|
كينونة الموجود في الفلسفة الوجودية
علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا
(Ali M.alyousif)
الحوار المتمدن-العدد: 8198 - 2024 / 12 / 21 - 14:06
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الموجود و الوجود ثمة مقولة في الفلسفة الوجودية تذهب الى (ان الوجود يسبق الماهية) طبعا هنا المقصود بالوجود في العبارة هو الموجود الانساني الارضي وليس الوجود الميتافيزيقي المجرد المطلق كمفهوم. وخطأ العبارة الوجودية ان الموجود الانسان وجوده يرتبط بماهيته ارتباطا وثيقا لا فكاك منه ولا تمييز بينهما يدركهما العقل كموضوعين منفصلين. بمعنى لا الموجود الانسان يكون موضوعا منفصلا عن ماهيته التي هي الاخرى ليست موضوعا ايضا. بمعنى حسب تعبير سارتر الانسان كينونة مستقلة موحدة ليس موضوعا. فالموجود ونعني به الانسان أينما وردت اللفظة في المقال وليس الانسان بالمفهوم الميتافيزيقي(وجودا) إنما يدرك الموجود بصفاته الخارجية فقط وليس بماهيته التصنيعية ذاتيا المحتجبة خلف تلك الصفات. والمقصود بالماهية المصنّعة انها مشروع بناء الموجود لماهيته او جوهره الخاص به. ماهية الانسان تختلف عن ماهيات الاشياء فماهية الانسان ليست جوهرا ثابتا بل هي صيرورة مشروع بناء الذات من الخبرة التراكمية النوعية المكتسبة بالتجارب الذاتية للموجود. الموجود الذي يدرك ذاتيته كمتعين انطولوجي بكليته الكينونية الواحدة هو ذات موجودية بالصفات الخارجية المدركة والماهية معا. الماهية المدّخرة في كينونة الموجود الانسان هي سيرورة من تصنيع الذات لنفسها يقوم بها الفرد يتعذّر ادراكها لسببين الاول انها أي الماهية جوهر ذاتي فرداني استبطاني صرف والثاني انها صيرورة من البناءات الذاتية التي يقوم الفرد بها. أما الماهية أو الجوهر في الاشياء والموجودات باستثناء الانسان فهي ماهية ثابتة وتكون معطى يتبع الصفات الخارجية لتلك الكائنات كما هي في الحيوان والنبات وبعض الاشياء والمدركات المادية الاخرى. وغالبا ما تكون الصفات الخارجية هي جوهر تلك الكائنات والموجودات من غير الانسان كما في الحيوان فهو موجود بلا ماهية. وتنكر الماركسية على الانسان انه يمتلك ماهية او جوهرا استبطانيا وانما تعتبرالانسان كينونة موجودية موحدة. في حين نجد الوجودية تؤكد الانسان موجود يمتلك ماهية كما ذكرنا هي ليست معطى فطري بيولوجي بل هي مشروع تصنيع تطور الذات بالخبرة التراكمية يقوم بها الفرد مدى حياته.. اود التنبيه أن الدارج في ادبيات الفلسفة عموما ما عدا الوجودية أن الوجود يسبق الفكر. وليس الوجود يسبق الماهية كما وردت في اسطر سابقة. ولو قالت الوجودية وجود الموجود يسبق ماهيته لكان ذلك مقبولا نسبيا وليس صحيحا تماما ايضا. والسبب عدم الاخذ بنظر الاعتباران موجودية الموجود لاتنفصل عن ماهيته او جوهره والتراتيبية في الاسبقية بين الموجود كينونة جسمية والماهية كجوهر مصنّع تعبير مغلوط ايضا.. واستعمال لفظة الوجود بدل لفظة الموجودات يتقدمها الانسان خطأ فالوجود مفهوم ميتافيزيقي وليس مصطلحا يمكن ادراكه كموضوع. الوجود يشير الى مطلق ميتافيزيقي لانهائي ازلي لايحيط به العقل أبدا بينما الموجود هو كينونة الانسان الارضية وتشمل ايضا كائنات الطبيعة وعالمنا الخارجي التي هي موضوعات العقل. ماهية الانسان معطى فطري أم مشروع بناء خبراتي مكتسب؟ ماهية أو جوهر الانسان هي مشروع بناء لتوكيد ذاتية الانسان المتفردة من جانب وتحديد (الهوية) الموجودية الجوّانية الاستبطانية للفرد غير المدركة إلا من ذاتها فقط. ماهية الانسان هي ليست صفاته الخارجية وليس الانسان ماهية او جوهرا مستقلا بمعزل عن الجسم. الانسان كينونة موحدة تتوزعها صفاتها الخارجية المدركة وعالم داخلها الجسدي الذي تحكمه غرائز واحتياجات البيولوجيا الحيّة في ادراك موجودات واشياء العالم الخارجي. واشباع الغرائز الفطرية واحتياجات الجسم الداخلية الاستبطانية. الانسان كائن موجود يعي ذاته والمحيط وليس موضوعا لكن من المهم جدا تاكيد ان الانسان موجود انطولوجي يمتلك ماهية غير منفصلة لا عن الذات ولا عن الجسم. ماهية الانسان أو جوهره هو مجموع مايكتسبه من خبرة تراكمية نوعية تمّثل كل اشتمالات اكسيولوجيا القيم غير المنظورة بغير دلالاتها السلوكية لفرد موجود ضمن مجتمع. منها على سبيل الاستشهاد وليس الحصر ضمير الانسان , شرفه, سلوكه الاخلاقي, ايمانه بمباديء معينة, حريته, وعيه الزمن, وتشكيل نفسيته, الحب, الخ الخ. هذه المفردات وغيرها هي جوانب وخصائص وابعاد غير قابلة ان تكون موضوعات مادية واقعية لتفكير عقلي بها وانما هي تجليّات سلوكية بالحياة مصدرها الذات والنفس.. الماهية عند الانسان هوية انفرادية لا يدركها غير صاحبها كموضوع لانها صيرورة بنائية من تراكم معرفي وخبراتي غير ثابتة. وعبارة سارتر وفلاسفة آخرين(الانسان ليس موضوعا) صحيحة وصائبة. سارتر وتحقق ذاتية الموجود يستعير سارتر بمواربة خفيّة لكنها حدسية واضحة مقولة سورين كيركجورد الاب الروحي للوجودية المؤمنة غير الالحادية مفادها في تعبير سارتر (الانسان الوجودي ناتج عملية قذف نفسه نحو ما ليس بموجود). وهي رؤية فلسفية صرفة وجودية في تحقيق وجود ميتافيزيقي ذاتي غير متحقق واقعا. قذف الانسان نفسه حسب تعبير سارتر بالمطلق غير الموجود انما يقصد به قذف الانسان نفسه بالوجود المطلق الميتافيزيقي لكي يحقق موجوديته الذاتية الوجودية غير الدينية كما يرغب سارتر. سورين كيركجورد بخلاف سارتر كان يتوخي من ناتج قذف الانسان نفسه في مطلق وجودي ايماني مصدره القلب وليس العقل كفيل بتحقيق موجوديته الايمانية في وجود الخالق وليس إثبات موجودية الفرد انطولوجيا. موجودية ايمانية قلبية روحانية يمتلكها الفرد لكنها ليست ميتافيزيقية كما يرغبها سارتر. بل هي واقعية عند سورين كيركجورد. سورين كيركجورد كان سبق سارتر تحت وطأة ايمانه الديني انكاره العقل أن يكون منهجا بالوصول الى الايمان بل كي يوقف الانسان قلقه الوجودي الميتافيزيقي الذي يتقاذفه الشك الايماني يتوجب عليه أن يبطل منهج العقل المادي. سورين كيركجورد على خلاف سارتر اراد من عملية قذف الانسان نفسه بالمطلق الوجودي هو بغية توكيد الانسان وجوده الايماني الارضي وليس تضييع موجودية الانسان الارضية في متاهة اللاوجود الذي يرغبه سارتر. كان سارتر يبغي من قذف الانسان نفسه باللاموجود بالنسبة للذات وليس في الوجود المطلق اللانهائي الازلي الذي تكون نتيجته خلاص الانسان من كينونة قلقه الوجودي الارضي. الحقيقة التي لم تفصح عنها عبارة سارتر هي ان اللاموجود هو الوجود المطلق اللانهائي. سورين كيركجورد أراد اثبات وجود الخالق في القاء الموجود نفسه بالمطلق الميتافيزيقي وليس اثبات الوجود الانطولوجي للفرد ميتافيزيقيا بل اثبات وجوده انطولوجيا إيمانيا ولو انه أي كيركجورد اشترط إلغاء منهج العقل للوصول الى الوجود المادي – الروحي الايماني. وليس قذف الانسان نفسه روحانيا في مطلق سديمي يسمى اللاموجود كما اراد سارتر. سارتر وكتابه نقد العقل الجدلي سارتر رغم تنكره للماركسية وانكاره انضمامه للحزب الشيوعي الفرنسي الا انه بقي تفكيره الوجودي المادي الجدلي مرجعية اقرب اليه من ميتافيزيقا الفلسفة الوجودية. سارتر اراد الالتفاف على الماركسية في محاولته تطعيمها ومزاوجتها بافكاره الوجودية ولم يفلح لسبب بسيط أن ماركس كان أخرج الفلسفة من تحت عباءة التجريد الفلسفي الذي صرفت الفلسفة جهودا وآمادا طويلة في محاولتها تفسير العالم وليس كما المطلوب تغييره فعمد ماركس الى إدماج الفلسفة بالاقتصاد السياسي لكي يجعل قوانين الجدل الديالكتيكي حقائق تحكم المادة والتاريخ واقعا وليس فلسفة على مستوى التنظير غيرالواقعي في تغيير العالم. فكانت قوانين ديالكتيك المادة والمادية التاريخية الماركسية. وبذلك اوقف ماركس ديالكتيك هيجل المثالي المقلوب ومادية فيورباخ الصوفية أوقفهما كلتاهما على اقدامهما بدلا من رأسيهما. كتاب سارتر نقد العقل الجدلي مهّد الطريق امام فلاسفة البنيوية التوجه نحو الهجوم الشديد على السردية الماركسية الكبرى التي استهدفتها منطلقات الهجوم على الحداثة باسم مابعد الحداثة. فقام كل من شتراوس وفوكو والتوسير بتناول كتاب راس المال والديالكتيك الماركسي بمفاهيم حاولت سلخ ماركسية ماركس من عمودها الفقري المنسوب لها بحيث تكون تلك المؤلفات ماركسية بلا ماركس وماركسية خيالية فلسفية ليست واقعية بلا كتاب راس المال. فهم سارتر للذات والعالم الخارجي ذكر سارتر عبارة فلسفية رشيقة في كتابه نقد العقل الجدلي (معنى العالم متوقف على, مادام العالم في ذاته خلوّا من كل معنى وانا الذي اخلع عليه كل ما له معنى.). سارتر يقصد بالانا ليس ذاته هو بل المجموع البشري. طبعا هنا سارتر لا يتعامل مع العالم المادي انه بلا معنى بل يقصد هنا لامعنى ميتافيزيقا الوجود. من منطلق الوجود مفهوم مطلق وجوديا أي ليس موضوعا. فلا يمكن أن يكون عالمنا الخارجي بموجوداته ومكوناته وكائناته من ضمنها الطبيعة ليس لها معنى. وهو يحتل مكانة مركزية في معالجة الذات وعلاقتها بالعالم الخارجي. صحيح تعبير سارتر اننا نخلع على عالمنا المعيش معانيه وتجلياته الظاهرية والمدّخرة من خلال موجوديتنا ضمن مجتمع لكنما العالم يسبق في وجوده المادي الادراكي وعينا به. والعالم اذا كان المقصود السارتري به هو الوجود الميتافيزيقي بلا معنى فيكون هذا الخلو من المعنى مستمدا من عجز وعينا وادراكنا التفكيربه إلماما تاما بغير آليات انضباطية تمنع تفكيرنا من انسيابية الضياع في متاهات المطلق الوجودي الذي تسبح فيه الذات بلا ادراك منها ولا معنى تبتغيه. أما إهمال الوجودية علاقة الذات بالطبيعة في موجوداتها وتكويناتها بإعتبارهما – الذات والطبيعة - موجودين مستقلين ومنفصلين عن بعضهما فهي من المحال أن لا تكون العلاقة بينهما علاقة ارتباط تخارجي معرفي متبادل في كل ماله معنى يجمعهما. وحين ينقد سارتر الجدل الديالكتيكي وينكره تماما باعتباره تضليل فلسفي خادع على صعيدي المادة والتاريخ وليس له وجود نجد رغم اقراره الواضح هذا فهو يقول ( علينا التسليم بأن في المادية التاريخية نجد التفسير الوحيد الصحيح لحركة التاريخ ) 1. سارتر يقع غفلا أو تغافلا مقصودا في تعامله مع الموجود المادي وليس مع ميتافيزيقا الوجود كمفهوم مطلق. فالفعل الانساني عنده مثلا (لم يعد مجرد نشاط ذاتي يقوم به الموجود لذاته من أجل حريته في وجه حرية الاخرين. بل اصبح الفعل نشاط مادي واقعي يقوم به كل كائن اجتماعي تاريخي يعمل على تغيير عالمه محاولا صبغ الطبيعة بصبغة انسانية) .2 وفي نفس المنحى المادي الوجودي لدى سارتر فهو يعتبر محاولات الذات التعالي المستمرعلى نفسها الوجودي في توقها الوصول للافضل ويصف عملية التجاوزفي سعي الذات بناء تجديداتها التراكمية بقوله ( لم تعد عملية التجاوز عملية ذاتية زئبقية يقوم بها الموجود لذاته في سعيه المستمر وراء تحقيق ذاته, واصبح هذا السعي هو تحقيق الوجود خارج الذات). 3 تحقيق الوجود خارج الذات هو تحقيق خروج مفارق متعال تراندستاليا على الذات التقليدية في نوع من انقلابية الذات على وجودها. وهي العلاقة التي يستشعرها المتمرد على وجوديته المتعالية على ذاتها التي لا يمكنها الاستغناء عن الاخر من البشر ومن موجودات الطبيعة ايضا في تعالقها الموجودي معها. تحقيق الوجود الانطولوجي للانسان خارج الذات كما يقول سارتر استحالة موجودية ولا يمكننا تصور ان يستطيع الانسان الانفصال عن ذاته في كل الاحوال. سارتر والانسان المادي على ما يذكر دكتور زكريا ابراهيم أن سارتر في كتابه الضخم (الوجود والعدم) لاقى انتقادا على اهماله حقيقة الانسان موجود تاريخي. ما حدا به تدارك هذا الاهمال مؤكدا البعد التاريخي للانسان في كتابه نقد العقل الجدلي قائلا (الانسان موجود تاريخي). وأضاف سارتر اكثر قائلا الانسان موجود مادي يحيا في وسط عالم مادي يريد تغييره وتغيير ذاته وما ينشده في كل لحظة انما رغبة الوصول الى تنظيم جديد للكون مركزه وضع جديد للانسان . 4 المادة في نظر سارتر ليست مجرد امتداد محض بل هي حقيقة بشرية لا تكتسب كل خصائصها الا بفعل الانسان. ولا يكفي ان نقول مع الوضعيين ان البشر اشياء. بل لابد ان نضيف الى ذلك ان الاشياء تتميز بطابع بشري. والانسان هوتلك الحقيقة المادية التي تتلقى المادة عن طريقها شتى الوظائف البشرية. 5 تعبير سارتر بهذا الاقتباس كان نوعا من التبسيط الذي يكرر بديهيات الحياة مثل قيمة الشيء تكون بعلاقة الانسان به بالاستخدام وليس المعرفة به وقد اخذ هيدجر هذه البديهيات وضمنها كتابه (الوجود والزمان) مثل قوله اهمية المطرقة هي في مسك اليد لها واستعمالها الوظيفي.وما هو الجديد بذلك وأي نوع من فلسفة يحتويها.؟ معلوم بداهة أن الآلة وظيفة لا قيمة لها من غيرعلاقتها الاستعمالية من قبل الانسان. يجري سارتر على نفس منوال الحشو اللغوي الذي اشرنا له فيعقد مقارنة سطحية جدا بين دور العامل الاقتصادي في الماركسية ودور الوجودية التي تريد فهم الانسان بابعاد اكثر شمولية من الاقتصاد وصراع الطبقات قائلا:( الوجودية تحاول ان تبحث عن الانسان اينما وجد فتهتم بدراسة عمله وعلاقاته العائلية وعقده النفسية وصلاته الاجتماعية وحالته المادية وظروفه الاقتصادية وغيرها بينما تكاد الماركسية أن تقتصر على تفسير الانسان بالرجوع الى حالته الطبقية ووضعه الاجتماعي.6. هذه التهمة الملتصقة بالماركسية فنّدها عشرات المفكرين الماركسيين وأول من فنّد هذه المثلبة بالدفاع عن الماركسية انها تعنى بالانسان من كافة مناحي حياته هو انجلز مؤكدا أن البعد الاقتصادي الذي يمثل محورا مركزيا في تناقض مصالح الطبقات الذي يعطي دفعا للتاريخ أن يتقدم ليس هو العامل الاقتصادي الوحيد في دراسة وجود الانسان وأنما هناك عوامل بنى تحتية تنفرز عنها بنى فوقية كلها تعمل مجتمعة بتداخل وتخارج معرفي واقعي متكامل في دراسة أهمية تحقيق مصالح وسعادة المجتمع والانسان.. الحقيقة التي يتجاهلها المكابرون في نقد الفكر الماركسي عن غير فهم صحة وصواب مقولة أن دور العامل الاقتصادي في حياة المجتمع والانسان دورا مركزيا يتقدم جميع العوامل الاخرى هي صحيحة تماما. إذ انت حينما تقضي على فقر الانسان تجد ان الكثير من المتعالقات الاخرى بحياته تنحل وتتلاشى ذاتيا لانها عوامل ثانوية ونتائج عرضية لكارثة الفقر بالمجتمع والفرد الذي يعتبر برنارد شو الفقر هو ام كل الرذائل. واستطيع القول إعطني انسانا مكتف ذاتيا باموره الحياتية الاساسية في مقدمتها العمل والاجور وحالته المالية المؤمنة في تقاعده أعطيك مجتمعا مرفها سعيدا بجميع أفراده في كل مناحي الحياة.
معارضة سارتر لديالكتيك الطبيعة معارضة سارتر لوجود ديالكتيك يحكم التاريخ ذاتيا مسالة لم يكن سارتر الوحيد الذي عارضها وشخصّها ولم يكونوا من اصحاب الايديولوجيا الراسمالية. برأيي الشخصي الاجتهادي أعيد بهذا المجال ما سبق لي تناوله في مقالات غير هذه أن الديالكتيك الذي يحكم المادة والطبيعة والانسان اصبحت اليوم غير كافية لتفسير التطور التاريخي إن لم يكن الديالكتيك في المادية التاريخية بدعة تجاوزها الزمن.. وحين أعرض وجهة نظري بضوء ادانة سارتر لعبارة انجلز العمومية بابتذال فكري قوله (يوجد قانون عام يحكم كلا من الطبيعة والتاريخ والفكر هو الجدل الديالكتيكي .). أنا مع رسالة سارتر التي بعث بها الى روجيه غارودي قبل إسلامه وخروجه من الحزب الشيوعي وهذا قبس منها ( لو اننا نظرنا الى الماركسية على انها الاطار الشكلي لكل فكر معاصر لكان بامكاننا القول انه ليس في وسعنا تجاوزها. وانا اعني – الكلام لسارتر – بالماركسية تلك المادية التاريخية التي تفترض وجود ديالكتيك باطن في التاريخ, لا المادية الجدلية التي تحلق في سماء الاوهام الميتافيزيقية فتظن انها قد اكتشفت ديالكتيك في الطبيعة. لكن من المؤكد عدم وجود ذرة من اليقين حول هذا الامر. وتبعا لذلك فالمادية الجدلية مجرد حديث خاو مليء بالادعاء والتكاسل.) 7. سنوضح في سطور قادمة صحة ماذهب له سارتر عدم وجود ديالكتيك يحكم المادية التاريخية. ونحن بدورنا نثني على ذلك مؤيدين. الماركسية والوجودية بتاثير من الخلفية الماركسية التي رافقت فلسفة الوجودية لدى سارتر فقد حاول ادماج الوجودية بالماركسية في محاولة استيلاد (فلسفة مركبة ثالثة) خالية من المادية التاريخية وخالية من كتاب راس المال. وباءت جهود سارتر بالفشل. وسلم الراية بعد افول نجم الوجودية نهاية عقد الستينات من القرن العشرين لفلاسفة البنيوية الشابة التي هاجمت بشراسة الماركسية والعقل والانسان والتاريخ وكل ماله صلة بالحداثة الاوربية التي اعقبت الخلاص من مآسي القرون الوسطى. كما هاجمت البنيوية السردية اللاهوتية الدينية وجاء كل ذلك باسم افكار مابعد الحداثة. فانبرى كل من شتراوس والتوسير وفوكو وجيل ديلوز مهاجمة كتاب راس المال والمادية التاريخية والديالكتيك بضراوة. وهاجم جان لاكان علم النفس الفرويدي. وتوجه دي سوسير نحو مهاجمة تاريخ الفلسفة باسم التحول اللغوي وفلسفة اللغة ونظرية المعنى التي شكلت بتاريخ الفلسفة إنعطافة عظيمة في مباحث الفلسفة عامة.
الجدل الديالكتيكي حقيقة ماركسية ام بدعة هيجلية؟ في اسطر سابقة ذكرت أن سارتر سخر من قانون المادية التاريخية (الديالكتيك) واعتبره بدعة خلوا من المعنى لا حقيقة موجودية له. وهو أي الديالكتيك من اختراع هيجل المثالي. وقبل اطلاعي على افكار سارتر هذه فقد كان لي نفس المنحى في مقال منشور لي قبل اكثر من سنة ذهبت فيه الى ان الديالكتيك الذي يحكم التاريخ حسب الماركسية هو تضليل عقلي تاريخي فلسفي قام به هيجل لا صحة واقعية ولا تاريخية له. وتبناه ماركس على انه حقيقة وقانون طبيعي يعمل ذاتيا بعيدا عن رغائب الانسان وتدخلاته وفي مايلي ادرج اسباب لماذا اعتبرت انا الديالكتيك هراء فلسفي كما ذهب وسبقني فيه سارتر. - اولا من المحال تاريخيا ان يكون التطور التاريخي محكوم بمسار احادي يسمى الديالكتيك. وقوانينه الثلاثة العامة انما هي مقولات فلسفية لاواقعية مستمدة من ادبيات فيزياء الطبيعة الكلاسيكية ولا علاقة لها بتحديد مسار التقدم التاريخي المتطور الى امام. وكذا الحال فالديالكتيك لا يحكم الطبيعة التي تحكمها القوانين العامة الثابتة. - لا يوجد مسار خطي تقدمي تاريخي تتخلله طفرات نوعية محكومة بديالكتيك توجبه الضرورة الملزمة والحتمية التطورية. فالتاريخ وقائع تستوعب التنظيرات وليست النظريات تحتويه وتسيّره كيفما تشاء. الديالكتيك ليس قانونا عاما يعمل بقواه الذاتية بمعزل عن تدخل ورغائب الانسان اكتشفته الماركسية. فمسارات التاريخ التقدم الى امام متعددة متنوعة لا حصر لها. - التاريخ وقائع تلعب الصدف والعشوائية وغير المتوقع حدوثه دورا محوريا فيه. وكذلك غياب مراحل ساكنة من التاريخ يعجز الديالكتيك تحريكها. هذه القطوعات المراحلية في تغييب مراحل من التاريخ او في غيابها الذاتي من الحضورإنما هي نتيجة عوامل موضوعية واخرى عوامل خاصة بالتاريخ نفسه تعتمل داخل الوقائع التاريخية وتمنعها من الحضور في أوانها. - اختراع هيجل لخرافة الديالكتيك المثالي هي من التجريد الفلسفي البعيد جدا عن المادة والطبيعة والتاريخ ولم يكن هيجل يؤمن بحدوثها نتيجة عوامل ذاتية واخرى عوامل موضوعية ثانوية مساعدة. بمعنى هيجل لم يكتشف قوانين الديالكتيك بل هو اخترعها فلسفيا واسقطها على التاريخ رغم مثاليتها الفجّة. - أهم ابتذال فلسفي وقع به هيجل حول اشكالية الديالكتيك وكنت ذكرتها في مقال سابق لي منشور هو مقولته الساذجة ان العقل البشري خاصيته الديالكتيك بالفطرة البيولوجية لتكوين العقل وخصائصه. وهذه السمة الديالكتيكية للعقل هي التي تجعل من تفكير العقل جدليا في المادة والتاريخ والحياة. ما يترتب عليه ميكانيكيا في هذه الخاصية العقلية الجدلية للعقل بالفطرة انها تحكم الطبيعة والتاريخ والمادة بخاصية قانون الجدل الديالكتيكي العام. طبعا اكتفي بالقول لا يوجد مثل هذه الخرافة الفلسفية ان العقل الانساني بطبيعته جدليا سوى في تفكير هيجل فقط.
الهوامش 1. د. زكريا ابراهيم /درسات في الفلسفة المعاصرة ص 485 2. نفسه اعلاه ص 479 3. نفسه اعلاه ص 483 4. نفسه اعلاه ص 480 5. نفسه اعلاه ص488 6. نفسه اعلاه ص 486 7. نفسه اعلاه ص 488
#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)
Ali_M.alyousif#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جبرييل مارسيل الوجود الانساني بين الذات والجسم
-
افكار وجودية عرض نقدي
-
لماذا اصبح الايمان بالله ضرورة!؟
-
المعرفة المعطى الفطري والخبرة المكتسبة
-
الوعي والخيال
-
الوعي بين النفس والوجود (1)
-
الارادة الوعي القصدي والموضوع
-
القوانين الطبيعية والانسان
-
قراءة في رواية معطف احفاد السيد غوغول
-
مالبرانش وحدة الوجود والايمان
-
شوبنهاور وبؤس الفلسفة
-
تحقيق الوجود بالتفكير
-
اثنتان وثلاثون شذرة فلسفية
-
الوعي في متناقضات فلسفة الظواهر
-
الموضوع الوعي القصدي والصدف الغفل
-
طبيعة الادراك في الفلسفة
-
شذرات فلسفية نقدية عن اللغة
-
الوجود وتعبير اللغة التجريدي
-
هيدجر وفوكو والتزام عالم الجنون
-
الابستمولوجيا في الفلسفة الحديثة
المزيد.....
-
الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب
...
-
منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي
...
-
إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي
...
-
ألمانيا تكشف هوية منفذ هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ، وتتوعد
...
-
إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ حوثي
-
شولتس يتفقد مكان اعتداء الدهس في ماغديبورغ (فيديو+ صور)
-
السفارة السورية في الأردن تمنح السوريين تذكرة عودة مجانية إل
...
-
الدفاع المدني بغزة: القوات الإسرائيلية تعمد إلى قتل المدنيين
...
-
الجيش الروسي يدمر مدرعة عربية الصنع
-
-حماس- و-الجهاد- و-الشعبية- تبحث في القاهرة الحرب على غزة وت
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|