عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 8198 - 2024 / 12 / 21 - 15:34
المحور:
كتابات ساخرة
أُمّي.. عندما تضيقُ بها الدنيا، ويحيقُ بها الهَمُّ، وتنظُرُ إلى هذا العالمِ، على وسعهِ، من خرمِ إبرة.
أُمّي هذهِ التي يحزنها أن ترى ابنها "البِكر" وهو يكبر أمامها، ويكبرُ، إلى أن يصبحَ في عُمرها تقريباً.. ومع ذلك فأنه ليس سوى ذلك "الأبلهُ التاريخيُّ" الذي أنجبتهُ قبل أكثرِ من سبعينَ عاماً.
أُمّي هذه، إذا لم تجد من تصبُّ عليهِ لعناتها "الكرخيّة" الباسلة في هذا الزمنِ المُرّ.. فإنّها تستدعيني، ولا أحد سواي من بين جميع الأبناء، وتفتَتِحُ لقاءها بي بعبارتها "الفلسفيّة" الفادحة: "شوف يَوَلّ".. لتسردَ عليَّ آخرَ تجليّاتها الصوفيّة في عزلتها المقدّسة.
أمّي هذه قالت لي قبل قليل: شوف يَوَلّ ..
إنّ الابنَ "العار".. يكونُ عادةً عاراً "خالِصاً" في الحالات الآتية:
- الابنُ الذي لا يموتُ مُبَكِّراً، ويعيشُ طويلاً من بين جميع الأبناء.
- الابنُ الذي يبقى في"الدار".. ولا يهاجِر.
- الابنُ الذي يبقى فقيراً إلى الأبد.. ويُفقِرُ معهُ أبناءه.
- الابنُ الذي لا يستطيعُ أن يكونَ "دجّالاً" و"مُرتَزَقاً"، في زمنِ الدجّالينَ والمرتزقةِ هذا .
- وأخيراً.. الابنُ "الجبير" الذي لا يأخذُ معهُ أُمّهُ أينما يذهبُ، و"يُوَلِّي"، ويتركها وحدها في مواجهة "الكَنّاتِ" المُتوحِشّاتِ، زوجاتُ صغارِ الأخوةِ.. الوغداتِ جداً.
وعندما قلتُ لها، أنّ من الصعبِ على ابنٍ لا يريدُ أن يلحَقَ بهِ هذا النوعُ الفريدُ من "العار"، أن يفي بهذه الشروطِ كلّها ليصبحَ "لا عاراً".. أجابت:
لهذا هو"عار".. وسيبقى كذلكَ إلى يوم القيامة.
وبعد تفكيرٍ "عميق"، اتّضَحَ لي، أنّني في شَرطَينِ من شروط أمّي (على الأقل)، لم أكُن عاراً "مَحضاً" فقط، بل كنتُ عاراً "خالِصاً" أيضاً.
تُرى بماذا يشعُرُ "صُنّاعُ العارِ" لدينا، وهم يواجهون اسئلةَ الناس، واسئلةَ العالم، بصدد تفاصيلِ عارهم "المحض"،عارهم "الخالِص".. في الجمهوريّاتِ والممالكِ و "الاقطاعيّاتِ"، وفي عمومِ البلدان التي أفسدوها، وفي كُلِّ المُدُنِ التي استباحوها، فما عادت صالحةً للسكَنِ والعملِ والعَيش، ولن تكونَ أبداً.. مُدُناً "فاضلة"؟
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟