما لو أنها تبحث عن رفقة أو أصدقاء. وغافلنا الصدى. وبقيت عيناي حائرتان تتجولان في المدى. سعيد بما يحمله لي الغد من مفاجأت. فرح بتلقي كومة من الاحتمالات الغريبة القادمة التي ستحملها لي يمامة الدهشة فوق أجنحتها المفتوحة. أكثر الالتفاف يمينًا ويسارًا, وانحو نحو شهقة الأفق ليحمل في صدره سر جديد بين ضفتيه. نعم, أنها لحالة غريبة أن يختار المرء في عمر أقل من الحادية عشرة أن يكون في العراء بصحبة رجال وحصادة خرساء.
وسيطر صوت المحرك على أنفاسنا وفرق بيننا ومنع عنا التواصل أو الحديث. كانت سنابل القمح على طول المدى طرية, ناعمة تتمايل على الميلين بلونها المغمور وكأنها في ليلة زفافها.
التففنا إلى اليسار. ومضت الحصادة في طريقها تعن وتبكي وتقطع المسافات. اقتربنا من أرض مزروعة بالشعير. توقفنا في مكان فارغ تمامًا من الشجر والبشر والحيوانات. قال أنترانيك وهو جالس وراء مقود الحصادة وملتفتًا نحونا:
ـ لقد وصلنا إلى موقع العمل. سنحتاج إلى عدة أيام لنحصد هذه القطعة.
ثم نزل. ونزل الرجال وراءه. مد يده إلى باقة سنابل, قال:
سننتظر قليلًا, نفطر ونرتاح. السنابل رطبة, عل الشمس تمسح عرقها وتجفف شعرها.
نزلت ورحت أركض فرحًا مثل مهر صغير مقبل على الدنيا, مذهول ومبهور من الطبيعة الصفراء وجمالها على امتداد الفضاء الواسع وسط صمت مطبق. ودرت حول الحصادة فرحًا بالحصاد والابتعاد عن المدينة والحياة الروتينية . كنت أرغب أن أرى شيئًا جديدًا. أن ابتعد عن الأماكن المغلقة لاسرح في الفضاء الواسع بين الأفق وتلال السماء. مددت نظرت, رأيت الأرض مستوية كالكف, مثل جميع أراضينا في هذه البقعة من وطننا الجميل. كل شيء يشدني إلى المكان. والرغبة في الاكتشاف تجعل قلبي تواقًا لمعرفة المزيد.
مشيت عشرين خطوة إلى الأمام باتجاه الغرب رأيت طائرين بلون السنابل طاروا. صرخت بذاك الصوت:
ـ سرب قطا. قطا. أنظروا. أنظر يا عمو عزو, أنترانيك, إبراهيم. الطيور صفراء, مكتنزة اللحم. وعلى أجنحتهم الجميلة لون السنابل وبقع التراب. لم يكن الرجال مهتمين بالطيور والطبيعة ولم يفكروا كما كنت افكر. كانوا مشغولين بالحصاد والعمل. وكانوا يتأففون من ارتفاع الحرارة, خاصة عزو الذي كان أكبرنا. ورأيت حجرة سوداء بحجمي في مكان قريب. ذهبت لاستطلع. رأيت أرنب نائم تحت ظله. ما أن احس بوجودي حتى فز وفر هاربًا مثل الريح. وتحت سرب القطا الذي طار وجدت بيض على الأرض. كان المشهد في غاية الجمال والروعة. قلت:
ـ أنه بيض القطا مرمى بين الرزع. أنه طائر غبي يترك نسله لما هب ودب.
فرشنا الأرض طعامًا. زيتون وجبنه بلدية وباقسمة/ خبز مجفف يصنع خصيصًا للتحمل لأوقات طويلة جدًا/ وجمعنا بعض عيدان السنابل وشعلنا نارًا وطبخنا شايًا. كان الطعام طيب المذاق, لم أكل مثله طوال الحياة ربما لأنه جاء بعد جوع أو لأن البراري تضفي على الطعام طعمة الهواء النقي.
لم يكن مع الحصادة بيك آب تخدم العمل. ولم يجلبوا الجيب /الويلس/ لافتقدهم للمال لشراء البنزين أوقطع الغيار. وأبو ليفون متوجع من سلوك وممارسات ووضع أبنه الكبير ليفون الذي ذهب العام السابق إلى حلب لشراء دوالايب كبيرة للجرار الكيز 500. لكنه ذهب بالمال ولم يعد إلى هذه الساعة التي كنا فيها في الفلا. وبدلًا من أن يجلب الدواليب لخدمة موسم الفلاحة 1968ـ 1969 أخذ المال, 800 ليرة, مبلغًا كبيرًا وهرب بهم إلى البرازيل. غابت أخباره, وضربت أمه أخماس في اسداس خوفًا على أبنها البكر. وبقيت تنتظره ثمانية أكثر من سنة, بيد أن ذلك كان هباء منثورة.
كان موسم العام 1969 سيئًا. أمطار الشتاء قليلة. والأرض البعل تعتمد على الماء ورحمة السماء والطبيعة. والفلاح فقير, غير قادر على العطاء. لقد منحته حكومة الوحدة سابقا والبعث لاحقًا أرض صغيرة تحتاج إلى مستلزمات كثيرة لاقلاع الانتاج. كبئر ماء, ومحرك ديزل لاستجرار الماء, وقساطل وأدوات توصيل. كما يحتاج إلى جرار لفلاحة الأرض وركشها وبذارها وفي نهاية الموسم يحتاج إلى حصادة لحصد الموسم. ولأنه فقير ومعتر واتكالي ترك كل شيء للقدر. لقد أعاد نظام البعث باسلوبه الفوقي انتاج اشكال جديدة من العمل الانتهازي والارتزاقي. وحتى يتخلص الفلاح من احراجه التجأ إلى المزارع قال له:
ـ أيها المزارع, لقد منحتني الدولة أرضًا صغيرة, مئة دونم, مئتان, ثلاثمائة. ليس لدي الامكانات واللوازم للفلاحة والسقاية والبذار. أنت تقوم بكل هذه الخدمات ونتبادل المحصول بالنصف. رد عليه:
ـ تكرم يا صديقي. لك 45 بالمئة ولي 55 بالمئة. أنا سأشتغل وأعمل وأركض. أنت ماذا ستفعل يا فلاح؟
ـ في الشتاء لن افعل شيئًا. سأجلس بالقرب من المدفأة وأدخن. وستصنع لي زوجتي الشاي وتطبخ لي الطعام وفي نهاية كل موسم أما اتزوج امرأة جديدة أو اقتل خصمًا. لقد منحني الاصلاح الزراعي أرضًا لاعيش عالة على المجتمع, والاتكال على الله.
حقًا أنها لطريقة غريبة أن يشكل نظام البعث جيشًا من المتسلقين والاجراء لا هم لهم ولا غم سوى أن يراقبوا السماء ويتضرعوا إليها أن تمنحهم ماءًا حتى يبقوا أمنين في بيوتهم ومرتاحين من هم البحث عن عمل أو لقمة خبز فيها تعب.
ارتفعت الحرارة أكثر, واقترب الوقت من الحادية عشرة. لم تكن قافلتنا مزودة بمستلزمات العمل الميداني المتكامل مثل بقية قوافل العمل/ تسمى مصلحة/ في البراري, كالجادر او الخيمة التي تحمينا من الحر والبرد والحيوانات. كنا أربعة, انترانيك وعزو سائقا للحصادة وابراهيم الخياط, الذي في عينيه القليل من الحول ونقطة بيضاء على الطرف.
كنا نحمل طعامًا يكفي لمدة عشرة أيام, ساردين, طون, باقسمة. بيد أن في بقية المصالح لديهم خيمة, طباخ, لحم, تنحر الخراف وترسل السيارة إلى رأس العين وتجلب الكوسا أو الباذنجان أو البطاطا, بندورة , خضار وغير ذلك من مواد تخدم المطبخ ويوجد أيضًا معهم صهريج ماء يكفي لمدة اسبوع على أقل تقدير. مهمة الطباخ أن يجهز الطعام للسائقين القادمين من الخدمة او الذاهبين إلى الخدمة التي تقدر لكل وجبة ستة ساعات عمل. وهو الذي يوقظ السائقين والخياطين من نومهم ويجهز لهم طعامًا سواء بعد منتصف الليل أو أوله أو عند انبلاج الصبح.
باختصار كانت مصلحتنا اسوأ مصلحة في المنطقة. ونوع الحصادة هو ي الأسوأ في العمل.
في ظل المستبد عليك ان تتحول إلى مبولة لتفريغ حمولاته. ان تكيف اخلاقك وقيمك ومبادئك ومزاجك وأفكارك مع ما يريده هذا المعتوه التافه والرخيص. مضى علينا خمسين سنة نتحمل هذا القرف. لهذا عليه ان يرحل من حياتنا إلى الأبد لأننا لم نأتي إلى هذا العالم من أجل خدمته. من أجل الحياة يستشهد أبناء سوريا العظيمة.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟