أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهجت العبيدي البيبة - ألمانيا في محنة: بين جراح الإرهاب وصوت الضمير














المزيد.....


ألمانيا في محنة: بين جراح الإرهاب وصوت الضمير


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8198 - 2024 / 12 / 21 - 11:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وسط صخب أضواء عيد الميلاد التي تلألأت لتبدد ظلام الشتاء، جاء هجوم دامٍ ليغتال فرحة الأبرياء في أحد أسواق ألمانيا. عمل إرهابي وحشي تجاوز حدود الإجرام إلى قاع الكراهية، ليكشف عن عقول تجردت من الإنسانية، وأفكار تبرر العنف بكل ما أوتيت من مغالطات وتحايلات.

إذ كيف لإنسان أن يقف متفرجًا، بل مدافعًا، عن مثل هذه الجرائم؟ أي منطق مشوه يمكن أن يبرر سفك دماء أبرياء، لم يكن لهم من ذنب سوى أنهم عاشوا لحظة فرح تحت سماء السلام؟ إن أولئك الذين يسعون إلى صبغ هذه الجرائم بذرائع اجتماعية أو سياسية هم إرهابيون في جوهرهم، يشتركون مع مرتكبي الفعل الإجرامي في زعزعة أركان الرحمة، وفي تشويه قيم الإنسانية.

إن الإرهاب ليس فعلًا يولد فجأة في قلب الإنسان، بل هو نتيجة لسنوات من التلقين الممنهج، والتعرض لأفكار مشوهة تتغذى على بيئة تعاني من الانغلاق الفكري والتهميش. في كثير من الأحيان، يبدأ هذا الفكر في التشكل عند الأفراد الذين يشعرون بالعزلة النفسية أو الاجتماعية، سواء في بلدانهم الأصلية أو في بلاد المهجر. وحين يجد هؤلاء العزلة متنفسًا في جماعات تدعي أنها تقدم لهم المعنى والهدف، يتحول الانتماء إلى هذه الجماعات إلى مصدر زائف للقوة والهوية.

ولكن المدهش هو أن نرى أشخاصًا مثل الأطباء والمهندسين، الذين تلقوا تعليمًا جيدًا، وعاشوا في الغرب حيث الحريات والفرص، ينجرفون نحو هذا الفكر المدمر. كيف يحدث ذلك؟ الجواب يكمن في هشاشة الروح أمام الأيديولوجيات المتطرفة التي تقدم نفسها كحقيقة مطلقة، وكمنفذ لتجاوز الإحباطات الداخلية.

لنتأمل قليلاً: كيف لطبيب، درس سنوات طويلة ليكرس حياته لإنقاذ الأرواح، أن يصبح أداة لإزهاقها؟ هذا التحول المأساوي ليس إلا انعكاسًا لانفصال الفكر عن الروح. عندما يفتقد الإنسان إلى إحساس حقيقي بالمعنى، تتحول المعرفة إلى سلاح، ويصبح التعليم حبرًا على ورق.

يحدث ذلك عندما يُزرع في عقل الإنسان منذ الصغر تصور مغلوط عن الدين والحياة، وحين يستغل دعاة الكراهية هذا التصور لملء الفراغات النفسية والعاطفية، فيقدمون له “غاية عليا” متمثلة في الانتقام أو تحقيق العدل الوهمي. ينجذب أولئك الذين يعيشون صراعات داخلية إلى هذه الرسائل، ليس لأنهم مجرمون بطبيعتهم، بل لأنهم يشعرون بالخواء الذي يملأه التطرف بشعارات كاذبة وأوهام كبرى.

إن الجرائم الإرهابية التي تُرتكب على الأراضي الغربية تكشف عن غياب عميق لقيم رد الجميل. لقد فتحت ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية أبوابها لآلاف المهاجرين المسلمين الذين فروا من جحيم الحروب والفقر والاضطهاد، ووفرت لهم الأمن والعيش الكريم. فلقد قدمت هذه الدول فرص التعليم والعمل والرعاية الصحية، واحتضنت من كانوا يبحثون عن الأمان والاستقرار.

أليس من الواجب أن يكون رد هذا الإحسان شكرًا وعرفانًا، بدلاً من جزاء يهدد أمن هذه الشعوب؟ “وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟” إن الرد على من مد لك يد العون بجريمة إرهابية هو قمة الجحود وانعدام الأخلاق.

إن ألمانيا، على وجه الخصوص، كانت واحدة من الدول الرائدة في استقبال المهاجرين المسلمين، متحملةً أعباءً اقتصادية واجتماعية هائلة. فلقد وقفت في وجه تيارات سياسية داخلية مناوئة للهجرة، وصمدت أمام الضغوط، لتثبت التزامها بالمبادئ الإنسانية. ومع ذلك، هناك من يصر على تشويه هذا الجميل بجرائم تستهدف أمن وسلامة مواطنيها.

إن من أكثر الحجج تكرارًا لتبرير هذه الجرائم البشعة هي موقف الغرب من القضايا العربية والإسلامية، وخاصة دعمه لإسرائيل. ولكن هل يمكن استخدام هذا الموقف كذريعة لقتل أبرياء لا علاقة لهم بأي صراع سياسي؟

إن من يتخذ هذا الموقف لتبرير الإرهاب يتجاهل حقيقة أن هؤلاء الضحايا لم يكن لهم دور في صنع السياسات الدولية. هم أناس عاديون، يعيشون حياتهم بعيدًا عن أروقة السياسة، يحتفلون بأعيادهم، ويبحثون عن السلام. كما أن الرد على الظلم المفترض بظلم آخر لا ينتمي إلى أي منطق إنساني أو ديني.

إن الإسلام الذي يدعي هؤلاء أنهم يدافعون عنه، هو دين يحض على العدل والتسامح، لا القتل والتدمير. كما أن مقاومة السياسات الدولية لا تكون باستهداف المدنيين الأبرياء، بل بالحوار والعمل السياسي المشروع الذي يهدف إلى بناء المستقبل، لا هدم الحاضر.

فلتكن دماء الأبرياء التي أريقت جرسًا ينبهنا إلى خطورة التخاذل أمام خطاب الكراهية. ويجب أن نحارب الفكر المتطرف بالكلمة الصادقة، والتربية الصحيحة، وإحياء قيم رد الجميل التي تنبع من صميم كل الأديان والثقافات.

إن بناء عالم أفضل يبدأ من الاعتراف بالجميل وتعزيز روح التضامن. ولا يمكن لأي ذريعة، مهما بدت مُقنعة، أن تبرر إزهاق الأرواح البريئة. لنقف جميعًا ضد هذا الفكر المدمر، ولنحيي شعلة الإنسانية التي تُنير طريق المحبة والسلام.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعمال العقل في النصوص الدينية: بين نور الفكر وظلام الجمود
- مصر والجائزة الكبرى في مخطط الشرق الأوسط الجديد
- اللغة العربية: بين عظمة الإرث وتحديات العصر
- قراءة في خريطة الصراعات العالمية والإقليمية: مستقبل العرب وم ...
- العقل النقدي بين “حرية العقل” وتحقيق “دويتشه فيله”: معركة ال ...
- الذكاء الاصطناعي: شريك الإنسانية في غزو المستقبل واستكشاف عو ...
- الفوضى الخلاقة: معارك عربية بين الانهيار والصمود
- في الوفاء نكتب: قيمة إنسانية لا تموت
- التاريخ بين الحقيقة والتحريف: دعوة لدراسته بمنهج علمي موضوعي
- الحب.. بوابة العروج إلى السماء
- حرية العقل وبوصلة الفكر: التعليم في مواجهة الفوضى الكبرى
- قراءة في قرارات القيادة العامة السورية: رؤية شاملة لمستقبل ج ...
- سوريا بعد سقوط الأسد: تحديات ومطامع
- سوريا بعد سقوط النظام: تحديات المرحلة المقبلة بين مطامع الخا ...
- وهم هاتف تسلا الرخيص ومعاناة الفقراء
- اهتمامات الشعوب بين العالم العربي والغرب: قراءة في أولويات ث ...
- في أسر الأسطورة: العقل العربي والإسلامي بين الماضي وتحديات ا ...
- في العالم المتقدم: الحسد خرافة تم تفكيك أسطورتها
- العقول التي صنعت المجد: العلماء والفلاسفة والأدباء قادة الحض ...
- إنترنت الأشياء: عصر جديد من الترابط الذكي في حياتنا اليومية


المزيد.....




- بعد ثلاثة أيام.. العثور على ركاب الطائرة المفقودة في كامتشات ...
- الشرع وفيدان.. اللقاء في دمشق
- وسائل إعلام: وفد سعودي يلتقي بقائد الإدارة العامة السورية أح ...
- ترامب وعد بأن يتم الاعتراف بجنسين فقط في الولايات المتحدة
- أوربان: أوروبا خسرت الصراع في أوكرانيا بالرغم من محاولات إنك ...
- ماسك يعرب عن استيائه من الإنفاق الأمريكي لتعزيز قدرات الناتو ...
- ستالين والعراق.. ومن بداية النشاط الاستخباراتي إلى إقامة الع ...
- الرئيس الإماراتي يلتقي نظيره البيلاروسي في أبوظبي
- -لن نتصرف بمفردنا-.. نتنياهو: إسرائيل ستتحرك مع أمريكا ودول ...
- -أيديكم ملطخة بالدماء-.. بلغراد تشهد أكبر مظاهرة مناهضة لفوت ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهجت العبيدي البيبة - ألمانيا في محنة: بين جراح الإرهاب وصوت الضمير