آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8185 - 2024 / 12 / 8 - 16:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يجب أن تتوقف الانقلابات العسكرية إلى الأبد، أن يصدر قرارًا من مجلس الأمن بوقف اي انقلاب عسكري.
إن لا يقر أن الانقلاب العسكري شأن داخلي، فالانقلاب العسكري في أية دولة في العالم يجب أن يكون شأنًا عالميًا، باتجاه عالم خال من العسكر في قيادة الدولة والمجتمع.
إن لا يتم أي اعتراف دولي بالانقلابات، أن يسقط من تلقاء نفسه.
الأمم المتحدة لديها القدرة على طرد أي نظام سياسي عسكري من مجلسها، بهذا سيكون عالمنًا مختلف عن السابق، متناسقًا مع التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي على مستوى الكرة الأرضية.
العالم التكنولوجي المتقدم الذي نعيشه اليوم، عليه أن يتناغم مع حقوق الإنسان، مع الحريات الخاصة والعامة، هذه مهمة كل إنسان في هذا الوجود أن يناضل من أجل هذا، وهو خطوة في اتجاه بناء الإنسان المعاصر وحقه في الحياة.
يبدو قرار إسقاط هذا النظام جاء منظمًا، دوليًا وأقليميًا ومحليًا.
ما الغاية من هذا الفعل، ولماذا؟
هكذا قرار سريع، لم يكن من أجل سواد عيون الشعب السوري أو اللبناني أو الفلسطيني، أكيد وراءه سياسات قادمة، هذا ستجيب عليه الأيام القادمة.
هناك أمر أو قرار دولي أن يترك بشار الأسد السلطة، أن لا يقاتل، أن يوعز للجيش أن لا يقاتل مقابل ضمان حياته وحياة أسرته، وماله المودعة في الخارج.
مع هذا، أن ما حدث رائع، ساهم فيه أحرار سوريا، قاتلوا من أجل حريتهم وكرامتهم.
لديهم عمل كثير في المستقبل القريب، سقط بشار وعائلته، لكن الدولة السورية عليها المساهمة في تطبيق القرار 2254، الذي ينص على تأسيس دستور جديد، انتخابات ديقراطية حرة، لا يقوم على الطائفية، ويتم هذا تحت إشراف الأمم المتحدة، وتحديد جدولا زمنيا لتطبيقه.
ألف مبروك لجميع السوريين، انتهى الأسد وعائلته بعد أن دفع شعبنا ثمنًا غاليًا من حريته وحياته ووجوده.
العمل الجاد لبناء سوريا جديدة بدأ اليوم.
لتجنيب سوريا مخاطر استمرار الحرب، ثم الحرب الأهلية، والتقسيم، أن يتم تطبيق القرار 2254، هذا هو المخرج الواقعي والحقيقي.
إنه قرار دولي، واليوم هو الأكثر من ضرورة.
هذا القرار صدر من مجلس الأمن، يعني جاء بعد قبول دول العالم كله به، ويجنب المنطقة فوضى لها أول وليس لها أخر
سمعت أن المنتخب المغربي فاز على بلجيكا، ألف مبروك لكم يا نشامة، هذا شيء حسن.
السيء أن المغاربة المقيمين في بلجيكا منذ عشرات السنين احتفلوا احتفالا صاخبًا على طريقتهم، حرقوا السيارات الخاصة والعامة، واشعلوا النار في كل مكان مروا فيه.
يا اخوتنا في العروبة والدين، أنتم هربتم من المغرب ولجأتم إلى بلجيكا من أجل حياة أمنة لكم ولأولادكم، ولتحسين مستوى معيشتك وربما هربا من الاستبداد السياسي والاجتماعي والديني، وربما تريد أن تعيش بكرامة وحياة مضمونة، هذا تضمنه لك الدولة البلجيكية عبر قوانينها.
طيب يا مغربي، إذا كانت انتماءك الجميل لبلدك القديم، هذا حق لك ونقف إلى جانبك، لكن عليك أن لا ترجم بلدك الجديد، وإلا سيقال عنك ناكر الجميل، لا يؤتمن عليك وعلى أخلاقك في أي موقف.
كونوا الأسوة الحسنة، القدوة، من أجل مستقبلكم ومستقبل أولادكم ونسلكم
الذين يحكون عن يوم القيامة، الرجاء يشرحوا لنا ماذا يعني يوم القيامة؟
قيامة ماذا، الأرض، الكون، المجرات الكواكب، الشمس؟
الأنبياء اسوأ إنتاج بشر، مجموعة ذهانيين، مرضى بسطاء وجبناء، وورثونا الخوف والخضوع والجمود العقلي والفكري، وعوموا عالمنا من أجل بقاء الوهم.
وأغلب هؤلاء الأنبياء لا تاريخ لهم، ولا تاريخ ولادة، ولا يوجد أي دليل مادي على سيرة حياتهم.
هناك مجموعة كبيرة من الناس على اليوتوب، لديهم صفحات خاصة، شخصيات مأزوخية، لديهم متعة غريبة في جلد الذات.
يوميًا اقرأ عشرات النشرات عن قرب يوم القيامة، نهاية العالم، نهاية الزمان.
إن جفاف نهري دجلة والفرات لا علاقة له باقتراب يوم القيام ولا الهطول الغزيز للمطر في الخليج والسعودية تحديدا، ولا دوران الأغنام حول نفسها.
لا أعرف لماذا ينشر هؤلاء المهابيل هذه الأفكار المريضة على العام، لماذا يحبون أن يزرعوا الكآبة في نفوس غيرهم؟
ما الغاية من هذه المتعة الدونية المجانية.
وهناك ناس عايشين في السويد، كل يوم والثاني يبثون فيديوهات عن معاناتهم في السويد، بعضهم يقول أن السويد ذبحتني، دمرتني، الأخر يعلن أنه سيغادرها، والبعض يقول أنه يخاف على نسله الكريم من الانحرف.
أغلب الذين يبثون هذه الفيديوهات منافقين، أغلبهم يركض وراء اللايك من أجل الحصول على المال.
أغلبنا فرض نفسه على السويد، وكل واحد له حجته وكذبه ونفاقه، والكثير منا لديه وجع حقيقي، وصادق ويحتاج إلى الحماية والأمان من هذه الدولة الكريمة.
سأقول للمنافقين، الباب أمامك مفتوح، تستطيع أن ترحل، لست في السجن، ولا اعتقد أن السويد ستتمسك بك أو بغيرك، بل خصصت مبلغًا ماليًا كبيرًا لمن يتنازل عن جنسيته.
القليل من الاحترام لأنفسكم ولنا، وللغلابة المساكين في بلادنا المتعطشين لمعرفة ما يدور في هذا البلد، السويد.
وضعت يدها على رأسي وقربته من أعلى فخذها، وأشارت إلى اللانهاية، قالت بصوت مبحوح:
ـ أمعن النظر جيدًا، هذا الموضع سيبقى وجعك الدائم. قلت:
ـ أعرف. قالت:
ـ ماذا تعرف؟ قلت:
ـ هذا المكان إغواء إغراء متجدد. إنه سيزيفنا الدائم. إنه جرحنا المفتوح على جرح الزمن المفتوح.
ـ وماذا أيضًا؟
ـ إنه الوجع اللذيذ.
وفكرة القبول راودتني لأقول أنه التيه بالرغم من أنه معَقَّلَ، بيد أنها تدخلت قبل أن أعلن عن نفسي.
ـ أرحل عن هذه الأرض. عن هذا وذاك التلذذ. وجودك سيسبب لك صداعًا وألم.
أرحل.
أمعنت النظر في الوجود والعدم، وقلت:
ـ إلى أين أرحل؟ إلى من؟
فالعدم نظير الوجود، كلاهما في التيه يستويان، ربما متطابقان وربما منفصلان، وأنا وأنت بينهما.
في المحيط الأقليمي للشرق الأوسط، هناك سباق تسلح محموم تقوده تركيا من جهة وإيران من جهة ثانية، وإسرائيل من جهة ثالثة.
واليوم تدخل مصر واليونان على خط الصراعات في المنطقة، وما يستتبع ذلك من فوضى وعدم استقرار، وانذار بحرب أقليمية شاملة.
تركيا في توقيعها اتفاقًا مع الوفاق الليبي، وترسيم الحدود بينهما، واعتبار هذه الأخير جزء من الأمن القومي التركي، يفتح شهية الجيران للاستعداد للقادم المرعب.
اليونان تستعد لشراء المنظومة الدفاعية الروسية اس 500، ردًا على تركيا التي جهزت نفسها ب أس 400، ومصر تستعد لشراء طائرات سوخوي 35.
كنا في سباق تسلح بين القطبين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، نستيقظ اليوم على دول يفترض أن يكون بينهم علاقات ودية وحسن جوار وحوار، نشاهدهم اليوم يستعدون لتمزيق بعضهم.
يبدو أننا في حرب عالمية ثالثة تقودها بلدان غير نووية، بلدان نصف مركزية ونصف طرفية، نصف تابع ونصف متبوع.
كلهم يهربون إلى الأمام في محاولة تحسين شروط بقاء أنظمتهم المتكلسة على حساب جيرانهم.
يشترون السلاح من الخارج، يسرقون المال من أفواه وقوت شعوبهم ليفتكوا في بعضهم. فبدلًا من العمل على البناء والتطوير وإرساء نظم ديمقراطية حقيقية، يذهبون إلى التدمير والخراب لتاكيد وجودهم كدول ونخب.
إنهم يهربون من استحقاقات البناء.
القراءة فن وحب ورغبة، وتحتاج إلى تحضير عقلي مسبق، وتكوين نفسي وخيال يدفع المرء نحو ذلك.
إن حب القراءة يحتاج إلى بيئة، ثقافة، وعقل منفتح، وحس مرهف ورقي.
لم يكن في بلادنا وأسرنا تقاليد القراءة أو التشجيع على القراءة.
ينمو لدى الطفل الصغير حس القراءة عندما يرى أبويه يمسكون كتابًا ويقرؤون فيه، فيشعر أن القراءة شيء طبيعي فيبدأ في تقليد أهله إلى أن تتحول القراءة إلى جزء من التكوين النفسي للطفل.
وإن روي القصص أو الحكايات تنمي في الصغير حب المعرفة والاطلاع.
إن من ترعرع في بيئة ليس فيها ثقافة أو كتاب أو قصص لا يمكن أن ترى لدى هذا الشخص أية حاجة للمعرفة.
ولا يمكن أن يكون غنيًا بالخيال.
وهناك عائلات كثيرة تنمي في عقل صغارها حب قراءة الكتب المقدسة أو الذهاب إلى المعبد فيكبر الصغير، ويتحول إلى صنم يكرر طفولته في شبابه وشيخوخته.
بمجرد أن يمسك أحدنا كتابًا، ويفتح أول صفحة فيها ينام، لأن هناك عداوة حقيقية بينه وبين القراءة.
الظل سيبقى ظلاً، مقلدًا مهما حاول أن يعلن عن نفسه.
ولا يمكن أن ينتصر على الضياء والنور مهما حاول.
ولد خائفًا مورابًا، التفافيًا، مختبئًا خلف الحقيقة. يأخذ الزوايا الميتة خجلًا من نفسه ومن زمانه.
وخائف أن يتبدد أو يضيع فيما إذا حاولت الحقيقة أن تعلن عن نفسها.
والظل يخذل من يتفيأ في الظل
إنه إعلان عن هزيمة أكيدة قبل أن يبدأ.
الاستمتاع بتأنيب الضمير، وتمزيق الذات، وتكفير عن فعل لم يحدث، جزء من تكوين الكثير من الكيانات البشرية على هذه الأرض.
هناك متعة مازوخية عميقة لدى هؤلاء، إن يمزقوا ذواتهم، ويقدموها قربانًا لصدى زمن مقيم وراحل.
إنهم يريدون أن يرمموا حمولات الكون فوق رؤوسهم وتفريغها بالألم.
لم يعمل الحكام العرب على مشروع بناء الدولة، بل همشوا جميع المؤسسات التابع لها، لمصلحة فئة، أو عائلة، أو عشيرة، أو طائفة. وتركوا الإنسان العادي في حيرة وخوف. وحالة فوضى وضياع. يبحث عن أمنه الشخصي، وعائلته هنا أو هناك، يتحكم فيه هذا الضابط أو ذاك المتنفذ.
أي تركوا المواطن مهزومًا، مكسورًا على كل الصعد، مجبرًا على الدخول إلى ساحة البحث، باحثًا عن وجوده ككائن وإنسان، في الأمكان الأشد خطرًا، وقسوة.
إن ينزل إلى الشارع السياسي، مدركًا وجود مؤسسة واحدة له بالمرصاد، المخابرات، ستقتله أو تسجنه.
هل تركوا له أي خيار؟
إذا كانت جميع دول العالم تريد إنتاج نظام الأسد الأب والأبن, والمعارضة السورية المتهافتة على أبواب هذه الدول ليس لديها مشكلة في هذا الموضوع, بل موافقة على جميع شروطهم, نستطيع أن نطرح السؤال المهم:
ـ ماذا تريد المعارضة السورية بالضبط؟
ـ لماذا لا يذهبون إلى بشار مباشرة ويطلبوا منه المناصب والأموال بدلا من اللف والدوران والركض دون توقف من باب إلى باب, بتذلل واحتقار؟
ـ لماذا تحاربوه ما دمتم تعشقونه؟
يمكن العاشق يحب التذلل ليحصل على اعتراف الحبيب به.
في المنعطفات التاريخية الصعبة, وفي مرحلة التأزم العميق التي تعانيها الرأسمالية, تنسحب الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية من المسرح السياسي لعجزها عن معالجة المشكلات العالقة, فاسحة المجال للقوى المتطرفة, الفاشية, أن تأخذ زمام المبادرة والصعود, وأخذ المقعد الأول في قيادة الصراع من أجل بقاء النخب المالية والنفوذ والسلطة, عبر القوة المجردة والعارية الخالية من أي رحمة, أي بالوحشية الكاملة.
إن الإرهاب المنظم التي تقوده الدول باسم محاربة الإرهاب هو الأكثر وحشية وقوة وتطرف. إنه يستند إلى نظام, له قوة القانون الذي تسنه, وتمارسه كأنه واقع حقيقي عبر تبريرات مزيفة.
إن الإرهاب التي تمارسه الدول يعمل على استئصال أية حركة اجتماعية سياسية لها نفس نهضوي على أية بقعة في هذا العالم. والعمل دون كلل على تحطيم أية ثورة وزعزعة أركانها وتفتيت قوها.
إن الصراع بين المحلي المحلي, المحلي والعالمي, العالمي والأقليمي, الأقليمي والأقليمي, غدا مفتوحا وعلى كل المستويات, ولا محددات أو معايير يوقف هذا الصراع أو يحد منها بالرغم من محاولة التوافق بين الدول وترتيب شؤونهم للهروب من الاستحقاقات الداخلية لكل واحدة على حدا.
بوصول الخميني إلى السلطة عادت ايران ثقافيا واجتماعيًا وحضاريًا إلى الوراء مئات السنين.
إن هذا الانقلاب, الذي جاء برجال الدين والعمائم, هو بمثابة كارثة سياسية واجتماعية ليس على ايران فحسب وانما على المنطقة كلها.
فقد زرع الفتنة والحساسية, والظاهرة الطائفية, وكرس الانقسام الاجتماعي عموديا في المنطقة العربية والاسلامية على المدى الطويل. ولن نخرج منه على مدى عشرات السنين القادمة.
الدين حامل سياسي للقوى العاجزة. وهو أحسن مخرب للمجتمعات التي تبتلي بسياسيين يتاجرون به.
الرد على اسرائيل, يحتاج إلى قرار وطني. قرار سياسي من جهة وطنية غيورة على البلد ومصالح البلد.
أولويات هذه السلطة هي البقاء في السلطة. موضوع الوطن ما كتير تعني لبشار أو أبوه أو أمه. إنه نظام وكيل الغرب واسرائيل, لتخريب بلدنا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
فكيف سيضرب اسرائيل؟ وهل يضرب الوكيل بموكله؟ هل يضر بمصالحه الارتزاقية؟
أغلب الذين جاؤوا إلى أوروبا في الأونة الأخيرة, مرغمين, دفعتهم ظروف بلادهم للهرب من وحشية سلطهم, وانهيار مجتمعاتهم. أي جاؤوا غير مقتنعين بالمكان الجديد. ويقارنون بين حياتهم في بلادهم والبلد المضيف, حيث التهميش والضياع والخوف من المستقبل. تصطدمهم اللغة الجديدة, فرص العمل, الاندماج, العلاقات الاجتماعية الصعبة.
هناك فارق كبير بين الناس الذين جاؤوا سابقًا, بإرادتهم ورغبتهم, وبين من جاء تحت الضغط.
أغلبهم لا يستطيع أن يهضم المكان الجديد, وليس لديه القدرة على نسيان ماضيه الجميل. لهذا نحن أمام أزمة صعبة جدًا, أزمة وجود وبقاء أو الانهيار.
أريد القول لأخوتنا جميعًا المثل القائل:
مرغمًا أخاك لا بطل. وعلينا ان نعيش الحياة في أقسى الظروف حتى نتصالح مع أنفسنا ووجودنا. علينا أن لا نهرب إلى الأمام.
سمعنا شيخ جامع بلوفديف يقترب منا مرة أخرى, كأنه تاه أو ضيع خطاه في هذا المكان المنسل من الزمن. وربما أحس بالأمان بالقرب منا ومن عشرتنا. وأننا بالقرب منه نمده بالراحة, قال:
كانت هذه الليلة مرصعة بدورة الوجع. يدها الباردة تلوك جسدها وتمتد إلى وجهها الملتهب. وتغيب عن نفسها وتتوه. أنها رحلة غريبة لزمن غريب, زمن ملتهب. يظن المرء أنه حاضر بيد أنه غائب.
تنهد أوغلو, وقال:
ـ وما قبله!
ـ آه, كلامك صحيح. وما قبله؟
ـ أسوأ ما عانيناه هو الخيال!
ـ الخيال, ماذا تقصد؟
ـ آه, غريبة علينا هذه الأرض العتيقة, لا تفرد جناحيها, لا تطير. ولا تعرف على أية جهة تمد خطاها أو على أي سرير تضجع.
ـ أصبحت شاعرًا يا شيخنا. وربما تهلوس من قسوة هذا الزمهرير الذي يضرب العظام.
ـ هكذا هي الأرض, مخضبة بالدم والموج. والبحر هناك, نائم على خدود الأفق يضرب سقف السماء.
وقف أنظر إليهما. مستغربًا من هذه اللغة الجديدة التي طرأت عليهما.
شردت, بينما عقلي يذهب بعيدًا عنهما, وعيني تحدق في اللاشيء. قلت:
هذه الليلة, تلك الليلة, الليالي السابقة كنت برفقتها, فوق جسدها. ضاجعتها بيد أني كنت غريب عنها وهي غريبة. لم أعرفها, ولم تعرفني. أظن أنني عشقتها, وهي عشقتني, وكلانا غرباء لا نعرف الاتجاهات. وجسد رجل غريب عصر فمها وهي في أفق فرحها تتأوه. تذكرت يدي عندما لامس يدها وهربنا كأرجوحة الأطفال, حلقنا وعودنا ادراجنا. لا أعرف من غرز تلك البذرة الحنونة, تلك الرغبة المجنونة في أعماقي, كيف نما وترعرع وتحول إلى جنون, عشق, قدر محتوم. غمرني كهالة نور لا يمكن العيش دونه. وتساءلت:
هل جسدها الجميل, اخضرار أشجارها وينابيع ماءها أم تلالها المخضبة بالاحمرار هو السبب. هل جسدها رغبة, نحس أم أن الدوافع الكامنة في خاصرتي تدفع ما تبقى مني أن اتوه في هذه البراري البعيدة وأموت ككلب أجرب.
وزفرت الهواء من فمي بعد أن انغمر بالمطر وتحول إلى فيضان, أضفت:
آه منك يا شرق, أيتها الحبيبة, المهاجرة. تتوهين أم تتوهمين؟ تنتقمين مني أم من نفسك؟ ضائعة أنت أم أنا؟ عشقتك منذ كنت صغيرًا وسرى حبك في وجداني ورسى في جسدي وأنفاسي كقدر على مرافئك. سلمتك جسدي كبيدق مطيع وجعلتك مداسًا لكل الغزاة. وهناك بوم, رف بوام يلوك بي. وانسل كنهر جاف فوق نفسي طوال الزمن أو كقنديل يتأرجح في مكانه لا ينطفئ ولا يبرق. التفت إلى نفسي قليلًا, وتذكرت أنني في حالة توهان أو في حتاة اغمضاضة عين. وبين هذا وذاك مضيت ازفر الريح:
لقد ضاجعت الليل البارد وشربت من أنفاسه حتى وصلت للتخمة. قلت:
ـ أوغلو؟
ـ ماذا يا عبد الله؟
أنا نعسان. والليل أوشك أن يمتد إلى ما بعد منتصف الليل. والبرد يحاصرنا. لا أبواب ولا شبابيك تسترنا. نحن عراة, لا شيء يغطي عروتنا. وعظامي مسكونة بهاجس البقاء. أخاف أن أقع من البرد والتعب. أخاف أن تتركني وتهرب. ستأكلني الغربان والذئاب الجائعة.
تثاءب بشدة وحدق في وجهي الذي ضاع في لجج الليل المعتم والمطر الغزير. قال:
ـ لعنة السماء من تأت من فراغ. مجرد رعشة, بخار حار, حارق, قذفنا دون إرادة منا. وصدقنا الحلم. ثم مد نظره عبر الأثير, وقال:
احس أن المكان مغمور إلى حد الموت. أنني لا أعرفه! والأرض لا نهاية لها تمتد على نفسها إلى فضاء معبأ بالضباب. وأضاف:
ـ عبد الله, سأكون صريحًا معك. سأتركك في هذه الفيافي بمجرد أن تتخلف عن الركب. الحياة هكذا. عليك أن تبقى واقفًا. لا استطيع أن انتشلك. السلطنة لم تدافع عنك, تحميك. كيف لرجل عاجز مثلي أن يحمل جثة؟
لم يبق للأحلام باب يا عبد الله. ولا استطيع أن أكون شهمًا في هذا الوقت المثقل بالفواجع. علي أن أصل استانبول قبل أن تغلق أبوابها. أنها, المدينة الذي توقف إحساسها بالحياة عند حوافر خيولها في البلقان وغيرها من هذه البلدان قبل مئات السنين. ومنينا أنفسنا بالأوهام أن يبقى الزمن هناك. عشنا أموات منذ ذلك الزمن إلى الأن.
لقد عبر الروس نهر الدانوب واستولوا على الكثير من المدن. وعبروا المضائق الجبلية للبلقان. ودخلوا صوفيا عاصمة بلغاريا. واحتلوا فليبه. وتقترب إحدى فرق جيوشهم من العاصمة. وانضم إليهم المنادون بالاستقلال بأعداد هائلة. وشارك معهم المتطوّعون البلغار من البوسنة والهرسك والجبل الأسود.
أهالي الجبل الأسود أخذوا مدينة انتيباري ووصلوا ضواحي شقودرا. ودخل الصرب مدينة نيش.
الطريق مفتوح لهم لدخول استانبول. أننا على نفترق طرق. إنهم يتقدمون دون أن يجدوا أيّة معارضة تذكر من عاصمة الخلافة الإسلامية. والأرض تحت أقدام حوافر خيول الجيش الروسي. إنهم ينظفون الأرض منا, من العثمانيين في القسم الغربي, الأوروبي من السلطنة. وقال بلهجة حزينة
ماذا نحن فاعلون_
قال الشيخ:
ـ انها إرادة الله. كل شيء بأمره. وعلينا قبول إرادته. لا تتحرك مثقال ذرة من على هذه الأرض الا بأمره. وأضاف:
الله حي
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
