|
عن مايكل هاينكه وثلاثة مسارب للبحيرة 1976
بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 8198 - 2024 / 12 / 21 - 00:15
المحور:
الادب والفن
عن مايكل هاينكه وثلاثة مسارب للبحيرة 1976 مايكل هاينكه مخرج نمساوي غني عن التعريف،درس الفلسفة وعلم النفس،ثم هو كاتب سيناريو ايضا،عرف بأفلامه ذات المواضيع المقلقة حيث تتناول افلامه غالبا اشكالات واخفاقات المجتمع المعاصر... عرف هاينكه عالميا بالفيلم الطويل(القارة السابعة)،وقد افضى هذا الفيلم ةعن اسلوب هاينكه العنيف والمباشر الذي طغى على مسيرته اللاحقة،وبالرغم من ذلك يصعب تحديد فلسفة هاينكه من خلال أفلامه.... بالتأكيد،ان كان النقد قد اجمع أن بدايات هاينكه العالمية هي مع الفيلم آنف الذكر-القارة السابعة-لكن كان هناك بدايات خفيه في مسارات هاينكه بدات مع أفلام تلفزيونية لم تكن ملفتة للنظر حقا،ولم تحمل أو تشي بذلك الطابع السردي الذي سيتخذه هاينكه لاحقا،وهنا نبدأ مع فيلمه التلفزيوني الثاني ثلاثة مسارب للبحيرة 1976،على ان نعود لاحقا لفيلمه التلفزيوني الأول (بعد ليفربول 1974). وكما نقول على الدوام،فخير طريقة للتعرف على مخرج هو مطالعة افلامه،ومن اراد الاستزادة عن هذا المخرج فاليطالع الانترنت لأن مايكل هاينكه هو مخرج غني عن التعريف فعلا.... في خريطة المسارات لمنطقة كروزبرغ،هناك عشرة مسارات مختلفة،ومن هذه العشر مسارات هناك فقط ثلاثة طرق تؤدي للبحيرة... يعتمد هاينكه في هذا الفيلم على الراوي اعتمادا كبيرا،بحيث ن الراوي يشرح ويحلل ويقول تقريبا كل شيء،حتى الهواجس والمشاعر وآلام الشخصية المركزية في الفيلم،وهي المراة التي اتمت عامها الخمسين للتو... اليزابيث تحضر دوما من المنصة 2 وتغادر من المنصة 1،وهي تعرف هذه الحقيقة منذ سنين،لكن اليزابيث تبدو مستسلمة تماما لهذا الروتين،وهي لاتكترث له كأفضل فرصة للتجاهل على العكس من الشخصيات القادمة في افلام هاينكه.... لأول مرة لاحظت اليزابيث آثار الشيخوخة على والدها.... هذه الاشارة الى الزمن يبدو بأنه ستثير اليزابيث لتطالع وتتامل كل ذلك العبق من الماضي والحياة الحاضرة. روبرت-اخاها الصغير-الذي يصغرها بستة عشر عاما،والمتزوج من ليز الأصغر منها بثلاثين عاما،على ان ذلك لم يجعل من اليزابيث تصاب بالاحباط لأنها تعتقد أن مظهرها هو الثلاثينات على الرغم من بلوغها الخمسين في احداث الفيلم القريبة...وهي التي كانت قد تزوجت من امريكي لفترة بسيطة. في فترة ماضية،من ذلك الماضي الذي لم يترك في داخلها سوى الانطباع السيء ...كانت تصرخ في والدتها وهي ابنة ستة عشر عاما...هل روبرت ابنك حقا؟! كانت المرة الوحيدة التي صفعتني بها والدتي.... روبرت الذي كان لايعرف بأنه يملك امين-تقصد نفسها بالطبع-. من الواضح ان اليزابيث لعبت دور الأم مبكرا جدا،وهذا ان كان يذكرنا بشيء،فهو يذكرنا بالحالة البرغمانية الشهيرة سوناتا الخريف...تروي اليزابيث: كانت تعرف بأن لم ارغب في ان تحصل على ذلك الطفل...حدث شيء-تتحدث الى والدها-لا اعرف ان كانت امي قد اخبرتك به:ذات مرة،عدت من فينا ولم تكن تعرف انت و أمي بأني عدت الى المنزل،ولكن وفي منتصف الليل وحدت والدتي وروبرت يبكي على الكنبة. بعد ان توقف على البكاء وضعته في السرير،قال: انا اعرف ذلك...أنا اعرف انها عادت،لقد حلمت بأنها رجعت لنتوقف قليلا عن سرد الفيلم لنقول ان الفيلم مكون من ثلاثة عناصر: العنف اتجاه النفس الذي لايسير في المسار الجسدي،بل في الامكان العاطفي،والعنف اتجاه الآخرين الذي يسلك نفس المسار،وعلاقة الانسان بالأشياء من حوله،ليست الأشياء المادية فقط،بل المعنوية أيضا،منها الزمن ومنها ايضا المبرر التي تقدمه الحياة للحدث...أو المبرر الذي تقدمه الحياة للحياة نفسها... هذه الدراما الشخصية-ليست عائليه على الاطلاق بالرغم مما هو واضح- لو لم نعرف انها لهاينكه لقلنا على الفور بأنها لبيرغمان...كما ان الفيلم يسير في مسار حواري خالص يصلح للمسرح خاصة مع خلفياته الأوبرالية...لنكتب هذه الجملة على لسان الراوي: كان عليها دائما ان تبدا كل شيء من جديد،منذ حتى لم تكن تعرف ما هو الحنين الى الوطن،ولم يكن الحنين الى الوطن هو السبب في رجوعها،لم تكن في حالة الحنين اصلا،لقد عادت من أجل والدها،وكان هذا واضحا دائم بالنسبة لها ولروبرت. تتحدث اليزابيث من خلال المونولوج وسرديتها الداخلية عن مسار الحياتي غير المعقد لكنه محبط في نفس الوقت،فقد اكتشفت في نفسها مصورة وحققت بعض الشهرة وساهمت في تغطية حرب الجزائر،وفي تلك الفترة عشقت Trotta الذي انتحر لاحقا باطلاق النار على نفسه في فينا،وهذا الخبر شكل بالنسبة لها الصدمة الأكبر في حياتها... يغقب الراوي: فقط في ذلك الصيف ادركت اليزابيت كم كان Trotta ووالدها متشابهان بتلك الطريقة حين يغضون النظر عن اي شيء يتظاهر بأنه اي شيء...كلاهما لم يقبل المستقبل منذ ان لم يعرفا حتى ما الذي خسراه في الماضي وما ذلك الذي يأملانه. عندما كانت في طريقها لطرد تلك الأفكار،بدات بالتحدث عن ليز وروبرت وخططهما وبأنهما لم يكن لهما مستقبل ايضا...هذا مايدعى بالانطباع الذي تحمله الأحداث الخارجية ولكن في الداخل.... هذه السلعة الفيلمية ليست للاستهلاك المجاني على الاطلاق،انها سينما الحياة التي لاتعني الآخرين بأي شيء،انها تقول أحيانا مايقوله انتونيوني ومن الممكن ان تكون اليزابيث هي مونيكا فيتي في الصحراء الحمراء،وان كان علينا الولوج باحكام الى سينما مايكل هاينكه،فهذا المسار الفيلمي التلفزيوني ليس مسارا ميلودراميا على الاطلاق،وهذا يدل على ان هاينكه يمسك ويتحكم بأدواته بقوة،كما انه ليس من السهل أن يعجب اي شخص هذا المسار،ولو اطلقنا أحكاما على مخرج كان في بداياته لقلنا ان اليزابيث حالة بيرغمانية قوية ومحكمة...ولكن هناك خلل في تكثيف هذه الحالة لن تشريح بيرغمان لشخصياته النسوية خاصة في فيلم الصمت وبرسونا ليس بالشكل الذي تم فيه معالجة حالة اليزابيث. لكن،وبالرغم من كل شيء،فهذه الحالة مرتبطة ببيرغمان أكثر من ارتباطها بسينما راينر فاينر فاسبندر. كما ان حالة اليزابيث ليست حالة من حالات هاينكه اللاحقة،فهناك عواطف وبرود اتجاه الآخرين،لكن ابسط ما نقول عنها انها لاتصل الى ذروة ثلاثية البرود العاطفي. وبالنسبة لثلاثية البرود العاطفي،وحتى بالنسبة لأفلام بيرغمان التي عرجنا عليها أعلاه-الصمت وبرسونا-فهذه الحالة تبدو-نوعا ما ومع شيء من التحفظ-حالة مثالية بالنسبة لإمرأة خمسينية. كل تلك التجارب المحبطة أدت بها الى مسار انكفائي عن الحياة نفسها...انها الحالة التي يمر بها الجميع،او هو حتى الاخلاص لنوع معين من السينما خاصة-اكرر-خاصة: بأن هذه ليست حبكة بقدر ما هي استرجاع المسارات الثلاثة للبحيرة توحي بأن كل المسارات مهما تعددت سوف توصل الى نتيجة واحدة،وهذه النتيجة بالنسبة لهاينكة هي اقل من نتيجة ولا تصلح ان نطلق عليها نتيجة أصلا،لأن لا شيء وكأننا نعيش في وهم الحدث،وان كانت هذه الجمل تشي بان الفيلم كبير،ولكن وضمن هذه المعالجة لثلاثة مسارب للبحيرة،فلانستطيع ان نقول عنها أنها معالجة كبيرة والفيلم ليس بالكبير ايضا. تعود اليزابيث في النهاية الى باريس،والنهاية لن تقول اي شيء جديد،ستبقى اليزابيث توحي بأنها منفتحة على الحياة،ولكنها في نفس الوقت لن تنكر ابدا أن هذا الانفتاح جاء على سبيل الارغام...على سبيل الارغام ليس الا. كان نقول:أن الحياة برمتها ليست سوى حالة مؤقتة وفي نفس الوقت مقززة ومقرفة وهذه الجمبة قد رددها كثيرا صموئيل بيكيت،وهذا الربط ليس غريبا بين مايكل هاينكه وصموئيب بيكيت لأن بيكيت هو فنان...أديب الانكفاء بامتياز... البرود يحيط العلاقات بين البشر انفسهم،ولكن ما تفرضه عليهم الحياة يجعل منهم باردين اتجاهها أكثر من برودهم اتجاه انفسهم... هل العلاقة الزوجية-التي هي اهم علاقة في الحياة نفسها-علاقة حقيقية...؟ يبدو احيانا ان مايكل هاينكه يردد ثيمة ان علاقة الانسان بالاشياء المحسوسة وغير المحسوسة تبدو اهم من العلاقة بين البشر انفسهم،وبين الفرد وذاته ومسار اليزابيث يقول ذلك بوضوح،وبتلك الاشارات التي تميز بها هاينكه....انها الجملة التي تقول: الأشياء الحقيقة،تقريبا،لن تحدث أبدا... 17/08/2024
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحياة ولا شيء آخر1992:كيارومستاني الذي يبحث عن مصير ابطاله
-
استعراض ترومان1998(من اخراج بيتر وايلدر وتمثيل جيم كاري): تل
...
-
1900(برناردو برتولوتشي)-1976: فيلم عن الصعود والسقوط الطبقي
-
الريح ستحملنا 1999(عباس كيارومستاني):ارتجال الحياة
-
تذاكر 2005(عباس كيارومستاني): فيلم عن التذكرة التي نحجزها في
...
-
القمر 1979(برناردو برتولوتشي): انه حب اوديبي ولكن ليس بالمعن
...
-
البجعة السوداء(دارين آرنوفسكي) 2010 : اوبرا تشايكوفسكي تحولت
...
-
حياتي في ذلك الزمن الذي قضيته مع انتونين ارتو 1993:مسرح القس
...
-
تجربة 1973(عباس كيارستمي):اللقطة هي الحياة
-
أليس 1990(وودي ألن):صراع
-
سبتمبر 1987(وودي ألن): .اليد الالهية واضحة جدا
-
وردة القاهرة الارجوانية 1985(وودي ألن):السينما مثل المخدر...
...
-
الدخان المقدس 1999(جين كامبيون):على نمط شذرات أميل سيوران ول
...
-
رومانسية الكهولة-تأصيل حلم
-
مأساة رجل سخيف 1981(برناردو برتولوتشي): في عالم الخواء لايمك
...
-
السماء اللواقية1990(برناردو برتولوتشي):محظية الشرق
-
داني روز مسارح برودواي 1984:هناك شيء مطمئن داخل وودي ألن هذه
...
-
أشياء مسكينة: البزوغ الأنثوي الأول لجيل قادم سيغلب منطق العا
...
-
ليالي منتصف الصيف 1982(كوميديا جنسية): بلزاك مبالغ جدا في تق
...
-
نرسيس وغولدمند 2020:غولدمند الذي ظل طوال حياته أسيرا لصورته
...
المزيد.....
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
-
مدينة حلب تنفض ركام الحرب عن تراثها العريق
-
الأكاديمي والشاعر المغربي حسن الأمراني: أنا ولوع بالبحث في ا
...
-
-الحريفة 2: الريمونتادا-.. فيلم يعبر عن الجيل -زد- ولا عزاء
...
-
لماذا يعد -رامايانا- أكثر أفلام بوليود انتظارا؟
-
الفنان السوري مازن الناطور للمتظاهرين: صبرتوا 55 سنة مش قادر
...
-
القضاء الأميركي يرفض إلغاء إدانة ترمب في قضية الممثلة الإباح
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|