أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الاستبداد والاستبدال: رؤية لما بعد نظام الأسد!














المزيد.....


الاستبداد والاستبدال: رؤية لما بعد نظام الأسد!


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8191 - 2024 / 12 / 14 - 20:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إبراهيم اليوسف


لطالما مثّل الاستبداد في سوريا عبئًا ثقيلاً على كاهل المجتمع بكل مكوناته، وترك نظام الأسد بصمته كواحد من أكثر الأنظمة الدكتاتورية التي عرفها العصر الحديث قسوةً وفسادًا. وعلى الرغم من أن بعض الأنظمة المستبدة قد تسعى إلى تسويغ أفعالها تحت ذرائع سياسية أو أمنية، فإن نظام الأسد تجاوز كل هذه التسويغات ليتحول إلى آلة لقمع الشعب ونهب ثرواته، ما دفع كثيرين إلى قبول أي بديل عنه، حتى لو كان نسخة أخرى من الاستبداد. هنا تكمن المعضلة الكبرى، فاستبدال نظام ديكتاتوري بآخر يحمل العقلية والسلوكيات ذاتها لن يؤدي سوى إلى إعادة إنتاج المأساة بأشكال جديدة.

ظلال الاستبداد والتوق إلى التغيير

لم يكن نظام الأسد مجرد نموذج لدولة بوليسية فحسب، بل هو حالة عميقة من التماهي بين السلطة والجريمة. فالسجون التي أصبحت رمزًا للرعب، والمعتقلون الذين فقدوا حياتهم تحت التعذيب، والفساد الذي انتشر في كل مفاصل الدولة، شكّلت أركانًا لدولة استبدادية تعتمد على الخوف كوسيلة للبقاء. هذا الواقع دفع الكثير من السوريين إلى الانسياق وراء أي بديل يعِد بالخلاص، دون التوقف لتقييم ماهية هذا البديل أو أهدافه.
هنا يبرز سؤال جوهري: هل يمكن قبول استبدال نظام مستبد بآخر؟ الإجابة ببساطة هي "لا"، فالتغيير الحقيقي لا يتحقق إلا بإزالة جذور الاستبداد وليس مجرد تغيير واجهاته. قبول البدائل المشوَّهة يعني استمرار معاناة الشعب تحت غطاء جديد، وربما أكثر وحشية.
فقدان البوصلة والقيم
إذ إنه في ظل هذه الظروف، تبرز مشكلة فقدان القيم السياسية والمجتمعية التي كانت تشكل أساسًا للتماسك الوطني. لقد ساهمت العقود الطويلة من القمع والتشويه في خلق حالة من التشظي الفكري والعاطفي، حيث أصبح الكثيرون مستعدين للتحالف مع أي قوة تحمل شعارات مناهضة للنظام، حتى لو كانت تحمل أجندات مشبوهة.

هذا التشظي دفع أطرافًا عديدة إلى الانغماس في صراعات داخلية أضرت بالشركاء الطبيعيين في الوطن. البعض انجرف نحو العداء للكرد بسبب خلافات أيديولوجية مع حزب العمال الكردستاني، رغم أن هؤلاء أنفسهم قد استفادوا في فترات مختلفة من الحزب ذاته لتحقيق مصالحهم. هذه الانقسامات لا تخدم سوى أجندات إقليمية ودولية تعمل على إضعاف سوريا وشعبها.

ضرورة رؤية واضحة للمرحلة المقبلة

لا يمكن لأي مشروع تغييري أن ينجح دون رؤية واضحة وشاملة. الأولوية القصوى يجب أن تكون لمعالجة قضايا الاستبداد والسجون وحقوق الإنسان والفساد. هذه الملفات هي الجذر الحقيقي للأزمة السورية، ولا يمكن تجاوزها أو الالتفاف عليها.
ولكن معالجة هذه الملفات تتطلب تعاونًا حقيقيًا بين الأطراف السورية كافة، بعيدًا عن منطق إدارة الحرب أو تصفية الحسابات. فلا يمكن بناء سوريا المستقبل إلا من خلال مرحلة انتقالية تعيد الثقة بين المكونات وتفتح المجال أمام الحوار السلمي لحل الخلافات.
التعاون من أجل بناء سوريا جديدة
التحدي الأكبر الذي يواجه السوريين اليوم هو القدرة على الانتقال من مرحلة الصراع إلى مرحلة التعاون. إن الحرب لم تجلب سوى الدمار والخسائر، ولن يؤدي استمرارها إلا إلى إضعاف الجميع. من هنا، يجب على الأطراف جميعها العمل على تأسيس مرحلة جديدة تُبنى على أساس التعاون لمواجهة الجريمة المنظمة، وإنهاء كافة أشكال الاستبداد.
التعاون لا يعني التغاضي عن الجرائم أو التنازل عن الحقوق، بل يعني التزامًا جماعيًا ببناء دولة تقوم على القانون والعدالة والمساواة. هذا الالتزام يتطلب شجاعة في مواجهة الحقائق والاستعداد لتقديم تنازلات من أجل المصلحة الوطنية.
دور الكرد في مستقبل سوريا
الكرد جزء أصيل من النسيج السوري، وأي محاولة لتهميشهم أو معاداتهم لن تؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام. صحيح أن هناك من يعادي الكرد بسبب خلافاته مع حزب العمال الكردستاني، ولكن تعميم هذا العداء ليشمل شعبًا بأكمله هو ظلم لا يقلُّ خطورة عن الاستبداد الذي عانى منه السوريون لعقود من الزمن، فالكرد، مثلهم مثل بقية السوريين، يطمحون إلى حقوقهم في إطار دولة عادلة تضمن المساواة بين مكوناتها جميعاً. إن أي عداء لهم أو محاولة لإقصائهم لن يخدم سوى أجندات القوى التي تسعى إلى إضعاف سوريا. على العكس، يجب العمل على بناء شراكة حقيقية معهم ومع مكونات المجتمع السوري كلها.

التحدي الأكبر: بناء نظام جديد لا يعيد إنتاج الاستبداد

في ظل كل هذه التحديات، يظل التحدي الأكبر هو بناء نظام سياسي جديد يقطع أو ينهي ممارسات الماضي. هذا النظام يجب أن يقوم على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام التنوع الثقافي والعرقي والديني. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة سياسية حقيقية واستعدادًا للعمل الجاد من قبل الأطراف كافة. فلا يمكن بناء دولة جديدة دون إزالة كافة أشكال الاستبداد والفساد، ودون مواجهة صريحة مع الماضي لمعالجة آثار الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري. إذ لا يمكن لأي تغيير أن يكون حقيقيًا إذا لم يعالج جذور الأزمة السورية. استبدال نظام مستبد بآخر يعني- فقط - استمرار المعاناة بأشكال مختلفة. على السوريين أن يتعلموا من الماضي وأن يعملوا على بناء دولة تقوم على أساس القانون والعدالة والمساواة.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكرد من أوائل مؤسسي و بناة سوريا: لماذا يتم تغييب دورهم؟
- الرئيس المخلوع: بين جبن الطغاة وبذخ العروش
- تقرير -قيصر- ودوره في فضح انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا
- سجون سوريا: الداخل مفقود وهل من أحد يخرج منها؟.. سجن صيدنايا ...
- الهندسة المعمارية لسجن صيدنايا: البناء، الزنازين، والطوابق ا ...
- تنويه واعتذار من إبراهيم اليوسف
- سايكولوجيا الجلاد: في استقراء نفسية مرتكبي التعذيب والجرائم ...
- لا تكن رئيساً دكتاتوراً لئلا يُداس ضريحك!
- تجريم ب ي د وتكريم فروع القاعدة:ازدواجية المعايير في المشهد ...
- من أوصل بشار الأسد إلى هذا المصير الأسود؟
- مهجرون أم رهائن: لماذا يمنع عودة كرد عفرين المهجرين؟
- شجاعة الكتابة في زمن الفوضى: بين وضوح الرؤية وتحديات المجهول
- سقط الأسد: أي مصير ينتظره؟ أي مصير ينتظر سوريا والسوريين؟
- سقط الأسد: أي مصير ينتظره؟
- مأساة سري كانيي وتل أبيض: الوجه الآخر للتهجير في أوج التجاهل
- إطلاق النار الاستباقي ووسائل التواصل الاجتماعي مقاربة نفسية ...
- الشائعات في زمن الحرب: بين التضليل والتحقق
- أردوغان متذاكياً مجرم محتل في صورة ملاك!
- قوافل العودة إلى عفرين: حين يصبح الحنين إلى- المنزل الأول- م ...
- مصطلح الثورة في ترجمات القتلة وأشباههم!


المزيد.....




- -مطلوب لأوكرانيا-.. مقتل قائد قوات الحماية النووية الروسية ب ...
- طبق القِشد السعودي بنسخة معاصرة.. كيف يحضّره مطعم -تكيّة-؟
- مصدر لـCNN: أجهزة الأمن الأوكرانية تقف وراء اغتيال قائد قوات ...
- مقتل مسؤول عسكري روسي ونائبه بانفجار في موسكو
- الحرب بيومها الـ438: قصف على قطاع غزة والحكومة الإسرائيلية ت ...
- مع تهديدات ترامب بالترحيل الجماعي.. أمريكا الوسطى تستعد لموج ...
- الجولاني يتعهد بحلّ الفصائل المسلحة ويطالب برفع العقوبات
- -الشيوخ الأمريكي- يؤيد مشروع ميزانية البنتاغون في تصويت إجرا ...
- بكين: العلاقات بين روسيا والصين أصبحت أكثر نضجا واستقرارا
- مرة جديدة.. ترامب يصف كندا بـ-الولاية- وترودو بالـ-حاكم-


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الاستبداد والاستبدال: رؤية لما بعد نظام الأسد!