أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - صورة للفنان بوصفه جُرواً: ديلان توماس بين القصة والقصيدة والسخرية المرة..















المزيد.....


صورة للفنان بوصفه جُرواً: ديلان توماس بين القصة والقصيدة والسخرية المرة..


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 8193 - 2024 / 12 / 16 - 18:17
المحور: الادب والفن
    


في فضاء الأدب الإنكليزي، يبرز ديلان توماس (1914–1953) كشاعر وسارد يتميز بقدرته الفريدة على صياغة اللغة بأسلوب يمزج بين الشعر والنثر، وبين المشغل اليومي والثابت الفلسفي. اشتهر ايضا بقدرته الفذة على تصوير الطبيعة والإنسان في تداخل جدلي، حيث لا تنفصل الكلمة عن الموسيقى التي تخلقها، ولا ينفصل النص عن التجربة التي ينقلها.

كتاب *"A Portrait of the Artist as a Young Dog"* (*صورة الفنان بوصفه جروا، أو صورة للفنان ككلب شاب*)، هو واحد من أبرز أعماله النثرية. يتألف الكتاب من نصوص مكثفة قصيرة ذات طابع شبه سيرذاتي، تُلقي الضوء على حياة ديلان في طفولته وصباه، مقدمة بذلك نافذة على طبيعة تكوينه الإبداعي. ولاشك أن العنوان يحمل بوضوح إشارة ساخرة ولو بمرارة إلى رواية *"صورة للفنان بوصفه شابا"* للروائي الأشهر جيمس جويس، لكنه يضفي عليها روحًا شاعرية أكثر قربًا من الطبيعة والحياة اليومية.

صدر كتاب "Portrait of the Artist as a Young Dog" لأول مرة عام 1940 عن دار J. M. Dent في لندن. تضمنت الطبعة الأولى غلافًا بسيطًا يحمل العنوان واسم المؤلف دون صورة أو أية رسمات بارزة.
وأسوة برواية جيمس جويس المعروفة "صورة للفنان شابا" أو "صورة للفنان كشاب" أو "صورة للفنان بوصفه شابا" (ترجمها د. ماهر البطوطي بصيغة "صورة الفنان في شبابه") فإن الالتباس وعدم الدقة يطالان عنواني الكتابين ومن يتصدى لترجمتهما إلى العربية أو حتى من يكتب عنهما. وعندما ترجمت عنوان كتاب ديلان توماس بصيغة "صورة للفنان بوصفه جروا" اعترض الكثيرون في حينه* وكان الحق معهم في الاعتراض، كما كان الحق معي بطبيعة الحال في الصيغة المجترحة. إذ نعم، يمكن ترجمة العنوان إلى "الفنان بوصفه جروًا"، لأن كلمة "جرو" هي الترجمة الأدق لـ "Young Dog" في هذا السياق، حيث تشير إلى الكلب الصغير في العمر.
مع ذلك، فإن استخدام كلمة "جرو" قد يحمل بين طياته إيحاءً طفوليًا أو بسيطًا، وقد لا يعكس عمق أسلوبية ديلان توماس بشكل كامل، خاصة وأن عنوان العمل الأصلي يعتمد على الجمع بين السخرية والجدية في اللغة، مما يمنح "الكلب الشاب" بُعدًا رمزيًا أو وجوديًا بشكل متعمق. إذن، فالاختيار بين "كلب شاب" و"جرو" يعتمد على السياق الذي يريد المترجم التركيز عليه: فإذا كان يهدف إلى نقل العنوان بروح رمزية أكثر تعقيدًا، فقد يكون "الفنان بوصفه كلبًا شابًا" هو الأنسب. أما إذا كان يرغب في ترجمة أكثر مباشرة وعفوية تشير بوضوح إلى الحيوان الصغير، فإن "الفنان بوصفه جروًا" سيكون مناسبًا أكثر.
وربما لو وضعنا العناوين في الخطاطة التالية لساعدتنا في التفكير بصواب التعريب المنشود:
صورة للفنان بوصفه شابا
A Portrait of the Artist as a Young Man
by James Joyce
صورة للفنان بوصفه كلبا شابا
Portrait of the Artist as a Young Dog
By Dylan Thomas

ولاشك أن الاستبدال والإحلال يكون هنا ما بين مفردتي "الرجل" و"الكلب" على أن يكون كلاهما في مرحلة "الشباب".

لقد اخترنا، في سياق مقالنا هذا، الجانح نحو الترجمة أكثر من جنوحه نحو النقد، مقتطفين من نصين تواجدا في موضعين مختلفين من كتاب ديلان توماس "صورة للفنان ككلب شاب"، وذلك لكي ندلل من خلال الجمع بين هذين النصين كيف أن ذلك سيعكس التناقض بين مرحلتين من حياة أي فنان، وبالتحديد الفنان الذي عناه الشاعر ديلان توماس، وربما كان يعنيه أيضا جيمس جويس في روايته التي أتينا على ذكرها في سياق الحديث:
- المرحلة الأولى: هي البراءة والارتباط الحميم بالطبيعة، حيث تكون البساطة مصدر الإلهام الأساسي.
- المرحلة الثانية: هي الصراع الداخلي والنضوج، حيث تتحول البساطة إلى معركة معقدة لفهم الذات وتقديمها للعالم.

# المقتطف الأول: من نص بعنوان The Peaches
"سرتُ عبر الحديقة الخضراء،
متجاوزًا حافة التل،
إلى الحقل المليء بالبرسيم المعطر
حيث وقفت بقرتان جنبًا إلى جنب،
كأنهما كتابان ضخمان بلون بني
التفتت إحداهما لتنظر إليّ بوجه يشبه رغيفًا،
أنفها مبلل، ونظرتها غبية ولكنها جميلة.
سقطت أشعة شمس الصباح على جانبها الضخم
كأنها جدار من الآجر الناعم".

يصور هذا النص طفولة الكاتب ويجمع بين التفاصيل اليومية والعلاقات العائلية والوعي المتزايد بالحياة والموت. النص مليء بصور ثرية عن الطبيعة والحياة في الريف الويلزي، مما يجعله مناسبًا جدًا لجذب القراء العرب إلى عالم ديلان توماس الفريد.
يقدم هذا المقتطف صورة ريفية تعكس روح الطفولة والبساطة. تشبيه البقرتين بالكتب، ووجه البقرة بالرغيف، ليس مجرد مفارقة استعارية، بل هو تصوير طفولي يجعل من الطبيعة نصًا مفتوحًا يقرؤه الطفل بعينيه الخاصتين. هذه الصور قد تبدو غريبة أو مدهشة للقارئ العربي، لكنها تستدعي تأملًا في كيف يرى الأطفال في كل مكان العالم كمساحة إبداعية مفتوحة.

# المقتطف الثاني: من نص بعنوان Old Garbo
"كنت ذلك الفنان الذي يبدو ككلب شاب آنذاك،
أتحسس الشهرة والثروة في الأزقة المظلمة للبلدة.
كانت الشوارع معارضي، والجدران قماشي، والرياح هم نقّادي.
كل خطوة لي كانت قصيدة لم أجرؤ على كتابتها،
وكل فكرة خامرتني كانت تحفة فنية هشة للغاية
ولا يمكن لها أن توضع في إطار".

نلاحظ هنا كيف يتم التناول المباشر لمفهوم الفنان ككلب شاب: يربط ديلان توماس بين شبابه هو وبين الكلب الذي يبحث عن المعنى، ليعكس روح التحدي والبحث الإبداعي. كما ويعبر المقتطف عن حالة الفنان الذي يعاني من عدم القدرة على التعبير الكامل عن أفكاره في ظل القيود، عبر استخدام أسلوب مجازي غني بالصور الشعرية مثل "الشوارع كمعارض" و"الرياح كنقاد فن".
ويظهر ديلان توماس هنا في لحظة نضج متأججة بالصراعات الداخلية. فإن تكنية الفنان الشاب بكلب شاب تُظهر التوق الإبداعي والرغبة في الاكتشاف. الجدران كقماش، والرياح كنقاد، هي استعارات تعكس حالة الفنان الذي يجد نفسه في صراع دائم مع حدود التعبير الإبداعي. بالنسبة للقارئ العربي، يمكن فهم هذه الصور كتشبيه للفنان في بداية رحلته، حيث يكون العالم من حوله مساحة للتجريب ومحفزًا دائمًا للإبداع.

ختاما، أقول، كما قال معظم النقاد إن الشاعر ديلان توماس يقدّم في كتابه المشار اليه اعلاه تحت عنوان "صورة للفنان ككلب شاب"، وفي هذين النصين المستلين منه تحديدا، يقدم منظورًا مغايرا يُظهر أن الإبداع ليس مجرد موهبة، بل هو رحلة تبدأ من براءة الطفولة لتمر بأزقة الطموح والبحث عن المعنى وصولا إلى أعلى مراحل النضوج، وهذا هو قدر كل فنان، في كل آن وأوان.

هامشان ضروريان:/
* كان هذا المقال في أصله المنشور في جريدة "القادسية" اليومية ببغداد التسعينات من القرن المنصرم، أطول بكثير من هذا المتاح الآن، وكذلك كان تضمن استشهادات واقتباسات أخرى من كتاب ديلان توماس المذكور "صورة للفنان ككلب شاب". ونحن نأمل أن نعيد تقديمه كاملا للقراء في حال حصولنا على أصل المقال كما تم نشره منذ ما يقارب الثلاثين عاما أو أزيد بقليل.

* عناوين فصول كتاب ديلان توماس بحسب الطبعة الأولى:
"الخوخات"
"زيارة إلى منزل الجد"
"باتريشيا وإديث وأرنولد"
"الشجار"
"سعال خفيف غير عادي"
"تمامًا مثل الكلاب الصغيرة"
"أين يتدفق نهر تاوي"
"من تتمنى أن يكون معنا؟"
"غاربو العجوز"
"يوم سبت دافئ".



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحيدة على الرصيف
- حسين علي يونس الشاعر السوريالي المتهكم بمراوح الخلود
- من الرمزية إلى السوريالية: قراءة في قصص -الحصان الأبيض- لصلا ...
- أربع قصائد من نوفمبر
- دورة اللولب
- حسين علي يونس: الشاعر السوريالي المحلق بمراوح السخرية السودا ...
- على نهر البلاد جلست وبكيت
- انفعالات، استعارات، تروبيسمز، مدارات استوائية: عمل متأرجح ما ...
- من الرمز إلى العاطفة: مفهوم نقدي جديد لسيمياء الأهواء
- نقد عربي جديد بلا معاطف أو قفازات
- أربع هايكوات وتانكا..
- النقد المتأني كطريقة للنظر في النصوص الأدبية
- إلى أين أنت ذاهب أيها الربُّ
- في البحث عن طوق نجاة.. كتاب مشترك جديد
- القصائد-النثر العشر الطوال
- البحث عن طوق نجاة
- غرناطة
- سبعة هايكوات
- سيمون فايل، من الماركسية والمجالسية إلى التصوف والروحانية: ت ...
- سيمون فايل، من الماركسية إلى التصوف: تحولات فيلسوفة أناركية ...


المزيد.....




- القضاء يرفض إلغاء إدانة ترامب بقضية الممثلة الإباحية
- القضاء يصدر حكمه بشأن إدانة ترامب في قضية الممثلة الإباحية
- مؤسسة سلطان العويس تعلن عن برنامج احتفاليتها بمئويته
- وزير الخارجية الإيطالي يأمل بترجمة العلامات الإيجابية الأولى ...
- تونس تودّع الممثل القدير فتحي الهداوي
- -أشكودرا- الألبانية.. لؤلؤة البلقان الطبيعية ومنارتها الثقاف ...
- الفنان السوري جمال سليمان يكشف عن عمل درامي يتناول كواليس -س ...
- كاتب إسرائيلي: احتلال القنيطرة مسرحية لا تمحو فشل 7 أكتوبر
- كاتب إسرائيلي: احتلال القنيطرة مسرحية لا تمحو فشل 7 أكتوبر
- رئيس الجمعية العمانية للسينما يتحدث لـRT عن السينما وأهميتها ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - صورة للفنان بوصفه جُرواً: ديلان توماس بين القصة والقصيدة والسخرية المرة..