أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - -أنا والنكوة: حين تتحول الهوية إلى مسرحية كوميدية متعددة الفصول!-














المزيد.....

-أنا والنكوة: حين تتحول الهوية إلى مسرحية كوميدية متعددة الفصول!-


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8188 - 2024 / 12 / 11 - 02:03
المحور: كتابات ساخرة
    


في عام 2005، كنت مجرد مغربي صغير يبحث عن ذاته في أرض الجيران، الجزائر. رحلة عادية من باب الواد إلى مغنية تحولت إلى عرض كوميدي فريد من نوعه، كنت فيه البطل والجمهور معا.

بدأت المسرحية عند نقطة تفتيش الدرك الوطني في عين الدفلة. توقف سائقنا، ونزل أحد رجال الدرك ليسأل الركاب عن "النكوة"، وهي البطاقة الوطنية بلغة أهل الجزائر. كلمة "النكوة" نفسها كفيلة بجعل أي مغربي يبتسم؛ فهي تبدو أقرب إلى اسم فكاهي منها إلى وثيقة رسمية.

عندما جاء دور رفيقي المغربيين، انكشف المستور: مهاجران غير شرعيين في سيارة أجرة. وعلى الفور، أمرهم الدركي بالنزول وكأنه يطرد لصوصا محترفين، رغم أن كسر القوانين الحدودية بين بلدينا بات شبيها برياضة شعبية.

وحين جاء دوري، طلب مني الدركي "النكوة"، فرددت بثقة ممزوجة بالبراءة: "ما ليش نكوة، أنا ساكن في منصورة يا خو." وهكذا، مررت بسلام، دون أن يكتشف أنني جزء من نفس الفيلم. أما المغربيان، فقد كانا ينظران إلي وكأنني عميل مزدوج. أحدهما سألني بتوتر: "أأنت لست مغربيا؟"

أجبت بابتسامة ساخرة: "من يخالط فخدته، لا تنتظره غير الكارثة!" ولإضفاء المزيد من الإثارة على الموقف، أضفت، مشيرا إلى رجال الدرك: "لقد قرأت عليكم سورة من القرآن ولم تفلح في إنقاذي منكم!." وعندما سألاني أية سورة، قلت باستخفاف: "أعوذ برب الفلق، من شر ما خلق!" كانت الجملة كفيلة بأن تفجر موجة ضحك جماعية، حتى من رجال الدرك أنفسهم.

لكن القصة لم تنته هنا. تم إنزالي إلى سيارة الدرك الوطني مع "زملائي" في التوقيف. وهنا جاءت المفاجأة الأكبر: استُقبلت كضيف شرف! قدموا لي الشاي وعلبة سجائر، وكأنني شخصية دبلوماسية وليس بمهاجر غير قانوني. جلسنا نتحدث، لا عن الجريمة أو الهروب، بل عن العلاقات بين المغرب والجزائر، وكأن الأمر مؤتمر سياسي غير رسمي.

حين وصلنا إلى المحكمة، سألني وكيل رئيس الجمهورية عن طريقتي لدخول الجزائر. وببرودة لا تخلو من الجرأة، أجبته: "دخلت علانية عبر سيارة أجرة، وبتعاون من جنود مغاربة وجزائريين. الجميع يعرف هذا الوضع، حتى أنه أصبح اقتصادا حيويا بين البلدين." بدا الوكيل مصدوما للحظة، قبل أن ينفجر في ضحكة مكتومة يحاول إخفاءها خلف بدلته الرسمية.

رحلتي أخذت منعطفا جديدا في مستغانم، حيث تم نقلي إلى مفوضية الشرطة. هناك، استقبلني الضابط سليم بابتسامة ودودة في مكتبه الرسمي. بدا وكأنني وصلت إلى استراحة فاخرة وسط سلسلة من الأحداث المتسارعة. قدم لي القهوة الساخنة مع برتقال وتفاح، وكأنه يخفف من وطأة الموقف بجو عائلي غريب في قلب مكتب الشرطة.

فتح معي الضابط سليم نقاشا طويلا حول السياسة والأوضاع بين الجزائر والمغرب. بطبيعتي العفوية، كنت أتحدث دون فلتر: أنتقد بوتفليقة وأمدحه في آن واحد، وأتناول النظام المغربي بنفس الطريقة، أقول الحق كما أراه، لا أقل ولا أكثر. بدا سليم مستمتعا بهذا الأسلوب غير المألوف من الصراحة، بل ضحك مرات عديدة على تعليقاتي الساخرة.

في ختام النقاش، ابتسم وقال بلهجته الجزائرية: "بالله عليك يا سالم، إذا أحببت الدخول إلى الجزائر مرة أخرى، ارواح ريكلي، والله ندمجك معنا يا خو، قلالين أمثالك!" كانت تلك العبارة تعبيرا عن احترام ضمني لعفويتي، وكأنني أصبحت صديقا غير متوقع في هذه الظروف الغريبة.

بعد مستغانم، استمرت رحلة الترحيل من ولاية إلى أخرى، وكأنني أخوض مغامرة سياحية إجبارية. استغرقت الجولة ستة أيام كاملة، مع استثناء يوم الجمعة باعتباره يوم عطلة أسبوعية. كل ولاية حملت معها تجربة جديدة ومواقف طريفة أو غريبة، وكأنني أتنقل بين فصول من مسرحية لا تنتهي.

هذه التجربة تركت في نفسي أثرا عميقا. أدركت أن الهوية ليست مجرد بطاقة تطلب عند نقاط التفتيش، بل هي في الحقيقة مواقف وكلمات. أحيانا يمكن للصدق والفكاهة أن يفتحا الأبواب المغلقة، وأن يخلقا مساحة من التواصل حتى في أحلك الظروف. وبرغم كل ما حدث، تعلمت أن العفوية والصدق، وحتى كوب قهوة أو برتقالة في مكتب ضابط مثل سليم، يمكنها أن تترك أثرا يتجاوز الحدود والحواجز.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -هل هرب بشار الأسد... أم أن الشائعة أسرع منه؟-
- بدون فلتر: -بين حدود الأوهام وصراعات الواقع: مغامرة الهروب و ...
- ضحكة في زمن الحروب: السلام والتعايش بين الفلسطينيين والإسرائ ...
- بدون فلتر: يا للقدر! من قطع الأشجار إلى قطع الرؤوس
- العزوبة: حياة الرفاهية أم فخ الوحدة؟
- الاستمطار الصناعي في المغرب: حلم السماء التي لا تمطر
- نتنياهو في قبضة القدر: اعتقال غفلة!
- -أزمة الكهرباء في جماعة وليلي زرهون: بين التهميش والتمييز وغ ...
- -وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية: إعلان رسمي عن علما ...
- حقوق الإنسان: من خطب المهرجانات إلى متاجرة الضمير
- -محمد وأمنية ما بين السخرية والفلسفة: حين يتلاقى حسن الخاتمة ...
- عريضة شعبية تطالب الملك بمحاسبة وزير العدل وهبي وإقالته من م ...
- الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن: أداة سياسية أم عقبة أمام السل ...
- عيد الاستقلال المغربي: بين الفرح والاختلافات الاجتماعية
- -القصاص أم السياسة؟ السعودية تنفذ حكم القتل في خيانة وطنية و ...
- العالم اليوم: قانون الغاب في ثوب جديد
- المهداوي: ضحية النظام أم بطل مسرحية درامية؟
- الدينامية الجديدة في العلاقات المغربية الفرنسية على ضوء قرار ...
- إسرائيل: ضحية نفسها في مسرحية عالمية
- -التغطية الإعلامية للأميرة للا خديجة: بين المظهر والتأثير ال ...


المزيد.....




- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - -أنا والنكوة: حين تتحول الهوية إلى مسرحية كوميدية متعددة الفصول!-