أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - حين يتصارع التطرف والشرعية في تشكيل هوية سوريا كوطن














المزيد.....

حين يتصارع التطرف والشرعية في تشكيل هوية سوريا كوطن


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8189 - 2024 / 12 / 12 - 07:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سوريا بعد انهيار نظام الأسد تعيش لحظة مفصلية قد تحدد مستقبلها لعقود قادمة. مع سيطرة هيئة تحرير الشام، التي تنتمي إلى فكر إسلامي متشدد، يظهر تساؤل جوهري حول ما إذا كانت البلاد تتجه نحو نموذج دولة دينية متطرفة، كأفغانستان على سبيل المثال والتي تتعارض والتطور الحضاري، وما إذا كانت القوى الكبرى ستقبل بهذا التحول أو ستسعى لتغييره أو إغراقه في صراعات داخلية مستمرة بحيث لا تقوم لها قائمة. لكن الإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة، بل تستلزم فهمًا معمقًا للديناميكيات التي قد تؤدي إلى هذا المصير أو تمنعه.
أولاً، التحول إلى دولة دينية متطرفة ليس مجرد مسألة هيمنة عسكرية؛ بل هو نتاج لبيئة سياسية واجتماعية تسودها الفراغات. هيئة تحرير الشام، رغم سيطرتها على أجزاء من البلاد، لا تملك الشرعية الكافية داخليًا أو خارجيًا لفرض نموذج حكم ديني متشدد على كامل سوريا. المجتمع السوري، بتنوعه الإثني والديني، يصعب إخضاعه لرؤية أحادية تستند إلى تفسير متشدد للدين، خاصة أن تجربة السنوات الماضية عززت الانقسامات وأظهرت هشاشة الأيديولوجيات التي تعتمد على الإقصاء، وتجربة شعوب المنطقة مع تنظيم داعش أبشع خير مثال على من نحن بصدده، حتى ولو كانت الهيئة بعد تغيير أسمها من النصرة، بصيغة مختلفة أو أقل راديكالية إسلامية.
لكن هذا لا يعني أن خطر التحول إلى دولة دينية غير موجود. في ظل غياب بدائل سياسية قوية، يمكن أن تستغل هيئة تحرير الشام هذا الفراغ لفرض نموذجها تدريجيًا، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها. هنا يكمن التحدي الحقيقي: هل يمكن لهذه المنظمة أن تتطور من فصيل عسكري إلى كيان سياسي ذي قبول دولي؟ وإذا حدث ذلك، كيف ستتعامل القوى الكبرى مع هذا التطور؟ واختلاف تعاملها مع تركيا بعد انتقالها من منهجية الإسلام الليبرالي إلى الراديكالي ودعمها لداعش تبين مدى رهبة أو لنقل تحفظ هذه الدول من دولة من المتوقع أن تسيطر عليها منظمة إسلامية راديكالية.
القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، رغم تراجع دور الأخيرة، لديها حساسية شديدة تجاه صعود دولة دينية متطرفة في قلب الشرق الأوسط، وهي أحد أهم الجغرافيات بالنسبة لمصالحها. مثل هذا التحول قد يعيد إنتاج صدمة صعود طالبان في أفغانستان، حيث تصبح سوريا مركزًا إقليميًا للتطرف الديني، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الدولي. لكن التدخل المباشر لإيقاف هذا السيناريو ليس مضمونًا؛ إذ أن القوى الكبرى غالبًا ما تفضل العمل من خلال أدوات غير مباشرة مثل دعم القوى المحلية المعارضة أو فرض عقوبات اقتصادية خانقة. كما ولا يستبعد أن يكون القصف الإسرائيلي المتواصل طوال اليومين الماضيين على المنشآت السورية العسكرية والاقتصادية الرئيسية، خطوة استباقية لئلا تخرج السلطة الجديدة عن الإطار المحدد لها.
في هذا السياق، قد تكون هناك محاولة دولية لتطويع هيئة تحرير الشام بدلاً من مواجهتها، على غرار ما حدث مع طالبان في بعض المراحل. هذه الإستراتيجية تستند إلى فكرة أن التحول التدريجي نحو الاعتدال يمكن أن يكون أكثر فعالية من الصدام المباشر. مع ذلك، مثل هذه المقاربة محفوفة بالمخاطر، لأنها قد تمنح الهيئة شرعية لا تستحقها وتؤدي إلى تعزيز نفوذها.
اجتماعيًا، التحدي أمام هيئة تحرير الشام في فرض نموذج ديني متشدد هو أن المجتمع السوري، الذي تعرض لأهوال الحرب والنزوح والفقر، يميل أكثر نحو السعي للاستقرار والأمن بدلاً من قبول أيديولوجيات إقصائية. هذا يعني أن أي محاولة لفرض التطرف ستواجه مقاومة داخلية، قد تأتي على شكل احتجاجات شعبية أو تحالفات بين فصائل معارضة محلية.
الدول الإقليمية، خاصة تركيا، تلعب دورًا في تشكيل مستقبل سوريا. أنقرة، رغم دعمها لبعض الفصائل الإسلامية، لديها حساباتها الخاصة مع الكورد وقضيتهم ورغم ما قدمته من خدمات للمنظمات المعارضة الإسلامية، لكنها لن تكون مرتاحة لصعود دولة دينية متطرفة على حدودها، خاصة إذا كانت ذات توجه مستقل وغير خاضعة لنفوذها. لذلك، قد تضغط تركيا لدفع هيئة تحرير الشام نحو تقديم تنازلات سياسية تضمن استقرار الحدود وتمنع تحول سوريا إلى مصدر تهديد مباشر.
من زاوية أخرى، قد يكون هناك توجه دولي لإعادة تشكيل الخارطة السياسية السورية من خلال تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ واضحة. هذا السيناريو قد يقلل من خطر تحول سوريا إلى دولة دينية متطرفة شاملة، ولكنه يحمل في طياته مخاطر أخرى مثل تفكيك الدولة السورية بشكل دائم وتحويلها إلى مجموعة من الكيانات المتناحرة.
ومن شبه المؤكد أن قبول القوى الكبرى بتحول سوريا إلى دولة دينية متطرفة ليس احتمالًا واردًا على المدى البعيد، حتى لو حدث بشكل مؤقت في بعض المناطق، أو ما يتم الحديث عن أن أمريكا سترفع صفة الإرهاب عن هيئة تحرير الشام لتفتح باب الحوار معها بشكل مباشر، علما أنها على حوار معها عن طريق تركيا، ونبهتها على عدة نقاط، منها عدم مساعدة منظمة داعش أو خلاياها النائمة، أو تقديم أي دعم مباشر أو غير مباشر لها. النظام الدولي الحالي لا يتسامح مع ظهور كيانات سياسية تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي والدولي، خاصة في منطقة مثل الشرق الأوسط.
مستقبل سوريا، إذن، مرهون بقدرة السوريين والمجتمع الدولي على إيجاد توازن دقيق يمنع التطرف ويعزز نموذجًا سياسيًا يتوافق مع تطلعات الشعب السوري، بعيدًا عن هيمنة أي أيديولوجية قسرية.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
10/12/2024م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نار الكراهية وأمل التعددية في وطن ممزق
- بشار الأسد بين خيارات البقاء وأطياف الهزيمة
- سوريا بين شتات الهويات وصراع الطوائف
- أردوغان والعباءة المزيفة
- القومية بين البناء الحضاري والتشويه الإقصائي
- بين عباءة الإسلام وقناع القومية
- حلب بين نيران الصفقات وتناقضات المصالح
- التاريخ يصفع كمال اللبواني: الوجود الكوردي في غرب كوردستان ح ...
- صراع الظلال بين إيران وإسرائيل في مسرح السياسة الخفية
- الصراع السياسي والعسكري في مواجهة الطغيان التركي
- إرادة لا تُقصف، فلسفة المقاومة الكوردية في مواجهة همجية تركي ...
- عملية أنقرة: بين المكاسب السياسية والخسائر الإنسانية
- أردوغان والنظام السوري بين البراغماتية السياسية والرهانات ال ...
- اللغة الكوردية والذكاء الاصطناعي
- اللوبي التركي في أمريكا والفساد
- أنا والإعلام الكوردي
- ماذا يطلب سيرغي لافروف من الإدارة الذاتية
- من روايات سليم بركات
- كاميلا هاريس رئيسة أمريكا
- من سيقود العالم في السنة القادمة


المزيد.....




- كولونيل أمريكي يتوقع لـCNN ما سيقوم به ترامب في سوريا بعد تن ...
- تشبث بذراعها بقوة بكلتا يديه.. شاهد الحالة التي وجدت عليها م ...
- تحليل.. بشار الأسد باكتافه النحيلة ومصافحته الرخوة ولدعة لسا ...
- -غزو سوري- مرتقب يقلق الاتحاد الأوروبي
- مقتل إسرائيلي وإصابة أربعة في إطلاق نار قرب بيت لحم
- الملك الإسباني فيليبي السادس وزوجته الملكة ليتيسيا في زيارة ...
- سقوط نظام الأسد.. فرص محتملة وتداعيات -مقلقة- لإسرائيل!
- هل يمكن أن يشكل الباراسيتامول خطرا على صحتك؟
- Blackview تطلق حاسبا لوحيا بمواصفات غير مسبوقة
- دراسة: الحرارة سترتفع بمقدار 3 درجات مئوية في معظم مناطق الأ ...


المزيد.....

- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - حين يتصارع التطرف والشرعية في تشكيل هوية سوريا كوطن