بين اليسار وحزب الله دماء مهمدي عامل وحسين مروة وآخرين

محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)

الحوار المتمدن-العدد: 8193 - 2024 / 12 / 16 - 00:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

● إلى الصديقين جمال براجع وحفيظ مهرية

1 ----------------
من اغتال مهدي عامل (حسن حمدان)؟ ومن اغتال قبله حسين مروة وآخرين (سهيل طويلة: الإعلامي الكبير وعضو قيادة الحزب الشيوعي اللبناني، خليل ناعوس: عضو قيادة الحزب والمسؤول عن بيروت، ميشال واكد: أبرز قياديي الحزب في الضاحية الجنوبية، محمد المعوش: أحد أبز قياديي الحزب في الرميلة)؟ من طرد الشيوعيين وعائلاتهم من جنوب لبنان ومن الضاحية الجنوبية لبيروت؟ من أجبر الحزب الشيوعي اللبناني على إيقاف الكفاح المسلح ضد إسرائيل الذي كان سبّاقا إلى ممارسته؟
ليس هناك لبس بالنسبة لغالب هلسا بأن "العملية ارتكبتها القوى الظلامية في لبنان". وكان الهدف من قتل مهدي عامل هو "توجيه ضربه للأحزاب والتيارات الفكرية العلمانية من أجل أن تبقى القيادات والقوى الطائفية مهيمنة على لبنان".
وأكدت ماري ناصيف الدبس (قيادية في الحزب الشيوعي اللبناني)، أن حزب الله اغتال العديد من مناضلي الحزب الشيوعي، وأنه استهدف بوجه خاص المثقفين والأطر الجامعية، وكان أبرزهم مهدي عامل وحسين مروة.
كما أكد غسان رفاعي (صديق مهدي عامل وينتمي للحزب) أن كل أعضاء الحزب الشيوعي الذين قتلوا قتلتهم يد واحدة وجهة واحدة كانت تريد تصفية الحزب، لذلك اختار القتلة الشخصيات المؤثرة. وأضاف كمال حمدان (أحد اقارب مهدي عامل، لأن اسمه الحقيقي هو حسن حمدان. وقد اختار مهدي للدلالة على أنه شيعي وعامل لأنه من جبل عامل ولأنه ماركسي) أنه بالرغم من عدم معرفة أسماء المنفذين فإننا نعرف الجهة التي قررت قتل مهدي عامل والآخرين.
ويتذكر كريم مروة أن غازي كنعان (الذي كان رئيسا لشعبة الاستخبارات السورية في لبنان ووزيرَ داخلية ومديرا للأمن السياسي) قال له أن "الذي قتل مهدي عامل هو حزب الله" واستخلص كريم مروة أن اغتيال حسين مروة ومهدي عامل والآخرين تم بقرار سوري وبتنفيذ من حزب الله.
لم يكن قرار الاغتيال منحصرا في سوريا وحزب الله وإنما كانت هناك جهة أخرى لها صلة به. فلما اغتيل حسين مروة (يضيف كريم مروة) صدر مقال في جريدة إيرانية عبر فيه كاتبه عن شماتته بحسين مروة ورفاقه، ونبّه في نفس المقال إلى أن الذي خلفه هو مهدي عامل (في مجال الفكر الماركسي) وكريم مروة (في المجال الفكر السياسي) وهذا نوع من التحريض على القتل.
كان عمر حسين مروة بتاريخ 17 فبراير 1987 هو 78 سنة، وكان مريضا حينئذ. ولما اقتحم المسلحون منزله وجدوه مستلقيا فوق السرير فاطلقوا عليه الرصاص وقتلوه. كان حسين مروة مفكرا متميزا وعضوا بارزا في الحزب الشيوعي اللبناني. وبعد مرور عشرة أيام على اغتياله تم اغتيال أكثر من أربعين عضو من أعضاء الحزب الشيوعي اللبناني، وكان أحد رجال الدين قد أصدر فتوى تقول "لا يمكن السماح لأي شيوعي بالبقاء في جنوب لبنان".
في تأبينه لحسين مروة قال مهدي عامل: "قتلوك لأنك شيعي وشيوعي". وهو ما سوف ينطبق عليه هو أيضا. وكان مهدي عامل قد تنبأ سابقا (حسب غالب هلسا) بأن مقتله سيكون على يد طائفته وليس على يد الكتائب الفاشية. كان على علم بأنه مهدد بالقتل. فقد قال له كريم مروة: "إننا مستهدفان معا"، فرفض اتخاذ أي إجراء احتياطي، ولم يغير أيا من عاداته، وظل يتجول مشيا على قدميه، فاعترضته سيارة في الطريق وأطلقوا عليه الرصاص من كلاشنكوف.
وهذا ما أكده أحمد نسيم برقاوي. فلقد وجه السؤال التالي لمهدي عامل في منزل طيب تيزيني: "كيف ستكون العلاقة بينكم وبين حزب الله وحركة أمل بعد اغتيال حسين مروة؟" فأجابه مهدي عامل قائلا: "لا بد من التحالف معهما، نحن في معركة صعبة". فعلق أحمد نسيم برقاوي قائلا: "من قتل حسين مروة، سيقتل مهدي عامل". وبالفعل، بعد مرور ثلاثة أشهر تم اغتيال مهدي عامل (اغتيل حسين مروة بتاريخ 17 فبراير 1987، واغتيل مهدي عامل بتاريخ 18 ماي 1987).
وبالإضافة إلى القتلة الفعليين (نظام حافظ الأسد وحزب الله) هناك قتلة معنويون يشير إليهم محمد علي مقلد الذي قال إن من قتل مهدي عامل هو "الإيمان بالحتميات" الذي يؤدي إلى إقصاء المختلف وقتله، أي أن اصولية الحزب الشيوعي قتلت مهدي عامل معنويا.
2 ----------------
لماذا قتلوهم؟ ولماذا تم استهداف الحزب الشيوعي اللبناني؟
هناك عدة أسباب تفسر اللجوء إلى تصفية المعارضين اللبنانيين المنتمين لهذا الحزب.
السبب الأول: إصرار النظام السوري بقيادة حافظ الأسد على التحكم في كل ما يجري في لبنان، والتحكم خصوصا في "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية". فغازي كنعان طلب من قيادة الحزب (في اجتماع مع إلياس عطا الله وجورج حاوي) أن تخبره بكل عمليات المقاومة ضد إسرائيل وبكل ما يتعلق بأهدافها وبرامجها. لكن قيادة الحزب الشيوعي اللبناني رفضت الخضوع لطلب غازي كنعان ورفضت التبعية لنظام حافظ الأسد. وكان هذا سببا كافيا لمعاقبة الحزب بقتل أطره. ولقد استنتج إلياس عطا الله (الذي كان قياديا في الحزب الشيوعي اللبناني ومنسقا لعمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وقد طرد لاحقا من الحزب بسبب انتقاده للوجود السوري في لبنان) بعد ذلك اللقاء مع غازي كنعان أن سوريا ستفرض على الحزب الانسحاب من المقاومة المسلحة لإسرائيل لكي تُحتكر لاحقا من طرف حزب الله.
السبب الثاني: تمثل في أن السوفييت سمحوا آنذاك للنظام السوري بقيادة عمليات المقاومة في لبنان برعاية إيرانية كاملة، وهذا يعني أن السوفييت لم يحترموا موقف الحزب الشيوعي اللبناني من القضية الفلسطينية، بل عرّضوا الحزب للخطر وعرّضوا أعضاءه للاغتيال.
السبب الثالث: خطة النظام السوري الهادفة للقضاء على الشيوعيين في سوريا ولبنان. ولقد تم استعمال حزب الله لتنفيذ الخطة في لبنان.
السبب الرابع: إيديولوجية حزب الله نفسها التي كانت (قبل انتخاب حسن نصر الله أمينا عاما للحزب) تتبنى أطروحة استئصال المخالفين على أساس ديني.
السبب الخامس: أنشطة الحزب الشيوعي اللبناني المكثفة في المجالين النقابي والإيديولوجي (إضرابات متواصلة بلغت 35 إضرابا ما بين سنة 1970 و1975، إحياء الحركة الطلابية سنة 1972، تظاهرة ضخمة ضد خوصصة التعليم سنة 1974، التقاء مهدي عامل ومناضلين آخرين معه بالمزارعين في مناطق زراعة التبغ لتوعيتهم وتعريفهم بالماركسية، التقاء مهدي عامل ورفاقه بالناس في المنازل والمساجد لشرح أسباب التخلف وفضح برامج اليمين اللبناني باعتباره عميلا للقوى الخارجية، اكتساب مهدي عامل لشعبية كبيرة في أوساط المزارعين الذين كان معروفا لديهم بصاحب "اللحية الخضراء".
3 ----------------
لماذا التحالف مع القتلة؟ ما الذي جعل الحزب الشيوعي اللبناني يتحالف مع قتلة مناضليه ومثقفيه؟
قالت ماري ناصيف الدبس (قيادية في الحزب الشيوعي) أن العلاقات بين الحزب الشيوعي وحزب الله عرفت تحولات مهمة جعلتها تختلف كليا عما كانت عليه قبل عشرين سنة. وأرجعت هذا التحول إلى احتكاك مناضلي الحزب الشيوعي اللبناني بعناصر حزب الله في السجون والمعتقلات الإسرائيلية. بالإضافة إلى التطور الذي عرفه حزب الله خصوصا بعد انتخاب حسن نصر الله أمينا عاما للحزب.
وهناك سبب آخر تمثل في التغير الذي عرفه الحزب الشيوعي نفسه حيث غير موقه ليكون في صالح النظام السوري، ودشن حملة طرد للعديد من مناضليه الذين رفضوا السياسة الجديدة للحزب التي تقود إلى تقزيميه وتدميره. ومن المناضلين البارزين الذين كانوا سيطردون من الحزب أمينه العام السابق جورج حاوي الذي عبر عن رأيه الرافض للتواجد السوري في لبنان وهو ما سيؤدي إلى قتله سنة 2005.
غيرت قيادة الحزب الشيوعي اللبناني موقفها من "الظلامية الإسلامية المتمثلة في حزب الله"، وقررت التحالف معها والعودة لأطروحة "جميعا ضد الاستعمار والإمبريالية والصهيونية"، وذلك يعني التضحية بالنضالات المرتبطة بالصراع الطبقي داخل المجتمع اللبناني.
لكن ماذا لو كانت الهدنة التي أعلنها حزب الله تجاه الشيوعيين ظرفية مرتبطة فقط بشخص حسن نصر الله (الذي اغتاله الإسرائيليون في الضاحية الجنوبية لبيروت بتاريخ 27 شتنبر 2024)؟ هل يمكن لشخص أن يغير المرجعية الدينية المعادية لكل ما هو "غير ديني"؟
عبر محمد علي مقلد (الذي كان أحد المثقفين المقربين من مهدي عامل) عن رفضه للتحالف مع قتلة مناضلي الحزب الشيوعي اللبناني، وذلك برفضه للأطروحة المبررة لهذا التحالف والقائلة بأن الشيوعيين يحاربون الاستعمار والإمبريالية والصهيونية، وبما أن حزب الله وحركة أمل يحاربان ايضا نفس الاعداء فيجب التحالف معهما. ويرى ان محاربة حزب الله وحركة أمل للاستعمار والإمبريالية والصهيونية شان يهمهما، ولا شأن للحزب الشيوعي به، لأنه ينبغي أن يلتزم بأطروحة الصراع الطبقي. ومن منظور الصراع الطبقي فحزب الله وحركة أمل يمثلان الرجعية ويخدمان الطبقة السائدة، ومن جهة أخرى إذا كان من مهام الحزب الشيوعي بناء دولة بلبنان فإن حزب الله وحركة أمل لا يريدان بناء دولة بلبنان.
4 ----------------
يفرض الدين نفسه على الناس في الحياة وبعد الموت. ومهما كان رفض الإنسان للدين جذريا فهو لن يتحرر منه لا في حياته ولا في موته. فحين يصير المرء جثة يتولى الأخرون تدبير الطقوس التي يرون أنها واجبة تكريما للميت: تغسيله، نقله إلى المسجد، الصلاة عليه، نقل الجثمان للمقبرة، دفنه، تلقي التعازي. فحقوق الإنسان تظل مهمة بعد موته ودفنه.
لما اغتيل مهدي عامل رفضت المرجعيات الشيعية اللبنانية استقبال جثمانه في المساجد الشيعية ورفضت الصلاة عليه كما رفضت دفنه في مقابر الشيعة. فتمت الصلاة عليه في مسجد سني بحضور مسلمين سنة ومسيحيين ودروز وشيوعيين، ودفن في مقبرة سنية.
أما فيما يخص حالة حسين مروة، فلقد رفض الشيعة اللبنانيون دفن جثمانه في قريته ولا في أية قرية من القرى المجاورة لقريته. وظل جثمانه في مركز حفظ الجثث طيلة خمسة عشر يوما، ثم دفن في الأخير في مدفن السيدة زينب في دمشق.

5 ----------------
ازداد مهدي عامل سنة 1936 واغتيل سنة 1987 عن عمر ناهز 51 سنة. انتمى للحزب الشيوعي اللبناني لما عاد من فرنسا إلى لبنان سنة 1968. درّس في السلك الثانوي بصيدا ثم عين بالجامعة اللبنانية. اعتبر مهدي عامل أهم منظر في الحزب الشيوعي اللبناني بل أهم منظر ماركسي في العالم العربي.
حظيت نصوصه باهتمام كبير في الأوساط التقدمية واليسارية وكانت لها أهمية كبيرة في بلدان المغرب الكبير والسودان ومصر تتجاوز الأهمية التي أعطيت لها في لبنان. وحظيت أطروحاته باحتفاء ونقد مهمين.
من المنتقدين له صديقه فيصل دراج، الذي قال إن مهدي عامل بالغ في تقدير قوة النظرية مما أسقطه في "إيمانية ثورية". وتوهم أن إيجاد نظرية ثورية سيجعل التاريخ متملَكا ومتحكما فيه وفي تحولاته. كان مؤمنا بقوتين هما العلم (الماركسية) والفاعل التاريخي (الطبقة العالمة). كان واثقا من انتصار الماركسية لأنها علم ولان الحداثة تعبير عن الفكر العلمي وهما لا يتناقضان. لقد كان توقع مهدي عامل بخصوص مستقبل الماركسية خاطئا بسبب التغيرات الكبرى التي عرفها العالم: فهو بشر بالماركسية في عصر أزمتها وأفولها وانحسارها. وصف فيصل دراج مهدي عامل بأنه "مثقف رسولي" بروح "رومانسية".
أما محمد علي مقلد فيصف مهدي عامل بأنه "أصولي ماركسي بامتياز"، استعمل في كتاباته مفردات وعبارات يقينية ترتكز على مسلمات سوفييتية الأصل تحولت في نصوصه إلى "بداهات ديكارتية"، ويستنتج أن انهيار التجربة الاشتراكية خلخلت تلك اليقينيات.
اهتم مهدي عامل اهتماما خاصا بمفهوم "التناقض" الذي تُحدد بناء عله التحالفات والنضالات والبرامج السياسية. وكان تصنيف الأصولية الدينية الشيعية في لبنان ضمن التناقضات الثانوية أمرا قاتلا ليس فقط لمفكرين وإعلاميين وفنانين ومقاتلين، وإنما كان أمرا قاتلا أيضا لتجربة حزب بأكمله.
لاحظ فيصل دراج في إضاءته لكتاب مهدي عامل الذي نشر بعد وفاته (في تمرحل التاريخ، دار الفارابي، 2001) أن مهدي عامل "ينتمي إلى ماركسية جديدة تجد مراجعها في ألتوسير وبولانتزاس وبتلهايم، ماركسية غازلت، في طور منها، البنيوية التي رأى فيها سارتر فلسفة إمبريالية". لكن بالرغم من تبنيه لهذا الاجتهاد الماركسي الفرنسي فإنه ظل مع ذلك "ماركسيا أصوليا بامتياز".

#محمد_الهلالي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Hilali#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات