طوفان الأقصى 431 – الامبراطورية الغربية تنجح في ابتلاع شعب آخر

زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8188 - 2024 / 12 / 11 - 01:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

*إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف عن الانجليزية*

كيتلين جونستون
كاتبة صحفية وناشطة سياسية استرالية

09 ديسمبر 2024

فر بشار الأسد من سوريا إلى موسكو، حيث ورد أنه حصل على حق اللجوء من روسيا. وأعلنت التنظيمات التابعة للقاعدة التي طردته انتصار "المجاهدين" في دمشق. وقد تبنى كل من بايدن ونتنياهو علنًا الفضل في المساعدة على تغيير النظام، وبالطبع يستحق أردوغان التركي نصيبًا كبيرًا من الفضل أيضًا.

ومع ذلك، لا يزال هناك قدر من المحرمات في الخطاب الغربي السائد حول تسمية هذا بعملية تغيير النظام المدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها.
من المفترض أن نتظاهر جميعًا بأن هذه كانت انتفاضة عفوية بنسبة 100٪ يقودها الشعب السوري وحده وحصريًا على الرغم من سنوات وسنوات من الأدلة على العكس.
نحن من المفترض أن نتظاهر بأن هذا هو الحال حتى بعد أن شاهدنا للتو تحالف القوة الأمريكية يسحق سوريا باستخدام الحرب بالوكالة وعقوبات التجويع وعمليات القصف المستمرة والاحتلال العسكري المصمم صراحةً لقطع سوريا عن نفطها وقمحها من أجل منع إعادة إعمارها بعد الحرب الأهلية المدعومة من الغرب.

يغضب الناس إذا قلت هذا، لكنه صحيح. إنها مجرد حقيقة أن الأحداث العالمية الكبرى لا تحدث بشكل مستقل عن تصرفات القوى العالمية الكبرى التي لديها مصلحة خاصة في نتائجها. إذا كان قولي هذا يجعلك تشعر بعدم الارتياح، فإن هذا الانزعاج يسمى التنافر المعرفيcognitive dissonance. هذا ما يشعر به الإنسان عندما يكون على خطأ.

ربما يزعجك عندما يشير الناس إلى تورط تحالف القوة الأمريكية في سوريا، وربما تفضل أن تصدق أن فرقة شجاعة من المقاتلين من أجل الحرية الأبطال أطاحت بشجاعة بدكتاتور شرير خارق بمفردها مثل بعض أفلام هوليوود. لكن الحياة الواقعية لا تتحرك وفقًا لتفضيلاتك. في الحياة الواقعية، من المؤكد أن الإمبراطورية التي تمتد عبر العالم والتي تتمركز حول الولايات المتحدة ستكون متورطة بعمق في مثل هذه الأحداث.

عندما أقول هذا، قد ترغب في تصديق أنني "أنكر اهمية السوريين"، وأن "إنكار دورهم" هو أسوأ خطيئة يمكن لأي شخص أن يرتكبها. لكن لا شيء مما أقوله يتناقض في الواقع مع فكرة أن السوريين لديهم رأيهم الخاص. من الواضح أن هناك العديد من السوريين الذين أرادوا رحيل الأسد، ومن الواضح أن هناك العديد من الأشخاص الذين لديهم أسبابهم الخاصة لمحاربته والتي لا علاقة لها بالإمبراطورية الأمريكية.
لا يوجد تناقض بين هذه الحقيقة الواضحة والواقع الموثق جيدًا بأن هيكل السلطة المركزي للولايات المتحدة كان عميقًا في سوريا منذ بداية العنف في عام 2011، وأن تورطها أدى إلى الأحداث التي نشهدها اليوم.

الادعاء ليس أن الإمبراطورية الأمريكية سيطرت على عقول السوريين وأجبرتهم على الانقلاب ضد حكومتهم دون قرار خاص منهم. إن الادعاء هنا هو أن الإمبراطورية وضعت إبهامها الكبير على الميزان لضمان حصول مجموعة واحدة من السوريين على مرادها بدلاً من مجموعة أخرى.

يمكنك أن تزعم أن التدخل الغربي لتغيير النظام سيؤدي إلى نتائج إيجابية هذه المرة (طالما أنك مستعد لتجاهل أكوام الأدلة التاريخية التي تثبت باستمرار العكس)، ولكن ما لا يمكنك فعله على أي أساس عقلاني هو إنكار حدوث التدخل الغربي لتغيير النظام في سوريا.


إن الليبرالية الغربية مضحكة في أن أتباعها يعتمدون بشكل كبير على قدرتهم على فصل أنفسهم نفسياً بعيداً عن تصرفات الإمبراطورية الغربية، بل وبعيداً عن وجود تلك الإمبراطورية ذاته. يعيش الليبرالي الغربي في عالم بديل خيالي حيث تهتم القوى الغربية بأعمالها الخاصة ويراقب القادة الغربيون العنف والدمار الذي يتكشف في جميع أنحاء العالم بينما ينادون بالسلام والدبلوماسية من على منصاتهم. إنهم يتظاهرون بأن الإمبراطورية غير موجودة، وأن الصراعات والانقلابات والانتفاضات لا تزال تحدث بطرق تخدم المصالح الاستراتيجية لواشنطن إلا من قبيل المصادفة البحتة.

في الواقع، من المستحيل أن نفهم ما يجري في العالم ما لم نفهم أن الولايات المتحدة هي مركز إمبراطورية غير معلنة تعمل بلا كلل من أجل وضع سكان العالم تحت مظلة قوة واحدة ترأسها. والبلدان القليلة التي قاومت بنجاح الانغماس في هذه الكتلة الإمبريالية هم الأشرار الرسميون الذين دربنا نحن الغربيون جميعاً على وجوب كراهيتهم: الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية وعدد قليل من الدول الاشتراكية في أميركا اللاتينية. اعتدت أن أدرج سوريا في هذه القائمة، لكن هذا انتهى الآن. لقد تم استيعاب سوريا في كتلة الإمبراطورية.

وغدًا ستنقل الكتلة الإمبراطورية هدفها إلى الدولة التالية "غير الممتصة". هذه هي الديناميكية الأساسية وراء كل الصراعات الكبرى على الأرض. يتم إخفاء هذه الديناميكية من النظرة العالمية الغربية السائدة بمساعدة خدمات الدعاية الغربية المعروفة باسم وسائل الإعلام الجماهيرية، فضلاً عن نظام التلقين الغربي المعروف باسم التعليم. يتم حذف هذه الديناميكية من نظرتنا للعالم وإخفائها عن انتباهنا من قبل البلوتوقراطيين ومديري الإمبراطورية الذين يعملون على التلاعب بأنظمة المعلومات لدينا، لأنه بخلاف ذلك كنا لندرك أن الإمبراطورية الأمريكية هي الدولة الأكثر استبدادًا وإساءةً على هذا الكوكب اليوم.

وهذا بلا شك كذلك. لم تقض أي دولة أخرى القرن الحادي والعشرين في قتل الناس بالملايين في حروب عدوانية بينما تطوّق الكوكب بمئات القواعد العسكرية وتعمل باستمرار على سحق أي مجموعة تعارض إملاءاتها في أي مكان على وجه الأرض. ليس الصين. ليس روسيا. ليس إيران. لا كوبا. ولا بشار الأسد. فقط الإمبراطورية الأميركية كانت تستبد بالعالم وتسيء معاملته إلى هذا الحد في العصر الحديث.

والآن تتدحرج الكتلة الإمبراطورية لامتصاص هدفها التالي، بعد أن توسعت بمقدار حجم سوريا بعد أن أمضت سنوات في هضم شعبها عبر الحرب بالوكالة، والعقوبات، وحملات القصف المتواصلة من إسرائيل، والاحتلال العسكري المصمم لسرقة طعامها ووقودها.

لا يمكن لعالمنا أن يعرف السلام طالما أننا نحكم من قبل إمبراطورية تغذيها أنهار لا نهاية لها من الدماء البشرية. نأمل أن تأتي نهاية تلك الإمبراطورية عاجلاً وليس آجلاً.

#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات