|
لحظة احتجاج
انور الموسوي
مهندس كاتب وصحفي
(Anwar H.noori)
الحوار المتمدن-العدد: 8189 - 2024 / 12 / 12 - 19:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بلا عنوان :
شهد العراق انعطافات مختلفة في تاريخه السياسي واغلب تلك الانعطافات غيرت شكل الانظمة السياسيّة فيه، حتى جاءت لحظة التغيير من خلال الغزو الأمريكي على العراق وشهد حينها البلد انعطافة تولدت بصورة تراكمية.
كانت السلطة في بداية شكلها لم تعلن بعد عن هويتها، أتحدث عن مجلس الحكم وما تلاها حتى انتخابات كانون الأول 2005 سوى الحديث الدائم عن " عراقٍ جديد " ومفاهيم جديدة ( كالديموقراطية وحقوق الانسان… وما الى ذلك )، دون معرفة الهوية، وعلى ما يبدو لغاية الان لم يحدد النظام السياسي شكل هويته، فمرةً طائفي واخرى اسلامي متشدد ومرة اسلامي يميني معتدل، واخرى نظاماً منفتحًا مدنياً ، وتارةً يجري الحديث عن الكتلة الاكبر وكل هذا يجري ضمن سياق الحزب الواحد..! و يظن الفاعل السياسي هنا انه يتحرك في فضاء الديموقراطية وربما يتجاهل عن قصدية ان هذه " التحولات " ليست لها تعريف ضمن سياقات الديموقراطية في الدول التي تحترم نفسها.
وبعبارة اخرى : لم يحدث تصالح بين شكل النظام السياسي وطبيعة ذلك النظام مع المجتمع اي ( علاقة النظام السياسي مع المجتمع).
"ربما.. واقول ربما ، حاول بعض رؤساء الوزارء اعادة بلورة تلك العلاقة بطريقة معينة مثل رئيس الوزراء السابق السيد "مصطفى الكاظمي " والسيد رئيس الوزراء الحالي "محمد شياع السوداني" لكن لم تكن سوى محاولات في اعادة صياغة الثقة بين هذا النظام والمجتمع ، بينما الفواعل السياسية القابضة على السلطة بعمق، كانت عكس ارادتهم. ولازالت أقوى في خلق حالة من الضبابية للحصول على مكتسبات داخلية وخارجية تحرزها تلك القوى من خلال تشتيت الهوية الوطنيّة .
وفي الجانب المقابل لم يكن الشعب قادرًا على استيعاب كل تلك المضامين والتحولات والتحديات التي عصفت بالهوية العراقية مما حدى العقل الجمعي الى ايقاظ سؤال مهم في ضمير الشعب وتم توجيهه بشكل مباشر لصانع القرار السياسي ولأكثر من مرة، هل هي هذه الديمقراطية التي جائتنا بها امريكا؟
بطبيعة الحال هذا سؤال كبير ومهم، لأن شكل النظام لغاية اليوم لم يحدد بوصلته ماذا يريد ولا يعرف يُجيب او يضع حلولاً، لأن الحديث عن "مشكلات الديمقراطية يختلف عن إشكالاتها " كما يقول (جورج طرابيشي) وبالتالي جرت العادة للشعب ان يتخذ وسائل احتجاجية مختلفة بل ويطور من وسائله الاحتجاجية هذه، بطريقة تحاول لفت النظر لصانع القرار السياسي. النظام السياسي او بتعبير اضيق " الاسلام السياسي" تعمد على تشويه الديموقراطية شكلًا ومضمونًا حتى في صناديق الاقتراع ، كما حصل في انتخابات عام 2018 التي قال عنها رئيس مجلس النواب الاسبق د. سليم الجبوري " لو ان هناك دولة تحترم حالها وتريد ان تبني بناءً صحيح لن تعترف بالنتائج التي اسفرت عنها الانتخابات" وهذا التصريح الخطير لا يحيلنا الى السؤال عن مصير الديمقراطية فقط، بل يعطينا اشعارا خطيراً حول مصير وقانونية التشريعات التي جرت والحكومة التي شُكلت وما سواها…
هناك شكلًا واحدًا يمكن ان نصفه مختلف عن منظور الديمقراطية التي يتحدثون عنه ، يمكن ان نصف العلاقة هذه بشكل العلاقة "الزبائنية" بين السلطة والمجتمع اي ( بين احزاب السلطة والمجتمع).
هذه العلاقة افضت الى نتيجة مفادها :- ان المستفيد من هذا النظام يقول: انه افضل نظام بالعالم وان العراق شهد طفرة نوعية بالازدهار والديمقراطية و التطور …الخ والذي تضرر من النظام يقول : اسوء تجربة مرت على تاريخ العراق…
هذه المواقف ليست رؤى ومتبنيات أيدلوجية كلا، بل هي حتمية العلاقة المتولدة بين اطراف احزاب السلطة ومن انتفع معهم ضمن العلاقة الزبائنية والتخادم، وبين اطراف مستقلة نأت بنفسها عن مشهد الولاءات واكتفت بالحياد والوسطية، او فئات من الشعب غير داخلة في علاقة الزبائن بين اطراف السلطة، وبالتالي هي معدمة وغير ميسورة الحال ولم تستفد شيئًا من هذا النظام "المسمى برلماني نيابي " ! .
ان المثال الواقعي لهذه الحالة تلاحظهُ : بين طبقة من الناس قادرة على شراء املاك وعقارات وتمتلك ثروات مهولة اكتسبتها بعد عام 2003 وبين طبقة يؤثر في دخلها المادي العشرون الف دينار ..! بينما الطبقة الزبائنية المتخادمة مع السلطة، لايؤثر فيها لو خسرت شقة قيمتها نصف مليار في بوابة بغداد..!
في سياق هذا الحديث ضمن تلك العلاقة لا دخل للديمقراطية ضمن هذا التوصيف لا من بعيد ولا من قريب، هذه العلاقة يصطلح الاطلاق عليها "الفساد" وتؤطر بمفهوم عام " ضرائبي " من اين لك هذا؟.
الديمقراطية الحقيقية التي تشكل الفضاء الواسع من التمثيل الحقيقي ومن المشاركة في الحكم والحريات وتكافؤ الفرص وليس " السلطة التنموية" بحسب تعبير المفكر "حيدر سعيد" .
تلك العلاقة ولدت اعظم تفاوت طبقي شهده العراق في تاريخه، وبالتالي فالحديث ضمن هذا الفضاء عن الديمقراطية يكون حديثًا عن شيء غير متاح، هذه العلاقة هجينة تولدت وربطت الديمقراطية وطبيعة الحكم و اصحاب رؤوس الأموال التي حصلوا عليها في اطار زبائني ولائي، أولئك فقط تجدهم من يحدثوك عن الديمقراطية في العراق.!
بينما لا يجري الحديث عن الديمقراطية في الاوساط المعدمة والأحياء الفقيرة ومحدودي الدخل ولم يستوعبوها إلى الان، نعم يجري الحديث ضمن مجموعة من هذه الطبقة وفّق الولاءات السياسية " غير الربحية " وهؤلاء ايضًا زبائن لكن من الدرجة الثانية على قدر عقولهم وميولهم وتوجهاتهم البسيطة وبيئتهم وبالنهاية هم يرجعون الى نفس العلاقة تلك " الزبائنية " فبمجرد تبليط شارع لهم، او جلب محولة كهرباء تنتعش هذه العلاقة وتتسيد المجال العام وهكذا دواليك…
الطبقية التي تولدت بعد عام 2003 ولدت شعبيين، شعبٌ انفجر من التخمة المالية، وشعبٌ سينفجر من المعاناة والحرمان من ابسط الحقوق وغياب العدالة الاجتماعية التي هي احد اهم أسس الديمقراطية والنظام المدني. بتعبير ابسط: هناك طبقة لا تؤثر عليها خسارتها للمليارات، وطبقة تنهار تماماً لو فقدت مئة الف دينار. وبالتالي هذا يؤدي إلى " انفجار ".
انفجار الطبقة اليائسة من وهم الديموقراطية الانتقائية الزائفة يولد احتجاج على ( ديمقراطية الزبائن ورؤوس الأموال اي على الإسلام السياسي الذي هو الراع الرسمي لكل هذا ) تلك الديمقراطية المشوهة التي لم تحدث فارقاً بيناً في مايسمى بـ " حكم الشعب ".
هنا أستعير النتيجة التي يخرج بها الدكتور " حيدر سعيد " رئيس قسم الأبحاث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. يقول : يمكن الانفجار ان ياخذ اي غلاف ايدولجي ايًا كان شكله او نوعه… ليس بالضرورة ان يكون معلناً او يعي ان سببه هو التفاوت الطبقي، لكن جذوره بالاساس هي تلك البنية التنموية التي استهدفت طبقة من المجتمع دون غيرها.
انور النوري 12/ديسمبر 2024
المصادر : * شيعة العراق بعد 2003 * اليوتيوب
#انور_الموسوي (هاشتاغ)
Anwar_H.noori#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محنة الفنان غير المسلح !
-
الصدر بينَ الكُرُب:-
-
الامن المائي ومتغيرات المناخ
-
عُقدٌ عصية ( الجزء الاول )
-
إمريكا تصنع الديمقراطية بالعراق؟
-
حوار صحفي / مسار ابراهيم ومشروع التطبيع
-
مقاطعات بين المدنية والأديان
-
كورونا.. جعلوني وحيداً!
-
الصدر يهدم
-
اخفاقات مابعد 2003
-
لانظام بنكهة الستوتة
-
التشيع والدولة
-
الضريبة ومسؤليات القيادة
-
انصار الصدر لا يشبهون الستر الصفراء رؤية وتحليل.
-
حرب النستولوجيا( حزب البعث) الجزء الأول
-
العلمانية ونظرية سروش
-
تسجيل المكالمات
-
سائرون ومسار المعارضة
-
ورقة نقدية في كتاب الاسلمة السياسية في العراق للدكتور فارس ك
...
-
ملف شحة المياه والجنابي وزيرا
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|