|
المؤرخ يوسيفيوس وتاريخه في الميزان- الجزء الأول
أشرف عبدالله الضباعين
كاتب وروائي أردني
(Ashraf Dabain)
الحوار المتمدن-العدد: 8194 - 2024 / 12 / 17 - 20:48
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يوسيفوس، ويطلق عليه في بعض المراجع تيتوس فلافيوس يوسيفوس وهو صاحب مجموعة من الكتب التي قد تثير حساسية عند مجرد السماع بها، فكيف لو قرأ هؤلاء بعض هذه الكتب أو أحدها؟ أظن جازمًا أنه سيجن. فمن هو يوسيفوس؟ من الاسم نعلم أنه يوسف وهو يوسف بن متى أو متيتياهو ولد في مدينة القدس لعائلة كهنوتية يهودية بفترة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، أي أنه من عائلات النخبة الدينية اليهودية في ذلك الحين. أي أنه كوهين. والكوهين هم من سبط لاوي، وهو السبط المكلف بالمعبد بين أسباط إسرائيل الإثني عشر. وأمه من نسل الحشمونيين الذين ملكوا على يهوذا حتى 44 للميلاد. يقدم يوسيفوس نفسه كأحد أعمدة الفريسيين التي كانت إحدى الفرق الدينية الرئيسية لدى اليهود قبل دمار الهيكل، وأهم فرقة دينية يهودية لكنها كانت على معارضة شديد مع الفرق الأخرى وتهتم بأدق تفاصيل الشريعة الموسوية وأضافة لها عدد ضخم من البدع، وقد انتقد السيد المسيح هذه الفرقة وأتباعها أشد الانتقاد. لكن القارئ لكتب يوسيفوس يراه يتأرجح بين الفكر الفريسي والفكر الصدوقي وهي فرقة يهودية أخرى مختلفة تمامًا عن الفرقة الفريسية. من الممكن جدًا أن يوسيفوس ولد في فترة الرسل، بالتالي سمع منهم عن المسيح وشاهد بدايات المسيحية. فكتب عن المسيح (عيسى) وعن يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) وعن يعقوب أخو الرب. في إحد كتبه قام بسرد سيرته الذاتية وورد فيها أنه سافر إلى روما ومكث هناك بضع سنوات. وعندما رجع إلى يهوذا أنضم إلى التمرد على الإمبراطورية الرومانية وعين قائد منطقة الجليل. ألا أن يوسيفوس يقدم نفسه على أنه مال بإتجاه الاعتدال وعدم الانجرار لصراع طويل مع الدولة الرومانية، وهذا أدى إلى نزاعات بينه وبين القادة المتطرفين فحاول المتطرفون اغتياله. في نهاية التمرد سنة 67 للميلاد، تصاعد الصراع مع الدولة الرومانية، وفرض الرومان حصارًا على مدينة يودفات (يوتاباتا) الجليلية التي كان يقودها يوسيفوس، واستمر الحصار لفترة طويلة، فقرر يوسفوس الاستسلام فرفض أهل المدينة قراره وبعد أقل من شهرين سقطت المدينة في أيادي الرومان، وهرب يوسفوس ورجاله الأربعين من يودفات إلى مغارة، ولما اقترب العدو منهم قرر رجال يوسفوس أن يقتل بعضهم بعضًا لكي لا يسقطوا في أيادي الرومان، أما يوسفوس فبقي الأخير مع رجل آخر، وندم الاثنان على فكرة الانتحار وسلما نفسيهما للرومان. وبسبب هذا القرار وتعاون يوسفوس مع الرومان بعد استسلامه ساءت سمعته لدى اليهود وأخذ البعض يعتبرونه خائنًا. نشأت بين يوسفوس وبين قائد القوات الرومانية فسبازيان الذي أصبح قيصرا لاحقا صداقة، ثم تعاون كامل فتم في 69 للميلاد أطلاق سراح يوسفوس وفي 71 وصل إلى روما وأصبح مواطنا رومانيا. بموجب القانون الروماني تبنى يوسفوس اسم عائلة وليه فسبازيان وأصبح اسمه تيتوس فلافيوس يوسيفوس. أما كتبه فمتعددة لكن له كتابان حول التاريخ. الأول: كتاب يحمل اسم "عاديات يهودا" أو "الآثار اليهودية" وكتبه على ما يعتقد في عام 94 للميلاد باللغة اليونانية ويشمل 20 فصلا، يعرض تاريخ أتباع الديانة اليهودية حسب التراث والمصادر المتوفرة آنذاك. وهذا الكتاب له خصوصية وحساسية كبيرة، لماذا؟ إن اسم الكتاب لا يتناسب والثقافة العربية والسياسة العربية ولا يعتبر هذا الموضوع مهمًا لولا أن الكتاب نفسه خلق جدلا كبيرًا حول بعض الأمور نذكر منها: 1- الشهادة الفلافية:Testimonium Flavianum أي شهادة يوسفوس على وجود يسوع، ويعتبر الذكر الوحيد ليسوع من شخص غير مسيحي عاش في نفس المكان وفي نفس الوقت تقريبًا. وبالرغم من أن شهادته تحمل رمزية كبيرة إلا أن الكثير من العلماء يرون أن الشهادة الفلافية مشكوكا فيها. حيث يقول يوسفوس أن يسوع كان المسيح، ويشير بعض الباحثون إلى أنه ليس من المنطقي أن يكون يوسفوس الكوهين اليهودي قد اعتبر أن يسوع هو المسيا المنتظر. وتنقسم آراء الباحثين المعاصرين إلى ثلاثة افتراضات حول الشهادة الفلافية: الأول يرفض الشهادة الفلافية كليًا ويعتبرها تزويرا أضيف إلى النص الأصلي، الثاني يقبل الشهادة الفلافية، والثالث فيعتبر ذكر يسوع في الكتاب موثوق به، غير أن أحد الناسخ المسيحيين أضاف للنص ما يشير إلى أن يسوع هو المسيا. 2- أن هذا الكتاب ذكر أيضًا شخصيتين لهما علاقة قوية بالديانة المسيحية. أولهما يعقوب أخو الرب والثاني يوحنا المعمدان. ففي كتاب الآثار اليهودية يقول يوسيفوس أن هيرودس قد قطع رأس يوحنا المعمدان في قلعة مكاور وطرح جسده من على سور القلعة وبقي جسده مرميًا في الوادي عدة أيام إلى أن أتى تلاميذه وأخذوا جسده ودفنوه. وإذا كان الكتاب المقدس لم يذكر مكان سجن وقطع رأس يوحنا المعمدان فإن يوسيفوس أول من ذكر هذا الأمر صراحة في كتابه! ورغم أن الموقع واضح وضوح الشمس لكن الموقع تعرض خلال العقود السابقة لعددٍ ضخم من الاعتداءات والنهب والنبش والإهمال جعله في الوقت الحالي عبارة عن كومة من الحجارة. ولعل هذا الأمر هو ما جعل اهمال الموقع ممنهجًا ونهبه ونبشه من قبل لصوص الآثار ممكنًا وعدم تطوير الموقع وتأهيله دينيًا وتاريخيًا وثقافيًا كموقع حج مسيحي حتى فترة قريبة.
#أشرف_عبدالله_الضباعين (هاشتاغ)
Ashraf_Dabain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لقب نصارى - الجزء الثاني
-
المواكبة في عالمٍ متغير
-
القافلة واقفة
-
أين أخطأنا؟
-
معارك يطرح فكرة مؤتمر أردني لكتابة السردية بمناسبة صدور كتاب
...
-
السردية التاريخية الأردنية كتاب جديد للضباعين
-
دمه عليهم وعلى بنيهم
-
عربنا وعربكم
-
متى يخون المنصتون
-
التشوه النفسي في الواقع السياسي
-
بربر وأمم وعجم
-
للآثار الأردنية يوم
-
الاختلاف حين يكون خطرًا
-
جدلية التدين
-
الحل الصعب والحل الأصعب
-
اليوم العالمي للكتاب
-
أزمة عامة
-
بشر مهددون بالانقراض
-
خيرُ سفير
-
إفلاس كوداك، درس في الإدارة
المزيد.....
-
شركتا هوندا ونيسان تجريان محادثات اندماج.. ماذا نعلم للآن؟
-
تطورات هوية السجين الذي شهد فريق CNN إطلاق سراحه بسوريا.. مر
...
-
-إسرائيل تريد إقامة مستوطنات في مصر-.. الإعلام العبري يهاجم
...
-
كيف ستتغير الهجرة حول العالم في 2025؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق ن
...
-
قاض أمريكي يرفض طلب ترامب إلغاء إدانته بتهمة الرشوة.. -ليس ك
...
-
الحرب بيومها الـ439: اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان وسمو
...
-
زيلينسكي يشتكي من ضعف المساعدات الغربية وتأثيرها على نفسية ج
...
-
زاخاروفا: هناك أدلة على استخدام أوكرانيا ذخائر الفسفور الأبي
...
-
علييف: بوريل كان يمكن أن يكون وزير خارجية جيد في عهد الديكتا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|