|
سوريا بين صفقة الخارج وأدوات الداخل
حجاج نايل
الحوار المتمدن-العدد: 8192 - 2024 / 12 / 15 - 09:23
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
يبدو ان ما حدث في سوريا في 8 ديسمبر واستيلاء جبهة تحرير الشام بقيادة الجولاني او احمد الشرع علي المحافظات السورية في أسابيع قليلة وهروب بشار الأسد هو نتيجة لصفقة واسعة النطاق تمت بين جميع الأطراف الفاعلة في سوريا ما عدا ايران التي تفاجأت بالأحداث وذك في غياب لجميع الاردات والقوي السياسية في سوريا هي كانت صفقة خارج سوريا بالمعني الاشمل ولم يكن لاي تيار سوري دور فيها سوي جبهة تحرير الشام بكل فصائلها وكان دورها منحصرا في التنفيذ فقط لا غير اما عن وضع السياسات والسيناريوهات فهذا كان ولا يزال دور المخابرات التركية والأمريكية والإسرائيلية والروسية وكانت الخطوط العريضة لتلك الصفقة علي النحو التالي 1- تدمير الجيش السوري بكل أسلحته وقطاعاته واوكلت هذه المهمة الي إسرائيل دون مقاومة ودون رد من جبهة تحرير الشام او غيرها 2- لا مانع من حكم إسلامي معتدل علي الطريقة المغربية والتركية والتونسية في عهد النهضة وراشد الغنوشي 3- تأمين إسرائيل وحماية حدودها المشتركة مع سوريا من أي قوي او مجموعات مسلحة وبخاصة حزب الله وأيضا عدم المطالبة بعودة الجولان للأراضي السورية 4- مسح الوجود والنفوذ الإيراني من سوريا علي نحو ساحق وسحق كل ما هو شيعي ويمت لإيران بصلة والقطيعة التامة مع المؤسسات الإيرانية 5- عدم السماح بالاقتتال الداخلي بين المجموعات المسلحة بما فيها الاكراد والجماعات الاسلاموية او حتي عناصر النظام السابق 6- تبني خطاب سياسي متسامح ويشمل العفو عن الجميع واستبعاد لغة الانتقام والتشفي وفتح صفحة جديدة مع كل الاطراف 7- السعي لإيجاد حلول جذرية لمشكلة الاكراد من خلال حوار امريكي تركي كردي 8- تقديم بعض التنازلات لروسيا في أوكرانيا والتوقف عن امداد أوكرانيا بالأسلحة الاستراتيجية والاكتفاء بدعمها بالأسلحة غير المؤثرة في الحرب الروسية الأوكرانية وهذا اذا لم تشمل الصفقة وعودا بحل الازمة الأوكرانية من خلال مفاوضات سلمية 9- قطع كل الصلات مع المقاومة اللبنانية وبخاصة حزب الله وعدم السماح لاي طرف مقاوم لإسرائيل باستخدام الأراضي او الأسلحة السورية 10- حكومة انتقالية من التكنوقراط ولا مانع من رفع الشعارات الإسلامية مؤقتا لحين اجراء الانتخابات والتي ستشرف عليها هذه المجموعات من الدول والاستخبارات هذه البنود الرئيسية والخطوط العريضة لهذه الصفقة وفق مخيلتي المتواضعة وبرؤية ثاقبة علي مجمل الأوضاع في سوريا قبل الصفقة وبعدها
فلم يختلف الوضع البائس لسوريا والشعب السوري قبل وبعد 8 ديسمبر كثيرا فقبل 8 ديسمبر كان الشعب السوري محتجزا كرهينة لعصابة مسلحة بقيادة بشار الأسد قامت بأبشع ما يمكن تصوره من مجازر وقتل وتعذيب واعتقال في كهوف مظلمة تحت الأرض بصورة لم يشهد التاريخ مثيلا لها وفي ذات الوقت حصار اقتصادي وفقر وبطالة وعوز لم يعرفه الشعب السوري طوال تاريخه بالإضافة الي احتلال للأراضي السورية بإشراف نظام الأسد ودعمه لهذا الاحتلال من روسيا وايران وحزب الله ومليشيات عراقية واقتطاع أجزاء اخري من الأراضي السورية بواسطة المجموعات المسلحة المعارضة لبشار الأسد والمتحالفة مع قوي إقليمية ودولية متعددة مثل قسد قوات سوريا الديمقراطية والتي تسيطر علي 25% من الأراضي السورية بغطاء وحماية أمريكية وكذلك الجيش الوطني الحر والمجموعات السنية كتحرير الشام والقاعدة وداعش والتي تسيطر علي 11% من الأراضي السورية ومن ثم كان القطر السوري الشقيق قبل / ديسمبر ودخول جبهة تحرير الشام الي دمشق ممزع وممزق الاوصال ومقسم بين روسيا وايران وحزب الله والقواعد الامريكية والقواعد الروسية وقوات سوريا الديمقراطية والجيش الوطني الحر وجبهة تحرير الشام والقاعدة وداعش ناهيك عن وجود إسرائيل بالقرب من هذا الكوكتيل في الجولان هذا هو حال الدولة السورية قبل انهيار وسقوط نظام بشار الأسد اما بعد السقوط فالحال لم يتحسن كثيرا فمن زاوية الجماعات المسيطرة فسجلها حافل بالانتهاكات ومرجعيتها الدينية الداعشية القاعدية مخيفة وربما ستجرف الشعب السوري الي الهاوية والظلام الدامس كما هو الحال في أفغانستان وايران ويستمر الحال في الانهيار من خلال الضربات الإسرائيلية والمتوغلة في الأراضي السورية وتدمير كافة أنواع الأسلحة برا وبحر وجوا وسحق القدرات الكاملة للجيش السوري ولاستيلاء علي المنطقة العازلة التي أقرتها اتفاقيات فض الاشتباك عام 1974 لكن يظل الجزء الأعظم من الاحداث الان مرهون بالتفاعلات السياسية بين جميع الأطراف الفاعلة علي الأراضي السورية وذلك في المستقبل القريب وشهد الموقف السياسي والإنساني من الأوضاع في سوريا ادبان حكم الأسد وبعد انهيار النظام جدلا واسعا بين القوي والتيارات السياسية والحزبية في جميع ارجاء الوطن العربي بما في ذلك الجدل داخل نفس التيار او الحزب السياسي او حتي داخل العائلة الواحدة وترجع أسباب هذا الجدل الي عدة عوامل ابرزها علي الاطلاق غياب المخيلة السياسية والتحليلية الكلية والارتهان لمواقف أحادية الرؤية حتمية الثنائية التاريخية وفقا للثقافة التي تحكم العقل الجمعي العربي بين اثنين اما هذا او ذاك والتي تنطلق من ان ادانة طرف في العملية السياسية بالضرورة يعني تأييد الطرف الاخر بكل تجلياته او العكس بما يعني ان تأييد طرف او دعمه يعني بالضرورة ادانة مطلقة للطرف الاخر وقلما تجد من يقدم رؤية متكاملة وصائبة حول الموقف من طرفي المعادلة في اطار تحليلي موسع يستند الي دور العوامل والعناصر الخارجية ودورها الرئيسي في الحراك مع الغياب التام والشلل المؤكد لاي ارقام او اطراف داخلية في هذه المعادلة السياسية
وبمعني ادق من كانوا مؤيدين وداعمين لبشار الأسد بحجة الحفاظ علي الدولة السورية هم واهمون لأنه لم يكن هناك دولة سورية بالأساس يمكن الحفاظ عليها ولكنهم في ذات الوقت يوجهون اعنف الانتقادات للقائمين علي الحراك في سوريا وللمؤيدين للتغيير وانهيار النظام تحت مزاعم التخوين وتأييد الجماعات الإرهابية المتطرفة وتأييد إسرائيل والغرب علي حساب الشعب السوري ومقدراته وفي الغالب ينتمي هذا الفريق في معظمه للتوجه القومي الناصري العروبي الذي لازال يؤمن بأوهام العروبة والقومية برغم كل ما حدث بدءا من حرب الخليج الاولي والثانية والثالثة ويعتقدون ان وجود بشار علي راس دولة محطمة ومنهارة ومحتلة من عشر قوي دولية وإقليمية ومجموعات مسلحة وشعب محتجز في القبور والزنازين وفساد اقتصادي مألة الي مجاعة محققة افضل من أي تغيير كما ان البعض القليل منهم والمنتمي للتيارات الليبرالية واليسارية يشهر فزاعة الإسلام السياسي الداعشي والقاعدي في وجه الطرف الاخر وكانه المعادل الموضوعي لديكتاتورية واستبداد بشار الأسد
وعلي الجانب الاخر المؤيدين للحراك والتغيير في سوريا وهم في الاغلب الاعم 80% من الشعب السوري البسيط والذي عاني وقاسي ويلات القهر والقمع والتعذيب وبعض التيارات الليبرالية واليسارية والافراد من تيارات اخري رافعين شعارات حقوق الانسان والحق في الحياة وسلامة الجسد والحريات هي القيمة الاعلي في المجتمعات الإنسانية الان وانها القيمة التي تصنع التقدم والتحضر وتهون من اجلها كل التضحيات ويساعدهم في ذلك ويدعم توجههم المجازر والانتهاكات الجسيمة والبشعة والمروعة التي ارتكبها النظام السابق في حق المعارضين السياسيين والشعب السوري غير مبالين بمضاعفات وتجليات وتداعيات هذا التغيير سواء كان ثورة ام انقلاب وسواء كان شعبي او بواسطة مجموعات مسلحة حتي لو كانت مجموعات إرهابية سابقا وغير مكترثين أيضا بالمكتسبات التي حققتها إسرائيل علي الأرض من ضرب للقدرات العسكرية السورية او احتلال بعض الأراضي وهم يتوقعون انه يمكن تجاوز كل هذه الإشكاليات في مجتمع حر وديمقراطي ومنهم من يري عجز الجماعات الاسلاموية المسلحة عن السير قدما في حكم سوريا بخارطة إسلامية ودينية وان مصيرها الي السقوط وفي محصلة الامر يعتبرون ان بشار الأسد كان العقبة الكؤود التي وقفت وتقف في وجه الحراك والثورة السورية وبالانتهاء منها يمكن ترتيب الأوضاع باي شكل اخر واشكالية هذا الفريق اتهامه للفريق الاخر بمعادة حقوق الانسان والشعوب ودعمه للاستبداد ويرون ان حجج المؤيدين لبشار الأسد واهية لان سوريا كانت محتلة ومقسمة منذ 2013 ولم يخلق الحراك الجديد وضعا مغايرا في سوريا بل جاء لإنقاذها من براثن هذا المسعور بشار الأسد
والحقيقة كلا الجانبين او الطرفين لم يجانبهما الصواب لعدة أسباب أهمها ان ما حدث في سوريا تم بإرادة دول واطراف لم يكن الشعب السوري ومجموعاته السياسية المسلحة والسلمية طرفا في هذا الحدث وان الطرف السوري الوحيد الذي شارك في هذا التغيير هو كان مجرد اداه تم وسيتم استخدامها في اطار محدد ومدروس وغير مسموح له بالابتكار او التجويد لحين انتهاء صلاحيته او مدته ومن هذا المنطلق يعني غياب الإرادة السورية شعبا واحزابا ومجموعات والامساك بكل ابعاد اللعبة والمعادلة السياسية في ايدي الدول والاستخبارات المحركة للأحداث بزمام الأمور وهذه الدول وضعت قواعد وشروط محددة لمألات هذه المعادلة حيث ربما يساعد هذا الفهم الي حد كبير في التخفيف من مخاوف الطرفين فظني انه لن يكون هناك حكم ديني اسلاموي متشدد في سوريا لن يسمح بذلك ربما تأتي الانتخابات بمجموعات اسلاموية معتدلة علي طراز جماعة الاخوان المسلمين وظني أيضا انه لن تستمر إسرائيل في احتلال الأراضي السورية الا اذا تم ذلك باتفاق رضائي بين الحكومة السورية الجديدة والعدو الإسرائيلي وظني أيضا لن يسمح بتهجير الاكراد او ضربهم وستتم تفاهمات عديدة مع الدولة التركية حول هذا الموضوع وظني أيضا لن يكون هناك اقتتال اهلي او بين مجموعات طائفية في سوريا لان ذلك ووفقا لقواعد اللعبة من الدول المحركة ليس في صالح إسرائيل وتركيا وظني أخيرا انه وفي اسوا الأحوال سوف تتجه سوريا الي السيناريو العراقي ولكن بدون ايران كونفدرالية لدويلات صغيرة ذات توجهات مختلفة يبقي الرهان الأخير علي الشعب السوري وهو الغائب الحاضر في هذه المعادلة السياسية المعقدة فبإمكانه قلب المنضدة علي جميع هذه الأطراف وسكب المياه علي اللوحة الزيتية التي رسمتها الولايات المتحدة الامريكية وتركيا وإسرائيل وروسيا وتقديم معادلة جديدة تفرز قيادات طبيعية من صلب الشعب السوري وليست من جبهة تحرير الشام ولا من قسد ولا من الجيش الوطني ولا من أي تيار او فصيل اخر معادلة تحرص علي وحدة سوريا وسلامة أراضيها وتقديم الهوية السياسية علي الهويات الدينية والطائفية وخلق مجتمع ديمقراطي تعددي حر يصنع مستقبل مشرق لجميع السوريين ولكن في ظل المعطيات الراهنة يظل هذا الحلم بعيدا الي حد ماز
انتهي 14 ديسمبر 2024
#حجاج_نايل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
: تونس من الفجوة الي الكبوة !
-
مجتمعات ممارسة الحوكمة المسافة بين التكنوقراط والمجتمع المدن
...
-
جماعة الاخوان المسلمين حدود الاوطان بين العقيدة والتخوم الار
...
-
رسالة الي شيخ الازهر / ذنب القاتل والمقتول في رقبتك
-
بين التنمية المستدامة والتنمية المستدانة
-
سلسلة مقالات الجماعة جماعة الاخوان المسلمين مؤامرة التأسيس و
...
-
رد علي الصديق سعيد شعيب / ثورة يناير بين فشل السلطة وسلطة ال
...
-
حجاج نايل يكتب الترحم علي جسد النخبة المصرية
-
سلسلة مقالات الاخوان 2 من 8 السقوط الكبير /// فروع الخارج مت
...
-
سلسلة مقالات حول جماعة الاخوان المسلمين (1 من 8) جماعة الاخو
...
-
في المسألة الناصرية 3 من 3 ---- إرث الحقبة الناصرية
-
في المسألة الناصرية - سلسلة مقالات حول المسألة الناصرية 1 من
...
-
في المسألة الناصرية 2 من 3 ---- سلفية العقل الجمعي الناصري
-
مجتمع الميم وإنكسار ألوان القزح
-
انتيفا الاخوان المسلمين بين مؤامرة ترامب وشفافية النظم المست
...
-
العدالة في مصر الصعود الي الهاوية (3 ) دين ابوهم أسمه اية ؟؟
...
-
ميتافيزيقا المسوحات واعتذار واجب للزغبي وابوهلالة بين التشاء
...
-
فيما وراء النظرية السياسية
-
صفقة القرن قمة جبل الجليد
-
25 يناير المتاهة والحصاد المر اسئلة التاريخ
المزيد.....
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
-
ت.ب.ج.م// تقديم لمقال البديل الجذري تحت عنوان: ذكرى انتفاضة
...
-
اجهزة السلطة تطلق النار وقنابل الصوت تجاه المتظاهرين دعما لل
...
-
من المصالحة إلى الوحدة الوطنية
-
مرحبًا بكم في مستشفى الألعاب في كاراكاس.. حيث العطاء يعيد ال
...
-
قانون الدعم المصري الجديد.. توسيع للضمان أم إجحاف بالفقراء؟
...
-
تجديد حبس رسام الكاريكاتير أشرف عمر 45 يومًا
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|