|
خير البرّ عاجله
زكي رضا
الحوار المتمدن-العدد: 8195 - 2024 / 12 / 18 - 07:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
محمّد الحسّان ممثّل الأمين العام للأمم المتحدّة ورئيس بعثة اليونامي بالعراق، قال في مؤتمر صحفي بعد لقاءه بالسيّدين السيستاني الأب والإبن في مدينة النجف الأشرف، وإثر لقاء سبقه في بغداد مع القيادة السياسيّة فيها ممثّلة بالسيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وهو أي الحسّان القريب من مراكز إتّخاذ القرار في الأمم المتحدّة التي لها نظرة واسعة عن أوضاع المنطقة الملتهبة اليوم في الشرق الأوسط، قال جملة من التراث العربي ذهبت مذهب الأمثال وتعود للعبّاس بن عبد المطّلب وهي (خير البرّ عاجله). و هذه الجملة أو المثل بالحقيقة هو تحذير واضح وعلني وصريح للحكومة العراقية والمرجعية في النجف الأشرف لإتّخاذ خطوات سريعة وعاجلة لمعالجة الأزمة السياسيّة بالبلاد، والتي قد تتحوّل نتيجة تدّخلات إقليمية وضعف الحكومة العراقية أمام تغوّل سلاح الميليشيات المسلّحة، البلاد الى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ما يعرّض الأمن الوطني العراقي للخطر.
تغيّرات بالجملة طالت الأوضاع السياسيّة بالمنطقة منذ السابع من أكتوبر العام الماضي ولليوم، ونتائج تلك التغيّرات وللأسف الشديد لم تكن في صالح شعوب المنطقة بالمرّة، ودمّرت المشروع الإيراني . كون تلك التغيرات حدثت في منطقة جيوسياسيّة عمل الإيرانيون لعقود على ترسيخ نفوذهم فيها لبناء هلال شيعي يمتد من طهران الى الحدود الإسرائيلية عبر بغداد ودمشق وبيروت. ونتيجة للردّ الإسرائيلي الضخم وبدعم كبير من أمريكا والغرب، تمّ تدمير قدرات قوى ومنظمّات سياسية وعسكرية ودول حليفة لإيران ومشروعها على مدار العام الماضي.
فإيران خسرت حركة حماس التي فقدت قدراتها العسكرية وتمّ تدمير قطاع غزّة ومقتل عشرات آلاف الأبرياء، ولم يبقى للحركة اليوم الّا باب المفاوضات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل خلاف فلسطيني فلسطيني وصمت عربي ودولي مريب، ودعم أمريكي وغربي غير محدود لإسرائيل. ونتيجة لمعارك غزّة وتدخل حزب الله اللبناني لدعم الفلسطينيين، تلقّى حزب الله هو الآخر ضربات عسكرية وإستخباراتية موجعة، توجّتها الآلة العسكرية الصهيونية بقتل المئات من عناصر حزب الله وعدد كبير من الأبرياء، وعشرات من كوادر وقادة الحزب وعلى رأسهم زعيم الحزب الراحل حسن نصر الله. وكما دُمّرت غزّة تم تدمير عشرات القرى في الشريط الحدودي اللبناني الجنوبي، ووصل الدمار الى قلب العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية حيث معقل حزب الله، والى مناطق لبنانية أخرى داخل العمق اللبناني وعلى طول الحدود اللبنانية السورية، وطال الدمار أيضا حليف إيران في منطقة بعيدة عن الشرق الأوسط الّا أنها مهمة استراتيجيا أي اليمن.
لم تكتمل صورة المشروع الإيراني وهو ينهار بالتدريج عند هذا الحد، بل إستمرّ وفي تحول دراماتيكي سريع لتخسر بعدها واحدة من أهم حلقات مشروع الهلال الشيعي أي سوريا. وبسقوط النظام البعثي السوري ودمار هائل للآلة العسكرية، وقبله تدمير البنى التحتية لحماس وحزب الله وإخراجهما من معادلة محور المقاومة لفترة زمنية غير محددة، تبخر حلم الهلال الشيعي خصوصا وإنّ الذين يمتلكون مفاتيح القرار بدمشق اليوم على خلاف سياسي كبير مع إيران نتيجة وقوف إيران الى جانب النظام السابق ودفاعها عنه حتى اللحظات الأخيرة، علاوة على الخلاف المذهبي الذي سينعكس على علاقات البلدين من خلال طائفية النظام السوري الجديد والذي لا يقل عن طائفية نظام طهران، علاوة على أنّهم (هيئة تحرير الشام) حصلوا طيلة سنوات الإقتتال الداخلي على دعم قوى عربية وإقليمية عملت وتعمل على إضعاف مواقع إيران بالمنطقة، والحد من تدخلاتها بشؤون الدول العربية بحجج مختلفة وعلى رأسها الصراع الطائفي ومحاولات إيران المستمرة في تصدير ثورتها الإسلامية.
لم يبقى من حلقات الهلال الشيعي اليوم الّا العراق والذي كان ولا يزال حديقة خلفية لإيران التي عملت على دفع قوى عراقية مسلحة لمهاجمة إسرائيل بالطائرت المسيّرة رغم رفض الدولة العراقية على الأقل إعلاميا لذلك، كما شاركت المجاميع المسلّحة العراقية وبأوامر منها في الدفاع معها عن النظام البعثي في دمشق. وإيران ستعاني كثيرا وقد يعرض نظامها الذي بدأ يفقد قاعدته الجماهيرية شيئا فشيئا، للخطر في حالة فقدان نفوذها بالعراق، فخسارة العراق لا يعني أنهيار الهلال الشيعي فقط بل عطب غير قابل للإصلاح في الرئة التي يتنفس منها النظام هناك، في ظلّ حصار إقتصادي وأنهيار عملة البلاد وبطالة وفقر وإنعدام الحريّات وإضطهاد قومي.
ستكون إيران في صلب السياسة الأمريكية والإسرائيلية في مواجهة نظام وليّ الفقيه بالمستقبل القريب، ففي الأسبوع الماضي نظم مجلس الشيوخ الأميركي، غداء عمل حضره عدد من المشرّعين البارزين والدبلوماسيين والقادة العسكريين لمناقشة سبل جعل إيران "جمهورية حرة وغير نووية"، ودعت المجموعة الى عودة سياسة "الضغط الأقصى" تلك التي أنتهجتها إدارة ترامب ضد إيران في دورة رئاسته الأولى، وكان خطاب السيناتور الجمهوري البارز تيد كروز أقوى الخطب وأكثرها وضوحا حينما أكّد فيها "حتميّة إنهيار النظام الإيراني"، هذا علاوة على مواقف إسرائيل وبدعم أمريكي وغربي في عدم إمتلاك إيران لسلاح نووي وأجهاض مشروعها ولو بالقوّة العسكريّة.
السؤال اليوم هو: أين العراق بفساد قياداته ونخبه السياسية وإمكانياته العسكرية الضعيفة ونسيجه الأجتماعي الهش الذي فاقم نظام المحاصصة الطائفية القومية تشرذمه وضعفه ، وغياب الديموقراطية وعدم إمتلاك الدولة لوسائل العنف من خلال عدم سيطرتها على السلاح الذي في يد العشائر وقوى مسلّحة تحت مسميّات مختلفة، أضافة الى أنعدام الثقة بين من يدّعون تمثيل مكوناتهم في السلطة وصراعهم المستمر من أجل مصالحهم، وتذمّر جماهيري سينفجر حتما عند توفر الظروف الذاتية له نتيجة البطالة وانعدام الخدمات والفقر وفساد السلطة. في ظل هذه الأوضاع الإستثنائية والتي تنذر بزلزال سياسي سيعصف بالمنطقة نتيجة تغيرات سياسية قادمة لا محالة، فأنّ بناء شرق أوسط جديد وبمقاسات إسرائيلية قادمة لا محالة هي الأخرى.
الحكمة تقول، هذا إن كانت هناك حكمة عند من ألتقى بهم المبعوث الأممي في العراق هي، أبعاد العراق عن كل التجاذبات السياسية ونأيه عن مشاريع الدول الأقليمية وصراعاتها، فبلدنا بحاجة الى إعادة بناء ما خلّفته الديكتاتورية سابقا، والفساد اليوم. نحن بحاجة الى ترسيخ دولة القانون وإجراء الأنتخابات بشكل ديموقراطي وفق قوانين أنتخابية عادلة وفتح المجال لمشاركة جميع العراقيين في القرار السياسي ومحاربة الفساد وحلّ الميليشيات المسلّحة ومصادرة أسلحتها، خصوصا وأنّ هذه الميليشيات لا تأتمر بأوامر القائد العام للقوّات المسلّحة على الرغم من أستلام منتسبيها رواتبهم وكل ما يتعلّق بعملهم ونشاطهم من الدولة العراقيّة .
التغيّرات الكبيرة قادمة ولا نستطيع بإمكانياتنا الضعيفة وعدم أستقلاليتنا بإتّخاذ القرار السياسي الذي يتناغم ومصالح شعبنا ووطننا مواجهتها ناهيك عن الخروج منها بأقل الخسائر، ما يجعلنا أن نفكّر الف مرّة قبل خوض أية معركة ولو صغيرة. لتتخذ القيادة العراقية الحالية وكما قال الممثل الأممي قرارها في أن تكون ومن أجل مصالح شعبنا ووطننا على قدر المسؤولية، ولتسرع بأتخاذ القرارات التي تجعلنا في مأمن من الزلزال وإرتداداته، فخير البرّ عاجله.
اللي فات كوم واللي جاي كوم تاني "مثل مصري"
#زكي_رضا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنهيار المشروع القومي العربي وصعود المشروع العبري
-
متى سيبدأ العراق حملته الوطنية لمحاربة الفساد ...؟
-
السيّد السوداني يحدّث العاقل بما لا يُعقل
-
السيدات السادة في ما يسمّى بالتيار الوطني الكوردي الفيلي.. أ
...
-
الكورد الفيليون والمعادلة المضحكة المبكية
-
الفرق بين الرقمين 100 و124 حسابيا وبرلمانيا في العراق
-
صفقة العار
-
هل تتوفر شروط قيام سلطة فاشية بالعراق ..؟
-
البيدوفيليا (*) في مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية بالعراق
-
أوجه الشبه بين تجربة ١٤ تموز وتجربتي طهران وجاكا
...
-
شارع المتنبي في خطر .. ما تبقى من الثقافة في خطر
-
الحشد الشعبي في مواجهة فلول داعش بكرّادة بغداد ..!!
-
أين هي القوى الوطنية بالعراق ...!؟
-
العراقيون والعرب والمسلمون ومحكمة العدل الدولية
-
قوى المحاصصة تغيّب تاريخ العراق
-
خيام الإحتجاجات بين العراق وأمريكا
-
في ذكرى الإحتلال الأمريكي للعراق .. لازالت الأوضاع وصمة عار
-
قووا تنظيم حزبكم.. قووا تنظيم حزبكم
-
محاولة أغتيال كاتب
-
عبد الكريم قاسم والشيوعيين وتعبيد الطريق للثامن من شباط
المزيد.....
-
المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات
...
-
أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم.
...
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك
...
-
الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق
...
-
فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ
...
-
نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
-
عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع
...
-
كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
-
آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
-
العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|