عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 8196 - 2024 / 12 / 19 - 16:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تمر لحظة الانتكاس من الشيوعيه اللاارضوية غير الناطقة، الى الارضوية النقلية البرانيه من دون حالة من الاضطراب والاحداث غير العادية، استمرت متصلة على مدى يقارب العقد نتج عن مالات ثورة تموز 1958 اللاارضوية، وتكرارها لعدم النطقية مع التفارقية القصوى بين الواقع وحركته والافكار الايديلوجيه، وعجز هذه الاخيرة عن التفاعل مع الواقع، وهو ملمح التعذر الثاني الاعمق بعد لحظة تعذر النطقية الاولى ابان ثورة 1920. ومن الانقلاب الدموي التصفوي الاجتثاثي الذي استهدف الحزب اللاارضوي استبدالا في شباط عام 1963، الى سلسلة الانشقاقات داخل الحزب، وقد تزامنت مع عام سطو عزيز محمد ممثل حزب الافندية على قيادة الحزب عام 1964 ابتداء بانشقاق "اللجنه الثورية"، وصولا الى تمهيدات الانشقاق الاكبر، انشقاق "القيادة المركزية" في ايلول عام 1967. وماسبقه من تمهيدات ظلت تعمل داخل الحزب منذ 1965/ 1966 باسم " فريق من كوادر الحزب".
ويتوافق الانشقاق الذروة عام 1967 مع تبلور اسباب الانقلاب الحزبي الايديلوجي الريعي كحاجه من غير الممكن تحاشيها بعد فترة الانقلابات العسكرية مابين 1964 و ،1968 حين اتضح تماما عجز هذا النوع من سلطات العسكر عن التحكم بالاوضاع، او لجم تمخضاتها، في حين بدات علائم الانتقال للسلاح، والتحضير للكفاح المسلح تطرح بعدما تبنتها مجموعات، من اهمها تلك المنحدرة من "فريق من كوادر الحزب"، ناهيك عن بعض الميل لاستعمال السلاح من قبل تنظيمات "القيادة المركزية"، ماقد أثار مخاوف غير عادية، وان تكن مكبوته لدى الدوائر الغربيه والقوى المتحالفة معها عربيا، مقابل ماكان بارزا من ضعف وانعدام قدرة نظام عبدالرحمن عارف، لشدة عزلته وانعدام قدراته على التعامل مع الظرف الناشيء،وكل هذه موجبات جعلت حدثا مثل الانقلاب الريعي الايديلوجي "الحزبي" بدل العسكري، بمثابة وصفة علاج مسبق، والى حد بعيد استدراكي استباقي احتواءا لاحتمالية خطرة للغاية، وهكذا توفر تيار البعث المحور سلطويا، وقتها بالتعاون مع قوة نافذه على صله بدوائر اجنبيه وشركات النفط مثل مدير الاستخبارات العسكرية في حينه عبدالرزاق النايف، الفرصة للوثوب الى السلطة، بعد عشر سنوات على ثورة 14 تموز 1958 ، دلاله على حلول طور من الاحتدام الاصطراعي الفائق للمعتاد، والمفضي الى الانقلابيه البنيوية والى الحاح النطقية كمعادل للاستمرارية المجتمعية التاريخيه.
وكما هي العادة، لم يكن من المتوقع وقتها ظهور ايه دلالات وعي بالاشتراطات الذاتيه ومساراتها، والتفاعلية الناظمه لها في اللحظة المنوه عنها، ومع تعدد الانشقاقات والمشاريع الدالة على متبقيات فعالية الشيوعيه اللاارضوية، الا ان هذه على الاجمال وكحصيلة عجزت عن ان تقارب مالم يكن شخص مثل يوسف سلمان يوسف " فهد"مضطرا لمقاربته في الثلاثينات من القرن الماضي، فاذا هو تحدث في حينه عن "الطبقات" او "الشيوعية" مقابل"الاشتراكية الديمقراطية" المتلبسه لباس "الشيوعيه" تمييزا، فانه يستطيع اقامة الحزب المطلوب وقتها، لابناء على فعل الطبقات والصراع الطبقي الذي لاوجود له الا ذهنيا، بل بلارتكاز للفعالية اللاارضوية، وكيفيات تاقلمها والرد على اشتراطات الاصطراع الافنائي الواقع عليها في اللحظة، كما في قدرتها ككينونة تاريخيه مشاعية طبيعة، ونموذجية كيانيه مجتمعية تاريخيه متعدية من حيث اتفاقها الطارد كمجتمعية لادولة للامتيازات المادية والسلطوية، ابتداء ومنذ تبلورت المجتمعية في ارض سومر، مجتمعية كوراجينا اول من نطق في التاريخ البشري بكلمة "الحرية/ امارجي"، واول من رفع راية "حقوق المستضعفين"، لابل وكل "حقوق الانسان" التي يتغنى بها الغرب اليوم، مجتمعية القرامطة و "مجلس عقدانيتها" وافتتاحيته في الفقرة الاولى منه: "يحق للانسان ان يؤمن كما يحق له ان لايؤمن"، عدا الخوارج والاسماعيليين، والحلاج واخوان الصفا والمعتزلة.. وكل عالم الدولة بلا اعلان بحكم كونها "لادولة" كينونة، غير متوافقه مع الارضوية وماتملية جسديا، ارض الانتظارية والاضافة الامامية للنبوة، وقبلها ارض ابراهيم، الكونيه الحضور على مستوى العالم، وهو مالم يكن "فهد" ليعنى به او يقاربه، لكنه في الحصيلة خضع لحكمه، ورضخ لمقتضياته حين الحت ساعة استبداله عن مصدره واصل تشكله الطبقي الاوربي، ابان لحظة اصطراع تاريخيه افنائية سلطها الغرب الالي الاستعماري على مكان يتعداه كينونة، واتفاقا مع الغاية المضمرة في الظاهرة المجتمعية، فكان ماحصل حينها للضرورة تطويع وحيازة، ومن ثم استخدام احدى وسائل الغرب الصالحه لمواجهة الغرب ووطاته الافنائية .
عدا ذلك فانه كان من المضحك الحديث عن انبثاق الطبقات وصراعها بمجرد ان وصلت الحملة البريطانيه، بينما العراق مازال لم يتشكل بعد، مع انه عبر حتى حينه من الاسفل محطتين من تاريخ تشكله الحديث، الاولى قبلية مع "اتحاد قبائل المنتفك" توجت بالثورة الثلاثية عام 1787 التي حررت العراق الاسفل من بغداد الى الفاو بقيادة ثويني العبدالله شيخ مشايخ المنتفك، والثانية انتظارية دينية نجفية، وهما الاثنان مؤقتان، وغير دالين على الجوهر غير الناطق، والذي ينتظر النطق كلحظة تحقق، محكومان مايزالان لاشتراطات الاصطراعية اليدوية مع الاحتلالات البرانيه المتواليه منذ هولاكوحتى مجيء الانكليز.
صحيح ان الاحتلال الانكليزي قد افتتح عملية تبديل شكل الاصطراعية، من اليدوية الى الاليه، الا ان ماحصل لاعلاقة له بالعراق اذا ما نظرنا للامر من ناحية نوع التشكل المرحلي، فالعراق كان مايزال وقتها يدويا كبنية وذاتيه، لم يعرف من جهته الديناميات الانقلابيه التاريخيه الالية، مع انه ارتفع بناء على نوعه المجتمعي الى مستوى وشروط الاصطراعية التي صارت مفروضة عليه بدءا من ثورة العشرين اللاارضوية برغم لانطقيتها، ومن ثم القفز على الفترة الانتظارية النجفية، الى مايتعارض معها ويخالفها جوهرا، برغم عدم توفر اسبابه المادية التاريخيه المفترضة، وهو بحد ذاته امر غاية في الغرابه، ففي موضع يفترض انه الاكثر "تخلفا" على مستوى العراق، وبالذات مقارنه ببغداد العاصمة المنهارة وموطيء البرانيه، امكن في الناصرية جنوبا بالذات ان يقوم الحزب الشيوعي المطلوب كوسيلة متناسبه مع الضرورة الاصطراعية البرانيه الالية، الامر اللافت، والذي كان ومايزال يستدعي التوقف مليا، لو كان هنالك عقل بمستوى الظاهرة والحالة ومترتباتها ككل، ذلك اذا تجاوزنا بعض ماتنطوي عليه الحالة المنوه عنها من غرائبيه ملفته، كان يكون الشخص الذي اسس الحزب المذكور هابطا من الشمال، من الموصل، وانه كما من ديانة اخرى، غير تلك السائدة الغالبة تاريخيا في هذا الجزء من ارض مابين النهرين.
المثير للانتباه بقوة هو قدرة هذا التيار المتشكل بعد الاحتلال البريطاني، وتحول الوطاة البرانيه من يدوية الى آليه، على ان ينافس، لابل يتفوق حضورا وانتشاراعلى سابقيه من القبلية والانتظارية النجفية، لدرجة استدعت في وقت لاحق صدور فتوى بحق الشيوعية بصفتها"كفر والحاد" كما فعل المجتهد الاكبر في حينه، السيد محسن الحكيم عند مفتتح الستينات، الامر الذي لم يغير من الواقع شيئا، بما يحسم على مستوى التدرجية التعبيرية التشكلية الامر باضافة الفترة الثالثة، بعد القبلية والدينيه الانتظارية، كفترة يمكن ان نطلق عليها تسمية الفترة الثالثة "الايديلوجيه" بدات بعد الاحتلال الانكليزي.
لم يكن شخص مثل عزيز الحاج ببدائيته الايديلوجية، او ابراهيم علاوي، بصفتهما ابرز اثنين وجدا على راس "القيادة المركزية" و "فريق من كوادر الحزب" ليقاربا وان من بعيد، موجبات الانقلابية الكونية المحتدمه لحظتها، مابعد الماركسية، قبل نضجها الضروري، فكان ان ظلت الاحداث تسير تباعا نحو المحطة النهائية الرابعة، النطقية المنتظرة على مدى تاريخ ارض مابين النهرين، بعد مسارتحضيري لاحق قارب النصف قرن الى اليوم، كان ضروريا لقلب المجتمعية والكيانيه ونوعها الازدواجي، عبر سلسلة متصلة من محطات الاصطراعية التدميرية، والعنف والاضطراب المتواصل، وصولا الى السحق الكياني، وبلا توقف الى الساعة.
ـ يتبع ـ ملحق ج
ـ ملامح المهمة الكونية الكبرى المعلقه وضرورتها
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟