أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - تشوه بنية الإنسان في البيئة العربية المغلقة والقامعة- الجزء الثاني















المزيد.....

تشوه بنية الإنسان في البيئة العربية المغلقة والقامعة- الجزء الثاني


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 1786 - 2007 / 1 / 5 - 12:37
المحور: الادب والفن
    


انعكاس فعل الاغتصاب على الذات الحالمة بالحرية
أعتقد أن فعل الاغتصاب الذي يقتحمنا بكل قسوة تفاصيله المروية بضمير المتكلم ـ صبيحة ـ في مدخل الرواية ـ فصل المخلفات ـ، يحدد علاقة الذات بالعالم، ويحيلها إلى محض جحيم، ولا سيما في مجتمع تتطور فيه القسوة وأساليبها باطراد . يضاف إلى أن روح التمرد تتركز في الشخصية الروائية متخذاً مسارات مختلفة سأعود إليها لاحقاً .
في مجتمعات العنف والقسوة تتدهور الشخصية الإنسانية المتمردة ـ صبيحة في النص ـ والمغتصبة اطرادا مع تقدم العمر والتجربة، فحلم الحرية لا يغادر الذات الحالمة محرراً المزيد من الرغبات والإندفاعات المستحيلة في بيئة قاسية، مغلقة . فتستفحل الإنكسارات الروحية التي تدفع بالشخصية إلى المزيد من التدمير الداخلي . وبنية ـ الغلامة ـ مشادة من شظايا العالم الداخلي المدمر لصبيحة . وهذا باعتقادي أهم أسباب وضع الفصل الثاني ـ المخلفات ـ كمدخل سردي للنص . فكل التبعات والتفاصيل اللاحقة ستكون نتائج لهذا الفعل بكل مدلولاته الرمزية وأبعاده الاجتماعية والنفسية والسياسية . إذ ستتحول ـ صبيحة ـ من ثورية عاشقة، متحررة إلى مسخ، متزوجة من رجل لا تحبه، ولها طفلة لا أب لها، سوف تتجلى بنية التدمير النفسي في نشوء عالم شائه بداخلها، مبتدئاً بترسيخ المثلية بإرثه الذي بدأ يخبو مع تطور علاقتها ببدر، المجهول المصير . حيث ستجد بهذه العلاقة الحميمة تعويضاً روحياً عن الخراب والرعب الذي خرجت بهما من المعتقل، فمباشرة بعد عودتها إلى السماوة، تزورها ـ هدى ـ لمواساتها بمصابها، ورغم مشروعهما بالاقتران، الأخيرة ـ بمصعب ـ والساردة بقريبها ـ شاكر . نجدهما بوضع حميم في الحمام، عندما تقوم هدى بغسيل صبيحة التي تتقيأ في الحمام .
‘‘ كانت تنظر بعينين جمليتين، العينين الأمويتين الأوليين ذاتهما اللتين لم أحبهما .. وبدأت اللمس:
ـ تريدين الصدق، أول مرة أرى حبلى عارية . حبلك غريب . أنت تشبهين . وسكتت .
رفعت رأسها إليّ . كانت دموعها سخية بعدما بدأت بالهطول ثانية . شدت جسمي ورأسي بطريقة متقنة :
ـ لا تقلقي، كلهم يتفرجون على التلفزيون . ص 152 ‘‘
سيتطور التدمير الداخلي إلى رغبة مستحيلة الإشباع، للغرائز والمباهج الممنوعة والسرية، رغبة لا سلام روحي فيها . رغبة مدمرة، رغبة مطلقة بالرجال . التعلق بثلاثة رجال بنفس الوقت، مضاجعة مصعب زوج صديقتها ـ هدى ـ المسافرة إلى بيروت للدراسة، الإدمان على الكحول والحبوب المخدرة، الشعور بالدونية والانحطاط المتجسد في اكتشاف الخالة ـ فخرية ـ تعاطيها الخمرة سراً في غرفتها فتقوم بالبصاق على الخمرة والكأس والصور المعلقة على الحيطان، التواطؤ مع مسئول الخطوط الجوية الذي ساومها على جسدها، رغبتها بمضاجعة مدرس اللغة الإنكليزية، وحلمها بمضاجعتها مسلم التقي الحزبي، الثوري الذي يمثل امتداداً لمن اغتصبوها في المعتقل، في 9 شباط 1963 .
من تجليات بنية التحطيم هذه فنياً في النص الروائي، تصوير العملية الجنسية المريضة بين الساردة ـ صبيحة ـ و ـمصعب ـ زوج هدى، وكأنها تجري بين كائنين يكره أحدهما الآخر، فينتقم منه في عملية جنسية يمارسها جسدان بالضد تماماً من الفعل الأصلي لقداسة العملية في ظروف المحبة، لا بل بالغريزة حتى . حيث تبدو العملية بين حيوانين أكثر ألفةً وحميمية منها :
‘‘ كان يتفحم أمامي وأنا أتورم لكننا لا ننفك عن بعضنا فنبدو من جنس ميؤوس منه . فلا أنسى أن أعرض عليه جسمي ومهجتي . لا أنسى أنه يقف بيني وبين ـ هدى ـ، فنندحر جميعاً . وأنا أحاول تقطيع هدى أمامه بالمنشار كي تتفشى داخلي فيعود هو ويتفشى داخلي . أجل، التفشي أفضل للإلهام . كنت أعثر عليها في جوفه وهو يرتعد، ويرتعش، يولول وينوح . كان يبكي بكاء مراً ونحن بين ذراعي بعضنا البعض . فيمضغني كأنني ـ هدى ـ في وليمة ربانية ولا يفضل أن يشاركه فيها أحد، أي أحد . وفي طرفة عين كان يزيحني من تحته بيأس تام ‘‘ ص 209 ـ 210 .
يبلغ التشظي مداه الأقصى ليصل ناصية الاحتقار المطلق للذات المسحوقة، حيث يعود فيها الشعور بالدونية، فعل لذة وليس عذابا . وهذه من أهم سمات الانحطاط والاستلاب والاغتراب عن المحيط والذات المهشمة التي لم تستطع التوازن والمصالحة مع الوجود الاجتماعي الذي سلبها كل أماني وأحلام العمر تاركاً إياها في جحيم ذاكرة تهرب منها إلى المخدرات في محاولة لمحي الماضي الأليم دون جدوى :
‘‘ وأنا كنتُ مخلصة للخيانة . أخون بشرف وأذهب إلى آخر الشوط . حين يفوتني الشراب في العمل أغلق على نفسي باب غرفتي، وأضع قدح الجن أمامي على طاولة الزينة، أرفعه إلى أعلى وأتبادل ونفسي الأنخاب . لكن حين دخلت فخرية يوماً فجأةً وشاهدت القنينة البيضاء، لم تنتبه في بادئ الأمر أنه خمر .ولما عرفت بدأت تبصق على القنينة والقدح بدلاً من وجهي، فعلت ذلك أمام الحائط على صوري التي وزعتها بين الغرف، كانت تبصق بحرفيّة عجيبة وبسرعة كما لو كانت جالسة معنا في النادي الرياضي، كأنها تحممني بالبصاق ‘‘ ص 212 .
يمتد فعل الاغتصاب ليسور، كيان وعالم المُغتَصب، بماضيها، وحاضرها، ومستقبلها، محكماً حلقته المدمرة . فها هي ـ صبيحة ـ المحطمة تسكر سراً نادبة خرابها، تشعر بعزلة تامة رغم علاقاتها الكثيرة، ترى بخالتها المستنكرة امتداداً مجسداً للأشباح التي اغتصبتها في النادي الأولمبي قبل أكثر من عقد من السنين . هذه الذات المسحوقة سوف لا تجد غير جسدها الذي تقدسه القيم في الظاهر وتنتهكه في السر، في ظلام الليالي، بل تجعله مادةً للانتقام في الصراعات، كما حدث لصبيحة في النادي الرياضي .. لا تجد غيره وسيلةً لاحتقار بنية القيم المزدوجة الصارمة من جهة، والنهل من مباهج متعٍ عابرة كلما سنحت الفرصة والظروف، كتعويض روحي يخفف من وحشة الروح المقهورة .. يمتزج في مثل هذه المغامرات العابرة شعور مركب، لذة الانتقام من تابوات القيم، ولذة النهل بحرية من مباهج الجسد المنتهك .. سعادة عابرة هي البديل الخاطف لكل الماضي، لكنه بديل لا يخلف سوى المزيد من الوحشة والاغتراب . فصبيحة التي عملت كمضيفة تسكر لتجد نفسها في غرفة وثيرة في فينا عارية في السرير مع شاب ألماني جميل :
‘‘ لما استيقظتُ في الصباح التالي، وأنا في أحد الفنادق الراقية في فينا شاهدت رجلاً بجواري، حتى اللحظة لم أرَ مثله مخلوقاً، جماله كالسراب كلما أنظر إليه كان يفر من أمامي ابن ثلاثين عاماً، أشقر البشرة، شاربه مسَّوى على طريقة الغلمان الشرقيين . شعره أشقر كتاج إلهي فوق رأسه الملوكي، ونظرات طفل واقف وسط السرير يريد الرضاعة حالا وليس بمقدوري لمسه ‘‘ ص 212 .




#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشوه بنية الإنسان في البيئة العربية المغلقة والقامعة
- أزقة الروح قصة قصيرة
- قصة قصيرة-جنية الأحلام
- تحجر
- العصفور
- حصار يوسف
- بمناسبة محاكمة صدام حسين وأعوانه بقضية الأنفال عندما أدخلني ...
- بمناسبة محاكمة صدام حسين وأعوانه بقضية الأنفال...عندما أدخلن ...
- بمناسبة محاكمة صدام حسين وأعوانه بقضية الأنفال...عندما أدخلن ...
- العمة الجميلة*
- النص العراقي والناقد
- أنها الحرب
- اختطاف
- كتّاب كانوا سوط الجلاد الثقافي
- بمناسبة المؤتمر الرابع للطائفة المندائية..يا عراق متى تنصف أ ...
- قالت لي: أنا عندي حنين


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - تشوه بنية الإنسان في البيئة العربية المغلقة والقامعة- الجزء الثاني