أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - -اللصوص الجدد: كيف تسرق أفكار الآخرين وتجعلك عبقريا في عيونهم-














المزيد.....


-اللصوص الجدد: كيف تسرق أفكار الآخرين وتجعلك عبقريا في عيونهم-


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8197 - 2024 / 12 / 20 - 01:46
المحور: كتابات ساخرة
    


في عالم مليء بالفوضى الفكرية والابتكارات التي تتصارع لتمسك بأهداب الشهرة، هناك نوع جديد من "اللصوص" الذين لا يسرقون المال ولا الذهب، بل سرقتهم أكثر دهاء: الأفكار. هؤلاء اللصوص لا يسرقون أفكارك ليبنوا بها ثروتهم، بل ليجعلوك تشك في أنك أنت من سرقها منهم! نعم، هذا النوع من السرقة قد يكون الأكثر ذكاء، لأنه يأتي على شكل "إبداع" و"ابتكار"، لكن الحقيقة هي أن اللصوص الجدد قديمون قدم الحكايات الشعبية. في المغرب، كما في كل مكان، السرقة الأدبية ليست مجرد صنعة جديدة في عالم "الهاشتاغات"، بل هي تقليد متأصل في الثقافة الشعبية التي تجد أن التقليد أسهل من التفكير.

كنت أعيش في حي صغير، حيث كان هناك شخص يدعى "سمير" – وليس لصا تقليديا يقتحم البيوت أو يسرق السيارات – بل كان لصا من نوع خاص، لص أفكار. كان يجلس بيننا، ينصت بإمعان، كما لو كان يشم أفكارنا كما يشم الزهور في الربيع، ثم يختفي فجأة ليقدمها لنا في اليوم التالي بشكل معاد التدوير، وبثوب جديد تماما، كأنها كانت فكرته منذ الأزل.

في أحد الأيام، بدأ صديقنا "عادل" يلقب سمير بلقب "الشفار"، مؤكدا أنه يسرق كل شيء: من الأفكار إلى النظريات، ومن الآراء إلى النكات. لكن كان هناك دائما شخص آخر، مثل "أحمد"، الذي كان يصر على أن سمير ليس مجرد لص، بل هو "لص أفكار شريرة"، مما جعلنا نضحك جميعا بشكل هستيري. لكن بعد أن فكرنا قليلا، بدأنا نكتشف أن كلام أحمد يحمل بعضا من الحقيقة.

سمير لم يكن مجرد شاب يسرق الأفكار من أجل "الاستفادة الشخصية". بل كان بمثابة "محرض فكري"، الشخص الذي يجعلك تطرح سؤالا على أفكارك القديمة وتشكك في يقينك. كان يشبه لصا غير تقليديا، يسرق منك شيئا أهم من المال: يسرق "ثقتك". كان يدخل في نقاشات حامية تثير الجدل، ويدفع الجميع للبحث عن أفكار جديدة ربما لم يفكروا بها من قبل، أو حتى لم يكونوا ليفكروا بها أبدا لولا أن سمير "حرك" عقولهم.

لكن المفاجأة الكبرى أن سمير لم يكن حالة فريدة، بل "نموذجا مصغرا" لظاهرة أوسع من السرقة الأدبية التي تهيمن على المشهد الثقافي والفني في بلادنا. من الأفكار المقتبسة دون ذكر المصدر إلى الأفكار "الجديدة" التي ما هي إلا إعادة تدوير لأفكار قديمة، أصبح التقليد هو السائد، والإبداع في مهب الريح. وفي المغرب، مثلا، يقال لك: "أفكار جديدة؟ لا، فقط أضف القليل من السوس أو النعناع ليظهر أنها محلية!"

خذ، مثلا، السينما المغربية. هل رأيت كيف أن العديد من الأفلام المغربية مجرد نسخ حرفية من أفلام أجنبية؟ نعم، الحبكة هي نفسها، الأسلوب لا يختلف، لكن بقدرة قادر، يتحول الفيلم إلى "إبداع مغربي" بمجرد أن يضيف أحدهم بضع دقائق من الرقص التقليدي أو موسيقى "الراي". في النهاية، من يسرق الفكرة الأصلية، ثم يضع عليها لمسات سطحية، لا يمكن أن يسمى مبتكرا، بل مجرد "محسن مستعار".

والحقيقة المحزنة هي أن السرقة الأدبية في ثقافتنا ليست ظاهرة حديثة، بل هي سلوك عميق الجذور. في الماضي، كان الأدباء والفنانون يقتبسون من حضارات أخرى، لكنهم كانوا يفعلون ذلك بعناية، بحيث يعكس العمل بصماتهم الثقافية. أما اليوم، فالأمور أصبحت أكثر تعقيدا: أصبحت السرقة لا تقتصر على النسخ، بل تشمل التلاعب بالأفكار، ثم الادعاء بملكية هذه الأفكار، ليتحول السارق إلى "عبقري" في نظر العامة.

وفي النهاية، لا بد من الاعتراف بحقيقة صادمة: كل واحد منا يمكن أن يصبح "لصا للأفكار". ولكن السؤال الأهم هو: ماذا سنسرق؟ وكيف سنقدمه؟ هل سنسرق أفكارا تحمل في طياتها إمكانيات جديدة للتطور؟ أم نكتفي بسرقة الأفكار الضعيفة، التي لا تملك إلا تكرار ما قيل قبل عقود؟

سمير لم يكن مجرد لص أفكار شريرة، بل كان مرآة تعكس الواقع الثقافي لدينا. كان يحثنا على إعادة التفكير في الأفكار التي نؤمن بها، ومراجعة هوية الإبداع لدينا. لذا، علينا أن نكون حذرين فيما نقتبسه، وأن نعيد صياغة ما نسرقه بعناية، حتى نتمكن من تقديم شيء يستحق فعلا أن يسمى "إبداعا".



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنود الحدود: صمت الأبطال في مواجهة اللامبالاة-
- النقيب زيان: -الحرية مشروطة بالصحة-
- -غالي أم رخيص؟! الرأي في قفص الاتهام: هل يمكن للزواج أن يغير ...
- -حافلة النقل الحضري تقرر تغيير مسارها إلى عالم المقاهي!-
- خطبة الوداع: كوميديا السلطة وسخرية الواقع السوري
- -العالم للبيع: تخفيضات نهاية السيادة أم نهاية السنة؟-
- -أنا والنكوة: حين تتحول الهوية إلى مسرحية كوميدية متعددة الف ...
- -هل هرب بشار الأسد... أم أن الشائعة أسرع منه؟-
- بدون فلتر: -بين حدود الأوهام وصراعات الواقع: مغامرة الهروب و ...
- ضحكة في زمن الحروب: السلام والتعايش بين الفلسطينيين والإسرائ ...
- بدون فلتر: يا للقدر! من قطع الأشجار إلى قطع الرؤوس
- العزوبة: حياة الرفاهية أم فخ الوحدة؟
- الاستمطار الصناعي في المغرب: حلم السماء التي لا تمطر
- نتنياهو في قبضة القدر: اعتقال غفلة!
- -أزمة الكهرباء في جماعة وليلي زرهون: بين التهميش والتمييز وغ ...
- -وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية: إعلان رسمي عن علما ...
- حقوق الإنسان: من خطب المهرجانات إلى متاجرة الضمير
- -محمد وأمنية ما بين السخرية والفلسفة: حين يتلاقى حسن الخاتمة ...
- عريضة شعبية تطالب الملك بمحاسبة وزير العدل وهبي وإقالته من م ...
- الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن: أداة سياسية أم عقبة أمام السل ...


المزيد.....




- كأنه حقيقة.. فنان يطوّع الذكاء الاصطناعي لينشئ عالمًا من الص ...
- - سينما تدور-.. حتى يصبح الفن السابع في متناول الجميع بتونس ...
- مصر.. رامي إمام يكشف شرط عودة -الزعيم- إلى الساحة الفنية
- بوتين: أشاهد أحيانا مع أحفادي أفلاما مستوحاة من الحكايات الش ...
- هافانا تشهد إزاحة الستار عن تمثال ألكسندر بوشكين
- بعد 12 عاما.. -الجنرال يعود مبتسما إلى سوريا- (فيديو + صور) ...
- حصة السينما الروسية تستمر في النمو مع تطور إطارات تفاعلية
- زنجبار: قصة آخر سلطنة -عربية- في أفريقيا
- قصص قصيرة جداً
- أمَا آنَ لي أنْ ألقى قمري الضائع؟


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - -اللصوص الجدد: كيف تسرق أفكار الآخرين وتجعلك عبقريا في عيونهم-