|
العباسية...
عبد الغني سهاد
الحوار المتمدن-العدد: 8195 - 2024 / 12 / 18 - 00:16
المحور:
الادب والفن
العباسية...!!
في ذلك الوقت كان لايزال الناس بسطاء و كرماء.. من رزقهم كانوا يقتطعون قليلا للآخرين الأقل منهم رزقا .. من الفقراء و المحتاجين البؤساء..سواء في الازقة والدروب مع الجيران أو في الأسواق أو حتى داخل المؤسسات الادارية او الاجتماعية . التي نعرفها كالمدرسة والمقاطعة والمساجد والزوايا والاضرحة.و كان الكثير من الناس يعيشون على التبرعات والصدقات.. بل حتى الدول كانت تاتيها الصدقةو المعاونة من الخارج.. من آمنا أمريكا السخية مع اصدقائها.. في تلك الأكياس البيضاء الملونة باللونين الأزرق والأحمر الرامزة لعلم) ( U. S. A) ..(ومن المعروف ان كانت هناك وزارة تحمل اسم التعاون والانعاش الوطني.. كانت فعلا الدولة والمجتمع في حاجة ماسة للانعاش.!! بل قد طالت مدة دخولهما الى الانعاش.وهم لا يزالون فيها الى اليوم.. كانت الوالدة تنزع من مقدم الحي وصل التعاون الوطني (البون).. وكان المقدم ينصحها بالحضور باكرا الى الابواب الخلفية للمقاطعة.. القربة من بلدية المدينة.. وطاقم موظفي التعاون لا يحضرون سوى في الساعات الاولى من النهار.. كنا نبيت هناك امام ابواب المقاطعة.. ننتظر مجيء الدور..علينا.. المعاونة تتكون من كيس دقيق الفرينة الناصعة البياض.. وقصديرة زيت.. فقط.. كنا ناكل الدقيق.. ونخيط من الكيس البسة تغطينا.. عليها شعار اليد في اليد.. هذا من جهة.. ومن جهة اخرى كانت اخي تدرس في( الدير) مدرسة الرهيبات.. بباب دكالة ومن حين لاخر كانت الراهبة مديرة الدير ترسل الينا صدقات على شكل معاونات.. فيها بدون زيت امريكي.. وكيش دقيق.. واكياس الحمص المطحون.. لكن الرهيبات كن ذكيات حين يقمن بزيارة بيوت المستفيدين من التعاون والصدقات منهن...عندما زارت المنزل يوما في نهاية الاسبوع طرقت الباب واستقبلتها الوالدة وهي ترتدي يدها دملج من ذهب.. لاحظت الرهيبة الامر.. ومنذ ذلك اليوم لم نعد نتوصل بالمعاونة و الصدقة من الرهبان.. ..!!.. في الطريق الى الحضار (المسيد).. في دردوبة باب النقب.. كان ولا بد لك في كل صباخ من ان تشم روائح الشفنج.. الغليظ من دكان السي العربي.. رجل اربعيني ابيض البشرة ذو شعر اسود طويل يتدلى على رقبته.. وخديه.. يحمل مخطافا اسودا.. وينحني على مقلاته يقلب في الاسفنج.. ان كنت من المستيقظين باكرا ومحظوظا.. يناولك السي العربي اسفنجة كبيرة بلا مقابل.. يسمي الناس هذه الصدقة بالعباسية... وهي عا دة منسوبة للولي الصالح القريب من الحي وهو ابو العباس السبتي..( العباسية).. كنت اقف باكرا امام مقلاة السي العربي.. انتظر نصيبي من العباسية.. احصل عليها بعض الايام لامشي مسرورا الى الحضار.. وفي بعض الايام لا احصل عليها.. (سير.. اولدي تقرا.. راه ما بقات العباسية.. ولا سير قل لباك يعطيك الفلوس..).. كنت في هذه الحالة كاني محبط الا اني اعصد روحي.. ولمنيها اني ساستيقظ باكرا في الغد.. فقط لاجل الحصول على نصيبي من (العباسية)... لن اعود الى كتاب (التشوق).. ولا الى كتاب (الاعلام..) الاول للتادلي.. والثاني للتعارجي كي اقول شيئا قليلا عن ابي العباس السبتي.. ففي حياته في بداية الموحدين ونهاية المرابطين.. كان يدعو الى التضامن الاجتماعي بين الناس (الفقراء والاغنياء) ويحث على الصدق.. وهو القائل (ان التردد في الخاطر الاول بخل..) وفي حياته تناقلت عنه اخبار انه ينوي جمع الانصار و الحصول على السلطة.. وكان له الكثير من الحساد من الفقهاء وعلماء السلطان... الى اخره باختصار كان الناس يشيعون عنه انه زنديق.. وبعد موت عاد له الاعتبار.. وتهافت الناس على ضريحه في زاويته.. يوزعون الصدقات.. على الفقراء والبؤساء الذين رابطوا في ضريحه.. كانت الزيارات تاتيه من جميع جهات المغرب.. في حياته تصاعد صيته ووصل الى الاندلس فارسل (الوليد بن رشد).. من يترقبه لياتي له باخبارة.. فعاد اليه المخبر قائلا.. ( ان مذهب ابو العباس.. مبني على ان الوجود مبني على الجود..).. كانت الصدقة والعطاء من اولى نصائح ابو العباس السبتي..!! في كل يوم اربعاء كانت زاوية الشيخ تمتلئ بالناس اغلبهم من البؤساء.. كل انواع التجارة كانت تمارس هنا في زاويته.. وقد تمتد الgلسات التجارية والتقافية والترفيهية الى ساحة باب تاغزوت..وامام سينما (مرحبا) وتجد السلطة عناءا كبيرا لتنظيم بهرجة هذا اليوم يوم الا ربعاء.. قبل ان تمنعه في بداية التسعينات.. وفي الساحة داخل الزاوية كان الفقراء يتاجرون مع بعضهم.. ومنهم من يتشوف في الالدون.. ومنهم من ينشر ادوات تافهة.. للبيع.. كاطقم الاسنان القديمة.. والملابس البالية.. والبخور.. والسكاكين والمعالق الصدئة.. والاكياس من الخيش.. ووغيرها من التوافه من الامور القابلة للبيع. . قد لا تكون في حاجة الى شراء تلك التفاهات لكنك تشتريها منه بثمن يفوق ثمنها معتبرا نفسك تصدقت على ذلك البائع المحتاج وهو نفسه يدرك جيدا ان شراؤك لبضاعته ليس الا جودا وكرما (نوع من العباسية) منك اليه..!!.. قج ادمج الفقيه من زمن بعيد الصدقة بالتجارة.. او التجارة مع الله.. (اقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم..).. كلما كان ابو العباس السبتي يصادف احدا (ذكرا او انثى).. يسعى في طريق او زقاق.. كان يقف الى جنبه يقرأ القران ويسعى معه الناس.. ويمنحه ما جمعه من مال الصدقات.. كانت ظرفيته صعبة ففيها تحول امراء واميرات المرابطين الى فقراء وعميان .. ومشردون بسبب التصفياات و الحرب الاهلية مع الموحدين.. ودخل الفقيه شابا في هذه المعمعة التاريخية الدامية.. ووجد نفسه مدفوعا الى العمل على اقامة قليلا من التوازن الاجتماعي الى المدينة... في ساحة الدص.. اي تلك المقابلة لضريح (ابو العباس.).. حضرت عملية شراء لشيء تافه.. لا ادري ماهو.. طلب فيه صاحبه درهمين.. فمنحه الشاري مئة درهم.. اعترض البائع بانه لا يملك صرف مئة درهم.. فرد عليه البائع.. ان يبحث عن الصرف من احد غيره.. وراح الى حاله دون ان ينتظر الصرف..!!!..يعني انه تصدق بالمئة درهم بطريقة لاتثير مشاعر الفقير.. الذي اعد نفسه باع واشترى معه... في نفس المكان يبيع العميان في حلقاتهم الخاصة اقراص الخبز بعد ان يقرؤا عليها بعض سور القرآن.. تباع بالمزايدة.. من يدفع اكثر تكون الخبزة من نصيبه...!!!! وقد تصل الخبزة الى مئات الدراهم.. وصاحبها جاء الى الضريح طالبا قضاء بعض حاجاته الخاصة.. ويعد ثمن الخبزة مجرد فتوح...!!!... في يوم من الايام سألنا المدرر ..( الدراري.. شكون فيكم تيفيق بكري.. نعطيه مفتاح الحضار.. يضرب ليه شي تشطيبة فاعلة تاركة..!!).. اجبته بسرعة... (انا.. انا... سيد الفقيه.. تنوض بكري.. على قبل.. العباسية.... .!!).. والعباسية او الفتوح.. كاع كيف.. كيف..نفس المعنى.. والله يفتح علينا جميعا...!!! ع. سهاد 2013
#عبد_الغني_سهاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاربعة الكبار.. (قصة)
-
البوجعران..
-
فران السعدية..
-
خطافات...
-
بلا شيء.....
-
لن تستقيم.. الا بالحب...!!!
-
هو والحناش
-
فرار...
-
شعراء..
-
في تلك الايام...!!
-
نقطة.... الى السطر..!
-
وهم الانتصارات...
-
على قيد الحياة...
-
تعلم النسيان...!!!
-
خوان كويستيلو الابن البار لساحة (جامع الفنا)
-
التاريخ والاساطير.. (1)
-
في يوم الزيارة والعرس..
-
الفيضان.. (7)
-
الفيضان. (5_6)
-
الفيضان... (1-2-3-4)
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|