|
جبرييل مارسيل الوجود الانساني بين الذات والجسم
علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا
(Ali M.alyousif)
الحوار المتمدن-العدد: 8192 - 2024 / 12 / 15 - 11:35
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تساؤلات تمهيدية هل الانا (الذات) وهي ليست موضوعا ادراكيا من غير صاحبها ولا تمتلك ماهية خارج وصاية العقل المنفرد وليس الجمعي عليها في الدلالة المعرفية عن مختلف جوانب الحياة وحاجات الجسم. هل الذات حقيقتها الوعي الادراكي الاستبطاني الداخلي كموجود قائم بذاته في ملازمة الجسم لها؟ ام الذات من خلال وعيها لذاتها ووعيها موضوعات العالم الخارجي والعالم الداخلي هي ادراك استبطاني عقلي – نفسي مشترك؟ هل الانا موجود يدرك من غيره أم هو خاصية انفرادية لدلالة وجودها المغاير للذوات الاخرى ومع الاشياء في خاصيتها التفكيرية المجردة؟ أم الانا الذات موجود انطولوجي من خلال تعالقه بالشخصية الهوياتية للفرد تدخل في علاقة تجريد تواصلي مع الآخر ولا تكون موضوعا له على إعتبار الانا ماهيتها المتفردة هي مرجعية العقل المفكر لفرد؟ هل وعي الذات كتجريد إرادي سلوكي فاعل يرتبط بالاستشعارات والاحاسيس الجسمية والنفسية خارج وداخل الجسم في توليفة واحدة.؟ هل يمكننا فصل الذات عن الانا كما هو حال الافتراضية التي تذهب فصل الفكر عن اللغة او فصل الشكل عن المضمون او فصل الصفات الخارجية عن الجوهر؟ هل يوجد عضو بايولوجي مثل جسم الانسان ينوب عن تمثيله الذات كما يذهب له فيلسوف الوجودية جبرييل مارسيل؟ هل من المتاح أن تنفصل الذات عن الجسم في علاقتها بعالمي الانسان الخارجي والداخلي الاستبطاني وحتى العالم الخيالي؟ الانا والانا الاعلى والهو تراتيبية فرويدية لتجليات الذات النفسية السلوكية حسب حاجة الشعور واللاشعور. من البديهي الانا التي هي الذات التي تعي وجودها بالمغايرة الموجودية مع غيرها من الاشياء والموضوعات كتفكير تجريدي تختص به الذات دون غيرها. يذكر دي بيران( اخطاء الميتافيزيقيين الذين يخلطون بين الانا التي هي الذات النسبية القائمة بالمعرفة وبين النفس التي هي موضوع مطلق للاعتقاد ) 1. هذه واحدة من الخلط الذي وقع به جبرييل فيلسوف الوجودية كما سيتوضح معنا بهذه الورقة. فالذات والنفس كلاهما موضوعان مطلقان للاعتقاد. الذات الوجودية وجبريل مارسيل يعمد جبرييل مارسيل أحد اقطاب الوجودية المؤمنة الى تشييء الذات انطولوجيا بغيرخاصيتها في تجريد التفكير كما سبق وفعله ديكارت في الكوجيتو. جبرييل يعتبر افضل تجليّات الذات أن تكون هي اولوية تتقدم (الجسم) وليس ماهية وخاصية التفكير العقلي الذاتي. ويقول جبرييل بهذا الصدد " اليقين الوجودي – طبعا المقصود بالوجود هنا هو الكينونة الانسانية للفرد وليس الوجود كمفهوم ميتافيزيقي مطلق غير قابل للادراك – ماثل في الخبرة التي عن جسمي على نحو ما هو حي بالفعل. والتجسيد الذاتي هو ان المرء يدرك نفسه باعتباره جسما. والجسم هو حلقة الاتصال بين الذات والعالم الخارجي" 2 . العبارة بين شارحتين للكاتب. هنا قبل الاستمرار بنقل فكرة جبرييل الوجودية حول الذات هي الجسم نود الاشارة الى أن كليهما الذات والجسم موجودان جوهريان وهما معطى فطري منفصل بالتركيبة البايولوجية في عدم جواز الانابة التبادلية بين جوهر الذات وجوهر الجسم. بل تربطهما علاقة مشتركة لا إنفكاك منها. وسنوضح هذا لاحقا في البديهة لا جسم بشري لاتسكنه الذات ولا ذات لا يحتويها جسم بايولوجي. ويمضي جبرييل تاكيد فكرته الفلسفية قائلا " تجسيد الانا او الذات عينيا بالجسم هي نقطة انطلاق من شيء مادي ملموس فانا لا ادرك نفسي كما يظن ديكارت باعتباري فكرا محضا بل باعتباري متجسدا في بدن. هو نواة كل موقفي الوجودي ومعنى ذلك أني لا استطيع فصل شعوري بذاتي عن إحساسي بجسمي وإدراكي العالم الخارجي. وعندما اقول عن شيء ما موجود فانني أعني بذلك ان هذا الشيء قابل للاتصال بجسمي والتاثير عليه. سواء اكان ذلك بطريقة مباشرة ام بطريقة غير مباشرة ." 3. ملخص عبارات جبريييل هذه معناها التوضيحي ان ليس هناك جسما لا تسكنه ذات كما ذكرناه. ولا يتسنى لنا التعامل مع الذات منفصلة عن الجسم والعكس صحيح ايضا. يلاحظ أنه كما فعل ديكارت كي يخلص من الابعاد المتعددة لتجليّات الذات فحصرها في إثبات انطولوجيا الموجود الانسان بقابلية التفكير المجرد في الكوجيتو. عمد جبرييل ايضا الخلاص من تشظيات الذات الادراكية بين الفكر التجريدي والواقع, وبين الوجود الانطولوجي والفكر, وبين الذات وعلاقتها بالسلوك النفسي, وبين الذات واللغة, وبين الارادة الحرة والفعل, وهكذا... إختار جبرييل اختزال مركزية الذات بالجسم. وقال بأسبقية الجسم البيولوجي على تجريد الذات الفكري. الذات فضاء جوهري يتجاوز إحتواء الجسم له والانقياد وراءه بالتبعية. دائما يكون كل فضاء مفهومي غير متعيّن بحدود يكون يحتوي كل ماهو نهائي محدود من موجودات. إختزال جبرييل الذات تتقدم الجسم كان يريد من ورائه إثبات وإيجاد نوع من واقعية فلسفية تلغي الابعاد المتعددة الفاعلة للذات في قيادتها هي الجسم وليس العكس في اولوية الجسم عليها. الذات الانسانية لا تتجلى في بعد واحد بل هي مركب من ابعاد تفكيرية واقعية مادية وايضا خيالية واستذكارية ونفسية لا حصر لها هي تجليات فاعلية كينونة الانسان التي من المحال فصل الذات عنها او محاولة تقديم اولوية الجسم عليها كما يرغب جبرييل مارسيل. اما الجسم فهو كينونة موجودية بيولوجية نهائية موجود ببعد بيولوجي واحد متعين يدركه الحس والعقل. من الحقائق البيولوجية الواقعية والتفكيرية ان الذات لا تتموضع بالجسم على حساب الغاء الابعاد الاخرى للذات في الاضطلاع بمهمة تجريد الوعي السلوكي العملاني للجسم التي من دونها يفقد الانسان موجوديته الوجودية الفاعلة بالحياة. ابسط تلك الابعاد ان الذات مجتمعية بالفطرة والخبرة المكتسبة لا يمكنها المعيش المنفصل عن التعايش مع الاخرين وإن كانوا هم الجحيم على حد تعبير سارتر. نؤكد ما سبق لنا ذكره ان الذات في توزع خصائصها المتعددة الابعاد فهي ملزمة أن تكون قائدة لكينونة مركبة عديدة إحداها جسم الانسان. والذات سواء أكانت بقدراتها الذاتية كخبرة تجريبية بالحياة أو كانت افكارا تحت هيمنة ووصاية العقل في توجيهها فهي لا تتمكن من الاحتفاظ بخاصية واحدة لها تعتبرها مرتكزا اوليا في الموجود الانساني كينونة موحدة على حساب الغائها العديد من الخصائص الاخرى التي تمتلكها الذات وملزمة بالضرورة الاستجابة في اشباعها حاجات الجسم في علاقته بالعالم الخارجي وحاجات الجسم الداخلية التي تتوزعها اجهزة الجسم الباطنية التي تنتج الاحاسيس البيولوجية والغرائزية التي تلزم العقل والجسم اشباعها والا يفنى الكائن الحي ويموت.. وبفناء الجسم تفنى الذات التي تحتويه في كل حركاته ومشاعره. ففي الوقت الذي تكون فيه الذات تفكيرا تجريديا فهي تكون بنفس الوقت واقعية لابعد الحدود المادية حينما تتعلق الامور باشباعها حاجات الجسم البايولوجية والغرائزية الفطرية على السواء.. فالذات حين تكون الجسم والارادة والنفس والسلوك واللغة والمخيلة ووعي الزمن وما لا حصر له من خصائص ومهام فانما بكل هذه المهمات الصفاتية المفكرة تجريدا وغيرها تكون ذاتا عقلية تحتوي كل شيء مادي ولا تحتويها مادة بعينها بداية ومنتهى. جبرييل وحقيقة اسبقية الجسم على الذات يعترف جبرييل مارسيل بزّلة لسان فلسفية بحقيقة الذات ليست جسما كما سبق وقال به الذات هي اسبقية الجسم كوجود حقيقي عليها دليل ذلك قوله نصا " ان جسم الانسان لا يستوعب كل ذاته ولا يعبر عن صميم وجوده ".4 الوجود الحقيقي للانسان لا يعبر عنه الجسم بل وعي الذات لوجودها النوعي المغاير لكل ماهو مادي. لتاكيد صواب وصحة ما ذهبنا له قبل جبرييل في اعترافه الجسد لا يستوعب الذات لناخذ مثلا ملكة الخيال هل هي خاصية فكرية تجريدية للذات أم هي خاصية بيولوجية جسمانية؟ الخيال خاصية ذاتية تجريدية في تعبير المخيلة عن موضوعاتها تجريدا في اللغة الصورية الصامتة والمنطوقة. وملكة الخيال خاصية نوعية جوهرية لا يمتلكها الجسم منفصلا عن ذاته. الخيال تفكير مفهومي تجريدي قبل أن يتحول الى تجسيد موضوعي. يستعير جبرييل مارسيل مقولة الوعي القصدي التي استعارها هوسرل ونادى بها اقطاب الفلسفة الوجودية وفينامينالوجيا هوسرل. وقد وقعت الوجودية في خطأ افدح ضررا مما ارادت تصحيحه لكوجيتو ديكارت. حينما قالت الوعي القصدي هو الذي يحمل معه هدفه القصدي ولا يستمده من معرفته التخارجية بعلاقة وعيه مع موضوعه. وهنا يصبح معنا التساؤل المشروع لماذا نقوم بادراك الاشياء والموضوعات اذا كان وعينا الاشياء يحمل هدفه معه؟ لماذا يدرك العقل الاشياء وموضوعات التفكير اذا لم يكن يتوخى حصوله على معرفة مضافة جديدة عنها / ومنها؟ سبق لي تناولت الموضوع في غير هذا المقال. لكني وجدت الاشكالية غير التي ذكرناها فقط. الاشكالية هي في هل يعجز وعينا الادراكي من معرفة موضوعه اذا لم يكن يحمل الوعي عن ذلك الموضوع تصورات اولية عنه؟ اذا نحن اجبنا انه يتعذر على الوعي ادراك معرفة موضوعه بدون ان يمتلك معلومات اولية عنه نسقط في خطأين الاول ما مصدر امتلاك الوعي لاوليات معرفية قبلية سابقة على وعيه موضوعه الذي يقصده؟ اذا قلنا مصدر تلك المعلومات الفطرة نقع ايضا بالخطأ لأن المعرفة خبرة مكتسبة وليست فطرية بالغريزة. الخطأ الثاني اذا ذهبنا مع الرأي الذي يقول يعجز الوعي معرفة موضوعه دونما إمتلاكه الحد الادنى المعرفي عن موضوعه فكيف يتمكن الوعي التعامل مع الموضوعات الصدف الغفل التي تعترضه وتفرض عليه تفاعله المتخارج المعرفي معها وهو لا يمتلك ادنى معرفة مسبقة عنها.؟ خلاصة القول ابتداع هوسرل ومن قبله استاذه برينتانو في فلسفته الظواهر الفينامينالوجيا وفلاسفة الوجودية انه لكي يكون وعينا الاشياء منتجا عليه ان يمتلك خاصية الوعي (القصدي) خرافة وهراء فلسفي ابتدعه هوسرل. فالوعي مثل الزمن لا يقبل القسمة على نفسه ولا يتقبل تقسيمه الى ازمان. مثلما تقول الزمن هو الزمن وقولك لا يجانب الخطأ كذلك الوعي هو الوعي والقصدية ملازمة عضوية له ولا يجوز لنا خلعها عليه في اشتراطنا المسبق لكي يكون الوعي منتجا عليه ان يتسم بالقصدية.. لايوجد وعي تفكيري لا يكون قصديا في افصاحاته او في استبطاناته المعرفية. الوعي الذي لا يكون بالضرورة الموجودية وعيا قصديا لتحقيق هدف يعنى ذلك ليس بوعي يتحكم به العقل بل هو لاوعي. الوجود الاصيل والوجود الزائف ذكر هيدجر ومعه فلاسفة الوجودية أن العامة من الناس تعيش نسيان الوجود الاصيل وتعيش وجودها الزائف القطعاني الاستهلاكي في روتين الحياة الذي يتوزعه العمل والمأكل والنوم والعلاقة الحميمة. ومن خلال تقصي اطروحة هيدجر هذه اتضح لي ولكل باحث بالفلسفة ان كولن ولسون في مؤلفه اللامنتمي وفي اكثر من مؤلف له وفي رواياته أجاد في توضيح الالتباس الهيدجري لمعنى الوجود الاصيل الذي اراده هيدجر للعامة وهو استحالة أن يناله غير النخبة المميزة في وعيها ونضجها المتقدم على الوعي الجمعي كما اثبت كولن ويلسون ذلك. بالحقيقة مصطلح كولن ولسون اللامنتمي هو المعادل الموضوعي لاغتراب الذات. لذا ما سبق لهيدجر طرحه حول ضرورة ان تتوجه العامة لنيل وجودها الاصيل بدلا من وجودها الكاذب هو يوتوبيا فلسفية لم يعرف صياغتها منطقيا مثلما فعل بعده بنجاح باكثر من قرن المفكر الروائي الانكليزي كولن ولسون. هيدجر اتفق مع استاذه هوسرل بالرد على ديكارت بان الوعي بلا موضوع غير متحقق في الكوجيتو وهو صحيح قابل لدحضه. لذا يجب ان تكون خاصية الوعي هو القصدية او الهدف من وعي الاشياء والموجودات حسب فلاسفة الوجودية بالاجماع. واعيد هنا تحت الضرورة ما سبق لي ذكره ان الوعي القصدي هراء فلسفي ومصطلح افتعالي بدليل انعدام التفكير بلا موضوع وسبق لي اوضحت ذلك في سطور سابقة. وعندما قال ديكارت انا افكر يعني ضمنا انه يفكر بموضوع فالادراك والتفكير لا يعملان فعليا ولا عقليا من دون موضوع. وبلغت المهزلة الابتذالية اوج جنونها وهستيريتها الفوضوية تحت يافطة لماذا لم يقل ديكارت بماذا كان يفكر كي يثبت وجوده الانطولوجي.؟ استطيع القول بلا ادنى تحفظ تحوّل الكوجيتو الديكارتي بالفلسفة الى افتتاحية ابتذالية في كل تفلسف ما جعل الاب الروحي للفلسفة الوجودية سورين كيركجورد يقول بغضب فلسفي ناضج جدا ينهي مهزلة كوجيتو ديكارت (انا لا افكر اذن انا موجود.) بمعنى الوجود يسبق التفكير وهذا تحصيل حاصل أن خاصية كل موجود يمتلك تفكيرا. الموجود باستقلالية انطولوجية يسبق التفكير به والوعي الادراكي به فهو موضوع مادي او خيالي لوعي ادراكي تجريدي صوري. الاقتباس الخاطيء إستعار جبرييل مارسيل فيلسوف الوجودية من زميله الخطأ التالي " الوجود الاصيل- حسب ما قال به هيدجر- انما يتمركز بمقولة (الوجود- في- عالم) ونسب جبرييل في اعتماده هذه المقولة الخاطئة التي اخذها عن هيدجر ان الوجود الاصيل مرتكزه الجسم وليس الذات. ( اراد جبرييل صاحبنا يكحلها عماها). - اولا الوجود – في – عالم مقولة هيدجر هي خاصية الانسان انه كائن مجتمعي او اجتماعي لافرق ولا علاقة لها بالوجود الاصيل ولا بالوجود القطعاني الزائف. فالفرد موجود قبل تصنيف نوعية وجوده اصيل ام زائف. سواء اكان ذلك الفرد يعرف أو يدرك معنى الوجود الاصيل في انضمامه الوجودي ضمن عالم لاصبح تحصيل حاصل أن كل انسان بحكم اجتماعيته الفطرية إنما يعيش وجوده الاصيل غير الزائف وبدعة هيدجر الوعي القصدي مولود مات في بطن أمه. ولا يبقى هناك فرق بين وجود اصيل عن وجود زائف فالكل يعيش في عالم كما يرغب هيدجر. العامة من الناس في وجودهم الاجتماعي الزائف لا يفكرون بوجود اصيل عليهم بلوغه فهذه مهمة وخاصية النخبة المجتمعية وليس عامة الناس. - للامانة شر البلية ما يضحك هيدجر قال لكي يحقق الفرد خاصية وعيه الايجابي كموجود في مجتمع يجب ان يكون وعيه قصديا قبليا. ولم يقل كما فهم واقتبس عنه جبرييل الوجود في عالم يحقق للفرد وجوده الاصيل غير الزائف. الفرد وجوده في عالم هو معطى فطرة غريزية فالانسان الفرد من المحال أن يستطيع المعيش خارج عالم يحتويه. لذا اشتراط هيدجر كي يكون الوعي قصديا محققا هدفه عليه المعيش في عالم ومجتمعية الانسان كموجود وكائن اجتماعي بالفطرة وليس بالوعي القصدي الهيدجري. - الوجود الاصيل هو حصة النخبة المجتمعية التي تمتلك وعيا نوعيا خاصا يتجاوز الوعي الجمعي المتخلف عن وعيه. وبالعكس هؤلاء النخبة في الغالب الاعم هم منعزلون عن الوجود في عالم يحتويهم لا يجانسهم المقاربة الفكرية ولا العلمية ولا اي اختصاص ثقافي او ادبي وغيره لان الوجود القطيعي مجتمعيا ولو في حقيقته ضرورة لا يمكن للانسان الخلاص منها الا انه يختزل ويميت الخاصية العبقرية للنخبة حينما تنزل بتفكيرها الى العامة وتفقد خاصيتها الانفرادية المنعزلة التي تحمل وعيا متدما متعاليا عن المجموع.. من بديهيات المبدعين النخبة التي تقود مجتمعاتها هو ان تحاول رفع الوعي الجمعي المتخلف المتدني لمستوى ما تفكر به هي النخبة الواعية ولا تنزل هي بتفكيرها الى وعي المجتمع الذي استهلكته امور وحاجات الحياة في مجاراتها الوعي المجتمعي الهابط. - جبرييل أخزاها جدا في مقولته الاستنتاجية الابتذالية (الوجود الاصيل مرتكزه الجسم وليس الذات). وفات جبرييل ان (الوجود في عالم) مقولة هيدجر البائسة هو اولوية وجود الذات وليس اولوية وجود الجسم وحتى هذا التعبير يمتلك اشكالية انه ليس هناك موجود انساني يكون الجسد مرتكزا لوجوده في عالم منفصل عن ذاته اذ لا وجود لذات بدون جسد ولا يوجد جسد لا يمتلك ذاتا مفكرة. يصّر فيلسوفنا جبرييل على ان مرتكز الموجود الانسان هو الجسم وليس الذات ولا العقل. الجسم الذي تتفرع عنه اكثر مما ذكرنا من ابعاد هي خصائص الذات التي نضيف لها وتتفرع عنها الاخلاق والضمير والعواطف ومفردات مباحث الاكسيولوجيا. والا فما معنى قول جبرييل" الاتصال بالعالم الخارجي انما يكون بالجسد الذي لا ينفصل عن الذات ولا تنفصل هي عنه" 5 . بداية العبارة الاتصال الخارجي يكون بالجسد خطأ وتكملتها صحيحة. ولكي نوقف عبارة جبرييل على قدميها بدلا من رأسها كان عليه القول الاتصال بالعالم الخارجي انما يكون بالذات التي لا تنفصل عن الجسد. اولوية الذات على ثانوية الجسم لا تحتاج نقاش تخطئتها ولو تصح تخطئتها لكان الحيوان الذي تكون اولوية الجسم عنده أسبق على تفكيره فهو اولا يعيش لياكل على ثانوية اهمية الذات المفكرة المتراجعة جدا عنده وتكاد تكون غير موجودة. ربما بهذه الخاصية الحيوانية التي يبتغيها جبرييل في تغليبه الجسم على الذات المفكرة تجعل الحيوان يتساوى مع الانسان اذا لم نقل حسب نظرية جبرييل الجسم يتقدم الذات يترتب عليها ان يكون الحيوان أرقى من الانسان بجسمه لا بعقله.!! خاتمة جسم الانسان ينقسم الى عالمين بايولوجيا العالم الخارجي بجميع موجوداته المادية وغير المادية وليس شرطا ان يكون اتصالنا بالعالم الخارجي من حصة الجسم وحده فهذا افتراض محال بدون ملازمته ذاتا مفكرة. الثاني هو عالم الانسان الباطني او الداخلي الذي تكون مسؤولية اشباع حاجاته الحياتية الاساسية هي من حصة الاستشعارات التي تصدرها اجهزة الجسم الداخلية على شكل أحاسيس فطرية وغريزية معا.. وفي خلاصة لفلسفة جبرييل حول علاقة الذات بالجسد ندرج التالي غير الذي سبق ذكره بتوضيح: - يتلاعب جبرييل بالكلمات والالفاظ ولا يتلاعب بالافكار فهذه خاصية فلسفية وتلك خاصية هراء. فمرة يعتبر الجسم هو تجسيد الذات وفي اخرى يعتبر الجسم او البدن كما يحلو له حلقة اتصال بين الذات المفكرة والعالم الخارجي. ويرى حسب اجتهاده أنه يتحاشى وينأى بتفكيره الوقوع في خطأ ديكارت حين ادرك وجوده الجسماني بالفكر المجرد بلا موضوع تفكير. فيقول ( انا ادرك نفسي- لم يقل ذاتي فالذات غير النفس- متجسدا في بدن الذي هو انا وجودي الحقيقي!!). - يكمل فيلسوفنا الوجودي جبرييل قائلا:( انا لا املك افضل شعور بذاتي في غير احساس جسمي بالعالم الخارجي). ويجد جبرييل في فوارق الجسم الوظائفية مسار وجوده الحقيقي. بينما يعتبر الذات لا تمتلك تلك الفوارق الجسدية التي تمكنها الالتقاء مع الاخر وهو تفكير خاطيء تماما. - لا يقّر جبرييل بوصاية الذات على الجسم ويعتبر الجسد ليس موضوعا للذات تمتلكه فهو اشمل منها ويستوعبها. والجسد هو احد مقومات امتلاك الذات لخصائصها وليس العكس. - من طرائف جبرييل ما يطلق عليه المشاركة الوجدانية ويضرب مثلا على ذلك علاقة المالك الفلاح لارضه وعلاقة البحار مع (بحره) فلا يعتبر هذه العلاقة نفعية بل هي علاقة اندماج وجداني – نفسي ما يترتب عليه ان تكون علاقة الجسم بالعالم الخارجي اكثر شعورا وجدانيا في وصول الوجود الحقيقي بدلا من الشعور الوجداني الذي تمنحه الذات المفكرة.!! - كما قلنا بأن جبرييل يجد علاقة الجسم بالعالم الخارجي هي علاقة وجدانية غير انتفاعية رومانسية. عليه تكون هذه العلاقة علاقة (خبرة بدن) مع (خبرة نفس) في تلازم لا انفصال بينهما!!. من غير المعقول ان نقصي الذات المفكرة ان تكون خبرة الانسان في كينونته الموجودية الواحدة. وخبرة النفس ارتباطها بالذات المفكرة اوثق واولوية على ارتباطها بالبدن. الهوامش : 1. جان فال/ الفلسفة الفرنسية من ديكارت الى سارتر/ترجمة فؤاد كامل ص 70 2. د.زكريا ابراهيم/ دراسات في الفلسفة المعاصرة/ ص 464 3. المصدر اعلاه نفس الصفحة 4. المصدر اعلاه نفس الصفحة. ....... 5. المصدر اعلاه نفس الصفحة
#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)
Ali_M.alyousif#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افكار وجودية عرض نقدي
-
لماذا اصبح الايمان بالله ضرورة!؟
-
المعرفة المعطى الفطري والخبرة المكتسبة
-
الوعي والخيال
-
الوعي بين النفس والوجود (1)
-
الارادة الوعي القصدي والموضوع
-
القوانين الطبيعية والانسان
-
قراءة في رواية معطف احفاد السيد غوغول
-
مالبرانش وحدة الوجود والايمان
-
شوبنهاور وبؤس الفلسفة
-
تحقيق الوجود بالتفكير
-
اثنتان وثلاثون شذرة فلسفية
-
الوعي في متناقضات فلسفة الظواهر
-
الموضوع الوعي القصدي والصدف الغفل
-
طبيعة الادراك في الفلسفة
-
شذرات فلسفية نقدية عن اللغة
-
الوجود وتعبير اللغة التجريدي
-
هيدجر وفوكو والتزام عالم الجنون
-
الابستمولوجيا في الفلسفة الحديثة
-
ميرلوبونتي المصطلح الفلسفي وميتافيزيقا المفهوم
المزيد.....
-
-لم أخطط للهروب من سوريا-.. الأسد يكتب من موسكو تفاصيل الأحد
...
-
ما وراء البوابات: كيف تغيّر إسرائيل ملامح الضفة الغربية؟
-
مقتل شخصين بانفجار في شرق موسكو
-
مصادر إعلامية: مقتل قائد قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي وال
...
-
عشرات العائلات اللبنانية تنقل رفات قتلاها بعدما دفنوا كـ-ودا
...
-
مقبرة جماعية في سوريا تحوي 100 ألف جثة على الأقل
-
-غزل نادر- بين بكين وواشنطن: يمكننا تحقيق أمور عظيمة
-
القبض على إيرانييْن بعد الهجوم على قاعدة أميركية في الأردن
-
مقتل عسكري روسي بارز بانفجار في موسكو
-
الأكراد يكشفون سبب فشل الوساطة الأمريكية للتوصل إلى هدنة بشم
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|