ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 8196 - 2024 / 12 / 19 - 12:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في عهد آل الأسد، لم تكن العقوبة تطال المعارض وحده، بل تمتد كظلٍ ثقيلٍ يُلاحق كل من تربطه به صلة قربى.
كان الظلم يتجاوز الفرد ليصبح شبحاً يطارد العائلات، ويفتك بروابطها التي من المفترض، أن تكون ملاذاً للأمان. لم يكن الهدف إسكات الأصوات المعارضة فقط، بل تحويلها إلى عبءٍ لا يُحتمل، يدفع أقرب الناس للهرب منها.
كان العزل الاجتماعي عقوبة أخرى، يُحكم بها على المعارض، ليتحوّل إلى غريبٍ بين أحبّته، ويصبح همّاً يحملون أوزاره بلا ذنب.
أتذكر ذلك اليوم جيداً. ابن أخي، الشاب الطموح، عندما تقدّم بطلب للحصول على منحة دراسية في إحدى الدول الاشتراكية. كانت الشروط واضحة: يجب أن يكون المتقدم خالياً من أي شبهة سياسية، منتمياً إلى حزب البعث، أو موالياً له، أو على الأقل، بعيداً كل البعد عن صفوف المعارضة، لكنه لم يكن يعلم أن اسمي وحده، قد يتحول إلى حجر ثقيل يسدّ طريقه.
لم تمضِ أيام، حتى جاء عناصر الأمن إلى منزل أخي، لاستجواب ابنه بشأن نواياه الدراسية. جلس الفتى أمامهم، خائفاً من العواقب، بينما انهالت عليه الأسئلة: "ما هو انتماؤك السياسي؟" ثم جاء السؤال الأكثر دهاءً: "أخبرنا بأسماء أعمامك، وعماتك، وأخوالك، وخالاتك، وكل فرد من العائلة، مع ذكر توجهاتهم السياسية".
حاول الفتى أن يبدو متماسكاً، وراح يجيبهم بأقصى درجات الحذر، متعمداً عدم ذكر اسمي، فأنا المعروف بانتمائي إلى الحزب الشيوعي، والزيارة كانت تستهدفني أصلاً، لكن أحد العناصر كان أكثر مكراً، وقال له فجأة: "كأنك نسيت أحد أعمامك؟".
تلبّد وجه ابن أخي وارتبك للحظات، ثم تلعثم قائلاً: "عمي ضياء؟ نحن في خصام، لا نتحدث معه أبداً".
ضحك العنصر بسخرية، وقال: "أوه، لا تتحدث معه؟ لكنك بالتأكيد تقرأ مقالاته السامّة في جريدة قاسيون؟ ألم يُحاول ضمّك إلى حزبه؟ ألم...؟"
لم يكن ابن أخي بحاجة إلى سماع المزيد، ليدرك أن حلمه قد انتهى قبل أن يبدأ. رُفِض طلبه، وعادت العائلة لتُحمّلني المسؤولية عن كل ما حدث. وكأن وجودي بحدّ ذاته، أصبح لعنة على من حولي، وجريمة تُعاقب عليها جميع الأجيال.
في ذلك الزمن، لم يكن الخوف يكتفي بالتسلل إلى قلوب الأفراد، بل كان يُغرس بين العائلات كأشواك خفية، يحوّل روابط الدم إلى قيود تكبّل الجميع.
كنت أؤمن بأن معارضة الظلم وسامٌ يُعلّق على الصدر، لكنني اكتشفت أن هذا الوسام أثقل من أن يُحتمل، يدفع ثمنه مَن حولك، قبل أن تدفعه أنت. ثمنٌ لا يُقتطع فقط من حريتك أو أحلامك، بل من أمان أحبّتك ونظرتهم إليك، والأقسى من ذلك، أن تجد نفسك في أعينهم غريباً، يحمل أوزاراً لم يقترفها إلا لأنه آمن بحقه في أن يكون حراً.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟