|
أما و قد سقط الرئيس !
خليل قانصوه
طبيب متقاعد
(Khalil Kansou)
الحوار المتمدن-العدد: 8197 - 2024 / 12 / 20 - 16:06
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
لعل من العبر الأساس التي ظهرت بوضوح منذ أن انطلقت الحركات الشعبية الثورية من تونس ، في 17 كانون أول 2010 ، يوم أضرم البوعزيزي النار بنفسه ، هي المسافة الكبيرة التي تفصل بين الحاكم العربي من جهة و بين الناس الذين يفرض عليهم هذا الحاكم سلطته من جهة ثانية . و لقد أظهرت الحركات الثورية أن الحاكم و حاشيته و عصاباته ، هم في الحقيقة أعداء للشعب ، بمعنى أنهم لا يتخذون موقفا موحدا ، مشتركا ، في مواجهة تدخل خارجي في شؤونهم ، إلى حد استقواء فريق به على الافرقاء الأخرى . و استنادا إليه ، ينهض السؤال عن التحولات والمتغيرات التي تطرأ خلال فترة التعايش الكاذب بين الحاكم و الشعب في كثير من الأقطار العربية التي تطول أحيانا عدة عقود . يقود ذلك بالطبع إلى التفكر في كنه الوصول إلى السلطة بطريقة غير شرعية ، أي دون إنتخاب و إختيار الأقدر و الأكفأ و دون التوافق على معالم برنامج و سياسة ، دلالة على عدم اكتمال الصيرورة الوطنية .
جملة القول أن الحاكم العربي يعرف ، منذ اليوم الأول لإعتلائه سدة الرئاسة أو الملك ، أن شعبه عدو إحتمالي له و أن هذا العداء سيتصاعد حدة ، درجة بعد درجة ، بالتلازم مع تكشف التقصير و العجز و الفساد و الإستهانة بالمصلحة العامة و بوحدة الوطن و سلامة أرضه. لذا يعمد هذا الحاكم للاستعداد لمواجهة ضد الناس أو مجاميع منهم ، بكافة السبل و الوسائل . لانه يعلم أن بقاءه مرهون بقدرته على التغلب عليهم . أن السلطة و المعارضة في الدولة غير المكتملة يعرفان جيدا أن التغيير لا يتحقق في هذا الزمان ، حيث لا يكون الالتزام بميثاق و طني أمرا بديهيا ،إلا بمساعدة دول امبريالية .
ينبني عايه أن الصراع على السلطة في بلدان العرب مؤجج كالعادة ، و أن الحركات "الثورية " ، تمددت إلى العديد من الأقطار . فلا نجازف ب القول أن اصداءه تتردد ، فيما وراء حدود المنطقة العربية . و مرد ذلك عائد على الأرجح ،إلى كون الحكم الذي تطالب " الثورة " بإسقاطه هو إما تابع لدول الغرب الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية و إما يتأثر بقراراتها إلى درجة عالية أما من ناحية ثانية فأغلب الظن ان " الثورة " نفسها ليست متفلّتة من قيود تلك التبعية و التأثُّر التي تفرضها دول الغرب ، بالقوة و الحصار التجويعي . ينبني عليه أننا لسنا على الأرجح حيال سيرورة " ثورية " صافية ووطنية . حيث يوافق المستعمر على "اسقاط الرئيس " ، يبقي في المقابل في يديه خيوطا أكثر ، يستطيع بواسطتها إدارة الأمور ، بطرق ربما تبدو أفضل و أكثر فعالية ! ما هي حقيقية التغيير، حيث تحقق "إسقط الرئيس " ؟ لا مفر في معرض مداورة هذه المسألة من التوقف ، أمام معطيات ملموسة تسوق كإنجازات "ثورية " . نذكر بهذا الصدد :
ـ انتقال شخصيات من " النظام المخلوع " إلى " نظام الثورة " ، بنفس " الراتب و الرتبة " تقريبا ، اما الفارق بين النظامين فإنه يقتصر في أغلب الأحيان على "تطعيم " النظام القديم ، بشخصيات كانت معارضة له في المنفى و معروفة من خلال وسائل الإعلام الغربية و الخليجية . ومن ميزات " النظام الثوري " أيضا أنه ينخرط في" السيرورة الأصلية "التي كان مقدرا لها أن تجتاح أقطارا عربية أخرى ، باستثناء الدول النفطية ، بداية من العراق
ـ لا نبالغ بالكلام أن دور الدول الغربية ، إلى جانب دول الخليج النفطي كان بارزا في أشعال هذه " الثورات " التي كانت مكلفة جدا خصوصا ماليا و بنيويا و اقتصاديا . تجسد ذلك بمصادرة ودائعها في المصارف الأوروبية و ارتهان ثرواتها النفطية ، و تغيير مناهجها التعليمية ، و تخريب مؤسساتها البحثية ، و تقزيم جيوشها إلى حد حلّها و إعادة تشكيلها و تقييد مستوى تسليحها بحيث يتناسب مع الدور الجديد المطلوب منها و الذي يمكن اختصاره بالدفاع عن " السلظة " و ليس الذود عن " الترب الوطني" . لا بد هنا من الإشارة إلى أن هذه الثورات مثلت في الواقع ، حيث تفجرت أو فجرت ، محاكاة للحرب الدموية و التدميرية على العراق ، على التوالي ، في سنة 1991 و 2003 ، التي كانت الغاية منها ، إعادة البلاد إلى " عصر الحجر " . يحسن التذكير في هذا السياق بالأضرار الهائلة التي تسببت بها ثورات الربيع العربي بالتراث الثقافي و الإنساني .
ولكن ما يدعو إلى العجب هو أن هذه " الثورات " التي تشهدها الساحات العربية ، و تتمدد في أرجائها تمدد النار في الهشيم ، تغمر المناهضين للإستعمار بالسعادة و تبعث الأمل في نفوسهم ، و ترسخ القناعة لديهم بأن الشعوب بما تختزنه من طاقات ، قادرة على خلع الطغاة و على طرد الغـزاة والمستعمرين بالرغم من أن هؤلاء يقفون وراء تلك " الثورات " تشجيعا و دعما و رعاية .فيكاد المرء أن يقطع بأنها كالزلزال المدمر أو الطوفان الجارف الذي يزيل في آن نظم الحكم و الناس القابعين تحت وطأته و العمران الذي استغرقوا في بنائه قرونا من الزمن . مهما يكن فإن التجارب العديدة تدل على ان " أسقاط الرئيس " بأدة أستعمارية أميركية ، ليس سقوطا للنظام ، لكنه أكبر كلفة و أقل مردودا من " اسقاط الرئيس" بإرادة شعبية وطنية .
يبقى ان نقول في الختام أن هذه الثورات كشفت أيضا عن زيف او فشل الخطاب السياسي الديني عندما يزعم أصحابه أنهم يحترمون حق الناس في التعبير عن الرأي، شرط ألا ينتهكوا العادات و يتسببوا بأعمال شغب . لكن هذا الخطاب الممالئ للشركاء في "الثورة : ، يتجاهل ويتعامى عن معطى جوهري وهو أن أن انتصار الأخيرة أعطت موطئ قدم لجميع للمستعمرين ، من خلال نظام الحكم الجديد
#خليل_قانصوه (هاشتاغ)
Khalil_Kansou#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسة الدينية !
-
تأملات في متغيرات جبل الجليد !
-
شريط أخبار سورية !
-
الحرب و الحرث
-
هجمات شُرَطية !
-
القانون هو ما تقتضيه مصلحة الشعب الالماني !
-
النازية و الصهيونية !
-
التطهير العراقي وسيلة لإستعادة الأهلية !
-
الناس البشريون و الحيوانات البشرية !
-
المجتمعات المفككة
-
حرب هتلرية !
-
مقاليع داوود و القرابات الإبراهيمية !
-
التوافق على سحق غزة
-
انتفاضة السابع من اكتوبر ضد قطاع الطرق
-
آخر حلقات الحرب في لبنان !
-
الكتابة في زمن الحرب !
-
الحرب بالنقاط و الحرب بالضربة القاضية !
-
التناقضات بين السلطة في شبه الدولة العربية و شعبها !
-
الحرب الهانيبالية الإسرائيلية 2
-
الحرب الهانيبالية الإسرائيلية
المزيد.....
-
لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا
...
-
متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت
...
-
التصديق على أحكام عسكرية بحق 62 من أهالي سيناء لمطالبتهم بـ«
...
-
تنعي حركة «الاشتراكيين الثوريين» ببالغ الحزن الدكتور يحيى ال
...
-
الحزب الشيوعي يرحب بمؤتمر مجلس السلم والتضامن: نطلع لبناء عا
...
-
أردوغان: انتهت صلاحية حزب العمال الكردستاني وحان وقت تحييد ا
...
-
العدد 584 من جريدة النهج الديمقراطي
-
بوتين يعرب عن رأيه بقضية دفن جثمان لينين
-
عقار -الجنود السوفييت الخارقين-.. آخر ضحاياه نجم تشلسي
-
الاجرام يتواصل في حق عاملات وعمال سيكوم/سيكوميك
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|