|
عذرا ... فلسنا جيل الانعتاق والتحرير!!
سماك العبوشي
الحوار المتمدن-العدد: 8195 - 2024 / 12 / 18 - 00:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أتذكرون قصة تيه بني إسرائيل، الذي فرضه رب العزة والجلال على قوم موسى (عليه السلام) والذي طال أمده أربعين عاما!؟، وهل تعلمون الحكمة من إطالة مدة عقوبة الله تعالى على بني إسرائيل وتيههم في سيناء مدة أربعين عاما تحديدا، ثم جاء الفرج بعد ذلك كما قرأنا في كتب التاريخ!!؟ المغزى من التيه وباختصار شديد - أحبتي في الله- إنما هو عقوبة من الله تعالى فرضها على بني إسرائيل لحالة الفساد والإفساد التي تحلوا بها، وتخاذلهم وتقاعسهم وعصيانهم لأوامر نبيهم وتخلفهم عن الجهاد ضد (القوم الجبابرة) في فلسطين، فكتب الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل التيه في مجاهل سيناء حوالي 40 عاما، قال تعالى في محكم آياته من سورة المائدة، الآية 22:"قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ".
أما الحكمة في مدة التيه التي بلغت أربعين عاما فذلك كي يموت ذلك الجيل الجبان والمتخاذل المتقاعس من بني إسرائيل، المصاب بأمراض نفسية خطيرة متمثلة بالذل والخنوع وعدم احترام نبيهم الذي أنقذهم من العذاب والبلاء الذي لاقوه من فرعون وبطانته، كي ينشأ من ذلك التيه جيل آخر عزيز عاش على التوحيد ومعاني الحرية والكرامة الإنسانية، لا يسام المذلة، فنشأت له بذلك عصبية أخرى، فتمكنوا من تحقيق أهدافهم والتغلب على أعدائهم، قال تعالى في محكم آياته من سورة المائدة: "قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ(26)".
قد يتساءل بعض القراء الكرام مستغربا عن مغزى حديثي عن تيه بني إسرائيل في مقدمة مقالي الجديد هذا، فأقول: ما جرى من ضياع وتيه وتشتت لبني إسرائيل في القرن الخامس قبل الميلاد، إنما نعيشه نحن العرب والمسلمين في قرن الشيطان هذا، حيث تقزمت أحوالنا، وضاعت إرادتنا، وتشتت طاقاتنا، وفقدت كرامتنا وهيبتنا بين الأمم، وإنني والله وتالله وبالله لأرى أن نهوضنا من كبوتنا، واستعادة بوصلتنا لن يتم في زمن هذا الجيل، وتحديدا في ظل هذه الانظمة العربية والاسلامية المنبطحة، وبالتالي كان لابد أن يجري بحقنا ما كان قد جرى لبني إسرائيل من تيه وتشتت قبل 2500 سنة خلت، وذلك كي يولد جيل عربي مسلم جديد يتسم بقوة الإرادة والشكيمة وأولي بأس شديد، ذي بوصلة سليمة، ليكون بعدها مؤهلا لأخذ زمام الأمر من خلال تحقق وعد الآخرة الذي جاء ذكره في كتابنا المجيد، وتحديدا في سورة الإسراء!!
الكل يعلم كيف نشأ الكيان الإسرائيلي، وكم كان عدد قطعانهم، وكيف وبأي وسيلة خداع تم تجميعهم من شتات الأرض، وشكلوا بهم عصابات ومليشيات راحت تمارس القتل والترويع في ارض فلسطين، في وقت كنا نحن العرب والمسلمين نعيش في دول مؤسسة ذات شعوب متجانسة غير ناشئة، فإذا بمشهدنا خلال عقود قليلة ينقلب تماما، حيث تقزمنا وساءت أحوالنا وضاعت بوصلتنا وبتنا في شقاق وفرقة وتناحر، فيما تفرعن الكيان الإسرائيلي وصار بعبعا مخيفا بات يخشى الجميع بطشه وجبروته، فتمكنوا منا، وأذاقونا الويل والثبور، ولا أشك لحظة أبدا - ورب الكعبة - في أن حلمهم بدولة إسرائيل الكبرى سيتحقق في جيلنا المعاصر هذا للأسف الشديد!!
كلام قاس ومؤلم جدا قد يزعج الكثيرين منا، ذاك الذي أفكر فيه، وتسطره أناملي على ورق مقالي هذا، لكنها الحقيقة العارية التي بت أراها بأم العين واليقين، ولكن أتذكرون كيف بدأ نشوء ما يسمى بـ (دولة إسرائيل)، وكيف كانت أوضاعها قبل سبعة عقود!؟ هم أجادوا التفكير والتدبير والتخطيط والعمل الدؤوب، فيما انغمسنا نحن بترهات الأمور وسفاسفها، وانشغلنا بتوافه الحياة وبهرجتها، وابتعدنا عن ثوابتنا، ووقعنا في خديعة كبرى مفادها أننا أكثر عددا، وانهم شرذمة صغيرة سرعان ما سنبتلعهم، فإذا بهم يبتلعوننا واحدا تلو الاخر، من خلال معركة أو حرب تارة، ومن خلال التطبيع وزرع الفتن والانقسام تارة اخرى، كل ذلك جرى ويجري بفعل تخطيطهم السليم وجديتهم في تنفيذ مخططاتهم!!
قبل اثنين وعشرين عاما خلت، وتحديدا بتاريخ 20/11/2002، عرض برنامج (بلا حدود) من قناة الجزيرة الفضائية والذي يعده ويقدمه الإعلامي المصري المعروف أحمد منصور، حلقة هامة استضاف فيها الدكتور سلمان أبو ستة (رئيس هيئة أرض فلسطين)، ليتحدث فيها عن المخطط الإسرائيلي للهيمنة والتوسع حتى عام 2020، ذلك المخطط الذي عكف مائتان وخمسون من كبار العلماء والخبراء الإسرائيليين عام 1994 وطيلة ثلاث سنوات لوضع المخططات التوسعية والاستراتيجية للدولة الصهيونية لعقدين من السنوات، وحتى العام 2020، وانتهوا من ذلك بالفعل عام 1997، حيث وضعوا خلال ثلاث سنوات ثمانية عشر مجلداً ومئات الخرائط، رسموا من خلالها مستقبل إسرائيل ومطامعها التوسعية تجاه الدول العربية في عصر ما بعد اتفاقية أوسلو، وناقشوا فيها مجالات فرض الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، والتي شملت خرائط التوسع الجغرافي والسكاني، علاوة على برامج التطور الصناعي والتكنولوجي والعسكري الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه، مع مخطط لتوزيع السكان وفق الرؤية التوسعية الإسرائيلية، علاوة على نقاشاتهم لكيفية حصولهم على مكاسب أخرى بدون الحاجة إلى حربٍ جديدة، عن طريق شعار سلمي، وعن طريق أساليب دبلوماسية أو سياسية دون أن تكون عسكرية مباشرة!!
وإزاء ما استعرضناه آنفا من مخطط إسرائيل الذي أعدته لسنوات عشرين قادمة والذي انتهى عام 2020، ، فإن تساؤلات هامة وملحة تطرح نفسها: - هل علمت أنظمتنا العربية الموقرة بهذا المخطط الإسرائيلي الذي أعدته دولة الاحتلال لتنفيذه خلال عقدين من الزمان والذي يستهدف بلداننا العربية!؟ - وإن علمت أنظمتنا العربية بذلك، فما الذي أعدته لإجهاض هذا المخطط أو إرباكه وتعطيله على أقل تقدير!؟ - وبالمقابل، هل عملت أنظمتنا العربية بدورها مخططات ومشاريع للنهوض بواقع الامة المزري!!؟
وأخيرا وليس آخر، وبعد أربع سنوات من تنفيذ مخططهم هذا، فإنني أتساءل بحرقة وغصة: أما تحقق بالله عليكم الشيء الكثير من تلك المخططات كابتلاع الأرض العربية وإقامة المستوطنات وتوسعها داخل الأرض المحتلة، علاوة على التطبيع وإقامة العلاقات الاقتصادية السرية والعلنية!!؟
أقول واثقا موقنا مطمئنا، بأن مجمل أنظمتنا العربية في واد، ومخططات ومشاريع دولة الاحتلال الإسرائيلي في واد آخر، وأن سياسة أنظمتنا العربية تتصف بالضبابية ورد الفعل الآني، مع غياب المخططات العربية المستقبلية، وانها تتسم بانتظار نتائج تنفيذ العدو الإسرائيلي لمخططاته فتفاجأ ساعتها لتسارع أنظمتنا بعقد اجتماعات القمة فنمارس إلقاء بيانات الشجب والاستنكار والادانة التي تتقنها خير اتقان!!! ندرك تماما بأن مصدر قوة إسرائيل متأت من الدعم والاسناد الأمريكي اللامحدود (سياسيا، دبلوماسيا، اقتصاديا وعسكريا)، ولكنّ هناك في الحقيقة عاملا آخر يضاف لمصدر قوة إسرائيل تلك، يتمثل بعدم اهتمام ولا مبالاة أنظمة إسلامية (بضمنها بالطبع وعلى رأسها الأنظمة العربية) لمخططات ومشاريع إسرائيل، وذلك ليقين تلك الأنظمة وإدراكها بأن مسألة بقائها على عروشها وكراسيها إنما هو مرهون برضا القوى التي أنشأت إسرائيل، ومازالت تدعمها!! في مقال ياسين أقطاي (مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان)، المنشور في صحيفة "يني شفق" التركية، والذي أعيد نشر مقاطع منه في موقع الجزيرة مباشر، تحدث عن عملية طوفان الأقصى وأهميتها وتداعياتها، حيث قال فيه وأقتبس نصا: " أن عملية طوفان الأقصى يجب أن تكون رسالتها الأساسية لقادة العالم الإسلامي، أنهم إذا قاموا بتحويل مدافع أسلحتهم التي جمعوها أو طوروها لسنوات والتي كانت دائمًا موجهة ضد شعوبهم إلى إسرائيل مرة واحدة فقط، فسيكون كل شيء مختلفًا تمامًا. إن القوة التي يحتاجها العالم الإسلامي للوقوف في وجه إسرائيل والولايات المتحدة التي تعتقد أن قوتها لا حدود لها، موجودة فقط لديهم. ولقد أظهرت ذلك كتائب القسام بعدد قليل من أفرادها وإمكانياتها، وأظهرت أن إسرائيل ومن خلفها ليسوا قوة مخيفة. في الوقت نفسه، أظهر ذلك أيضًا أنهم ليس لديهم حتى القدرة على تقديم الفائدة التي تعهدوا بها لأنفسهم. وأخيرًا، جاء اليوم، واقترب يوم الحساب"، كما نوه في مقالته تلك إلى قدسية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، حيث قال نصا وأقتبس: " إن المسجد الأقصى هو مكان مقدس لا يمكن لأي شخص يدعي أنه مسلم أن يظل غير مبالٍ به. والهجمات على المسجد الأقصى، والقدس، وأطفال غزة، ونسائها، والمدنيين، هي إهانة وهجوم مباشر على السعودية، والإمارات، ومصر، وتركيا، وكل العالم الإسلامي. وصمت العالم العربي والإسلامي والتركي يشكل هذه اللامبالاة، أكبر قوة لإسرائيل. وإلا ليس لدى إسرائيل أي قوة في حد ذاتها"... انتهى الاقتباس.
ختاما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها". فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن". فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت".
ولا نامت أعين الجبناء. بغداد في 17/12/2024
#سماك_العبوشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حماية (وطن) أم (مستوطن) يا ترى!!
-
بشار الأسد: لمن المُلك اليوم!!؟
-
وعادت غزة مجددا تقاتل لوحدها!!
-
-قانون غزو لاهاي- بلطجة أمريكية بامتياز!!
-
يا ولاة أمرنا أما آن لكم أن تستيقظوا!!
-
إسرائيل الكبرى!!
-
دلالات أحداث أمستردام!!
-
كم كنتُ غبيا فاقدا للبصيرة !!
-
عذرا أم كلثوم، فلقد خيبنا ظنك بنا!!
-
غزة، فلبنان ... فما الوجهة القادمة!!؟
-
ردا على كل المرجفين والمشككين: لم يكن السنوار مخطئا بقرار طو
...
-
الطائرات أمريكية ... والصواريخ والقنابل أمريكية ... والقرار
...
-
ايران ... جعجعة ولا طحين!!
-
غزة والكذب والتدليس الأمريكي!!
المزيد.....
-
المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات
...
-
أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم.
...
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك
...
-
الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق
...
-
فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ
...
-
نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
-
عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع
...
-
كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
-
آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
-
العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|