أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى القرة داغي - حَكَم البَعثِيّة، لا شِفنا وحدة ولا ذِقنا حُرية ولا عِشنا إشتِراكِية














المزيد.....


حَكَم البَعثِيّة، لا شِفنا وحدة ولا ذِقنا حُرية ولا عِشنا إشتِراكِية


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 8195 - 2024 / 12 / 18 - 16:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان حِزب البَعث أكثر الأحزاب الثورَجية الشُمولية، التي ظَهَرت بالمَنطقة العَربية في النُصف الأول مِن القرن العِشرين، حظاً في حكم دولها، لكنه للأسف لم يَستغل الفرصة ليَحفُر إسمه في التأريخ كحِزب ذو رؤية إنسانية عَقلانية، بل إنتهى به الأمر مَلعوناً، يُضرَب به المَثَل على الأحزاب الدكتاتورية التي دَمّرَت أوطانها وبَدّدَت خيراتها وقمَعَت شُعوبَها، وَوَعَدَتها بأهداف لم تُحَقق مِنها شيئاً. فقد رَفع البَعث ثلاثة أهداف صَدَع بها رُؤوس العرَب، هي الوحدة والحُرية والإشتراكية، لكنه حَتى سُقوط نِظاميه في العراق وسوريا، لم يُحَقِّق ولا واحِدة مِنها، بل تَسَبّب أحياناً في نقيضِها!

السَبَب هو أنها كانت مُجَرّد شِعارات، لم تَجِد طَريقها الى التطبيق، لأنه كان مُستَحيلاً لعِدة أسباب. أبرَزُها أن مَن وَضَعها، إما لم يَكُن مُؤمناً بها ورَفعَها لمُجَرّد تَسويقها كبروباغندا لدَغدغة مَشاعِر الشُعوب التي كانت تطرَب لسَماعِها، أو لأنه كان مؤمناً بها بإندفاع المُراهِق كالملك غازي وقاسِم وصَدّام، وليسَ بوَعي الحَكيم كفيصل الأول ونوري السعيد وعبد الرحمن عارف، لذا لم يَعرف كيف يُطبّقَها على أرض الواقِع، وحِينما حاول فَشِل، أو فَعَل ذلك بطَريقة خاطِئة. فالوحدة لا تعني أن تحتَل جيرانك، كما فَعل صَدام مَع الكويت، وقبله عَبد الناصر مَع سوريا واليَمن. والحُرية لا تَعني أن تفعَل أنتَ وعشيرتك وأتباعك ما يَحلو لكُم، فيما لا يُمكِن للشَعب أن يَنبَس ببَنت شفة. والإشتراكية لا تَعني أن تُصادِر جُهود الناس لتوَزّعَها على غيرهم مِمّن لم يبذِلوا جُهداً! كما حَدَثَ في مَصر والعراق وليبيا مَع أصحاب الأملاك والمَشاريع التي نَهَضَت بإقتِصادها، ليَأتي إنقلابيوا الأحزاب الثورَجية ويَقومون بمُصادَرَتِها بحجّة توزيعَها على الآخَرين.

بَدل توحيد العَرَب والنُهوض بشُعوبهم وإستغلال مَوارِدِهم لجَعلهم قوة إقليمية كبيرة مؤثرة، على شاكِلة الإتحاد الأوروبي، تَسَبّبَ البَعث بتَمزيق العرَب. فبَعث العراق بإحتِلاله للكويت، وبَعث سوريا بإحتِلالِه للبنان، أوجَدا شَرخاً بَين شُعوب هذه الدوَل ومَزّقا اللحمة التي جَمَعَتها قبل فِعلتِهِما الدَنئية. بالنتيجة، كيف لحِزب فَشِل على مَدى نُصفِ قرن في توحيد جَناحَيه العراقي والسوري، بسَبَب صِراعاته الفئوية، أن يَنجَح في توحيد22 دولة عَرَبية! بالنسبة للحُرية، كانت الدول التي حَكَمَها البَعث أكثر دول المَنطقة رُعباً وإنتِهاكاً لحُرية الإنسان وكرامته. بدليل مَجازر صَدام عام1991، ومَجازر الأسَد الأب عام 1982، والإبن بعد 2011، وما رأيناه مُؤخّراً في سِجن صيدنايا الذي كان يَعُجّ بآلاف المُعتقلين! أما الإشتراكية، فكُل ما كسَبَه العِراقيون والسوريون مِنها هو تراجُع إقتصادِهِم، ووقوفهِم طَوابير لشِراء المَحروقات والسِلع الستوك!

ليسَ غريباً أن لم تَتَحَقق هذه الأهداف على مَدى عُقود، رغم حُكم البَعث لدَولتين مُهِمّتين مُتجاورَتين كالعراق وسوريا. فلا يُمكِن أن ننتظِر مِن حِزب نشَأ مؤسِّسَه في بَلد لم يَعرف سِوى الإنقلابات، أن يُطَبّق الحُرية بمَفهوم عَقلاني، ولا مَن سَطَوا على حِزبه مِن بَعده كصَدام والأسد اللذان فَهِما الحُرية بمَعنى أن يَسرُقا ويَقتُلا على هَواهُم! ولا يُمكِن أن ننتَظِر مِمّن عاشَ جُل شَبابه شَقاوة كصَدام، أو عَسكري لم يَتَعَلّم سِوى الشَخط والنَطر كحافظ الأسد، أن يَسعى للوحدة كما فَعَل فيصل الأول ونوري السَعيد في مَشروع الهِلال الخَصيب، الذي كان سَيَضُم العراق وسوريا والأردن والكويت بطَريقة حَضارية وليسَ بالقوة! ولا يُمكن أن نَنتَظِر مِمّن نشأوا في بيئات مَأزومة طَبَقياً، أن يَفهَموا إشتراكية ماركس أو يُطبقوها بشَكلِها العَقلاني، فما فَعَلوه مِن إستِلاب لحُقوق شُعوبهِم وخيرات بُلدانِهم طَبيعي بالنِسبة لأمثالِهم، لذا بَدل أن يُوَفِّروا حَياتاً كَريمة لشُعوبهم، وَفّروا حَياة باذِخة لأنفسِهِم وأفقَروا شُعوبهم وبُلدانهم، وأضاعوا خَيراتها بمُغامَراتهم العبثية.

مُجتمَعاتهم نفسَها لم تكُن، وما تزال، لا تفهَم هذه الأهداف الثلاثة، ولم تَنشأ عليها، ففاقِد الشَيء لا يُعطيه. لذا الى اليوم، لا يَزال أكثر العراقيين يَفهَمون الوحدة بأسلوب صدام أي بالقوة، ولا يُضَيّعون فرصة إلا ويُهَلوسون بها أن الكويت عِراقية، وسَتعود لَهُم، بأسلوب وَعيد سَفيه وتَهديد فَج، لأنهم لا يفهمون سوى هذه اللغة، ولا زالوا يألهون رموزها، كعبد الناصر وغازي وقاسم وصدام. وحين مُنِح العراقيون الحُرية بعد2003 أساءوا إستِخدامَها، وفَهِموها فوضى وإنتِخاب الساسة على أسُس طائفية وسَرقة مُمتلكات الدولة وحُقوق الغَير وظُلمِهِم، فبات مَن كان يَدّعي بأنه ضَحِيّة جَلاداً لشُركائه في الوطن!

رَغم أن فترة حُكم البَعثَين في العراق وسوريا شَهدت صِراعاً مُستمِراً بَين نظامَيهما بسَبب السُلطة، وَصَل الى دَرَجة قَطع العِلاقات الدبلوماسية لعُقود! ووقوف سوريا مع إيران في حربها ضد العراق! ما أكّدَ بأن قياداتِهِما لم تكُن تَسعى لتَحقيق أهداف حِزبها ولا هُم يَحزَنون، بل كانت مُنشغِلة بأهدافِها الشَخصية والفِئوية. إلا أنهُما أتّفقا على مَسألة واحِدة فقط، وهي السَيطرة على شَعبَيهما وقمعِهِما وتَدجينَهُما بشِعارات كاذِبة كالوحدة والحُرية والإشتراكية، والمُتاجرة بالقضِيّة الفلسطينية. والنتيجة فُقر وجَهل وإستِنزاف للمَوارد وإنهيار للإقتِصاد والمُجتمَع. بإختِصار، إستَلَم البَعث البَلدين لحَم ورَماهُما عَظم.



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفِتنة غافِية، تحتاج فَقَط لِمَن يُصَحصِحَها
- جاك واوي البَعَث و جاك ذيب يَزيد!
- ألمانيا في مُفترق طُرُق بَعد عَطَل إشارة المُرور
- إيران ومُرتزقتها يُخَرّبون والعَرب يُعَمِّرون
- إيران وستراتيجية البَدائل لإستعمار الدول العربية!
- ظاهرة اليَسار الإسلاموي والرهان على العمامة!
- جِئنا لنُخَلّصكُم مِن صَدام، فخَلّصناه مِنكم!
- طُرُق تحرير فلسطين التي تمُر بغَيرها ولا تؤدي إليها!
- محوَر الشَر وسياسة -ضَرَبني وبَكى، وسَبَقني وإشتكى-
- الموسيقار رخمانينوف.. وَجه روسيا المُشرِق الحَزين
- عنتريّات السوداني بإخراج الأمريكان صَدى لرَغَبات إيران
- طوفان الأقصى أم طوفان سليماني؟
- ماريا كالاس وأرسطو أوناسيس، ومِن الحُب ما قَتَل!
- إيران تُخطِّط وتُوَجِّه، والحوثي يُنَفِّذ ويَستَعرض
- بوتين وإستثماره في حَرب غزّة!
- رَحَل رايان أونيل تاركاً أروَع -قصة حُب- عَرَفها تأريخ السين ...
- ألمانيا في مواجهة تحديات حَرب غزة
- مليشيات إيران وسَعيها لتوريط العراق في حرب غزة
- مزاد مقاطعة المنتجات الغربية في الدول العربية والإسلامية
- حرب غزة.. الماريونيتات حَمساوية والأصابع إيرانية روسية


المزيد.....




- بزشكيان يصل القاهرة في ثاني زيارة لرئيس إيراني منذ 45 عاما
- الجيش الإسرائيلي يتوقع زيادة عدد المعاقين في صفوفه إلى 100 أ ...
- من هو محمود فتحي الذي ظهر مع رئيس هيئة تحرير الشام في سوريا؟ ...
- الرئيسة الجورجية المنتهية ولايتها: -يجب على أوروبا إيجاد الق ...
- لبنان يحتفل بعيد الميلاد بعودة المغتربين وأجواء من الفرح وال ...
- قصص نجاح ـ شباب عرب يحصدون جوائز عالمية عام 2024
- ناشط سياسي جزائري يرد بالأدلة على تعليق وزير الخارجية الفرنس ...
- تقرير عبري يكشف جرائم مروعة ارتكبها الجيش الإسرائيلي في محو ...
- ليبيا.. ممثلو النواب والدولة يستعدون لتوقيع اتفاق نهائي لتشك ...
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 7 مسيرات أوكرانية في سماء بريان ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى القرة داغي - حَكَم البَعثِيّة، لا شِفنا وحدة ولا ذِقنا حُرية ولا عِشنا إشتِراكِية