أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أرسلان علي - الانتخابات الامريكية واليسار والكرد















المزيد.....


الانتخابات الامريكية واليسار والكرد


محمد أرسلان علي

الحوار المتمدن-العدد: 8197 - 2024 / 12 / 20 - 17:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


انتهت الانتخابات الامريكية التي كانت الحدث العالمي الأول بالنسبة للذين تابعوها بكل تفاصيلها التي كانت تعوم في بحر من التكهنات والتحليلات وأحقية نجاح أو انتصار طرف على حساب طرف آخر. وما تم معايشته كان انتصار بكل ما للكلمة من معنىً، حيث ثمة حرب مستعرة كنّا نتابع مجرياتها وأحداثها وتفاصيلها ما بين الحمار الديمقراطي والفيل الجمهوري. والتي كانت أحداثها وتأثيراتها واضحة على الجميع من شعوب ودول العالم. حيث تتغير حسابات الكثير من الأنظمة وفق آلية تنفيذ سياسات الرئيس المنتخب الجديد. مع أن السياسة تبقى شبه ثابتة تخدم مصالح الشركات الكبرى والمتغير فقط هو آليات تنفيذ تلك السياسات، لأننا في مواجهة دولة مؤسساتية لها قوانينها التي تحمي وتصون الدولة قبل كل شيء. وهو شعار ترامب في حملته الانتخابية الذي كان "أمريكا أولاً".
انتخابات لها ما لها وعليها ما عليها، رغبنا بذلك أم لا، اتفقنا مع ما يحصل أم لا، تبقى أمريكا على الأقل قوة لها كلمتها العُليا في الكثير من الأمور الإقليمية والدولية. وكأننا نعيش في قرية عالمية تحكمنا حكومة عالمية واحدة مركزها البيت الأبيض. تحاول أمريكا بأن تكون القطب الواحد الذي يحكم العالم، بعدما تحول العالم إلى قرية صغيرة بعد الثورة الرقمية والنانوية التي نعيشها الآن. ولكن تبقى للقرية خصائصها التي تحملها في داخلها والتي تقضي على نفسها بيدها وتحفر قبرها بيدها، مثلما يُقال. تحويل العالم إلى ثقافة مُقلِدة غربية واحدة وعلم واحد ورئيس واحد هو المتحكم بكل ما سيجري في هذه القرية، هذه الطباع بحدِ ذاتها التي ستقضي على القرية، لأن العالم يعيش ويتطور على الاختلاف والتنوع، ولا يمكن اختزاله في الثقافة الامريكية التي يتم فرضها على الكل، أو أمركنة الثقافات الأخرى.
البعض من الأنظمة والأحزاب والتيارات في العالم كانت تترقب نجاح ترامب وتدعوا له من كل قلبها للنجاح على خصمها، بينما البعض الآخر كان يتمنى أن تنجح كامالا على حساب ترامب لما يمثله من رجل أرعن لا يستمع لأحد. الشرق الأوسط بكل ما فيه من دول وأحزاب وكذلك العالم كله كان يراقب الانتخابات التي فاز فيها ترامب على خصمه اللدود والتي كانت خسارة بطعم الهزيمة. لأن ترامب لم ولن ينسى ما فعله به بايدن من جرجرته للمحاكم وسرقة الفوز الذي لا يزال ترامب يدّعيه حتى الآن. ولربما لن تشهد أمريكا الاستقرار فيما بعد الانتخابات وخاصة بعد استلام ترامب لمفاتيح البيت الأبيض وإخراج غرمائه وفرقائه من القصر الرئاسي.
روسيا والصين العدوتان التاريخيتان لأمريكا أيضاً كانتا تراقبان الانتخابات الامريكية عن كثب ويحللون تداعياتها على الاستقرار العالمي والإقليمي. خاصة أنه في آخر اجتماع للناتو العام المنصرم أُعلن في بيانه الختامي أن أي الناتو ينظر لروسيا على أنها تهديد لدول الناتو، بينما الصين هي الخطر الأكبر له. فوفق هذه الرؤية ما هو التقرب الذي سيبديه الرئيس ترامب في دورته الثانية. هل سيكرر نفس الموقف الذي كان في الدورة الأولى؛ أم سيتغير؟ يُقال أن ترامب وبوتين أصدقاء، ويتم اتهام روسيا على أنها ساعدت ترامب في الفوز في الانتخابات من خلال التدخل في مجرياتها. وكذلك محاولات الصين في ضم هونغ كونع وتايوان، كل ذلك يثير الشك بين طرفي النزاع في آسيا ومحيطاتها المترامية الأطراف.
حيث الصين القوة الاقتصادية الصاعدة والتي باتت قاب قوسين من منافستها أمريكا من حيث الميزان التجاري والاقتصادي، ومحاولاتها في الانتشار عبر التنمية الاقتصادية للدول المستهدفة وخاصة في افريقيا، تسعى أمريكا في لجم طموح الصين في أن تتحول لمارد اقتصادي يبتلع أمريكا في السنوات القادمة، بعد حصولها على معلومات صناعة الرقائق الالكترونية النانوية والتي كانت تحتكرها أمريكا فقط. بكلمة يمكن القول أن الصراع الأمريكي الصيني هو صراع بسط نفوذ عبر الانتشار الاقتصادي المرن والبعيد عن ضجيج الأسلحة والطائرات والحروب. بعكس روسيا التي لا تستسيغ آذانها إلا لصوت الطائرات الحديثة وحروب الفضاء وميادين الحروب أينما تكون، نرى روسيا حاضرة فيها بأي شكل من الأشكال الفظة. بدءاً من ليبيا وسوريا ومحاولاتها في مصر والسودان وكينيا والمجر. ناهيك عن حربها مع أوكرانيا. بوتين روسيا الذي يحاول استرجاع حلم الاتحاد السوفيتي حينما قسم العالم إلى قطبين شرقي وغربي، تسعى فيه الان روسيا والصين وغيرها من الدول للعب نفس الدور في تشكيل عالم متعدد الأقطاب، وليس القطب الواحد الذي تتزعمه أمريكا.
مع انهيار الاشتراكية المشيدة بقيادة الاتحاد السوفييتي زال القطبان من الوجود وبدأت مرحلة جديدة تسودها الظروف الملائمة لنضال الشعوب في سبيل تحررها واستقلالها. وفي هذه الأثناء تظهر سياسة "النظام العالمي الجديد" كحديث الساعة إلى الوجود، لكن الامبريالية – مع ذلك– لم تجنِ ما كانت تتمناه، ولن تنطبق حساباتها التي أقامتها وهي في نشوة النصر مع الواقع، ولم يصبح انهيار الاشتراكية المشيدة انتصاراً للرأسمالية – الامبريالية.
يمكننا القول بكل صراحة أن عالمنا يعيش مرحلة انتقالية اليوم. ومع انحسار السوفييت من التوازنات العالمية في التسعينات بعد أن كان يحدد طابع العالم، أصبح وكأن زمام الأمور أفلتت من اليد بحيث تسعى العديد من القوى إلى ملء الثغرات الحاصلة حسب مصالحها دون كلل أو ملل.
تكمن في كَفَّتَي التوازن القديم قوتان أساسيتان هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي. وعندما افتقدت إحدى الكفتين ثقلها انقلبت التوازنات كلياً رأساً على عقب، وتم الانتقال من حالة التوازن إلى اللاتوازن. يمكننا تسمية عالمنا حسب الوضع القائم بأنه عالم يبحث عن توازن جديد في سنوات الألفين.
تتشكل توازنات القوى من جديد، ليس فقط في منطقة محدودة من العالم أو في مناطق السوفييت كطرف في التوازن، بل وفي الشرق الأوسط وبلاد القفقاس والبلقان وبلدان أمريكا اللاتينية أيضاً، أي باختصار في كل بقاع العالم. ويتجلى هذا الوضع، وبشكل خاص منذ أعوام التسعينات، في الحروب الجديدة والصداقات الجديدة والاتفاقيات الجديدة والعداوات الجديدة. وكان لا مناص من أن يحصل ذلك، إذ من البديهي حصول الاشتباكات والتناقضات بين القوى الساعية لملء الثغرات البارزة في السلطة في الأماكن التي لا يُعرَف من يتحكم فيها ومن يبسط نفوذه عليها.
الاسم الثاني لمرحلة العبور هو الحروب والتناحرات والصدامات، حيث تُسلَك فيها شتى أساليب الحروب، سواء العلنية منها أو الديبلوماسية السياسية أو زج الدول التابعة في الحروب أو غيرها.
الكل يجهد للاستفادة من الإمكانيات الناجمة عن مرحلة العبور هذه، ويسعى لتعزيز منزلته ووضعيته قبل الوصول إلى تشكيل التوازنات الجديدة.
كل القوى الرأسمالية العالمية تسعى لتعزيز وضعياتها القائمة من خلال اتفاقيات وحملات جديدة. وتتحول الاتفاقيات القائمة فيما بينها في مرحلة الحرب الباردة، إلى تناحر واصطدام وإن لم يكن على شكل حرب متبادلة. ويمكن رؤية ذلك بجلاء لو نظرنا إلى اختلاف السياسات التي يتبعها الرأسماليون والامبرياليون بشأن كل من الشرق الأوسط وقفقاسيا وأوروبا الشرقية وأفريقيا.
لم يمضِ زمن طويل على انهيار الاشتراكية المشيدة. ولو دققنا النظر في المجريات خلال العقود الثلاث الماضية، سواء في بلدان الاشتراكية المشيدة أو البلدان الامبريالية أو مختلف مناطق العالم؛ سنرى أن السياسات المتبدية كبديل للاشتراكية المشيدة لم تخطُ أية خطوة للأمام، وأن حاكمية الامبريالية على العالم أضعف مما كانت عليه في تلك السنوات. فالحروب والاشتباكات والفوضى والبلبلة وغيرها من مستجدات، سادت في كل مناطق العالم على وجه التقريب وفي سائر القارات، وتتالت وراء بعضها وكأنها في سباق. أما البلدان الامبريالية فعندما تجنح لبسط نفوذها على منطقة ما، ترى نفسها في مواجهة صعوبات كبيرة ومقاومات باسلة للشعوب. إلى جانب المستجدات الخارجية هناك التناقضات والمشاكل الداخلية وانعدام الأمن والاستقرار أيضاً. إذ أن "الانتصارات" المتحققة قديماً نتيجة كبت المشاكل الخارجية، والتي تصبح ستاراً تخفي به المشاكل الداخلية، تواجه اليوم عراقيل كبيرة للنجاح في ذلك مرة أخرى. بهذا المعنى ثمة تراجع جدي اليوم في وضعية القوى في الغرب الرأسمالي أيضاً.
تعاني الأغلبية الساحقة من الإنسانية العالمية من الاضطرابات وكأنها على نار ملتهبة. فأمريكا اللاتينية، جنوب آسيا، بلاد القفقاس، الشرق الأوسط، كل القارة الأفريقية، وقسم هام من البلدان الاشتراكية القديمة؛ كلها تعاني من أزمات سياسية واقتصادية خانقة. أما أوروبا وأمريكا، فكأنهما جنتان تقبعان وسط هذا العالم المتأجج بنيرانه المضطرمة. كل منطقة هامة من مناطق العالم تحمل في طياتها إمكانية التراجع دوماً، وتتراكم الأحداث رويداً رويداً وكأنها تتوجه نحو حسابات كبيرة.
كانت أمريكا تمثل مركز القوة الامبريالية مقابل الاشتراكية. وهذه الحقيقة سارية من جميع النواحي. فأمريكا كانت زعيمة لا منافس لها في الميدان الاقتصادي والتفوق العسكري وتقنية السلاح والحملات السياسية. هذا الوضع المتغير ببطء منذ أواسط السبعينات، اكتسب سرعة ملحوظة مع انهيار الاشتراكية المشيدة، وعانت الامبريالية من تبعثر في قواها. يمكن الحديث اليوم عن ثلاث مراكز امبريالية؛ الولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا، اليابان. ولا ريب في أن أمريكا لا تزال القوة الكبرى في هذه المراكز الثلاثة. أي أنها أصبحت "الأولى بين القوى المتكافئة" بعد أن كانت سابقاً سيدة العالم المطلقة بلا منافس.
سيضاف إلى هذه المراكز الثلاثة قوتان عالميتان في المستقبل القريب، وهما روسيا والصين.
يؤدي التنافس بين هذه الدول على توسيع رقعة مناطق النفوذ وإغناء مصادر الاستعمار والاستغلال، إلى بروز التناقضات فيما بينها لتتجذر أكثر فأكثر مع مضي الزمن. والى جانب "العدو المشترك" تنشغل هذه الدول ببعضها، وإن لم يكن بدرجة متقدمة، بحيث نشهد في القرن الحادي والعشرين صراعات هذه القوى على الصعيدين السياسي والاقتصادي على الأغلب.
تنعكس هذه التطورات البارزة في البلدان الغربية على جماهيرها عامة، فالإنسان الغربي الناشىء على "تهديد الشيوعية" في الماضي، لم يعد بالإمكان تخديره دون إيجاد أساليب جديدة. لذا تلجأ الامبريالية إلى تطوير الوسائل الإعلامية وغيرها من تقنيات الاتصال والتبادل والتواصل، وتحتكرها بشكل خاص في سبيل إعاقة يقظة المجتمع وذر الغبار في العيون المنفتحة للتوّ. وتضطر أولاً لإقناع رأيها العام – وإن كانت لا تلاقي صعوبة تذكر في هذا الشأن – قبل الشروع بالتدخل في التطورات العالمية، وتسعى لإضفاء السمة الشرعية على استيلاءاتها ومداخلاتها الباطلة تحت شعار "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" وغيرها من المصطلحات، والتلفظ بالألفاظ "الإنسانية المثالية". هذا بالإضافة إلى أنها لم تعد - كما كانت سابقاً – قادرة على اتخاذ القرار بالمداخلة لساحة خارجية ما بتلك السهولة وغض النظر عن مشاكلها الداخلية. إنها تحسب الحساب لردود الفعل المحتمل ظهورها سواء في الرأي العام الداخلي أم الخارجي.
من جانب آخر، لم تعد الشعوب المعرضة للمداخلة تستسلم على الفور للقوى الاستعمارية كما كانت في السابق، بل تعتمد على قواها الذاتية وتختار طريق المقاومة المشرفة على الأكثر. إن إدراك هوية الاستعمار وسياساته المعادية للشعوب بشكل جلي له الدور البارز في ذلك لا محال. وما الحروب والصدامات الناشبة في الشرق الأوسط والقفقاس والبلقان وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأقصى وغيرها من مناطق العالم، وكذلك العقم الناجم عنها؛ سوى مؤشر واضح على اندحار قوة الامبريالية وخضوعها لإرادة الشعوب رغماً عنها.
لقد تجلى في السنوات الأخيرة بما لا يقبل الشك أن الدول الغربية، عاجزة عن الخلق وتجديد الذات، وتمتلك بنية جوفاء تماماً، على نقيض ما حاولت أن ترسمه لذاتها من مظهر مهيب. وتبدى للعيان أن ما أسمته بالحياة الحرة ما هو في الواقع سوى حياة خاملة مخدِّرة، معتمدة على التقنية ومربوطة بجهاز تحكم يحدد وجهتها ويقوم بتوجيهها إلى كل صوب بكل سهولة وكذلك ثورة الذكاء الاصطناعي التي نعيش تجلياتها في الوقت الراهن ونحن في حالة من الصدمة لتتحقق مقول وصدق الله في القرآن "وعلم الانسان مالا يعلم". لقد تم أسر هذه الحياة وأصبحت خاوية من الثقة الذاتية ومن قوة إعطاء القرار المستقل.
إنها تشبه نمط حياة هامشية سويت بالأرض تماماً عبر السينما والتلفاز والانترنيت وغيرها من الوسائل والقصف الكثيف من الدعايات. هكذا تحول الناس هنا في خضم هذه الحياة الروتينية التكنيكية، التي قتلت فيها المعايير الأخلاقية والمعنوية وأصبحت الماديات هدفاً أساسياً لها، إلى متفرجين أقرب ما يكونون إلى الموتى.
بالتالي فإن الدول الغربية التي تحط من شأن الفرد لديها على هذا المنوال وتُتبعه بذاتها، تجنح إلى ابتزاز الناس، وذلك من خلال التقنيات والدعايات والمناداة بالديمقراطية والحرية. بالمقابل فعدم قيام الدول والأحزاب التي تدعي الاشتراكية واليسار، بإعادة بناء فردها كبديل للفرد الموجود في المجتمع الرأسمالي، قد سهّل من وصول الامبريالية إلى مآربها. وقد رأينا بكل جلاء في تجربة الاشتراكية المتحققة أنه بدون خلق الإنسان الاشتراكي لن تنجو الدول في نهاية المطاف من الانهيار والتفسخ المحتوم، حتى ولو تأسست دول كبرى فيها أو أصبح سدس العالم اشتراكياً أو حتى تحكمت في الفضاء أيضاً. لقد برزت ظاهرة "الدولة" إلى الأمام بما يزيد عن الحد في تجربة الاشتراكية المعاشة، ولم تظهر الحاجة للاهتمام بالتطورات الروحية والعوامل المعنوية لدى الجماهير.
يحتِّم استعمال التقدم التقني بما يناهض مصالح الإنسانية ويزج بها في حياة حيوانية بطيش أعمى، وكون العلم الموجود حالياً أداة لتخدير الإنسان وامتصاص قواه وتحويله إلى وحش استهلاكي مبذر والتوجه به نحو التهميش والتهشيش؛ يحتِّم اللجوء إلى علم الديمقراطية والاشتراكية بلا مناص. كما أن استناد الدول الغربية على القوة التكنولوجية في استيلائها ومد يدها بكل طلاقة على كافة أصقاع العالم، وبالتالي تسللها عبر هذه الأساليب إلى عقول الناس والشعوب لتكريس ذاتها بلا توقف؛ إنما يشير إلى مضمون ونطاق وإرشادات الثورات التي ستتحداها وحتى ستسويها بالأرض وتسحقها خطوة خطوة. بالتالي يظهر الالتفاف حول الاشتراكية عبر أساليب ومواقف جديدة تقوم بالتحليل الصائب والشامل لحقيقة الدول الغربية الإمبريالية القائمة على أساس استنباطها الدروس اللازمة من تجربة الدول والأحزاب اليسارية والاشتراكية التي كانت موجودة ولا زالت؛ من أقدس المهام العاجلة الواجب تأديتها تجاه الإنسانية. يمر السبيل الوحيد لإنقاذ الإنسان الغارق في التطورات التكنولوجية والمقضي عليه فأصبح ميتاً لا روح فيه، من إعادة تشكليه مجدداً وكشف النقاب عن جوانبه المعنوية والإنسانية.
وفي الحقيقة، تتجلى الميزة الاشتراكية للحركة التحررية الكردستانية بالتفوق والانتصار هو سعيها الدؤوب لفصل الإنسان المنحط والمفتقر للإيمان والعقيدة والأمل، من شخصيته وخصائصه التي جعلها الاستعمار والإمبريالية كوباء لا نفع منه. إنه أسلوب جديد في التقرب من الإنسان، وعلم الاشتراكية يتعدى القوالب المترسخة. وما اعتماده على جوهر الإنسان وأفعاله بدلاً من الكلام المجرد، كذلك عدم القبول بالفرد الملتحق بصفوف الثورة كما هو عليه، وفرض التحول عليه بلا مفر؛ سوى نضال لبناء الإنسان الاشتراكي بحد ذاته. وقد أسفر صواب الأسلوب في التقرب من الإنسان عن كشف النقاب عن قوة الاشتراكية.
إن نزوع الحركة التحررية الكردستانية وحزب العمال الكردستاني على اتباع أساليب اشتراكية علمية دون السماح لظهور أي انحراف فيها ضمن أجواء تعمها المحاولات لحصار البشرية وتضييق الخناق عليها عن طريق "روائع التكنولوجيا المذهلة" والقضاء على جوهرها التقدمي على صعيد العالم؛ إنما يعتبر منفساً جديداً ومرحلة جديدة في نضال الاشتراكية. كما أن بلوغه مستوى حركة دولية بتجاوز الحدود القومية والوطنية وحتى الطبقية، جعله يشكل تهديداً جدياً، ليس بالنسبة للاحتلال التركي فسحب، بل وللغرب أيضاً، ويصبح "شبحاً" يُطْبِق على أنفاس القوى المضادة للثورة.
لو تمحصنا جيداً في موضوع كيفية انتصار أو هزيمة الأطراف في الحروب المندلعة دون استثناء، سواء في التاريخ أو في حاضرنا؛ لاستطعنا ملاحظة كيفية حيازة النصر ونيله بشكل أفضل. فمن لا يتموقع حسب تكتيكات عدوه واستراتيجيته، ولا يتعمق يومياً على السبل المؤدية إلى النصر المؤكد، لن ينجو من الهزيمة النكراء إطلاقاً. ولأجل تأمين شروط النصر والنجاح، وتجفيف أرضية وأسباب الفشل والهزيمة؛ يتوجب خلق الإنسان الذي بمقدوره لعب الدور المحدِّد في ذلك، أي إيجاد عامل الإنسان الاشتراكي المؤمن بقدرته على تحديد وجهة التطورات وتأمين ديمومتها وتحويلها إلى مكتسبات راسخة. أما التقنية فلا تثمر إلا في الأوساط التي يغيب فيها الإنسان القوي الحر.
انعدمت إرادة الناس وآمالهم وعقائدهم ومعنوياتهم وقضي عليها في البلدان الغربية التي تطورت فيها التكنولوجيا بسرعة، وانهزمت مقابل التقنية التي يحتكرها الحكام في أيديهم. وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية للفردية اللامحدودة واللامبالاة الشائعة تجاه مشاكل البشرية لدى الإنسان الغربي. فالتقنية المطورة من قبل الحكام هنا تتحكم في نمط الإنسان القائم وتجرده من إرادته بالإحكام عليه وأَسْرِهِ.
أما الاحتلال التركي فتقربه من الإنسان يتعدى بكثير ما هو عليه الحال في الدول الغربية في تحطيم شخصية الإنسان وقتلها. وما يسعى إليه اليوم على الأغلب هو تكريس شخصية الحرب الخاصة على وجه التمام. حيث لا يكتفي الاحتلال التركي بتهميش أدوار الناس، بل يعمد إلى تهميشهم كلياً وتحويلهم إلى مجرد ببغاوات مقلدة، ويحط من شأنهم بحيث يبيعون ذاتهم في سبيل ملء بطونهم الخاوية. أما الإنسان المنحط لهذه الدرجة والمتخبط في متاهات الانهيار الروحي؛ فلا يمكن رؤية أي مصطلح نبيل أو قيمة مقدسة في دنياه. والأنكى من ذلك أن النماذج البشرية التي تعيش على هذا النحو كأموات منتصبين، يتم تشتيت عالمها وتضييق الخناق عليها والقضاء تماماً على حاضرها ومستقبلها. وفي نهاية المطاف تفتقر إلى الثقة بذاتها لأبعد الحدود وتروح تبحث على الدوام عن سيد تتبع له وتستسلم له وتعمل لأجله كي تُشبع بطونها الجائعة. وما الحرب الخاصة التي تفرضها تركيا على المجتمع سوى هذا بحد ذاته، بالتالي فهو مجزرة أخرى تطبقها الحرب الخاصة على الشعب.
يتجسد الهدف الأولي لنضال الحركة التحررية الكردستانية في إبراز نمط الإنسان الجديد الذي سيؤسس الحياة الجديدة. تتجلى هذه السمة بشكل ملموس في الحرب المخاضة في أراضي كردستان، حيث تخاض الحرب لأجل الحياة، أو تبرز الحياة من خضم هذه الحرب. وعلى هذا الأساس تتحقق التطورات والمكتسبات والتجديدات الحاصلة.
لهذا نجد أن القوى الغربية تدعم تركيا في حربها على الكرد في أجزاء كردستان عامة، إن كان في روج آفا أو شمال كردستان/تركيا أو في جنوب كردستان/إقليم كردستان العراق. حيث الحرب الصامتة في هذه الجغرافيا لا يسمع صداها أحد، أو يمكننا القول أن الكثير من شعوب ودول المنطقة أصمت آذانها وغضت الطرف وبلعت لسانها، عما يحدث بحق الكرد من قبل تركيا وجيشها الفاشي. فلسفة الأمة الديمقراطية التي يتبناها الكرد والتي يسعون على تحقيقها وفق سياسة التعايش السلمي وأخوة الشعوب، تجعل الأنظمة ترتعد حينما تسمع بهذه المفاهيم التي لا تستسيغها مطلقاً. وبالنسبة للشعب الكردي بشكل عام فلا يهمه من سيحكم أمريكا ومن كان يحكمها، فالأمر سيّان عنده، لأن كلا الحزبين وضعا ملف الكرد وكردستان في الأدراج وأقفلوا عليه حتى يحين موعد تفعيله ثانية وقت ما تريد مصالحهم ذلك. ولحين ذلك الوقت تستمر معاناة الكرد وظلم الأنظمة المحتلة لكردستان في لعبتهم في حلبة مصالح القوى الرأسمالية الغربية. وبكل تأكيد أن الكرد استوعبوا لعبة السياسة ولو قليلاً، فلن يكونوا حلفاء لهذا على حساب ذاك أو العكس، لأن التأثيرات السلبية للنقاش والحوار والجدال حول حقهم في الحياة، مع الحمار (الديمقراطي)، لن تختلف البتة عن النتائج السلبية في مصارعة أو ازعاج أو مقاطعة (الفيل الجمهوري). فلكل منهما سياسة يمكن التقرب أو الاستفادة منهما، ولا مع الدب القفقاسي السيبيري أيضاً بكل تأكيد. فلا المتغطي بالأمريكان سينام في حضن دافئ وبكل تأكيد نفس الأمر ينطبق على المتغطي بالروس أو الصين أو أهل المنطقة من العرب. فلن يدفئك إلا بني جلدتك ومدى الوعي والتنظيم والمعرفة التي يتم نشرها بينهم واشعال ثورة ذهنية تنقذهم من حال التبعية الفكرية وانعدام الإرادة والشخصية، حينها فقط يمكن خلق الانسان والمجتمع الحر.



#محمد_أرسلان_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراخ صامت من أطلال غزة


المزيد.....




- إسرائيل تتوغل في قرى سوريّة وتقر بإطلاق النار على المحتجين
- أي مستقبل للعلاقات بين المغرب ودول كونفدرالية الساحل؟
- الآلاف يحتشدون بمهرجان -النصر- في السويداء بعد انهيار حكم ال ...
- حريق هائل يلتهم مستودعًا في تايوان ويودي بحياة تسعة أشخاص
- اتصال بين ولي العهد السعودي والعاهل المغربي
- مسؤولة ألمانية تكشف جنسية السائق منفذ عملية الدهس في ماغدبور ...
- ستارمر يعرب عن تضامنه مع الشعب الألماني بعد الهجوم الإرهابي ...
- السعودية تصدر بيانا بعد حادث الدهس المروع في ألمانيا
- ماسك: ألمانيا وأوروبا مهددتان بخطر -الانقراض-
- مصر.. الأزهر الشريف يصدر بيانا بشأن حادث الدهس في أحد أسواق ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أرسلان علي - الانتخابات الامريكية واليسار والكرد