أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - الحسّ المأساوي في المجموعة القصصية - متنزّه الغائبين - للقاص ميثم الخزرجي .















المزيد.....


الحسّ المأساوي في المجموعة القصصية - متنزّه الغائبين - للقاص ميثم الخزرجي .


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 8197 - 2024 / 12 / 20 - 08:16
المحور: الادب والفن
    


يطل علينا من العراق الشقيق ، أديب و قاص من سلالة الأدباء الكبار المتمرّسين ، يدفع القاريء لمعماره السردي القصصي إلى قراءته بتمعّن و تروّ ، و قد يرغمه بأسلوب الودّ والإعجاب إلى إعادة القراءة لإعادة اكتشاف أغوار منجزه السردي .
ما يلفت نظر القاريء قبل تصفّح مضمون هذه المجموعة القصصية ( متنزّه الغائبين ) للأديب القاص ميثم الخزرجي ، غلافها المتخم بالإيحاءات و الرموز و الألوان الداكنة إلى حدّ السواد ، الدالة على المضمون الفلسفي لمضامين القصص . لقد تبوأ الغلاف ، المنمنم بريشة عين بصيرة و مدركة ، رتبة العتبة المغريّة التي تدفع القاريء و الناقد إلى الغوص في المعمار السردي للقاص ، و تزجي فكره نحو ساحة التأمّل و الحدس .
تضمنت المجموعة القصصيّة ( متنزّه الغائبين ) للأديب و القاص ميثم الخزرجي ، في طبعتها الأولى 2024 م ، عن دار و مكتبة سامراء للنشر و التوزيع ، سبع قصص قصيرة ( الدائرة القصيّة – الماثل في الفراغ – حجرة المرايا – رهان القادم – متنزّه الغائبين – وجهة الطير – اللائذون بالظل ) .
المتأمل لهذه القصص سيكتشف قاصا متمرّسا أضفى على منجزه السردي ، بعدا إنسانيّا و فلسفيّا من زاوية الولوج إلى أعماق شخصيات قصصه ، حيث كانت سلوكياتها خلال الوصف و الحوار تدل على المستوى الفكري الذي تتمتّع به ، و على البعد الفلسفي الذي اتّسمت به نظرتها إلى الحياة . تقول إيسلا مخاطبة الدكتور في قصة ( رهان القادم ) : " فكرة صائبة يا دكتور ، لكن علينا أن ننظر إلى المتواجدين على سطح المعمورة لنعيد ترميم ذواتهم المنكسرة " ص 98 .

" و تقول أيضا : ( هذا البحث الذي يعيد الإنسان و اعتباريته إزاء نفسه و الآخرين " ص 98 .
لطالما خاض الأدباء و النقاد معارك أدبيّة و نقدية حول إشكالية علاقة الأدب بالواقع الإنساني ، أيّ بالإنسان في جوهره ، لا في مظهره ، من بوابة المذاهب الأدبيّة المتعاقبة و المتوازية الحضور ، انطلاقا من فلسفة المذهب الكلاسيكي ، وصولا إلى الحداثة و ما بعدها و ماتلاها . فكان الصراع – و مازال قائما – بين العقل و الشعور ، أيهما أحقّ بالريادة و القيادة . ( فقد اشتغلت إيسلا على خلايا العقل كونه المحرك الأهم في المناقشة و اتّخاذ الرأي ...) " رهان القادم " ص 97 . بينما الطرف الآخر اشتغل على " الجنبة الشعورية " ( أوكل لنفسه ثقة بأن يبث السائل المعني بالقلب ) " رهان القادم " ص 97 . لقد تجلّى الصراع بين العقل و القلب ، بين المنطق و الشعور ، بين الواقع و الحدس . بين جوهرالإنسان العاقل ، الذي يديره العقل و يوجّهه و يصونه من شطحات الواقع العنكبوتي و الإنسان الروبوتي المسلوب الإرادة و الهدف و الذي تحرّكه مظاهر التخلّف ، من عادات و تقاليد بائدة و طابوهات معوّقة للعقل و المنطق . تقول إيسلا عن الدكتور وارشو : ( فقد سعى إلى تشييد إنسان الآلة ) " رهان القادم " ص 97
جاء على لسان إيسلا في قصة " رهان القادم " : (علينا أن نشتغل على الإنسان ) ص 97 ...
كما جاء على لسان إيسلا أيضا : ( أنا الدكتورة إيسلا أستاذة علم الأجنة و الهندسة الوراثية ، جاهدت في أن أعيد صيانة الخلايا المعطوبة في دماغ الإنسان ) " رهان القادم" ص 97 .
يتجلّى الحسّ المأساوي واضحا في حوار إيسلا مع الدكتور وارشو . فقد فقد الإنسان المعاصر إنسانيته ، و خير دليل على ذلك حروب الإبادة التى يمارسها الأقوياء و الديكتاتوريون و المستبدّون على الضعفاء و الإنسانيين و طلاّب الحرية و العدالة .
هناك مأساة متعدّدة الأسباب و الغايات و الأوجه ، تضرب أعماق الوجود الإنساني ، و تهدّد الكينونة البشريّة ، سببها الأول الرعونة التكنولوجية و انحراف العقل عن غايته الساميّة ، المتمثّلة في العيش في كنف السلام و التعاون و التراحم ، تحت مبدأ و حكم ربانييين ( يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر و أنثى و شعوبا و قبائل لتعارفوا ، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) سورة الحجرات / 13 .
يبدو أن تجربة القاص ميثم الخزرجي ، أثثتها فلسفته المأساوية ، من خلال الغوص في واقعه العراقي المعيش و محيطه العربي و الإقليمي و آفقه الإنساني الرحب . كأنّ الكرة الأرضية أمست مدينة للأموات لا للأحياء . فالموت / الغياب / المرارة هي القواسم المشتركة بين سكانها . فـ ( المدينة قد اختصتها المرارة ) " متنزّه الغائبين " / ص 118 .
فشخصية سباهي العظم ، الذي يسكن المقبرة ترسم لنا مأساة الإنسان في بيئة مظلمة و في مجتمع يدير دواليبه الغائبين الفاقدين للعقل و الوعي ، و هم في غياب ذاك لا يختلفون عن الأموات في قبورهم . ( داره المنغرسة في المقبرة ، و التي هي عبارة عن حجرة هرمة ... فهو المتواجد الدائم الذي لا يبرح المكان كحال الموتى الذين استحصلوا سكناهم دونما مغادرة ) " متنزّه الغايبين " / ص 118 / 119 . ا
و لشدّة المأساة و مرارتها ، حين تتحوّل المدينة إلى مقبرة ، و يسعد الأموات مقابل شقاء الأحياء ، حينها يحسد الأحياء الأموات على موتهم ، و يشقى الأحياء بحياتهم ، و تنقلب الحياة المفاهيم رأسا على عقب . إذن ، أراد القاص ميثم الخزرجي ، من خلال رسمه لشخصية ( سباهي العظم ) برموزها و دلالاتها و إشاراتها ، أن يجسّد صورة المجتمع المحكوم بالأفكار الميّتة و المُمِيتة و العبثية ، التي مازالت تمارسها سلطانها على العقل العربي منذ سقوط بغداد (سنة 656 هـ ) و سقوط غرناطة ( سنة 897 هـ ) .
( فمن مستحضرات هذا الطقس الروحي المؤثث بالشموع و البخور و ماء الورد ) " متنزّه الغائبين / ص 119 .
( فهو الممتهن حكاية الظل الذي صار جسدا ، و الأفعى التي تلبّست الروح الواهنة ، و القطة التي استحالت إلى صوت طفلة ) متنزّه الغائبين / ص 121 .
عمد القاص ميثم الخزرجي إلى التقاط ذلك الخيط المأساوي الذي يمتد عبر الأجيال تل الأجيال ، ليؤكّد حقيقة مرّة و متجذّرة توارثتها الأجيال ، و كأنّ التخلف الذي خيّم على جوانب حياتنا كلّها ؛ لاجتماعية و الدينيّة و السياسيّة و الاقتصاديّة قدر محتوم . ( فها هو بطل القصة ( متنزّه الغائبين ) - التي توجها القاص عنوانا لمجموعته القصصية – يرث عن أسلافه مجتمعا مترهلا ، مهلهلا . تحكمه الغرائز و تديره العقول الميّتة ، المنتهية الصلاحية . ( ورث عن جدّه مهنة الدفن ) متنزّه الغائبين / ص 119 .
( فهو المشبع بالشواهد و رائحة الموت ، و ما اختزلته الأيام منذ أن ورث عن جده مهنة الدفن و راح يحيى من خلالها ) ( على الرغم من عمره الذي تخطى السابعة و الخمسين ) متنزّه الغائبين / 119 .
( يمرّ الليل و بحوزته شعلة خجلة من الضياء ) متنزّه الغائبين / ص 122 .
( الغريب في الأمر أن أعداد الموتى أخذت بالتزايد ) متنزّه الغائبين / ص 127 .
هذا البوح السرديّ ، يكشف للقاريء و الناقد عن أغوار المأساة المتجذّرة في واقع لونه داكن و عنوانه غياب الحياة و طغيان مظاهر الموت و الفقد ، و فقد الإنسان معنى كينونته ، و تحوّلت المدينة إلى مجرد مقبرة . تزايد عدد الأموات معناه غلبة الموت على الحياة ، التهام المقبرة لجغرافيّة المدينة ، أو بالأحرى ، تجوّل الموت إلى قاعدة و الحياة إلى استثناء . و سيطرة الخرافة على العقل ، و انحسار مساحة المنطق و الحكمة أمام طوفان الشعوذة و السحر و المجهول .
و لنتأمّل الحوار التالي الذي جرى بين حارس المقبرة ( سباهي العظم ) و أحد زوار المقبرة :
- من أنت ؟ و ما الذي تفعله في المقبرة ؟
كان سباهي متوجسا حينها .
- و هل هناك ما يمنعني من الدخول ؟ قالها بطمأنينة .
- هل أنت مجنون ؟ ألا تشعر بالخوف من الموتى ؟
- و لما ( لم ) الخوف ؟ أنا أؤبّن الموتى بالموسيقى .
- هذا عمل قبيح و شيطاني .
- و ما هو دليلك ؟
- كونه شيئا غير معمول به البتّة .
- طيّب ، ما الذي أحسسته حيال سماعك للعزف ؟
- و لماذا تسألني هذا السؤال ؟
- لأنّنا بحاجة إلى أن نكون حقيقيين و لا نكبح قوانا الروحية . ( متنزّه الغائبين / ص 123 / 124 . )
و لأنّ المأساة أصابت العقول الأحياء في مقتل و ( هذه أرض تغص بالموتى ) متنزّه الغائبين / ص 125 . فلا جدوى من ممّا يفعله حارس المقبرة . و كأنّ السؤال الذي يرد في الحوار هو : ما الذي يهدّد الموتى و قد انتقلت أرواحهم إلى العالم الآخر ؟ و ما جدوى تأبينهم بأنغام الموسيقى و بالعويل أو النواح أو الصمت ؟ المأساة التي يعكسها الحوار هي فقدان ميزان العقل و الانغماس في الشعوذة و البحث عن الوجود في كنف العدم . لقد أدّى الجهل المتوارث و الثقافة الزائفة و الاستبداد السياسي و الثيوقراطي إلى إشاعة أجواء من القلق و الخوف و الاستسلام للأساطير و الترّهات و صناعة " أجيال القطيع " . و ما زال المجتمع الشرقي ( العربي و الاسلامي ) عرضة للتواكل و الفتن العشائريّة و الدينيّة و الإثنيّة و النزاعات و الحروب ، و ساحة لتسويق ما ينتجه الغرب من سلع ماديّة و لا ماديّة ، و بالخصوص السلاح و المخدّرات و فلسفة التشكيك في الهويّات القطريّة و القوميّة و الدينيّة .
المأساة ليس في الموتى ، بل في الأحياء . يقول الرجل الزائر لحارس المقبرة " سباهي العظم " : ( لو تغيّر الطرح المتعارف عليه بتوديع الموتى بالبكاء و النحيب و قلدناهم الورد و الموسيقى على أنّهم ارتحلوا ، أو سافروا إلى عالم آخر دون أن نغيّب أرواحهم عنّا ) متنزّه الغائبين / ص 126 .
هي مأساة أخرى ، حين تتعطّل آليات العقل المفكّر - الذي كرّم الله به الإنسان دون غيره من المخلوقات – و يصبح عاطلا على هامش الحياة . يتغلّب الموت على الحياة ، خصوصا موت العقل . حينها يفقد الإنسان بوصلة الحضور . و يغوص في متاهات الغياب و يقفز السؤال المأساوي ليصدم الأحياء : ( أيهما نحن على هذه الأرض ؟ ) متنزّه الغائبين / ص 128 .
من المؤكّد أن الجواب سيكون ، ( نحن الموتى على هذه الأرض . لأنّ ، ما أصاب من يزورون موتاهم أو يعودونهم من الدهشة و الذهول ، جعلهم يتساءلون عن سبب اتّساع المقبرة و زيادة الموتى ( الغريب في الأمر أنّ أعداد الموتى أخذت بالتزايد ) متنزّه الغائبين / ص 127 .
ما يلفت الانتباه - حقا – في هذه المجموعة القصصيّة ، هو هذه المساحة القاتمة ، ذات الدلالات السيميائيّة ، المعبّرة عن مأساة مجتمع شرقيّ ، ذي ثقافة مريضة و مترهلة إلى حدّ الموت .
المتمعنّ في قصص المجموعة القصصية " متنزّه الغائبين " لميثم الخزرجي ، يدرك طغيان سيميائية الموت بمفهومه الحقيقي ، والذي يعني غياب الجسد عن الأنظار و رجوع النفس إلى خالقها ، و هي سنّة جميع المخلوقات . ( كلنا سنموت ) ص 138 .
لكنّ المأساة هو الموت المجازي ، الموت المعنوي و الروحي ، حينها يصبح الجسد كتلة لا معنى لها . و يتحوّل الإنسان من فاعل حر إلى مفعول به مستعبد ، فاقد للحرية و الكرامة و الحكمة و العقل النيّر و اللاشعور . و تنسحب هذه المأساة على الأفراد و المجتمعات سواء .
من بين قصص المجموعة القصصية " متنزّه الغائبين " للقاص ميثم الخزرجي ،التي تشدّ القاريء قصة " وجهة الطير " . و هي قصة تجسّد سيميائية موت إنسانية الانسان على كوكبنا و محاولات مقاومة هذه المأساة ، في ضوء غياب السلام و انحراف التكنولوجية عن مسارها السلمي . " قرب المفاعل النووي من مكان الحدث جعلها تخمد كل الطاقة المصاحبة للعيش و مقاومة الإنسان " ( وجهة الطير ) ص / 133
ما أصاب مدينة كامبو ، مدينة الضوء و النسيم ، لم يحدث مثله عبر سنين عديدة . قبل خمسين سنة حذّر الدكتور برهام بركل من الكارثة النووية ، لكن دون جدوى . و مدينة كامبو الخيالية ، هي - بلا شك - هيروشيما و نكازاكي اليابانيتان ، الحقيقيتان . لكن بحث الدكتور برهام بركل بقي معلقا و مازال في القصة يبحر بنا القاص ميثم الخزرجي إلى منطقة الخطر الذي يتهدّد الكرة الأرضية نتيجة رعونة الإنسان و تهور و غروره التكنولوجي و تماديه في استغلال الذرة و اليورانيوم المخصّب بفكر جنوني ، و استنزاف قوى الطبيعة الإيجابيّة . و ما حدث لمدينة كامبو ، شبيه لما حدث لمدينتي هيروشيما و نكازاكي . " كانت مدينة كامبو كئيبة و موحشة ، بشر بقوى خائرة " ص / 135 .
" سيموتون كلّهم " ص / 136 . هذا ما توصّل إليه الدكتور يشاد .
أمّا ما لاحظه الدكتور شاويس ، فهو أدهي منه و أمرّ : " كل شيء ميت هنا " . ص / 136 .
وقف القاص ميثم الخزرجي أمام حقيقة مأساة الموت بسبب توظيف العلم خارج دائرة الحكمة و بأساليب مرعبة و مفزعة ومجنونة . فقد تحوّل العالم اليوم إلى مضمار للحروب المدمّرة و الداميّة إلى حدّ الإبادة دون رحمة أو شفقة . كما هو حادث اليوم في غزّة على أيدي الغزاة الصهاينة . إنّ السلاح النووي سيقتل الجميع الظالم و المظلوم ، القويّ و الضعيف ، العالم و الجاهل ، المجرم و البريء ، الغنيّ و الفقير . " كلّنا سنموت " ص / 138 . " ستموتون جميعكم جراء هذا الهواء المسموم إن لم تطاوعونا لإسعاف ما بقي منكم " ص / 138 .
يبدو أن الإنسان المعاصر في نظر القاص ميثم الخزرجي عدوّ نفسه ، أيّ أنّه يمعن في قتل نفسه ، و لم يستفد من المآسي السالفة . مأساة الإنسان المعاصر في عقله الذي تمرّد على الفطرة و القيّم النبيلة . عقل تغلّبت عليه الفلسفة البراغماتية الذاتية و الساديّة ( النفعيّة و الأنانيّة ) .مأساة الإنسان المعاصر لا تكمن في الجهل بقدر ما تكمن في المعرفة . مأساة الإنسان المعاصر في التسلّط و الثراء الفاحش و الاستبداد و الكبرياء و التألّه على الله . و هو سلوك قديم حفظه لنا تاريخ البشريّة في القرآن الكريم المنزل على سيّدنا محمد صلى الله علي و سلّم . ذلك السلوك النمرودي و الهاماني و الفرعوني ، ثم ما تبعه من سلوك نازيّ و فاشيّ و استدماري و غيره . " يجب أن نعلم جيدا بأن الأرض ستنهارعن قريب نتيجة تبدّد نسيجها " ص / 136 .
إنّ مدينة كامبو ، هي الكرة الأرضية ، هي العالم الذي بدأت قيّمه تحتضر ، و بدأ الخراب يحاصره ، و اليباب يغزوه من أعماقه . لقد تنبأ ت. س . إليوت في قصيدته الأرض اليباب ، بخراب العالم و نزوحه نحو الزوال . لقد كانت نبوءته في القصيدة عن أن حضارة أوروبا سوف تتسبب بموت البشريّة محقّة ، ذلك أنّ الحرب العالمية الثانية كانت أكثر عنفا و دموية من الأولى . و لا يعلم الناس ، كيف ستكون الحرب العالمية الثالثة ، إذا اندلعت ، بعد نشوب هذه النزاعات و الحروب الأهليّة و الإثنيّة و الاقتصاديّة ، التي أنتجتها الحرب الباردة هنا و هناك ،
( التاريخ التدميري و القاتل الذي جعل من إليوت مريضا نفسيا يحتاج إلى علاج حين كتب عن هذا التاريخ ، قصيدة عظيمة سوف تظل وثيقة أبدية على الخراب الذي أنتجته الحضارة الغربية .)
و بالمجمل ، فقد ساح بنا القاص ميثم الخزرجي في عوالم مأساويّة ، بأسلوبه القصصي ، المشبع بلغة الإيحاء و المجاز . لغة جسّدت في مضمونها حسّا مأساويا ، التقطه القاص من عالم الواقع المأساوي المعيش . هذا الواقع الرمادي ، الذي شيّده الإنسان من بنات أفكاره ، و أرسى لبناته على أرض مليئة بالصراعات النفسيّة و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية . فمنذ مقتل هابيل على يد قابيل ، لم يُغمد سيف القتل لحظة . بل استمرّ الإنسان في قتل أخيه الإنسان و قتل نفسه ، و لم ينجه العلم من الرعونة و الهمجية و الجريمة ، بل زادت رعونته و التهبت غرائز القتل الفردي و الجماعي لديه .
و في الختام ، يمكن اعتبار المجموعة القصصيّة " متنزّه الغائبين " للقاص العراقي ميثم الخزرجي ، إضافة متميّزة في معمار القصة العراقية المعاصرة و في قاموس السرد العربي المعاصر أيضا ، لما تتميّز به من تفرّد و جدّة و تشويق في معالجة الموضوعات الحيويّة في المجتمع العراقي و الإنساني ، بأسلوب خالٍ من التعقيد و التنميق و الإسفاف .



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة البؤس و بؤس الثقافة
- 19 مارس عيد النصر في الجزائر
- أدب التوقيعات ، ذلك الفنّ المنسي
- ترحيل تمثال الحريّة إلى غزّة
- جدليّة الثقافة و السياسة في المجتمع الشرقي المعاصر . قراءة ...
- المقامة الغزّاوية ( 2 )
- المقامة الغزّاوية ( 1 )
- أمريكا و أخواتها والمسلمون و مأساة غزة
- مكانة المرأة الريفيّة و دورها في ثورة التحرير الجزائريّة
- تحية إلى أبناء نيلسون مانديلا
- انقلاب النيجر : إصرار في نيامي و هلع في باريس .
- إفريقيا للأفارقة
- ما زلت تلميذا
- سلام على هيروشيما و نكازاكي
- مليونا ين يابانيّ من أجل التحوّل إلى كلب
- أقدام على منصّات التتويج
- المنظور الصوفي في رواية بياض اليقين . قراءة نقديّة في رواية ...
- جناية الصوفيّة على الحضارة الإسلاميّة
- يُخرّبون بيوتهم بأيديهم
- سيميائية العلاقة بين الرجل و المرأة في رواية غابات الإسمنت * ...


المزيد.....




- كأنه حقيقة.. فنان يطوّع الذكاء الاصطناعي لينشئ عالمًا من الص ...
- - سينما تدور-.. حتى يصبح الفن السابع في متناول الجميع بتونس ...
- مصر.. رامي إمام يكشف شرط عودة -الزعيم- إلى الساحة الفنية
- بوتين: أشاهد أحيانا مع أحفادي أفلاما مستوحاة من الحكايات الش ...
- هافانا تشهد إزاحة الستار عن تمثال ألكسندر بوشكين
- بعد 12 عاما.. -الجنرال يعود مبتسما إلى سوريا- (فيديو + صور) ...
- حصة السينما الروسية تستمر في النمو مع تطور إطارات تفاعلية
- زنجبار: قصة آخر سلطنة -عربية- في أفريقيا
- قصص قصيرة جداً
- أمَا آنَ لي أنْ ألقى قمري الضائع؟


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - الحسّ المأساوي في المجموعة القصصية - متنزّه الغائبين - للقاص ميثم الخزرجي .