|
كان يجب أن ترحل باكراً أيها الغرنوق
خلف علي الخلف
الحوار المتمدن-العدد: 1785 - 2007 / 1 / 4 - 13:03
المحور:
الادب والفن
( لقد كبرنا يا أمي لقد كبرنا وأصبح لنا أصدقاء " يموتون ")* هكذا اذاً يابن خطاب تأخرت في رحيلك، تأخرت.. كان يجب أن ترحل أبكر قليلاً لنمجد اسمك، ونتذكرك ونكتب عنك.. لأقول كان استاذي ..نعم، عرفتك صغيراً وباكراً، وكنت معلماً حقيقياً.. في عام 86 أخذني " درويش الرشاد " الى غرفتك في "حوشكم" العربي تلك التي لا تحتوي سوى سرير ومكتبة ومد على الأرض. أذكر يومها أنك بدأت تنقب في مكتبتك وأحضرت لي مجموعة من الكتب... وهكذا استمرت علاقتنا
كلما أعدت مجموعة تحضر لي أخرى.. فيما بعد حين كتب " عبده وازن " عن اعادة ترتيب خارطة الشعر العربي فيما يخص الرواد بعد اكتشافه البريكان ضحكتُ وأدركت كم كنت معلماً يا غرنوق فقد عرفت البريكان عن طريقك في الثانوية، وحين أسأل اصدقائي الشعراء المصريين عن علي قنديل ولا يعرفونه أردد كان معلماً... سأعترف لك أني أحببت شعرك قبل أن اقرأه، من شكل الكتابة، فقد كنت تكتب على كامل الصفحة وهذه الطريقة لازالت محببة الي في كل الكتابات.. وحين قرأت وجدتني لديك، وجدت ذاكرتي الطفلية بكاملها مبثوثة في كتاباتك وتفاجئتُ أنك تكتب أشياء لم يكن يخطر لي أنها تكتب " نشمّر عن إليتنا ونطبع على الرمل خف البعير ".. وهكذا غدوت صديقي رغم فارق السنين العشر التي بيننا.. وحين يقول أحدٌ أن عبد اللطيف أغرق في البلاغة أستغرب ولايمكن أن تشرح لكل قارئ خارج منطقتنا أنك تكتب نصا يوميا إذا استثنينا تداولك للرموز والتاريخ، نعم نص يومي فأغلب هذه البلاغة هي من لهجة المنطقة التي لا زالت فصيحة مع قلب نطق الحروف... كان حضورك طاغياً عبر مرحه وكانت أحد الاشياء التي تثير فضول الاخرين ومرحهم هي عدم اقترابك من أنثى حتى زواجك المتأخر!! كأن يسألك أحدهم في ليلة رأس السنة: عبد اللطيف شلون بها العمر تحل أمورك الجنسية؟!! فترد ضاحكاً: أنفّــط او عندما يتآمر عليك الاصدقاء بحضور أنثى: عبد اللطيف لم يعاشر أثنى، وقد يخطر لها أن تعتبر الأمر مزاحاً فتسألك بخجل: صحيح؟. فترد: أي والله صحيح وحين يستفهم آخرون عن الامر.. الم تحب وتفكر بالزواج؟ فتذكر أنك مرة أقمت علاقة(بريئة) بفتاة وخطبتها لكنك قبل الخطبة صارحتها أنك مريض قلب وأنك مهدد بالموت بأي لحظة وأن الاطباء منعوك من بذل أي مجهود وفيما بعد قالت لك يجب أن يوافق أهلي وكل مرة تتصل تسالها عن موافقة أهلها فترد لك انهم ينتظرون أخيها العسكري فاكتشفت لاحقاً أن تأثير أخوها العسكري على سياسة البيت بقدر تأثيرك على قضية الشرق الاوسط ... كان الغرنوق دائم الدهشة ولأنه مصاب بأحد أذنيه فكان يضع يده على الاذن الاخرى ساداً الهواء كي يجمع الحديث عندما يكون الصوت منخفضاً مرددا جملته: شلون بالله .. عيد عيد وعندما يسمع يتراجع قائلا: هاااااااااااااا.. بالله ّ!! وكان يتندر على هذا ان جلوسه بجانب الدكتور عبد الرزاق عيد يخلق مشكلة لأنه يعاني من مشاكل في السمع باحدى اذنيه ايضاً. او يتهكم: اخوتي حولان ولما ولدت صاغ أهلي كيفو بعدين طلعت اطرش هاهاهاهاهاها ظلت حلب في نفسك وأجزم انك لولا الرقة لكان وضعك اختلف جذرياً فالمدن الصغيرة تستدرج البشر الى مستنقعاتها الصغيرة وهكذا غدوت مديراً لمركز التجارة الخارجية وهكذا غدوت (رئيسا) لجمعية العاديات بالرقة وهكذا لم أعد أحبك في السنتين الاخيرتين او لاقل بدقة لم تعد تعني لي شيئا خصوصاً أني اعتبرتك انتهازي صغير اعاد ارتباطه بالبعث ليصبح مديراً، الان افكر بعيدا عنك لمَ لمْ يأخذ أحد على دوفيلبان انه اصبح وزيرا لخارجية بلاده وهو الشاعر لمَ؟ لمَ لم يأخذ أحد على نزار قباني أنه كنا سفيراً لبلاده؟ أقول لقد انحطت البلاد وتسفلت مما غدا أي اقتراب من مؤسساتها ملوِثاً... وأزعم انك لم تتلوث لكني كنت أريدك أن تظل أبيضاً أبيضاً كقلبك الطفولي الهش .. الآن أقول وبعيداً عنك خيارات البقاء في بلادٍ أكلت أبنائها يجبرك أن تنخرط في وحلها وتنصرف الى سفاسف الحياة في ظل نظام إن لم تكن داخلاً في ألية فساده.. فهو يجبرك اما ان تكون جائعا أو مهاجرا او عالة على احد!! واخترت البقاء بأقل الخسائر وصرنا نلوكك عبد اللطيف أصبح مديراً.. كنت اردد لو ان عبد اللطيف خطاب غير سوري لنال حقه من الدراسة والاعتبار، لكنك لم تصل.. لكني أردد أحيانا من من جيلك أخذ حقه في سوريا، لا أظن أحد ايها المدهوش دائما كنت تصدق إذا قال لك أحد اليوم رأيتُ حماراً يسير برجل واحدة فتسأل بدهشة: بالله .. وين ؟ لترد مبتسماً لا ياخي وتجمع الى هذا سلاطة لسانك التي يتحاشاها البعض ويتحرشك البعض بسببها كي تناله. كنت خليطا عجيبا من الافكار " استاذ مثل هؤلاء ما الهم الا العفس " وكنت متنورا وكنت وضد أمريكا وضد الشيوعية وضد قروض المصرف الزراعي ومع قروض مصرف التسليف ... " عملت حوار مع فلان وسالتو عن الاسماء التي يراها مهمة بنظره ذكر اسماء ما عجبتني بدلتها هاهاهاهاهاهاها " .." ابراهيم الخليل روائي جيد بس عشيرتو زغيرة هاهاهاهاها "... كل هذه الفوضى كان يجمعها قلبك الموهن الذي كان نقياً. الدقيق كان موعد نومك بعد الدوام " يا اخي انا اذا ما نام الظهر ما اقدر " كنت أحيانا كثيرة استغرب شراستك المفاجئة في بعض الحوارات، لا أذكر أن أحداً كرهك وإن كان كثيرون اختلفوا معك. وكنت تجمع الى قراءاتك الواسعة والكثيفة. وضوح الرأي.. كنتُ أحبك يابن خطاب.. في سنتي الاولى في حلب كنت حينما تجيء تأخذني الى مقهى القصر فألتصق بك.. لم يعرفني أحد ولم أفتح فمي كنت أستمع، وهو ماعلمتنا إياه البراري " في المجالس على الأولاد أن يصغوا فقط " حينما تكلمت في المقهى بعد سنوات طويلة وهجرات طويلة، ولم يعجب حديثي أحد سألوا من هذا؟ باستنكار شديد، قال من قال بتهكم: هذا الولد الذي كان يأتي مع عبداللطيف كانوا يرددونها كشتيمة ولم أجدها كذلك في يوم، فقد كنت معلماً حقيقياً ولم أتلبس يوماً ثوب الإنكار... لقد كبرنا يا ابن خطاب وكبر أبناؤنا في الغربة دون أن ندري كما قالت لي غريبة ذات يوم وها موتك يذكرنا بأنّا كبرنا... مضينا في عمرٍ لم يحفل بنا، ولم " يعطنا البحر ما نستحق من النشيد " ذبلنا على مفارق الايام ، والمسافة أذبلت الصداقة لعيدك موتك إلينا صديقاً أليفا ودوداً " يرتوي مثل المنايا كأس ربه يصب في أقداحه ماءاً فراتاً سلسبيل " كنت تتوحدُ مع نصك وأنت تلقيه، وأذكر أني رأيتُ من الحضور من يبكي وأنت تقرأ " طغيان رمل الموت " في إحدى الامسيات .. في سفري هذا الى سوريا مزقت اوراقا كنت احتفظ بها دهرا ومما مزقته ياغرنوق تاريخ الجمجمة بخط يدك و سفر الرمل مطبوعة وكشف علاماتك الذي ارسلته لي عندما سجلت الدبلوم ومزقت صورة هويتك ومزقت اصل " سفر الرمل" بخط يدك التي كانت مسرحية، وقلت لك بعد أن قرأتها إنها ليست مسرحية إنها نص شعري، وعلّمتُ بخط أحمر على المقاطع التي يجب أن تحذف كي تصبح نصاً وكان أن اخذت برأيي وأجريت عليها تعديلات أخرى.. ومزقت أيضاً نصوصاً لي بخط يدك وكنت قلت لك أن خطي سيئ إضافة الى مشكلة تنسيق النص.. ومزقتُ أيضا صورة عن نص " هايكو الصحارى " إضافة الى صورة لك أنت ودرويش الرشاد وأنتم تأكلون الثريد... واشياء كثيرة تخصني، هل يبدو هذا فاقداً لمعناه الآن؟ .. حين قالوا لي أنك مت لم أذرف دمعاً، المفاجأة أيبستني حزنتُ.. وظللت أياماً أتشاغل عن حزني بأن اتناسى الأمر، لكن كان علي أن اعلق نعيك على جدار.. و...أعزي نفسي، حتى إني لم أتصل بإخوتك أو أسرتك معزياً... لم أحب يوماً رثاء الميتين يابن خطاب، وقد كثر الأموات.. كان بذهني أن أجري حواراً معك لجدار، فرحلت وقبلها كنت أهم أن أجري حواراً مع العجيلي لكني أخر مرة رأيته كان في المشفى ولم أجد ذلك مناسباً أما أنت فقد رحلت متأخراً وإن كان أبكر قليلاً مما نريد ... وهكذا سنمجد اسمك ونذكر شَعرك الطويل المجعد، الذي قصصته قبل سنوات.. سنقول أنك" من القليلين الذين يتركون في كل شيءٍ مذاق". رحلت متأخراً وأبكر قليلاً مما نريد .. لذلك سأضيف إهداءاً لروحك فوق نص " ندب على قبور الجهات" قبل أن يصدر بقليل: " أيُّها الموتُ يا زمناً يضمره الآن تنبتُ في حاشيةِ الغرابةِ يداً تتبادلنا عند بابِ المصادفة تدق كلَّ ريحٍ عابرة، تخيطنا إلى العدم لتنسجَ القبور تتواردكَ الخواطر أرواحاً، تقطفها عاريةً كالسحابِ يا طعماً نتذوقه كالعبرات ويمضي بنا قبل وصولِ الحواس ياحارسَ الوَداع ِبعطشهِ الطويل النومُ وجهكَ الذي نراه تطير بنا إلى ما يبدو أنه الليل وأنتَ تحزّنُا بسكينِ المصير كلما هممنا أن نركضَ ننامُ ننامُ تتناثرُ حياتُنا كغبارٍ العراء مصيرهُ الظلمةُ أبدهُ الذي لم نُبصره حبيبي في الريح ضاعَ صوته العتمةُ أكلتْ وميضهُ الترانيمُ نسجتْ أنفاسَهُ وهي تخمد كنارٍ غريبة الموتُ سَبِحَ في نهرهِ عليكَ لتبكِ البلادُ لتندبِ النداباتُ ويفضحنَ أسرارَنا لتشقِ ِالنسوةُ بياضَ وجوههن بالهلاهيل لغيابكَ فلتختبئ الخضرةُ في السهول تصمتِ الأشجارُ ويخفِ النهارُ ألوانه. لغيابي لتقص ِالعذارى جدائلهن تنثرها للشمس لتجف ضروع النار وتدخلِ النسائم في غفوةٍ لاتنحسر لتتعرى الغبطةُ حتى تفقد بهجتَها ليرسمِ الرجالُ على جدران ِبيوتهم شمساً من الحيرة يمحوها سؤالٌ يصحو على صوت الندابات: آه آه آه نَشِمُّ رائحةً تتلفتُ في الدمِ نُضيءُ الدروبَ بالموتى / نبتهل أن تخرج رائحتهم من أنفاسنا نُضمِدُ جِراح البيادر بهباري* ساحتْ رسومُها من الشمس نَرِدُ التمائمَ النائمةَ بجرار الفخار نسرح بالنحيب في سهول أتعبتها الأشلاء "* ----------------- *لقمان ديركي *الهباري: نوع من أغطية الرأس تضعه النسوة في منطقة الفرات *مقطع من نص من ديوان التنزيل تحت الطبع
#خلف_علي_الخلف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا أيتام صدام البقية بحياتكم
-
زمن بينوشيه الجميل.. وداعا
-
سوريا بيئة آمنة للاستثمار والعيش و.. الفساد
-
عاش أورتيغا يسقط التلفزيون السوري
-
راعي يسرح بالكلمات في صحراء تشبه الحديقة: عن نوافذ القيصوم
-
الاحتفاء بالتفاصيل اليومية إذ يشكل نصاً: عن حواف خشنة
-
سعار ل بثينة العيسى: رواية تجميعية رديئة نموذجاً للتطبيل
-
زواج الحكاية واللغة لإنجاب نص الحياة:عن فسيفساء إمرأة
-
العجيلي: الذي عاش كبيراً ورحل كبيراً
-
حلب الآن: نعي مدينة خاوية
-
بَوَّات الثقافة السورية: خير خلف لخير عرسان
-
الدعارة الثقافية: منتج الاستبداد والكبت
-
كونديرا سورياً: عن البلاد التي بلا أمل
-
المعارضة السورية ظاهرة إعلامية أم تمتلك قوى تغيير؟
-
استعطاف واسترحام إلى عمنا بوش في أمر شخصي
-
خدام اليوم .. مجلس الشعب أمس
-
قاموس الرطانة السياسية (6): المنعطف الحاسم.. متى ينتهي ؟
-
قاموس الرطانة السياسية (5) : الحوار الوطني الحوار مع الآخر
-
الطغيان :جبران تويني ليس فصلاً أخير
-
سوريا بعد تقرير ميليس : سلطة ومعارضة (2) هل وصل النظام محطته
...
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|