|
فلتتوجه جميع البنادق الفلسطينية والوطنية العربية تجاه الكيان الصهيوني
محمد حسن خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8197 - 2024 / 12 / 20 - 22:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في هذه المرحلة الحرجة من تطور النضال ضد المشروع الصهيوني الأمريكي لخلق ما يسمونه شرق أوسط جديد يغير خرائط المنطقة لصالحهما عن طريق استهداف واستئصال كل قوى معادية لهم، أشد ما يؤلمنا هو أن تتوجه بنادق السلطة الفلسطينية إلى مناضلي كتيبة جنين في الضفة الغربية، وهي التي كانت دائما في طليعة المقاومة الجماهيرية ضد مخططات الكيان الصهيوني طوال السنوات الماضية وبالذات منذ 7 أكتوبر 2023 عند بدء عملية طوفان الأقصى. إن مستقبل القضية الفلسطينية هو المستهدف، ومعه مستقبل الأمة العربية كلها، في أشرس وأطول معركة تخوضها مع العدو الصهيو-أمريكي طوال نحو خمسة عشر شهرا. أطول وأخطر معركة تخوضها إسرائيل منذ عام 1948 على حد قول زعمائها، والذين يصفون تلك المعركة عن حق بأنها مواجهة وجودية، بينما تدب عوامل تفكك رهيبة تماسك المجتمع الصهيوني، فيهاجر منه أكثر من مليون من ملايينه السبعة شاملة كوارده الفنية ورؤوس أمواله وشركات التكنولوجيا فيه، بينما تتداعى بالتدريج معنويات الجيش الصهيوني ويتسع نطاق رفض الخدمة في مواقع الاشتباك ورفض الاستدعاء للتجنيد، بل وتتزايد محاولات الانتحار؛ كل هذا يدفع العديد من المفكرين الإسرائيليين لأن يتشككوا في بقاء إسرائيل موجودة في الذكرى المئوية لتأسيسها، بل وفي الذكرى الثمانين أيضا! وتتحدث تسريبات مكتب ناتنياهو عن أن خسائر الجيش بلغت 9600 قتيل وخمسين ألف مصاب! وبالطبع فليس الجانب الصهيوني وحده هو المستنزف بالخسائر، فلا حرب بدون خسائر للطرفين، ناهيك عن أن هذه الحرب تسمى "حربا غير متناظرة" لعدم تساوي القوة بين الجيش الصهيوني الذي يعد من أقوى جيوش العالم ويمتلك الطائرات والصواريخ والدبابات، وتدعمه أمريكا وحلف الأطلنطي وخاصة إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، حيث أمريكا بالذات تتشارك معه في كل خطواته تدبيرا وتنفيذا وإمدادا بسيل لا ينقطع من السلاح والذخيرة. يواجه كل ذلك مقاومة شعبية بلا طائرات ولا دبابات ولا دعم موازٍ للدعم الأمريكي على الجهة الأخرى، حيث أسقطت إسرائيل نحو تسعين طنا من تي إن تي تعادل نحو ست قنابل ذرية! رغم هذا فإن صمود غزة، وتقديم لتضحيات من شهداء ومصابين ومختفين تحت الأنقاض يساوي نحو 7% من السكان، والباقي يعيش ظروفا لا إنسانية محروما حتى من ماء الشرب والطعام الكافي والمرافق والخدمات، إن كل هذا يجعلها أسطورة حية حركت ضمائر وتضامن العالم كله وأسقطت السردية الصهيونية. نفس الصمود البطولي من حزب الله رغم التضحيات الجسام بزعيمه وقسما من طاقمه القيادي والكثير من كوادره ومقاتليه. وحقق المعسكر الصهيو-أمريكي مكسبا ضخما في سوريا يتمثل- ليس في إسقاط زعيم ديكتاتوري- ولكن في تدمير معظم أسلحة سوريا ومعامل أبحاثها وأسطولها، واغتيال علمائها واحتلال المزيد من أراضيها على يد كل من الكيان الصهيوني وتركيا وأمريكا. وننتهي هنا على أثر كل ذلك على الساحة الفلسطينية، بالذات في الضفة الغربية. كان لمنظمة فتح شرف افتتاح المقاومة الجماهيرية المسلحة بعد قيام إسرائيل، حيث بدأ أول عام 1965، وتصاعدت المقاومة وتكاثرت فصائلها تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية بعد هزيمة 1967، وبعثت الأمل في الجماهير العربية، وأصبحت طرفا فلسطينيا متواجدا في ساحة الصراع الدولي. حققت الكثير من الإنجازات ونالت العديد من الخسائر، وقد أثرت كلها على مسار مختلف فصائل الثورة واختياراتها الكفاحية. بعد خسارة مصر حين أقرت الصلح والسلام مع العدو الصهيوني في كامب دافيد 1978 ومعاهدة السلام معه 1979، تأثرت المقاومة؛ ولكن أكبر ضربة كانت الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. ورغم البسالة في التصدي والاستعصاء على التصفية وإلحاق خسائر هامة بإسرائيل، أسفر ميزان القوى عن إجبار المقاومة على الجلاء بعيدا عن حدود فلسطين المحتلة، فذهب إلى الجزائر وتونس واليمن وسوريا. في ميزان القوى غير المواتي بدأت تنازلات المقاومة، بالذات في المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر عام 1988 بالاستعداد للاعتراف "المجاني" بإسرائيل، ثم بأخطر تنازل بالموافقة على اتفاق ومعاهدة أوسلو 1993، حيث تم عزل سلاح المقاومة عن أي إمكانية لمواجهة إسرائيل، والاقتصار على "النضال" السلمي من خلال المفاوضات في زمن اختلال ميزان القوى لصالح العدو. وبالطبع لم تتحقق الآمال التي علقها الفلسطينيون على إنشاء دولة أو حتى دويلة منزوعة السلاح خلال خمس سنوات كما يقول الاتفاق، بل حتى ولا ثلاثين عاما. كل هذا ولم يتغير سلوك السلطة الفلسطينية بنبذ المقاومة والتفاوض كطريقة وحيدة لنيل مكاسب من فم الكيان الصهيوني! لكل هذا تطور منهج رفض تسوية أوسلو ورفض اختيار السلطة، من داخل فصائل منظمة التحرير ومن خارجها، لقوى ترفع السلاح في وجه الكيان الصهيوني في حدود إمكانياتها، ولكنها تمثل خيار المقاومة بكل الوسائل، وأولها الرفض السياسي بالتسليم للعدو الصهيوني بحقه في الهيمنة على الأراضي الفلسطينية، ومواصلة مخططات التهجير. كان لابد وأن يصحب هذا تراجع السلطة الوطنية الفلسطينية عن الديمقراطية داخل مؤسسات منظمة التحرير من أجل احتفاظها بالسلطة، فلم تستجب لكل المنظمات المطالبة بعقد المجلس الوطني الفلسطيني وإجراء الانتخابات للهياكل وللسلطة الفلسطينية، كما لم تستجب لكل محاولات الوساطة العربية أو الصينية أو الروسية. إلا أن التطورات السياسية في المنطقة بما فيها من إنجازات وانكسارات قد قادت إلى تدهور خطير في سياسة السلطة الفلسطينية، التي وجدت نفسها أمام اختبار وجودي هي الأخرى. "إسرائيل" تعمل بشدة على مخطط التهجير و/أو الإبادة في كل من غزة والضفة، والدعوات اليمينية بأن السلطة الفلسطينية لم يعد لها داع، ولابد من إدماج "يهودا والسامرة" يقصدون الضفة الغربية في الكيان الصهيوني تحقيقا للمخطط التوراتي، وتوافقا مع الخريطة التي حملها ناتنياهو أثناء حديثه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبيل اشتعال انتفاضة الأقصى، وتشمل كل فلسطين التاريخية، وأجزاء من دول محيطة أيضا. وقد غازلت السلطة الصهيونية رئيس السلطة الفلسطينية بجزرة أن بقاءه مرهون بالمشاركة كحارس لأمنها في مواجهة المقاومة الفلسطينية في الضفة، وعلى رأسها مواجهة فصيلها المتقدم، كتيبة جنين. منذ أوائل ديسمبر الحالي بدأت الاشتباكات بين قوات الأمن الفلسطينية وبين مقاتلي كتيبة جنين. ويوم 15 ديسمبر الحالي، أطلقت السلطة الفلسطينية المرحلة الثانية من عملية "حماية وطن" ضد مقاتلي جنين، بل وأكد وزير داخلية السلطة أن العملية في جنين تستهدف من لا يريد الالتزام بالبرنامج الوطني في ظل التغيرات الراهنة بالمنطقة!!! لم تتعلم السلطة الفلسطينية شيئا من حقيقة وعود إسرائيل التي لا تفي بها أبدا، وتستمر في مخططات الضم والاستيلاء على الأرض، فيأملون في الحصول على شيء لقاء ذلك السلوك المذري، وهيهات! لقد ذكرت صحيفة «هآرتس» وهيئة «البث» الإسرائيليتين، وهذا نقلا عن أهرام الجمعة 20 ديسمبر، أن الجيش الإسرائيلي تلقى تعليمات من المجلس الوزاري المصغر بتعزيز التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، وأن الجيش راضٍ عن عملية قوات الأمن السلطة الفلسطينية في جنين ويدعو إلى تعزيز السلطة الفلسطينية، وأنه يدرس تزويد قوات الأمن الفلسطينية بمعدات عسكرية لمواجهة التنظيمات المسلحة وتعزيز التعاون الاستخباري. إن خطأ السلطة الفلسطينية بمراهنتها على أن التنازلات المتكررة قد تؤدي إلى مكسب بقائها في الصورة ولو على صورة حكم ذاتي منزوع السلاح والسيادة هو مسلسل من الأخطاء القاتلة أدى بها إلى المساعدة في تمرير المخطط الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني. ولكن المتغير الأخير بقتال المقاتلين الفلسطينيين هو خطيئة لا تغتفر. لم ينل ولن ينال كل من قدم التنازلات وحاول استرضاء الأعداء أي شيء، وهذه تجربة الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية. أما الاسترضاء بالمشاركة في قمع المقاومة فهو كارثة بكل المقاييس. على الشعب الفلسطيني وكل حاملي السلاح توجيه سلاحهم إلى الكيان الصهيوني وليس إلى صدور المقاومين الفلسطينيين، فهذا ما لا يغفره الشعب الفلسطيني ولا الضمير الوطني ولا العالمي. على كل فلسطيني والسلطة في المقدمة المراهنة على الشعب الفلسطيني وحده من أجل حمايته، وليس على وعود الكيان الصهيوني أو أمريكا. كما عليه والاعتماد على نفسها، والتدقيق في تحالفاتها، فالمقاومة بالتحالفات الشعبية والوطنية هي طريق الحل. دكتور محمد حسن خليل 20 ديسمبر 2024
#محمد_حسن_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
-
مبادرة تنموية لجمعية أهلية لصالح صغار الفلاحين وتعويض انسحاب
...
-
ماذا ستفعل مصر في أزمة ديونها الخارجية؟
-
ملاحظات مبكرة حول معركة -طوفان الأقصى- و-السيوف الحديدية-
-
أفريقيا الفقر والاستغلال والانقلابات
-
عالم اقتصاد من طراز خاص رحيل الأستاذ الدكتور محمد دويدار
-
الموقف من أولويات الاستثمارات العامة وسياسة ملكية الدولة
-
موازنة الديون والتضخم والتقشف على المواطنين
-
أزمة الديون وبدائل الصندوق
-
كلمات حول المشكلة السكانية في مصر
-
نرفض حل الأزمة الاقتصادية بزيادة معاناة الشعب والخصخصة
-
وثيقة ملكية الدولة في مصر ومستقبل التنمية
-
ليبيا بين الانتخابات والتقسيم الإخواني
-
مجلس النواب اللبناني الجديد والثورة والانهيار
-
تونس: قيس سعيد، والنهضة، والثورة، والشعب!
-
الانتخابات الرئاسية مرآة للأزمة المجتمعية في فرنسا
-
قراءة في الموازنة العامة لمصر للعام المالي 2022- 2023
-
خطاب الرئيس السيسي والأزمة المجتمعية والحل المطروح
-
الحرب في أوكرانيا وعلى ساحة العالم
-
الجزر النيلية في مصر والاستثمار العقاري
المزيد.....
-
-النواب- الأمريكي يمرر مشروع قانون لتجنب الإغلاق الحكومي.. و
...
-
واشنطن تتهم عنصرا في الحرس الثوري الإيراني بقتل مواطن أمريكي
...
-
تدافع ومواجهات بالأيدي.. قوانين مثيرة للجدل تشعل البرلمان ال
...
-
وسط هتافات غاضبة.. مئات الفلسطينيين يشيعون ضحايا غارة إسرائي
...
-
زعيم المعارضة الكندية يطالب بعقد جلسة طارئة للبرلمان لحجب ال
...
-
الولايات المتحدة ترفض طلبا روسيا لعقد اجتماع مجلس الأمن حول
...
-
وزير خارجية إيران يوجه رسالة للمصريين في ختام زيارته الثانية
...
-
-الأناضول-: عودة السوريين من تركيا تتسارع بعد سقوط نظام بشار
...
-
البيت الأبيض: انقطاع التمويل الحكومي قد يعيق انتقال السلطة إ
...
-
محللون: واشنطن تختبر إدارة الشرع وسوريا لا تتحمل الشروط الدو
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|