|
سوريا بعد انهيار النّظام – من المُستفيد وأية آفاق ؟
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8187 - 2024 / 12 / 10 - 16:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن ما يحدث في سوريا هو امتداد للعدوان على الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني واليمني والشُّعُوب العربية بشكل عام، ويُعتبَرُ انهيار النّظام تتويجًا للعملية العدوانية التي بدأت في سوريا سنة 2011، وربما منذ سنة 2005، خلال الحملة الدّولية لِطَرْد القوات السورية من لبنان، أو منذ احتلال العراق سنة 2003، وما سبق ذلك الإحتلال من تدمير وحصار وتجويع تم إقرارُهُ منذ سنة 1991، سنة انهيار الإتحاد السّوفييتي وتغيير ميزان القوى الدّولي، وتم التحضير لاحتلال وتقسيم سوريا منذ مظاهرات 2011، حيث ظهرت أعداد كبيرة من رايات وأعلام الإنتداب الفرنسي ( نفس الألوان وبثلاثة نجوم – في إشارة إلى تقسيم سوريا إلى ثلاثة أقاليم) وانتشرت بين المتظاهرين كشعار ل"الثّورة"، إلى جانب الأسلحة، فيما تنشر تركيا خرائط "المركز الجغرافي التّركي" التي تضُمُّ حلب ( سوريا) والمَوْصِل ( العراق) إلى تركيا، مما يُشير إلى إعدادٍ مُسبق ومُنظّم ... كان أبو محمد الجولاني من قادة "داعش"، ثم "طَهَّرَتْهُ" وأعدت تَدْوِيرَهُ الإمبريالية الأمريكية التي كانت تعتبر مجموعته المُسَلّحة "هيئة تحرير الشّام" منظمة إرهابية، وكان زعيمها الجولاني مَطْلوبا ( Wanted ) للمخابرات وللقضاء الأمريكِيّيْن، قبل أن تمنحه الولايات المتحدة وتركيا دَوْرًا وظيفيا، عبر تحويله تدريجيًّا إلى قائد للمعارضة التي أعطتها الولايات المتحدة وتركيا – بموافقة الكيان الصهيوني – الضوء الأخضر لإطلاق هجوم واسع وغير مسبوق يوم السابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وأجرت محطة "سي إن إن" الأمريكية لقاءً مُطَوَّلاً مع الجولاني، بشأن "مستقبل سوريا"... لقد صنّفت الأمم المتحدة "هيئة تحرير الشام" ( وريثة القاعدة والنّصرة التي مَدَحها لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي الأسبق) كمجْموعة إرهابية وزعيمها إرهابيا، ولكن الجميع ( الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وتركيا وصهاينة العرب) يدعم هذا التنظيم ماليا وعسكريا وإعلاميا وسياسيا، وكان نظم الإخوان المسلمين ( الأطلسي) يُهدّد النظام السوري لأنه اشترط التفاوض مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بانسحاب القوات التركية من الأراضي التي تحتلها في سوريا، وأدّت أخطاء السلطة السورية والضغط الرُّوسي إلى وقف الهجوم المُضادّ للجيش السوري وحلفائه – بتغطية جَوِّيّة من الطّيران الرّوسي – وتجميع الإرهابيين في إدلب، إلى استغلال تركيا والولايات المتحدة هذا التّكتيك الخاطئ، وتحسين قدرات المنظمات الإرهابية ( الدّين السياسي والأكْراد)، تدريبًا وتنظيمًا وتسليحًا ودعم المنظمات الإرهابية بمرتزقة من مناطق المسلمين بالصين وروسيا وآسيا الوُسطى وأوكرانيا تم تدريبهم وتسليحهم بالأسلحة الحديثة والطّائرات الآلية والعربات العسكرية في تركيا ثم في شمال سوريا، بالتّوازي مع تكثيف القصف الصهيوني وتوسيع دائرته، في ظل رفض روسيا بيع وسائل الدّفاع الجوي المُناسبة إلى سوريا، وفي ظل حصار شعب سوريا وتجويعه وإقامة قواعد عسكرية أمريكية وأوروبية داخل أراضيه ونهب ثرواته الفلاحية والنّفطية... تُشكّل الإطاحة بالنّظام الحاكم في سوريا والإستيلاء على البلاد انتصارًا للإمبريالية الأمريكية وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، وانتصارًا أهمّ لتركيا وأحلامها التّوسُّعِيّة، وكذلك الكيان الصّهيوني، أما القوى الرجعية في المنطقة من الخليج إلى لبنان، مرورًا بالأردن، فهي، والمجموعات الإرهابية، أدوات – وبعضها يُمثل حسابًا مصرفيا - تخدم أهدافًا ومُخطّطات تتجاوز حجمها السياسي الصّغير، ومن بين هذه المُخطّطات تَمَدُّد المجموعات الإرهابية إلى لبنان لضرب حزب الله... تتمثل مكاسب الكيان الصّهيوني في استغلال انهيار النّظام وسيطرة عملائه على دمشق ليَضُمَّ أراضي سورية جديدة، فقد أعلن الجيش الصهيوني الإستيلاء على "نقاط إضافية في المنطقة العازلة" مع سوريا، بذريعة "خلق مجال أمني خال من الأسلحة الاستراتيجية الثقيلة والبنى التحتية الإرهابية التي يمكن أن تهدّد إسرائيل، ولإحباط تجديد طريق تهريب الأسلحة من إيران إلى لبنان عبر سوريا وعند المعابر الحدودية"، وفق تصريح وزير حرب العدو الصهيوني الذي أعلن البحث عن مواقع " الأسلحة الاستراتيجية الثقيلة في سوريا، مثل الصواريخ الأرضية، وأنظمة الدفاع الجوي، وصواريخ أرض-أرض، وصواريخ كروز، والصواريخ بعيدة المدى والقذائف، بهدف تدميرها"، كما احتل الجيش الصهيوني – يوم الأحد 08 كانون الأول/ديسمبر 2024 - قمة جبل الشيخ ( أراضي سورية) المُطِلّة على فلسطين وسوريا ولبنان والأردن... تجدر الإشارة إلى تزامن بداية الهجوم الإرهابي على حلب مع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وتصريح رئيس وُزَراء العَدُوّ: " نحن وافقنا على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان حتى نتفرغ لغزة وإيران”، وتمت تَرْجمة "التّفرّغ لِغَزّة" بقصف "بيت لاهيا " (غزّة) والتفرغ لإيران بقصف العديد من المواقع في سوريا، بذريعة استهداف إيران وخطوط إمداد الأسلحة للمقاومة اللبنانية ( حزب الله )، كما لم يحترم الكيان الصهيوني اتفاق وقف إطلاق النار واستمر في قصف شعب لبنان ومبانيه وبُنْيَتِهِ التّحْتِيّة والجُسُور والمعابر البريّة بين لبنان وسوريا، وفي الأثناء أعلن وزير الخارجية الصهيوني: " تريد إسرائيل تشكيل تحالف مع الأقليات في سوريا والعراق، وخصوصًا الأكراد"، وأعلنت "القناة 11" الصهيونية "تسجيل محادثات أولية بين ممثلي الحكومة الإسرائيلية والأكراد في سوريا"... الإقتصاد، أحد عوامل انهيار النظام السُّوري اقتصاد سوريا في ظل الحرب والحصار انهار سِعر العُمْلة المَحَلِّيّة (اللِّيرة السُّورِيّة) مقابل الدّولار بنسبة تراوحت بين 42% و 64% خلال الفترة من 26 تشرين الثاني/نوفمبر (يوم دخول المليشيات الإرهابية مدينة حلب) إلى يوم دخولها دمشق وانهيار النظام السُّوري، بعد ثلاثة عشر عامًا من الحصار، عانى خلالها الشعب السوري من الفَقْر والحرمان والجوع، بعد أن كانت سوريا البلد العربي الوحيد الذي حقّق الإكتفاء الذّاتي الغذائي بفضل زيادة الإنتاج المحلي لعِدّة مواسم، بين سنتَيْ 2004 و 2008 وكانت سوريا من البلدان القليلة التي رفضت استنزاف مواردها النّفطية واكتفت بإنتاج حوالي 360 برميل يوميا، للإستهلاك الدّاخلي، مع تصدير كمية صغيرة ( حوالي 140 برميل يوميا) لتوفير العملات الأجنبية ولتوريد بعض الحاجيات، وأدّت الحرب والحصار المستمر منذ 13 سنة إلى بدهور جميع القطاعات، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والنُّزُوح وتَدَهْوُر مستوى معيشة السّكّان وتدمير البنية التحتية والمؤسسات الإقتصادية، خصوصًا في حلب، ثاني أكبر مدينة والعاصمة الإقتصادية لسوريا، وتفكيك المصانع ونقلها إلى تركيا، بإشراف مهندسين وخُبراء أتْراك، واهجر نحو 6,5 ملايين سوري إلى 130 دولة، وفق بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأصبح أكثر من 90% من السوريين "تحت خط الفقر"، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، وتراجعت قيمة الليرة السورية بنسبة تقارب 100% مما أدّى إلى ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم، خصوصًا منذ تشديد الحصار الأمريكي وصعوبة وُصُول الفلاحين إلى أراضيهم، وفق البنك العالمي الذي توقّع منذ سنة 2020 ( سنة انتشار جائحة كوفيد – 19 ) انكماش الإقتصاد السّوري بسبب عرقلة أعمال إعادة الإعمار من قِبَل الولايات المتحدة، وبسبب وتعطيل حركة التجارة ومنع وصول المساعدات الإنسانية، من خلال إغلاق المنافذ الحدودية من قِبَل الولايات المتحدة وتركيا، وبسبب ضُعف الإستثمار العام والخاص وتدمير رأس المال المادّي، وتدمير ثُلُث المباني والمرافق والبنية التحتية في البلاد، منذ 2011، ويشكّل انهيار الوضع الاقتصادي ( وشحّ الغذاء والدّواء ) أهم عوامل هجرة السُّورِيِّين خارج البلاد منذ 2011/2012، وبلغت نسبة النازحين من مناطقهم الأصلية نحو نصف السّكّان وبلغت نسبة المحتاجين للمساعدات الإنسانية نحو 75% من السّكّان وفق الأمين العام للأمم المتحدة، فيما ترفض الولايات المتحدة دخول أي مساعدة إلى سوريا، حيث يعاني أكثر من نصف السكان من الجوع... كان حزب البَعْث بِجناحَيْه الأُمَوِي ( سوريا) والعَبّاسي ( العراق) يدّعي تَبَنِّي الإشتراكية ( هي في الواقع رأسمالية الدّولة )، وكان إسمه الكامل "حزب البعث العربي الإشتراكي"، وكان العديد من أنظمة الدّول حديثة الإستقلال ودُول الأطراف ينادي بالإشتراكية، لكن لكلٍّ فِهْمُهُ وتطبيقه لهذه "الإشتراكية" التي تعني التأميم والإصلاح الزراعي وتخطيط الإستثمار والإنتاج إلى أن بدأ التّخلِّي عنها في سوريا خلال فترة حكم حافظ الأسد ( من 1971 إلى 2000 ) من خلال التخفيض التّدريجي لدور الدّولة في الإستثمار والتجارة الخارجية ومراقبة السّوق والأسعار، وتوسيع مجال تدخّل القطاع الخاص إلى جانب القطاع العام، خصوصًا منذ 1991، سنة انهيار الإتحاد السوفييتي، وسُمِّيت هذه السياسات في عدد من الدّوَل (منها الصّين وسوريا) "اقتصاد السُّوق الإجتماعي" وأُلْصِقَتْ بها صفة "المُرُونة"، حيث انخفض دَوْر الدّولة الإقتصادي لكنه لم يتَوارَ تمامًا، بل ترك المجال للعديد من الأُسَر والأعيان الذين استفادوا من خصخصة أُصُول الدّولة – وهي ملك الشّعب – ومن المُضاربة والتّجارة الخارجية الخ، وبقيت بعض القطاعات الإستراتيجية - والتي تتطلب استثمارات كبيرة – تحت سيطرة الدّولة، مثل الطاقة والاتصالات، وكان الناتج المحلي الإجمالي يتراوح بين 18 مليار دولارًا سنة 2000، سنة وفاة حافظ الأسد، ولمّا تولّي ابنه بشّار الحكم أعلن "إصلاحات اقتصادية"، أي تخلِّي الدّولة عن بعض القطاعات لصالح القطاع الخاص، مما أثار مُعارضة داخل حزب البعث وخارجه، في أوساط العُمّال وصغار الموظّفين، فيما سمح "الإنفتاح السياسي" النّسْبي باتساع هامش حرية المعارضة خلال سنة 2005، فيما ارتفع حجم الناتج المحلي إلى ستين مليار دولارا سنة 2010 و67,5 مليار دولارا سنة 2011، وفق بيانات البنك العالمي، ولا يعني ذلك استفادة العُمال وصغار الفلاحين والفُقراء، لكن بقيت الفلاحة ركيزة أساسية للإقتصاد، إذْ شجّعت الدّولة الإنتاج المحلي وتمكنت من تحقيق الإكتفاء الذّاتي الغذائي ( من الإنتاج المحلي) بين سنتَيْ 2004 و 2008، وكانت الدّولة تُصدّر الإنتاج الزراعي مثل القمح والقُطن، بالإضافة إلى المنسوجات والنفط الخام الذي كان يعادل ثلث صادرات البلاد، وانخفض الإنتاج الفلاحي خلال سنوات الجفاف التي كانت من أسباب انتفاضة 2011 وتمكّنت الإمبريالية الأمريكية والأوروبية من الإلتفاف عليها وتحويلها بسرعة - تدل على تخطيط مُسبق - إلى ثورة مُضادّة، رجعية بطبيعتها، تَقُودُها المليشيات الإرهابية وتُموّلها دُوَيْلات الخليج وتُسلّحها تركيا ودول حلف شمال الأطلسي، وهي المليشيات التي دخلت دمشق بنهاية الأسبوع الأول من كانون الأول/ديسمبر 2024...
الحصار والأضرار الإقتصادية خطّطت الولايات المتحدة الجانب العسكري والجانب الإقتصادي للحرب، فسيطرت – مع مليشيات الإرهاب - على معظم حقول النفط، وانخفاض الإنتاج إلى أقل من 25000 برميل يومياً سنة 2018، ولما استعاد الجيش السوري السيطرة على بعض الحقول ارتفع الإنتاج إلى حوالي 40,000 برميل يومياً بحلول 2023، وفقًا لتقارير من وكالة الطاقة الدولية (IEA) و تقارير من الأمم المتحدة، وعلى سبيل المقارنة تراوح الإنتاج قبل 2011، بين 240 ألف و 380 ألف برميل يوميا، وتراجعت الإحتياطيات النفطية، لكن الدّولة كانت تُصدّر ما فاض عن حاجة البلاد، وشكلت صادرات النفط حوالي 30% والإنتاج الفلاحي حوالي 25% من الناتج المحلي الإجمالي، قبل الحرب، فضلا عن الإكتفاء الذاتي الغذائي بفضل حيوية القطاع الفلاحي الذي تعرّض لتخريب كبير خلال الحرب (فضلا عن الجفاف وشُح الموارد) مما أدّى إلى نزوح المُزارعين... تضرّرت كافة القطاعات الإقتصادية من الحرب فقد انهارت السياحة التي كانت حصتها تفوق ثماني مليارات دولارا ونحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، وعلى سبيل المقارنة يزور تونس نفس العدد من السائحين (حوالي ثمانية ملايين سنويا ) بعائدات لا تتجاوز مليارَيْ دولار، وانهارَ سعر صرف الليرة السورية من 46 ليرة مقابل الدولار سنة 2010 إلى أكثر من 22 ألف ليرة مقابل الدولار يوم الأحد الثامن من ديسمبر 2024، يوم دخول الإرهابيين إلى دمشق، وارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة أَلْفَيْن بالمائة، مما نسبة التضخم إلى مستوى قياسيًّا، ويُعَدّ هذا الوضع السّيّء ناتجا عن الحرب وخصوصًا الحرب الإقتصادية التي تَضُرّ بالمواطنين، وهي حرب فرضتها الولايات المتحدة (وتبعها الإتحاد الأوروبي) وخاصة قانون "قيصر" الذي منع التحويلات والتجارة والمعاملات الدّولية مع سوريا، منذ سنة 2020 فضلا عن إغلاق الجيش الأمريكي حدود سوريا مع جيرانها ( العراق والأردن ) والقصف الصّهيوني للطرقات والجسور بين سوريا ولبنان... كانت الولايات المتحدة تُعلن إن هدفها تجويع الشعب ليثور ضد الدّولة، وهو ما لم تتمكن من تحقيقه في كوبا منذ أكثر من ستة عقود ولا في كوريا الشمالية وإيران وغيرها، وكان من نتائج هذا الحصار على سوريا تَوَقُّف الإنتاج وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 86% و انخفاض الصادرات من 12 مليار دولارا سنة 2011 إلى أقل من مليار دولار سنوياً بسبب العقوبات وتدمير البنية التحتية، وارتفعت واردات السلع الغذائية والوقود، فضل عن نقص السكر والأرز واللحوم والألبان ومشتقاتها في الأسواق، مع اعتماد متزايد على المساعدات الإنسانية، في ظل انخفاض دخل العاملين وارتفاع معدّلات البطالة والفَقْر، كما ارتفع التمويل الخارجي من إيران وروسيا، مما رفع حجم الدّيون الخارجية، وفقًا لبيانات البنك العالمي وصندوق النقد الدّولي... اختلفت تقديرات الخسائر الإقتصادية خلال سنوات الحرب وقد تصل إلى تريليون دولارا أو أكثَر، وقدّرها المركز السوري لبحوث السياسات بنحو 26 ألف دولارا لكل سوري، طيلة 13 سنة، وقَدّرَ المركز خسائر القطاع الفلاحي الذي كان يوفر عملاً لنحو خمسة ملايين سوري بنحو 16 مليار دولارا، وخسائر القطاع الصناعي بنحو 25 مليار دولارا وخسائر قطاع المحروقات ( النفط والغاز ) بنحو 115 مليار دولارا، فيما نزح نحو 12 مليون مواطن ويعاني 12 مليون من انعدام الأمن الغذائي وستة ملايين من الفقر الحاد، مع انخفاض هام لدَخْلِ العاملين وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتّشرّد والجوع إلى مستويات غير مسبوقة، مما يدفع آلاف الشباب للإلتحاق بالمليشيات الإرهابية للحصول على راتب يفوق أضعاف متوسط مُرَتّب الموظف الحكومي... يتوقع البنك العالمي استمرار ارتفاع معدّل التضخم سنة 2024 بسبب الآثار الناجمة عن انخفاض قيمة العملة، وشح العملات الأجنبية وخفض أو إلغاء دعم السلع الأساسية كالغذاء والمحروقات، فيما يتطلب إصلاح وضع الإقتصاد استثمارات كبيرة لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، فقد منعت الولايات المتحدة إعادة الإعمار وهدّدت الدّول والشركات التي تقوم بإصلاح الطرقات والمصانع ( التي تم نقل تجهيزاتها من حلب إلى تركيا، مثلا) والمرافق العمومية، كما تتطلب عمليات الإصلاح عودة ( أو تأهيل) الكفاءات التي هاجرت أو هَجَّرَتْها الشركات الأوروبية العابرة للقارات والمستشفيات وغيرها
خاتمة لم تبدأ عملية تقويض وتفتيت سوريا الآن بل بدأت منذ زمن طويل، قد يعود إلى مؤتمر برلين أو اتفاقيات سايس بيكو أو وعد بلفور أو انهيار الإتحاد السوفييتي وتفتيت العراق واليمن وليبيا والسُّودان، أي إن الإمبريالية مُتمادية في خططها التي تُنفّذها كُلّما كانت الظّروف مواتية، خصوصًا في ظل هيمنة القُطب الواحد بزعامة الإمبريالية الأمريكية... لم يكن النظام السُّوري ديمقراطيا ولا عادلاً، فلا حُرّيّات ولا عدالة اقتصادية واجتماعية، لكنه رفض الإذعان لتركيا، ولم يقبَلْ بما قِبل به النّظام المصري أو الأردني، من تطبيع وتَبَعِيّة، ولا يُشكّل الإعتراض على هيمنة تركيا الإخوانية/الأطْلَسِيّة وأدواتها من المنظمات الإهرابية دعما للنظام في سوريا، بل دفاعًا عن الأرض والبَلَد والوطن والدّولة وضدّ تدمير سوريا وتجويع شعبها وتقسيمه إلى طوائف... على المستوى الإقتصادي، من العسير العثور على إحصاءات مُحْدَثَة ودقيقة بشأن حجم وقيمة الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحرب والحصار والقصف الصهيوني وانعدام الصيانة، لكن تتفق كل الدّراسات على تعطّل النشاط الإقتصادي، الزراعي والصّناعي وتضرّر المرافق والبُنْيَة التّحتِيّة، ولذا يتطلب تعافي الإقتصاد السُّوري دعم القطاعات الأساسية مثل الزراعة والصناعة، والتنمية المستدامة وتوفير الخدمات الأساسية للسكان، والاستثمار في البنية التحتية (الطرقات والمرافق الصحية وشبكات المياه والكهرباء... ) التي دمّرت الحرب والعدوان الصهيوني حوالي 40% منها، وتشجيع الاستثمار المحلي، وتعزيز التبادل الإقتصادي والتجاري الإقليمي مع الجيران، لكن هل تمتلك المليشيات التي تدعمها تركيا والكيان الصهيوني برنامجًا لإعادة إعمار البلاد التي قُدِّرت بما بين 600 مليار و 900 مليار دولارا؟ أما تركيا فلها خطّتها لإفادة شركاتها وللسيطرة على موارد سوريا، لكن من سيتحمل التكلفة الباهظة لإعادة الإعمار التي قد تمتد على أكثر من عشر سنوات، وفق المركز السوري لبحوث السياسات. انْهَارَ النّظام السُّوري – بدون مُقاومة تقريبًا – خلال نهاية الأسبوع الأول من كانون الأول/ديسمبر 2024، واسْتَوْلَتْ المليشيات الإرهابية على البلاد بدعم تُرْكي وبعد أيام من القصف الصّهيوني غير المَسْبُوق، وفي ظل غياب شبه كامل لحلفاء النظام السُّوري ( روسيا وإيران )، لكن هل يستفيد الشعب السُّوري، سياسيا واقتصاديا، من تغْيِير نظام الحُكْم؟ قَطْعًا لا، لن تتحسن أوضاع الشعب السوري، كما لم تتحسّن أوضاع الشعب العراقي أو اللِّيبي بعد إطاحة القوى الإمبريالية والرجعية بالأنظمة القائمة هناك وتنصيب أنظمة رجعية وظلامية وطائفية مكانها، كما لن يستفيد الشّعب الكُرْدِي من هذه الأحداث، لأن قادته تحوّلوا إلى أعوان يُنفّذون المخطّطات الأمريكية ضدّ الوطن الذي احتضَنَهُم - حيث جاء أجداد معظم أكراد سوريا من تركيا هربًا من الإضطهاد - فلا يمكن النضال من أجل الحكم الذّاتي والحُرّيّة بالإعتماد على أصدقاء مُزّيّفين من القوى الرجعية والإمبريالية التي تقمع الحُرّيات وتضْطَهِدُ الشعوب وتستغل الكادحين...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا في ظل الصراعات الدّولية
-
مصر، وضع اقتصادي سيّء وآفاق محدودة
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الواحد بعد المائة، بتاريخ السا
...
-
اليمن بين العمل الإنساني والجَوْسَسَة
-
عَسْكَرَة التكنولوجيا وتحويلها إلى سلاح اقتصادي أو حَرْبِي
-
سوريا ضمن مُخَطّط -إعادة تشكيل الشرق الأوسط-
-
الصحراء الغربية: فرنسا والمغرب ينتهكان -القانون الدولي-
-
مَجْزرة -ثياروي- - السنغال 01 كانون الأول 1944 – 2024
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد مائة، بتاريخ الثلاثين من تشرين
...
-
ضرورة مُقاومة مخططات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد التاسع والتّسعون، بتاريخ الثال
...
-
السنغال – ظروف وآفاق فَوْز حزب -باستيف- المُعارض
-
استغلال الكوارث من قِبَل المخابرات الأمريكية وشركاتها
-
الدّيمقراطية الأوروبية في الغِرْبال الفلسطيني
-
الإتحاد الأوروبي مدرسة فساد
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثّامِن والتّسعون، بتاريخ الس
...
-
إيطاليا – خلفيات قوانين الهجرة واللُّجُوء
-
صناديق الإستثمار المفترسة
-
مُناورات -فينكس إكسبرس 24- والعلاقات العسكرية التونسية - الأ
...
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّابع والتّسعون، بتاريخ التا
...
المزيد.....
-
جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال
...
-
الجولاني: نعمل على تأمين مواقع الأسلحة الكيميائية.. وأمريكا
...
-
فلسطينيون اختفوا قسريا بعد أن اقتحمت القوات الإسرائيلية مناز
...
-
سوريا: البشير يتعهد احترام حقوق الجميع وحزب البعث يعلق نشاطه
...
-
مصادر عبرية: إصابة 4 إسرائيليين جراء إطلاق نار على حافلة بال
...
-
جيش بلا ردع.. إسرائيل تدمر ترسانة سوريا
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 57 مقذوفا خلال 24 ساعة
-
البنتاغون: نرحب بتصريحات زعيم المعارضة السورية بشأن الأسلحة
...
-
مارين لوبان تتصدر استطلاعا للرأي كأبرز مرشحة لرئاسة فرنسا
-
-الجولاني- يؤكد أنه سيحل قوات الأمن التابعة لنظام بشار الأسد
...
المزيد.....
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
المزيد.....
|