أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عفيف إسماعيل - -عبقرينو- تقتلهُ الحربُ مرتين














المزيد.....

-عبقرينو- تقتلهُ الحربُ مرتين


عفيف إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 8185 - 2024 / 12 / 8 - 18:12
المحور: الادب والفن
    


إلى شقيقي الشهيد عامر إسماعيل (1973- 2024م)


أمي وأبي أسمياه عامر/
فخططا له خرائطَ عمره كذاك القميصِ الحازقِ في المثل الشعبي/
دائماً تجده مشغولاً بإعادةِ النبضَ "للكرور" المركونِ في مخزنِ البيتِ كتماثيلٍ صامتةِ شاهدةً على الألفةِ قبلَ أن تزدهرَ تجارةُ الخردواتِ/.

أصابعهُ السحريةُ تفكُ شفرةَ صمتَ التلفازِ القديمِ/ وتعيدهُ للحياةِ أسود وأبيضا كسهرةٍ من الأمسِ/ بمعجزةٍ مشهودةٍ يَخرجُ أصواتَ دقاتِ "بيغ بن" و " هنا أمدرمان" من بين أحشاءِ مذياعٍ عتيقٍ كان يوماً ما فخرَ صناعةِ الإتحاد السوفيتي العظيم/ ليعيشَ في القرنِ الحادي والعشرين برغمِ أنفَ هيمنةِ دعايةِ الصناعاتِ الاستهلاكية/ صار يصدحُ بأغنياتِ " الحقيبة" ومدائحَ " أولاد حاج الماحي"/.

عطبُ الصمامُ الكهربائي لا يأخذَ من وقتهُ غيرَ ضحكةٍ وصفيرٍ دائري لمقطعِ أغنيةٍ يحبها/ يدوزنُ بها توازنُ أوتارهُ المرهفةِ/ لتتمددَ في الأثيرِ وتستقطبُ من الفضاءِ المسكونِ بالبرقِ فكرةً تائهةٍ عبرَ القرونِ من "بنجامين فراكلين و توماس أديسون" لتحلُ بيديه الماهرتين/ فلا ندر هل الذي اضاءَ فجأةً هو عودةُ سريانِ التيارِ في عروقِ الجدرانِ أم إنها ابتسامتهُ الوضيئة؟!

سقفُ بيتُ الجارةِ الفقيرةِ التي لا أبناءَ لها/ يهيلُ عليه الترابَ قبلَ كلِ خريفٍ/ فتباركهُ بدعواتها المنجياتِ من عسرِ الحالِ/ وتتمناهُ عريساً لبنتها الوحيدة/.

العربةُ التي تعطلت فجأةً بركابها في صهدِ الظهيرةِ قربَ بيتنا/ يشمرُ همتهُ بلا استإذنٍ/ ويغوصُ بنصفِ جسدهُ الأعلى في جوفها المفتوح مثل فك سمكة قرش بين رائحةِ البنزينِ وبعضَ حريقٍ ودخان/ حينَ يسألُ السائقَ الشاب الحائرِ أن يديرَ المحركَ مرتين/ موجوعةٌ كسعالِ طفلِ مصابٌ بالتهابٍ رئوي تئنُ الماكينةُ بحشرجةٍ تعلوُ ثم تخفتُ و تتلاشىَ كما الصدى الذي يتكسرَ بين كهوفِ المناجمِ المتعرجة/ ليصيحُ به "عامر" توقف/ ثم يفركُ صدأ هنا وهناك/ ويجدلُ سلكين/ يتطايرَ بين يديه بعضَ الشررِ/ ثم يطلبُ من السائقِ مرةً أخرى أن يديرَ المحرك/ فتنطلقُ العربةُ نزقةً مثل طفلٍ يضحكُ وهو يمضغُ حلوى العيد/ ليتابعها "عامر" بنظراتهُ الراضية وهو يردُ على تلويحة السائقِ الشاكرة/ فينتبهُ ليديه المتسخاتِ بالشحومِ/ فيأخذُ قبضةً من الترابِ ويفركها بين اصابعه/ ثم ينعطفُ إلى ذاك السبيل تحتَ شجرةِ "دقن الباشا" الوارفةُ/ ويكرعُ كوبين بإناءٍ ارتجلتهُ ضرورةُ التجلي الصناعي للمخيلةِ الشعبيةِ من عُلبةِ صلصةٍ ذهبيةُ اللونِ تم تدويرها/ وخوفاً من سرقةِ براءةَ الاختراعِ/ جعلوا لها ثلاثةَ ثقوبٍ غيرَ متساوية/ فمن ذا الذي يفكرُ في سرقةِ إناءِ زيرِ السبيلِ؟!

يحفرُ الأساسات/ يشيدُ البيوتَ طوبةً /طوبةً/ ولا يهملُ أبداً أنصافَ أحجارِ الزاوية التي لم يستخدمها/ فيرصفُ بها الحيشان/ ويبني بها مصاطب لشاي المغربية/ يكسوُ الجدرانَ بالأسمنت/ ثم يدهنها بالوانٍ زاهيةً بذوقهُ الحريف/.

ذاتَ عودةٍ من "برلين"/ اشتريتُ له الواناً مائية من بائعةِ متجولةٍ قربَ بوابةِ "برندانبورغ "كي لا يسطوُ شغبهُ للتجريبِ على الواني الزيتيةِ غاليةَ الثمنِ/ لكنه خطفَ من مخيلتي ما تبقى من ندفِ الجليدِ برشقاتهُ الاستوائية/ وتفوقَ عليَّ في الرسمِ والتحليقَ فوقَ قوس قزح/.

ما الذي بين عامر أطفالي؟ يعشقون التشعلق على كتفه العالية/ ولا يتضجرَ من ألفِ سؤالٍ وسؤال/ يردُ عليهم ضاحكاً وهو منهمكاً بين اشغالهُ/ ابتهجَ بفرحِ "زورباوي" بميلادِ طفلهُ الوحيد/ لم يَسمِّه على اسمِ صديقه الشهيد/ أو يتبع تراتبيه العائلة ويسميه على اسم جده/ أو أبيه/ أو شقيقه الأكبر/ لحكمةٍ لا يدركها إلا هو اسماهُ على اسمِ شقيقهِ "عاكف"/ فصار اطفالي ينادونه بألسنتهم الاسترالية Akif Jr”" فوجدنا في ذلك بعضَ لطافةٍ وسلوى/.

أصحابهُ في جمعيةِ" أصدقاء الشهيد أيمن فرج الله" ينادونهُ بالخال/
الجاراتُ الطيباتُ ينادونهُ بـ "ابن الحلال"/
من لثغةِ في طفولتهِ شقيقته الكبرى "سناء"لا تناديه إلا بـــــــــــ" كاكاو"/
أمي وأبي أسمياهُ "عامراً"/
فاسميتهُ- منذَ صغرهُ "بعبقرينو"-/ لأنه ابنَ جيناتِ الزلازلِ ضدَ ثوابتِ القبيلةِ ويعبثُ بمواريثها المحنطةِ كما يشاء/ وله قدرة بعثَ مواتِ الأشياء/
يعرفُ ذاتهُ أكثرَ من انعكاسِ وجههُ على المرايا/
عنيداً كالمطرقةِ/
صلباً كما السندان/
طليقُ الروحِ مثلَ أصداء طرقاتِ الحدادينَ في أولِ الصباحِ/
بالضحكاتِ واللامبالاة/ يتقي شرَ "الأعدقاء"/
ويسيرُ بينهم في خطٍ رهيفٍ بين الصراخُ والنحيب/
وحدهُ يغرقُ في نزيفه الداخلي يوماً
بعد يومٍ /
وعاماً
بعد آخر/
ينقي دمهُ المحقونِ بالنميمةِ من سمومهم/
ويرتقُ شقوقَ الشمسِ بخيوطِ عرقهُ المبتلِ بالشقاءِ
حتى لا تجفَ النهارات من الظلالِ/
وثم يغوصُ بجروحهِ النازفةِ بكاملِ غرباتهُ الوجوديةِ في عمقِ حصباء حصى أرض بلدته "الحصاحيصا"/
باحثاً عن مرقدٍ آمنٍ بعيداً عن طلقاتِ الرصاصِ التي سكنت صدرهُ النحيلِ وعنقه إلى أبد الأبدين/
بعيداً عن وحشيةِ ملثمينَ من نسلِ الغدرِ خطفوا روحهُ اليانعةِ من حديقةِ عمره/.
وسرقوا حتى إناءُ زيرَ السبيلِ المثقوبٍ/.

29 أغسطس 2024م
بيرث-غرب استراليا



#عفيف_إسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقد عبروا النهر
- كوكب السودان .. وعزلة جائحة كورونا*
- المُعلّم.. أسرَى إلى البُطانة.. وأدّاها نمّة!!
- ما بين الناشط الثوري والإداري التنفيذي
- النساء ذوات الوشاح الأبيض*
- *الأستاذ محمود.. ولعبة الموناليزا
- ارح مارقه*... والترميم الثوري
- -ارح مارقه-*... والترميم الثوري (1)
- *الأستاذ محمود.. ولعبة الموناليزا..
- اسامة الفَراح عوان الحِله
- وتَبقَى طفلةُ العصافير الموسميّة*
- وداعا النقابي الجسور وسيم الروح فاروق احمد -جدو-
- من وصايا الشهداء
- تَشبَهي العيد في بَلَدْنا
- صور شعبيّة.. وقسم السّيد أدفريني*
- وداعا ..زوربا السوداني(2-2)
- مُسامرة من وراء المحيط..محمود.. أرق المهووسين
- وداعاً زوربا السوداني1
- لوحة2
- مُسامرة حوارية مع الفنانة المغنية د. ياسمين إبراهيم


المزيد.....




- -الزمن الهش- للإيطالية دوناتيلا دي بيتريانتونيو تفوز بأرفع ا ...
- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عفيف إسماعيل - -عبقرينو- تقتلهُ الحربُ مرتين