قراءة نقدية لورشة عمل بعنوان -تطوير أساليب وطرق منهجية البحث العلمي في العلوم الاجتماعية-

حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)

الحوار المتمدن-العدد: 8196 - 2024 / 12 / 19 - 07:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

عُقدت يوم السبت الموافق 14 ديسمبر 2024م، ورشة عمل بعنوان "تطوير أساليب وطرق منهجية البحث العلمي في العلوم الاجتماعية"، التي نظمتها الرابطة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية بالتعاون مع الهيئة الليبية للبحث العلمي والأكاديمية الليبية للدراسات العليا - فرع الساحل الغربي. تأتي أهمية ورشة العمل من دور العلوم الاجتماعية كبيت خبرة تقدم المشورة، فضلاً عن تقديم سياسات وبرامج التنمية المستدامة.
شارك في هذه الفعالية عدد من الأساتذة من ليبيا وتونس والإمارات العربية المتحدة وموريتانيا والأردن. ومن المهم في هذه الورشة أن اللجنة التحضيرية أجرت دراسة استطلاعية حول ما إذا كانت العلوم الاجتماعية قد اتجهت نحو تطوير وإضافة أساليب بحث علمي حديثة تلبي احتياجات العصر، أم لا تزال تعتمد على المنهجيات التقليدية، مع اعتبار الجامعات الليبية كنموذج. ومن أهم نتائج هذه الدراسة الاستطلاعية أنها بينت ما يلي:
 هناك تركيز على المنهج الكمي مقابل النوعي، وهذا يعني الحاجة إلى أهمية الجمع بين الطرق الكمية والنوعية من أجل الوصول إلى فهم أعمق وأشمل للظواهر الاجتماعية.
 تُعتبر الاستبانة أداة شائعة في جمع المعلومات، وهذا الاعتماد الكبير عليها دون تنويع الطرق قد يؤدي إلى فقدان بعض الجوانب النوعية المهمة. ينبغي التفكير في دمج أساليب أخرى مثل المقابلات أو الملاحظات.
عمومًا يمكن رصد أهم الملاحظات على الورشة في الآتي :
 شهدت الورشة مشاركة من جامعات شرق وغرب وجنوب ليبيا، وهي ليست مصادفة عابرة. بل كان نتيجة مترتبة على ازدياد وعي وإدراك الباحثين في الجامعات الليبية على أهمية تجاوز مسألة الانقسام السياسي.
 أشار أحد الأساتذة إلى أن الورشة تحمل طموحات عالية. وفي هذا السياق، أود أن أستشهد بجملة تتعلق بمفهوم الشخص الأكاديمي: "شخص عديم الخيال يلحق ببحثه قائمة طويلة بالمراجع ويشرح أطروحته بطريقة مملة." أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة النظر في هذا المفهوم، فنحن نرغب في أكاديميين يتمتعون بروح المغامرة والطموح في الوصول إلى الحقائق، مثلما يمتلكها الصحفيون.
 لا يزال يعتقد البعض أن هناك منهجًا وصفيًا وتحليليًا، وهو يعد أحد المناهج في العلوم الاجتماعية. أرى أن هذه مغالطة كبيرة لا يزال يعيش فيها معظم الباحثين في المنطقة العربية. فالوصف والتحليل هما أسلوبان في الكتابة، وهما جزء من عملية التفكير والفهم والتشخيص للمشكلة البحثية، سواء كانت في العلوم الاجتماعية أو الطبية أو الهندسية. ويتطلب هذا الأمر المراجعة والتدقيق في نوعية المناهج المستخدمة في العلوم الاجتماعية.
 تبرز الحاجة إلى أهمية التعامل مع التقنيات الحديثة، خاصة الذكاء الاصطناعي، في تحليل وتشخيص بعض الوقائع. يمكن لهذه التقنيات أن تسهم في توقع تطور الظواهر الاجتماعية في المستقبل، مما يساعد في تطوير استراتيجيات فعالة للتعامل مع التحديات الاجتماعية.
 حسب اعتقادي، يعتبر المنهج التاريخي مهمًا جدًا للباحثين في العلوم الاجتماعية، وعلم الاجتماع على وجه الخصوص. فالوقائع الاجتماعية، هي أقرب إلى عائمات الجليد؛ حيث يكون طرفها ظاهرًا فوق الماء، بينما تكمن كتلتها الرئيسية تحت السطح. وحتى نقرب المعنى أكثر يمكن أن نشير بأنة من يريد استكشاف الوقائع الاجتماعية عليه أن يغوص لمعرفة السياقات الثقافية والاجتماعية التي شكلتها.
 من الضروري أن يقوم الباحثون العرب بتطوير مفاهيم تعكس طبيعة مجتمعاتهم بعيدًا عن أدوات الهيمنة البحثية، والتي تعد التحدي الكبير. فالعديد من المفاهيم المستخدمة في البحوث العربية الحالية هي عابرة للوقائع المحلية، وتستند إلى مفاهيم وأفكار قد تكون غير ملائمة، وولدت خارج سياق التجارب العربية. كما تُظهر هذه مفاهيم أحيانًا أفكار جامدة يعاد إنتاجها في حالة من الانغلاق والتوقف. وهذا يعني ببساطة أنه ينبغي على الباحثين أن ينحتوا مفاهيم تعبر عن واقعهم الخاص. وهذا الأمر، لا يعني الاستغناء عن المفاهيم المستخدمة في علم الاجتماع، التي هي نتاج المجتمع الغربي. بل يجب توخي الحذر في توظيفها، لضمان ملاءمتها للسياقات العربية حتى لا نكون معزولين عن العالم الخارجي.
 كذلك، ليس كافيًا فقط نحت المفاهيم والأفكار، بل يجب توجيه هذه المفاهيم والأفكار لدورها الاجتماعي، حتى لا تكون هناك هزيمة داخلية في الفكر العربي تجعل من الغرب المرجعية الوحيدة ومصدر المعرفة الأوحد.
 إن العملية البحثية لا تزال بحاجة إلى توفير حرية أكاديمية حقيقية في التفكير، مما يتيح المجال لاستكشاف الظواهر الاجتماعية وفهمها بشكل أعمق وأشمل. حتى يتمكن الفكر من التعمق في المسكوت عنه وكشف ما قد يكون مضمرًا، مما يتطلب المغامرة والجرأة في الاقتراب من القضايا الحساسة، والسعي نحو كشف المكنونات والحقائق المدفونة التي قد تسهم في فهم أعمق لواقعنا الاجتماعي، وهذا الأمر قد يعزز من قيمة وتأثير المجتمعي للبحث العلمي ويجعله أداة فعالة للتغيير.وهذا يعني ببساطة من دون عقل جديد لا يمكن أن يقوم اجتهاد جديد.
مع كل ما سبق، يمكن القول بأن تجاوز هذه الإشكاليات التي تواجه البحث العلمي في العلوم الاجتماعية ليست عملية سهلة أو أنها يمكن أن تتحقق دون حدوث مشاكل أو احتكاكات. إلا أن الأمر بحاجة ماسة إلى وقفة جادة للتدبر والتفكير العميق لضمان تطبيق الممارسات الجيدة في العملية البحثية. مما يُسهم في تعزيز جودة المعرفة البحثية، ويكون لها تأثير مجتمعي فعال.

#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)       Hussein_Salem__Mrgin#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات