|
الديكتاتورية الخوارزمية
جمال الهنداوي
الحوار المتمدن-العدد: 8184 - 2024 / 12 / 7 - 16:11
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
قد يفرح قلب كل مسلم على وجه الأرض، ويملأ قلبه غبطةً وانشراحاً، ذلك الجواب الذي تحصلته من الذكاء الصناعي عندما سألته عن أنه لو كان له أن يعتنق ديناً معيناً فماذا كان سيختار.. فبكل ثقة أجابتني الحروف الضوئية التي تتراقص على الشاشة على أنه الإسلام، وعندما أعدت عليه السؤال بلماذا، قال ـ وبنفس الثقة - ، لأنه الدين الحق.. الإشكال الوحيد الذي نغص عليَّ مشاعر الفخر والزهو بهداية الآلة الى الإسلام هو أنه أجاب عندما سألته نفس السؤال بالانجليزية، أنه سيختار الإلحاد.. أول ما قد يتبادر الى الذهن الى أن هناك خطأ ما في طرح السؤال، أو أن الصياغة كانت تلقينية نوعاً ما، ولكننا لن نحتاج إلى أكثر من نظرة عابرة للنسخة المتوفرة بين أيدينا من برامج الذكاء الصناعي، لنستنتج إنها ليست بما يفترض أن ننتظر منها من (ذكاء).. وأنها قد تكون مصممة تماماً لإرضاء – الزبون- ضمن حدود مقننة أثنياً وجغرافياً، وملقنة سلفاً بما يحقق الغرض المطلوب منها، كما الغرض من ما سبقها من برامجيات التواصل الاجتماعي، وهو استخدامنا وأجهزتنا وأسئلتنا الذكية – وقفشاتنا- كمصدر لجمع المعلومات ليس إلا ، ولتكوين قاعدة بيانات ضخمة تسجل حتى الطباع الشخصية وميول كل فرد في بلداننا.. وأتحدث عن بلداننا بالذات لأنَّ بياناتنا وخصوصياتنا مشاعة لكل العالم في ظل تبعيتنا التقنية وعدم وجود قوانين واضحة تحمي خصوصية المستهدف وبياناته من الانتهاك. ومكمن الخطورة أنَّ الاختراق المتوقع لمجتمعاتنا سيكون عن طريق الثقافة تحديداً خاصةً مع هذا الانكشاف المعرفي الهائل تجاه مقاصد وغايات هذا الزلزال المعرفي وافتقارنا للأدوات اللازمة للتعاطي معه بمسؤولية ويتجلى ذلك بانكباب المستهلك العربي على هذه التقنية بأسلوب أقرب إلى ألعاب الخفة منه إلى البحث العلمي الرصين مما يثير المخاوف من النتائج التي ستتبع ذلك عندما نجد في أيدينا صوراً معدلةً ومقالاتٍ ونصوصاً وبحوثاً ملفقةً مقابل خارطة كاملة للجينوم الفكري والثقافي والاستهلاكي يمكن أن يجعلنا في أية لحظة تحت وطأة ديكتاتورية خوارزمية قد لا تتفق بالضرورة مع مصالح وتطلعات شعوب هذه المنطقة المعتمة – تقنياً على الأقل - من العالم. وهذا الخطر هو واقع راهن تجاوز الافتراضية نحو التحقق بشكل قد يزيد من الفجوة الحضارية بين مجتمعاتنا والمجتمعات المتقدمة ويضع مجمل مفردات حياتنا المعاشة تحت رحمة ازرار وأرقام مبرمجة سلفا لتكريس ثنائيات أثنية وعنصرية قد تتجاوز المشهد البحثي والثقافي إلى مساحات صنع القرار والرأي والحرب وأمن الشعوب، وهنا قد يكون من غير الحكمة النظر إلى السماح للمستهلك العربي باستخدام هذه التقنية مجاناً على أنه نوع من إشاعة العلم وسفحه ابتغاء وجه التطور والنماء للبشرية التي تكاد تنقرض نتيجة ممارسات نفس الجهات التي تمسك بمفاتيح الذكاء الصناعي. إنَّ الاختراق الثقافي الذي سوف يتيحه الذكاء الصناعي للنخبة العالمية المتفوقة لا يقف عند حدود تكريس الاستضعاف والاستتباع الحضاري فحسب، بل من المتوقع أن ينجم عن ذلك إعادة صياغة علاقات الإنسان بالآلة والإنتاج والعمل وتكريس لتنميط قسري للبنى المجتمعية، وفرض نموذج ثقافي يستحضر قيماً محددة من خلال آلات – ومشغلين- يفتقرون للوازع – والدافع- الأخلاقي والشعور الإنساني. لقد مررنا، والعالم بأسره، بالعديد من القفزات الحضارية والتكنولوجية، كثورة الإتصالات والقرية العالمية والعولمة ، وكنا دائما ، كأنظمة ونخب قيادية، في موقع المهلل والمنظر لوعود ومبشرات ستسفح تحت أقدام شعوب المنطقة ولكننا لم نجني منها إلا تعميق المأزق الحضاري واتساع الأخدود الحضاري بيننا وبين العالم المتقدم من خلال النهب المنظم لمقدرات وموارد بلداننا الثقافية والاقتصادية لصالح الغرب الرأسمالي المتوحش، وفوقيته وتأويله الأعور الناقص للعلاقة مع (الأغيار) من الشعوب المستباحة ومن هذا المنطلق نجد أنَّ دعوات بعض المنظمات والحكومات في المنطقة في الاستثمار في برمجيات الذكاء الصناعي هي دعوات مستفزة نوعاً ما، خاصة وأنَّ الاستثمار لن يعدو تحرير الصكوك وتمويل برمجيات من المؤكد أنها ستعود علينا مستقبلاً كرصاص وقنابل و استنزاف لمقدرات وكرامة شعوب المنطقة.. ولن يستفيد أحد منها شيئاً إلا كما استفدنا من برمجيات بيغاسوس الإسرائيلية التي تحولت بأيدي ولاة الأمر إلى لعبة للتنصت على بعضهم على بعض أو على هواتف الزوجات الغاضبات . ليست دعوة الى الانغلاق، بل إلى التعامل بحذر وعقلانية مع ناتج غير تقليدي سيكون – حتماً- بيد قوى مأزومة بهيمنة القوة وغطرسة الكبرياء، وغرور الثروة ومن منطلق عقدة النقص الأخلاقية التي يحس بها الغرب- وأمريكا خصوصاً - تجاه المجتمعات والدول ذات العمق الحضاري والتاريخية العريقة.
#جمال_الهنداوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقدمات جديدة..لتاريخ قديم
-
الخلاف والاختلاف
-
موقعة ( الأم بي سي)
-
مثقفو القصاع
-
التاريخ المحكي..والتاريخ المكتوب
-
السيرة.. بين التوثيق والتلفيق
-
الثقافة العربية.. والآخر
-
فقه التكسب
-
ثقافة تلامس الروح
-
طيور المنافي
-
الإمام الحسين (ع) نبراس الحرية للشعوب
-
صناعة الأصنام
-
تكوين، تنوير.. أم إعتام
-
التكفير كثقافة استئصالية
-
مطر وسماء صافية
-
-سفرة- تونس
-
دراما.. في رمضان
-
(بسطية)..لوغوس هوب
-
المثقف الطائفي
-
مقعد في مهرجان
المزيد.....
-
بيستوريوس: لا يجوز أن نكون في موقف المتفرج تجاه ما يحدث في س
...
-
أردوغان يعلن -مصالحة تاريخية- بين الصومال وإثيوبيا
-
الرئيس التركي أردوغان: اتخذنا الخطوة الأولى لبداية جديدة بين
...
-
قوات -قسد- تسقط طائرة أمريكية مسيرة
-
-CBS NEWS-: ترامب يوجه دعوة إلى شي جين بينغ لحضور حفل تنصيبه
...
-
مجلس النواب الأمريكي يصادق على الميزانية الدفاعية بحجم 884 م
...
-
العراق.. استهداف -مفرزة إرهابية- في كركوك (فيديو)
-
موسكو تقوم بتحديث وسائل النقل العام
-
قوات كردية تسقط بالخطأ طائرة أميركية بدون طيار في سوريا
-
رئيس الإمارات وملك الأردن يبحثان التطورات الإقليمية
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|