|
الغصن الذهبي
بلقيس خالد
الحوار المتمدن-العدد: 8196 - 2024 / 12 / 19 - 22:37
المحور:
الادب والفن
بين الأسطورة والتاريخ.. رحلة من الطفولة إلى عالم الكتب لطالما حيرتني المعتقدات المتوارثة جيلاً بعد جيل، تلك المعتقدات التي تحكم سلوكنا وتشكل تصوراتنا عن العالم. أتذكر كيف كنت أسمع عن طقوس الزواج الغريبة، حيث تُغطى وجه العروس خوفًا من العين الشريرة، وكيف أن زيارة المأتم قبل زيارة العروسين قد تجلب الشؤم. هذه المعتقدات، وغيرها الكثير، كانت لغزًا أرغبُ في حله ِ. الأكثر غرابة كان الاعتقاد في قوة ثوب الوليد الأول في التفريق بين الزوجين! وقد ضمنت ذلك في كتابي (سماوات السيسم)الصادر عام 2013عن دار ضفاف: (حين ذبل لوني، سألتني جدتي: ها.. بنيتي؟ ارتجفتْ سعفة صوتي : ضرةٌ في الطريق. صمتتْ تأملتني.. صمتتْ ثانية.. ثم، بهدوء أمرتني : مزقي (البكيرة).ص55). (البكيرة): هي أول قطعة قماش يلبسها الوليد البكر. يحمل هذا الثوب في طياته رمزية عميقة، حيث يرتبط مصير الزواج به بشكل غريب. فوفقًا للمعتقد، فإن تمزيق البكيرة عند دخول العروس إلى بيت زوجها يعني حتماً فشل الزواج. كانت هذه الحكايات، التي تبدو لي غريبة، جزءًا لا يتجزأ من حياة أجدادنا، وتشكلت حولها العديد من الطقوس والعادات. ولطالما تساءلت: من أين أتت هذه المعتقدات؟ وما الذي يجعلها تستمر على مر العصور؟ هل هي مرتبطة بديانات معينة؟ أم هي نتاج خيال شعبي؟ ما الدور الذي كانت تلعبه هذه المعتقدات في حياة الناس؟ هل كانت توفر لهم الشعور بالأمان؟ تلك الاسئلة كبرت معي وقادتني إلى البحث عن اجابات.. كما اقول في الهايكو: (ستر السؤال: جواب). توجهتُ بأسئلتي الى نافذة أطلُ منها على عوالم أخرى، عوالم مليئة بالحكايات والأسرار. هذه النافذة: مكتبتي، هي التي أرشدتني منذ طفولة مليئة بالفضول إلى عالم المعرفة والحكمة. من غرائب المكتبة ظاهرة اختفاء بعض الكتب! ولا أدري أين تذهب.. هل هناك كائنات تأخذ الكتب ثم تعيدها؟. كم من مرة اختفت عنا أشياء ثم عادت لتفاجئنا؟ منها كتاب (الغصن الذهبي) اختفى عني لسنوات، ليعود في لحظة مفاجئة وكأنه يردد: (أين كنتِ؟ لماذا تركتني كل هذه المدة؟). حينها، شعرتُ كأنني أواسي طفلاً ضائعًا عاد إلى أمه. كتاب (الغصن الذهبي) يعد رحلة عميقة في أعماق النفس البشرية والمجتمعات القديمة، فهو وحده الذي فتح أمامي آفاقًا جديدة لفهم الكثير من الطقوس والعادات المعاصرة. ففي عصرنا الذي يبحث فيه الكثيرون عن معنى أعمق للحياة، ويهتمون بالطاقة والتأمل، نجد أن جذور هذه الاهتمامات تمتد إلى أعماق التاريخ، كما يصفها الغصن الذهبي. هو دراسة في السحر والدين، من تأليف الأنثروبولوجي جيمس جورج فرايزر. ترجمة: نايف الخوص. يتكون الكتاب من (69) فصلا توزعت على (911) صفحة من القطع الكبير/ دار الفرقد للطباعة والنشر- سورية – دمشق. - 2014 الكتاب مقسّم إلى (69) فصلا، لكل فصل اجزاء عديدة تغطي جوانب مختلفة من الديانات والميثولوجيا. استوقفني الفصل الثالث (مبادئ السحر) يقول فرايزر: أن الأشياء التي كانت ذات يوما متحدة تظل على صلة بعد انفصالها الفيزيائي، يمكن أن نسمي المبدأ الأول قانون التشابه والثاني قانون الانتشار أو الاتصال. أي أن الأشياء التي كانت على اتصال بشخص ما تحتفظ بجزء من قوته، وبالتالي يمكن استخدامها للتأثير عليه. وذلك يسمى: السحر بالعدوى.ص29 السحر التعاطفي التجانسي أو سحر المحاكاة، يتناول فكرة معينة، مثلاً أن الأشياء المتشابهة تتأثر ببعضها البعض، وبالتالي يمكن استخدام الأشياء التي تشبه الشخص أو الشيء المستهدف للتأثير عليه. يقول: الشيء يعطي شبيهه، وهو محاولة الكثير من الشعوب عبر الكثير من العصور إنزال الأذى أو الدمار بالعدو من خلال إنزال الأذى أو الدمار بصورته معتقدين أنه عندما تبدأ الصورة بالمعاناة يشرع صاحبها بالمعاناة نفسها، ويصل الأمر الى حين تمحق الصورة يموت صاحبها ص31. وليس ذلك فقط بل هناك ما هو مفيد لإنسان، وعلى سبيل المثال ما يُذكره المؤلف في صفحة 53: ( يعتقد أن في الحيوانات ميزات قد تكون مفيدة للإنسان ويستخدم السحر العاطفي التجانسي لنقل تلك الميزات للكائنات البشرية بطرق عديدة، لذلك يعمد بعض أهالي بيكونتا إلى ارتداء جلد ابن مقرض كسحر لأنه حيوان يتمتع بصفة العناد وبالتالي يجعلهم مستعصين على أن يُقتلوا. ولبلوغ الغرض نفسه يصطحب بعضهم حشرة حية لكن أحد أعضائها معطوب. وكذلك يرتدي محاربو بيغوانيون رأس الثور فاقد القرون على رأسهم ويضعون جلد ضفدع على عباءتهم لأن الضفدع ملساء إنزلاقية أما الثور فاقد القرون فمن الصعب الإمساك به.) الآن وفي خضم تطور العلوم والتكنولوجيا، لا يزال الإنسان يبحث عن تفسيرات ومعانٍ أعمق للحياة. اثناء قراءتي لهذا الكتاب، تذكرت حادثة طريفة حدثت لي حين نصحتني أحدى الصديقات بشراء ثوب بنقش جلد النمر لجلب المال والوفرة. في البداية، اعتبرت الأمر مجرد مزحة أو خرافة، ولكن مع التعمق في كتاب الغصن الذهبي، بدأت أدرك أن هذه المعتقدات ليست وليدة العصر، بل لها جذور عميقة في التاريخ. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي برنامج تلفزيوني، شاهدت طقوسًا غريبة تتمثل في ربط (أبو بريص)حيا أو حشرة الخنفساء السوداء.. بخرقة لحماية الشخص من "التابعة". هذه الممارسات، على الرغم من اختلافها، تشترك جميعًا في نقطة واحدة: البحث عن قوى خارقة لتحقيق أهداف معينة. كتاب الغصن الذهبي، يكشف لنا كيف أن المعتقدات القديمة لا تزال تؤثر على سلوكنا وعاداتنا، حتى في عصر العقلانية والعلوم. في الصفحة 53 يقول المؤلف: ( نساء بلغاريا وسيرفيا اللواتي يضيقن ذرعا بالقيود العائلية فيأخذن عملة نقدية نحاسية من عيون جثة ثم يغسلنها بالماء والنبيذ ويعطين السائل الناتج لأزواجهن كي يشربوها، وما ان يشربوها حتى يصبحوا كالأموات الذين أخذت منهم تلك القطعة النقدية غافلين عن هفوات زوجاتهم.) ويعود المؤلف إلى فصل سحر العدوى في صفحة ( 62) فيقول: ( هنا نرى الخطأ الذي وقع في السحر التعاطفي والتجانسي ، ويمكن القول إن السحر بنوعيه يعتمد على الأساس الفيزيائي نفسه وهو وسط مادي من نوع معين يشبه تماما الأثير في الفيزياء المعاصرة من المفترض أن يوحد ذلك الوسط الأجسام البعيدة وينقل الانطباع من طرف لآخر، وخير مثل على سحر العدوى هو ذلك الذي يفترض تعاطفا سحريا بين الشخص وأي جزء منفصل عنه مثل شعره وأظافره الذي يفرض إرادته على الشخص الذي قطعت منه تلك الأجزاء. تسود هذه الخرافة في جميع انحاء العالم). ربما ذلك ما جعلنا نتوارث المخاوف أو الخوف على ما ينفصل منا، مثل دفن الأظافر والشعر؟ هل هي مجرد عادة ورثناها عن أجدادنا، أم أن هناك دافعًا أعمق يدفعنا إلى ذلك؟ سؤال يجيب عليه كتاب (الغصن الذهبي) بوضوح، حيث يربط هذه الممارسات بمعتقدات أقدم بكثير مما نتصور.. كتاب "الغصن الذهبي" عملًا فكريًا ضخمًا ومؤثرًا. يقدم فرايزر في هذا الكتاب تحليلاً شاملاً للمعتقدات والسلوكيات الدينية في مختلف الثقافات والشعوب، بدءًا من المجتمعات البدائية وحتى الحضارات القديمة. رحلة شيقة في أعماق العقل البشري. مقالتي هذه مجرد ملخص وامض لفقرات من الفصل الثالث للكتاب، فكتاب "الغصن الذهبي" غني بالمعلومات والتفاصيل، ويحتاج إلى دراسة متعمقة لفهم جميع جوانبه. وستكون لي مقالات أخرى عن فصول هذا الكتاب ان شاء الله.
#بلقيس_خالد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منديل الخيال
-
كون آخر
-
فراغ
-
كما لو أنها
-
رمشة عين
-
حميدة العسكري شاعرة النور الساطع
-
جزئية الأشياء
-
نقش على الخاتم
-
أخوان الصفا
-
الشاعرة عقيلة العمراتي: تحتفي بها مؤسسة أقلام الريادة
-
رمانة
-
كوثرة متدحرجة
-
مارية بطلة كربلاء في البصرة
-
الروائية غفران كريم .. في ( كان موعد مع القدر)
-
بالقصائد نستقبل صيف البصرة
-
منضدة المطبخ
-
عنبٌ أخضر .. هايكو عراقي
-
شال أسود : قصة قصيرة
-
صوت لا مرئي
-
مسبحة السماء
المزيد.....
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
-
مدينة حلب تنفض ركام الحرب عن تراثها العريق
-
الأكاديمي والشاعر المغربي حسن الأمراني: أنا ولوع بالبحث في ا
...
-
-الحريفة 2: الريمونتادا-.. فيلم يعبر عن الجيل -زد- ولا عزاء
...
-
لماذا يعد -رامايانا- أكثر أفلام بوليود انتظارا؟
-
الفنان السوري مازن الناطور للمتظاهرين: صبرتوا 55 سنة مش قادر
...
-
القضاء الأميركي يرفض إلغاء إدانة ترمب في قضية الممثلة الإباح
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|