خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8196 - 2024 / 12 / 19 - 12:04
المحور:
الادب والفن
على حوافِّ الضبابِ البعيدِ،
تتأرجحُ ظلالُ الغريبِ
بين أرضٍ طوتْهُ، وسماءٍ نسيتْ اسمه.
هناكَ، حيثُ الحقولُ شاختْ،
رقدَ حلمٌ صغيرٌ يشبهُ جناحَ طائرٍ مكسور.
هل سَمِعَ الجبلُ تنهيدةَ النهرِ؟
أم أغمضَ عينيه خشيةَ الحقيقة؟
الصبيةُ العابرونَ،
يحملونَ حقائبَ مبلّلةً،
ووجوهًا لم تعرفِ المرايا،
يسيرونَ بين أسئلةِ الأزقةِ
وغبارِ المدنِ المنسية.
في الأزقةِ،
تولدُ الحكاياتُ كزهورٍ على شرفاتٍ صدئة،
وتُطوى الرسائلُ خلفَ أبوابٍ موصدة.
هناكَ امرأةٌ تنادي المطرَ،
لكنَّ السماءَ تُسكتها
بحفناتٍ من رياحٍ قاسية.
وفي الأفقِ، شجرةٌ تتلو ظلالَها،
تنثرُ حُبَّها على الأرضِ،
كأنَّها تواسي الطيورَ المهاجرةَ،
وتغني للنهرِ عن حلمٍ قديمٍ
لم يُكملْ عبوره.
الريحُ تداعبُ أوراقَها،
فتُرسلُ لحنًا يشبهُ الحنين،
يرقصُ في قلبِ الغريبِ
كالندى فوقَ خدودِ الصباح.
المهاجرُ الذي يمشي على أطرافِ الخوفِ،
تتبعهُ المدنُ كظلٍّ متعبٍ،
كلُّ بابٍ أغلقَ وجهَهُ،
وكلُّ شارعٍ أدارَ ظهرهُ.
لكنَّ قلبَهُ ظلَّ مشتعلاً،
يشبهُ حقلاً في انتظارِ السنابلِ.
هل رأيتَ قميصَهُ؟
كانَ مشقوقًا كحكايةٍ لم تكتملْ،
لكنَّ الريحَ نسجتْهُ من جديدٍ
لتُخفي به انكسارَ صدره.
وفي عينيه،
لمعَ ليلٌ طويلٌ
يحملُ قمرًا غريبًا لا يشرقُ أبدًا.
أيُّها البرقُ،
لا تخففْ من وهجِكَ،
أشعلْ وجهَهُ كي يرى الطريقَ،
فالمدنُ أغفلتْ إشاراتِها،
والشوارعُ نامتْ كغريبٍ فقدَ ذاكرته.
في ليلةٍ موحشةٍ،
وقفَ أمامَ مرآةِ الماءِ،
لم يرَ وجهَه،
بل رأى قريتهُ الأولى:
شجرة البلوط،
الدروبَ الممتدةَ بين الحقولِ،
وصوتَ أمّهِ يغني للغائبين.
هل يعودُ الطائرُ المهاجرُ
حين ينهضُ الصبحُ من نومِهِ؟
أم يبقى عالقًا
بين جناحينِ متعبينِ
وغيمةٍ لا تعرفُ إلى أين تمضي؟
أيُّها الغريبُ،
لا تخفْ،
فالشجرة تنتظرُكَ،
والنهرُ يحنُّ إلى خطواتِكَ.
ستعودُ يومًا،
وتزرعُ في قلبِ الأرضِ
حكايتَكَ الأخيرة.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟