|
كيف أدمنت الصهيونية انتهاك الشرعية-7
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 8184 - 2024 / 12 / 7 - 10:45
المحور:
القضية الفلسطينية
كيف أدمن الثهاينة انتهاك الشرعية-7
علاقة اوطد من تحالف استراتيجي وأمتن إسرائيل أعظم استثمار أميركي بالشرق الأوسط- السينماتور جو بايدن
هاري ترومان عام 1945 وكان نائبا للرئيس روزفيلت ومرشحا للرئاسة بعد وفاته قال بدون تحرج: “أنا آسف أيها السادة، لكن على أن أرد على مئات الآلاف الذين يتوقون إلى نجاح الصهيونية؛ ليس لدي مئات الآلاف من العرب بين ناخبي”. بهذه الوضاعة حط مرشح للرئاسة الأميركية من قيمة المنصب ودوره في الحياة السياسية للولايات المتحدة؛ ومثله الأكثرية العظمى ممن رأوا في النشاط السياسي مجرد بيزنيس يدر الملايين. وبهؤلاء السياسيين نصب الصهاينة انفسهم ممثلين لليهود تطلعات راهنة وتسلسلا وتاريخيا وورثة لمغدورين في جريمة إبادة؛ ومن ثم فرضوا القداسة لتمثيلهم السياسي؛ إذ اعتبوا مجرد انتقادهم عداء لليهود ووضعوا العرب موضع الاتهام ، نازيين جدد ؛ وبتفوقهم في الكيد والتخطيط والحشد استطاعوا في النهاية ، وقت إكمال استعداداتهم استدراج الفلسطينيين الى صدامات مسلحة النصر فيها معقود لهم. في جميع منازلاتهم المظفرة اختصتهم الولايات المتحدة بالدعم المادي والمعنوي- السياسي. بدأ مسلسل التحولات لصالح الصهاينة بانعقاد المؤتمر الصهيوني لأول مرة ، مؤتمر بالتيمور-11 مايو /أيار 1942- في نيويورك، حيث اندمجت الحركة الصهيونية عضويا بالإمبريالية الأميركية. كان المؤتمر الأول للصهاينة عام 1897، قد أقر قاعدة ضمان الأمن لمشروعهم من خلال توثيق العلاقة مع قوة او مجموعة قوى مقررة في الحياة السياسية الدولية. فبعد بضع سنوات من التحاق الحركة بالولايات المتحدة صرح هاري ترومان عام 1945 وكان نائبا للرئيس روزفيلت ومرشحا للرئاسة بعد وفاته بما استهل به المقال. داخل الولايات المتحدة تندمج الصهيونية مع المصالح الحاكمة المقررة في مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة. تحدث شرتوك بحماس أمام اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية عن تأثير المنظمة الصهيونية بالولايات المتحدة على الرئيس ترومان؛ ومارس الرئيس الضغوط من اجل إنجاح قرار تقسيم فلسطين. " تناثرت مصداقية الولايات المتحدة تحت ركام القرار 181. كان الفلسطينيون ينظرون بإعجاب الى الولايات المتحدة ومبادئها السامية". وإذا بها مبنية على مصالح فردية نأت بها عن المبدئية والالتزام الأخلاقي. في " يناير 1951 أوردت المخابرات الأميركية من العراق عن سقوط "المثل الأميركية المشاهدة على المسرحين الأميركي والعالمي تخلق الثقة بالولايات المتحدة بصفتها القوة العالمية الوحيدة القادرة على الالتزام بمبادئ الحق والعدل"؛ ولكن " خيانتها لتلك المبادئ" احالها "أكثر الشعوب نفاقا". ..."غدت فلسطين قضية أكبر من ذاتها، اصبحت ’ الخط المرسوم على الرمال‘بين قرون من الغزو والشوفينية العنصرية، وبين عالم مستنير كان يفترض انه تعلم دروسا ثمينة من حربين عالميتين كان من شانهما ان تطلعانا على العالم الأخروي". هذا ما ورد في مؤلف "دولة الإرهاب.. كيف قامت دولة إسرائيل الحديثة على الإرهاب. (312) نجحت المقالب الصهيونية في استدراج يهود الولايات المتحدة قوة ضغط لصالح مشروعها القائم على الاغتصاب القرصني، المطابق والموازي لاغتصاب الأرض وإبادة السكان الأصليين في ما سمي الولايات المتحدة الأميركية. "كان توسع وتوطيد يهود الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين مهمًا في التاريخ اليهودي مثل إنشاء إسرائيل نفسها؛ في بعض النواحي أكثر أهمية"، كتب بول جونسون، وفسر الأهمية، بالنظر لكون " نمو يهود الولايات المتحدة كان بمثابة انضمام إلى سلطة نظام مختلف تمامًا، أعطى اليهود مكانًا مهمًا ومشروعًا وقويًا. دورا دائما في تشكيل سياسات أعظم دولة على وجه الأرض". في مارس 1919خاطب وودرو ويلسون، رئيس الولايات المتحدة ناحوم فايتسمان "لا تقلق يا دكتور فلسطين لك". كان قد حجب تقرير لجنة كينغ – كراين ولم يقدمه الى المؤتمر لأنه تضمن رفض وعد بلفور ورفض بالذات "استناد الوعد وكذلك المشروع الصهيوني بفلسطين الى قيام دولة لليهود قبل الفي عام" (والحقيقة ثلاثة آلاف) دشن مؤتمر بالتيمور اندفاعة الصهيونية باتجاه الدولة القومية بفلسطين، ووجد الصهاينة التشجيع لتصعيد إرهابهم ضد الخصوم، وبالذات ضد الانتداب لبريطاني، وكان في ذلك مصلحة للدبلوماسية الأميركية. بدأ الجهد الإرهابي الصهيوني يأخذ منحى جديدا اتسم بالعنف الشديد ضد البريطانيين. نتج عن المؤتمر برنامج بالتيمور، وضعه بن غوريون بتأييد فايتسمان، حيث طالب ب “استسلام فلسطين كلها استسلاما تاما غير مشروط للصهاينة". جاء مؤتمر بالتيمور إعلانا بانتقال الصهيونية الى الحضن الأميركي والتخلي عن بريطانيا، ام الوعد. "كشف مخبر يحمل الاسم سركيس ان اجتماعا عقدته اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية حضره بن غوريون شدد فيه " على ان انشطتنا يجب ان تدار من واشنطون وليس من لندن ". كان ذلك بعد مؤتمر بالتيمور. يعتقد بأن التحريض الأميركي يكمن عاملا هاما خلف فظاعة العمليات الإرهابية ضد البريطانيين في تلك الحقبة. على الأقل، استند الإرهاب الى حماية الامبريالية الأميركية للنشاط الصهيوني. وتجلى الدعم الأميركي أيضا في إصرار بن غوريون على تجميد وضع المهجرين اليهود داخل مخيمات البؤس ريثما ينجز مبعوثوه "صهينة" أولئك اليهود. وفي هذا الانحياز تكمن مساعي الامبريالية الأميركية للحلول محل الامبرياليات القديمة، وقد نمت قدراتها الاقتصادية بفضل تحويلات الأسلحة أثناء الحرب الى الحلفاء، وعدم تعريضها لعمليات الحرب التدميرية، بعكس ما حصل لبريطانيا، وفرنسا والاتحاد السوفييتي وألمانيا. رغم التحالف أثناء الحرب وُجِه التحريض الموارب ضد وينستون تشرشل يتهمه ب "الجمود والتخلف" لأنه يرفض التخلي عن المستعمرات البريطانية لصالح الإمبراطورية الامبريالية الأميركية المنطلقة بطاقتها الحيوية. عارض القاضي بروسكاور برنامج بالتيمور لتطرفه، فاعتبر في الحال "خائنا". وصفه ستيفن وايز وابا سيلفر، الزعيمان الصهيونيان بالولايات المتحدة، بأنه "خائن لقومه"! لهذه الدرجة بلغ التزمت درجة ان طمست الصهيونية جميع المعارضين لتوجهاتها في الأوساط اليهودية وغير اليهودية. احتكرت الصهيونية حق التحدث باسم يهود العالم. باتت صهيونية الولايات المتحدة قوة هجومية ل "صهينة" يهود العالم، أي تجنيدهم وقودا في الحروب المنتظرة. شرعت الدعاية " تلطخ سمعة ’ المعارضين لأهداف الصهيونية، بل حتى من يتقاعسون عن دعمها بوصمهم بأنهم ’ فاقدون للمشاعر الإنسانية، منكرون لقيم المسيخ، معادون للسامية ومساندون ضمنا للنازية‘". أشاع الصهاينة خصوصية اليهود وفرادة مشروعهم ل "إحياء دولة إسرائيل القديمة"، ورأى بن غوريون “علاقات اليهود بهذا البلد(فلسطين) لا يمكن الحكم عليها بتطبيق قاعدة تنطبق على بلد آخر". واتهم كل من لا يتفق معه بانه نازي (276). يستشف الدعم المطلق لمشروع الصهيونية الاقتلاعي بفلسطين من تعليق "الإيكونوميست" على اغتيال اللورد موين، وزير الدولة لشئون الشرق الأوسط ، في 6 نوفمبر /تشرين ثاني 1945 ،" يمثل قتله صلب المشكلة الراهنة التي تتمثل في ان الصهاينة الذين تدعمهم أميركا، يريدون فلسطين كلها، وأن اي شخص يعرض عليهم ما هو أقل من ذلك يعد عدوا لهم"(73). بات موين مستهدفا بسبب انتقاده للصهيونية؛ علق امام مجلس اللوردات قبل عامين ان الدعوة الصهيونية مخطئة في بابين: "طالبت بالهجرة على نطاق واسع الى بلد مكتظ بسكانه، والثاني الهيمنة العرقية لهؤلاء القادمين الجدد على السكان الأصليين."(118). من أتباع الصهيونية الثقافية وعارضوا قيام دولة لليهود مارتن بوبر ، أستاذ الفلسفة بالجامعة العبرية بالقدس، وكان يرى ان العلاقات مع العرب أمر حاسم بالنسبة للإنسانية اليهودية . شاركت في معارضة إقامة دولة إسرائيل هنريتا شولد، إحدى مؤسسات حركة هداسا للنساء. وقبيل إعلان دولة إسرائيل نشر يهودا ماغنيس مقالا في نيويورك تايمز بمثابة نداء للسلام في فلسطين. وعارض آينشتين وحنه أرندت، الفيلسوفة الألمانية، إقامة الدولة؛ وكان اينشتين قد مثُل في يناير 1946 أمام لجنة التحقيق الخاصة بفلسطين وحاجج في شهادته ضد إقامة دولة إسرائيل. نقل جيروميفي مؤلفه عن أينشتين، من شهادته تلك، إذ قال بصدد ثورة البراق عام 1929:" تم تحريض الجماهير العربية بشكل منهجي، بالإضافة إلى تدبير الاضطرابات التي شاركت حكومة الانتداب بنشاط في التحريض عليها. وفي ظل هذه الظروف لا يوجد هناك أمل بتحسين الوضع ما دام الانتداب في يد بريطانيا العظمى. تحول اينشتين إلى شوكة في حلق الحركة، وأخفت عنه مخططاتها المضمرة لتهجير عرب فلسطين بوسائل دموية.لكن جميع معارضي المشروع الصهيوني أخفقوا ، رغم مكانتهم العلمية، إذ افتقروا الى القاعدة الجماهيرية وتفوقت عليهم الصهيونية بأموال الاحتكارات الرأسمالية.
دعم الصهاينة بالولايات المتحدة بقوة التوجه الشمولي للحركة الصهيونية. انتقد رئيس الجامعة العبرية، ييهودا ماغنس، التوجه الشمولي، أثناء زيارة للولايات المتحدة، وانتقد أيضا: "يبدو اننا فكرنا في كل شيء ما عدا العرب"؛ جوبه بحملة ضارية لم تحترم مكانته العلمية. بالمثل، اهينت، في خضم التعصب الزميت، المكانة العلمية لآينشتين الذي وقف ضد "أي تحرك باتجاه إقامة دولة"(56). رفض منصب رئاسة دولة إسرائيل بعد وفاة رئيسها الأول، ناحوم فايتسمان، الذي عرضه بن غوريون عليه وكتب لصديق: “سأظل مقيما هنا (بالولايات المتحدة) بقية حياتي، عازلا نفسي كلية عن الآخرين قدر استطاعتي. فكل ما أحاول عمله في المجال الإنساني يتدهور بسرعة بشكل ثابت الى كوميديا سخيفة". قال بن غوريون كان لابد لي من دعوته لتولي رئاسة الدولة ولو قبل لوضعنا في ورطة يصعب الخروج منها. وضع اينشتين كتابا عن ماغنس الذي توفي قبله في ظروف غامضة. ولدى صدور قرار التقسيم (181) أبدت الولايات المتحدة صمت القبول حيال تحذيرات استخباراتها من أن الصهاينة لن يلتزموا بالتقسيم ولسوف يستولون على جميع ما تصله الميليشيات الصهيونية. لم يضمّنوا قرار التقسيم ما يحظر على الصهاينة استخدام تفوقهم العسكري، ولم يردعوا. في يناير 1948 قال جورج كينان، احد واضعي سياسة الولايات المتحدة الخارجية المدشنة للحرب الباردة، "لقد تعرضت هيبة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي لضربة قوية، وتضررت المصالح الاستراتيجية الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأدنى بشكل خطير." تشكل داخل الولايات المتحدة اللوبي الإسرائيلي، وهو في الحقيقة والفعل حزب اميركي تنفق عليه احتكارات يهودية وغير يهودية مثلما تنفق على الحزبين السياسيين اللذين يتناوبان الحكم ويسخرانه لمنفعة الاحتكارات، خاصة الاحتكار الصناعي – العسكري – الأمني. ان قيام اللوبي "الإسرائيلي" داخل الولايات المتحدة وتطور نفوذه في الحياة السياسية والتشريعية للولايات المتحدة ظاهرة غير مألوفة في العلاقات الدولية؛ ولا يمكن فهمها وتبريرها إلا في نطاق الدولة الصهيونية "الاستثمار الأميركي الأكبر بالشرق الأوسط" حسب تقديرات عضو الكونغرس، جو بايدن. وفي موجات العدوان كافة التي خاضتها الدولة الصهيونية كانت الامبريالية الأميركية تهب للدفاع عن الدولة الصهيونية دفاعها عن أملاك خاصة. في وقفاتها كافة ساندت الدولة الصهيونية لتحقيق مآربها كاملة. اللوبي الإسرائيلي عامل فعال في التحام مصالح الولايات المتحدة بمصلحة إسرائيل. يقدم اللوبي للنواب في الكونغرس "تحليلات إخبارية" تنطوي على تلفيقات واضاليل توجه قراراتهم التشريعية؛ كما يقدم الدعم المالي للنواب الموالين او لأفراد يلتقطهم للترشح مدعومين بدل نواب يتخذون مواقف مستقلة ولا يلزمون أنفسهم بدعم إسرائيل. وفي الانتخابات الأخيرة أسقطت أموال اللوبي في الانتخابات التمهيدية نائبين بمجلس الشيوخ استنكرا حرب الإبادة الجماعية في غزة. على ان اللوبي أياه هيأ قبل فترة ويهيئ في الوقت الراهن شبانا نشيطين بالجامعات او مواقع أخرى كي يجلسوا على مقاعد التشريع مستقبلا موالين لمصالح الاحتكارات، باسم حرية الاقتراع وبرسم الديمقراطية. ولهذا السبب تصوت الأغلبية الساحق على مشاريع قرارات او تشريعات لصالح الاحتكارات. وتحدثت الواشنطون بوست عن نائب بمجلس الشيوخ أغفل الدمار بولايته الناجم عن إعصار وطالب بزيادة الدعم العسكري لحرب إسرائيل في غزة. نقل عن ستيفن ريد عام 2009 القول متندرا، "إذا قامت إسرائيل بقصف شيكاغو بالأسلحة النووية، فإن الكونجرس سيوافق على ذلك". وحسب تعبير الصهيوني ستيفن روزن، " اللوبي مثل زهرة الليل: تزدهر في الظلام وتموت في الشمس." بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية انخرطت الولايات المتحدة في الحرب الباردة وأرغمت دول الامبريالية وجميع عملائها في العالم الثالث على نفس لنهج. ولهذا الغرض وجدت الدبلوماسية الأميركية من المفيد الاستفادة من خبرة النازية الألمانية. ينقل يوري أفنيري ، رجل السلام الإسرائيلي، المطلع على خفايا العلاقة الأمريكية ـ الإسرائيلية، في شهادة حول الإعلام الأمريكي أوردها في مقال بعنوان " من الكلب ومن الذيل؟" على أثر صدور وثيقة البروفيسورين الأمريكيين، وولت وميرشايمر بصدد دور اللوبي الإسرائيلي في صنع السياسات الأمريكية فقال: " لقد هب تشومسكي وآخرون ضد هذه المقولة. إنهم لا ينفون مقولة البروفيسورين الثبوتية، بل ينفون الاستنتاج. لا يبلور اللوبي اليهودي السياسة الأمريكية، كما يدعيان، بل يجسد مصلحة أصحاب رأس المال والنفوذ في أمريكا، الذين يدفعون بالإمبريالية الأمريكية ويستغلون إسرائيل لأهدافهم العكرة". الامبريالية الأميركية قبلت النازيين الألمان للعمل في خدمتها مقابل الحماية من المحاكمات التي أجريت لقادتهم. استقدمت الى الولايات المتحدة خبراء الذرة والصواريخ يطورون الأسلحة الأميركية وسمحت لأعداد كبيرة السفر الى أميركا اللاتينية والعمل في خدمة الأنظمة الديكتاتورية لتعقب ومطارة العناصر الوطنية والديمقراطية؛ كما شرعت تنظم الانقلابات العسكرية وتدعم الديكتاتوريات الفاشية المنبثقة عنها، نظمت انقلابا في غواتيمالا ضد نظام أربينز المنتخب ديمقراطيا، بمسوغ وجود نواب شيوعيين بالبرلمان نجحوا بالاقتراع الديمقراطي. كما نظمت المخابرات الأميركية، بالتعاون مع المخابرات البريطانية انقلابا ضد حكومة محمد مصدق بإيران التي أقدمت على تأميم شركة النفط، وأعادت الشاه المخلوع الى عرش الطاوووس، واستعادت النفط الإيراني ملكية للاحتكارات الأميركية والبريطانية. ونظمت عام 1963 انقلابا في البرازيل ضد حكومة منتخبة ديمقراطيا، واعتبر السفير الأميركي في البرازيل انقلاب العسكر انتصارا للديمقراطية. منطلق آخر عزز ارتباط الصهاينة بالاستبداد السياسي، و قاد بن غوريون الى العنصرية المتزمتة الصديقة لمعاداة اليهود. فقد تنبأ هيرتزل بالصداقة مع اللاسامية، نظرا لكونها حليفا للصهيونية تمنع الاندماج في المجتمعات غير فلسطين. كرر بن غوريون خشيته من هزيمة النازية وانتصار الجبهة الديمقراطية؛ إذ عول على الأنظمة الديكتاتورية تضطهد اليهود. وفي إحدى اللقاءات أثناء رحلاته الى الولايات المتحدة تحدث لزعماء صهاينة عن فضل هتلر "أحيا القومية اليهودية "؛ بينما في الولايات المتحدة يحدث اندماج تدريجي لليهود، وتراجع في تأييد الصهيونية. معروف انه أرسل مبعوثيه الى العراق يفجرون الكنس ويلهبون العداء لليهود. ورأى فايتسمان ان الديمقراطية تقيم المساواة بين اليهود والفلسطينيين وطالب بتفضيل اليهود على الفلسطينيين، وخلف الأبواب المغلقة وفي الاجتماعات السرية كان يلح على تنظيم هجرة واسعة للفلسطينيين الى الأقطار العربية. عموما لم تحل الليبرالية الأميركية دون التحالف والتعاون مع الفاشية والعنصريين أعداء اليهود بالخارج. لم يزعجها بتاتا تجاوز الميليشيات الصهيونية حدود التقسيم وإجهاض الدولة الفلسطينية بالمناطق التي خصصتها الأمم المتحدة بقرار التقسيم رقم 181. ولسوف نرى الولايات المتحدة تنتقد علنا إجراءات عدوانية إسرائيلية، لكن تستخدم نفوذها لتمكين إسرائيل من تثبيت ما أقدمت عليه، خاصة رفض قرار مجلس الأمن بإرجاع اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، وانتهاج خط الصدامات العسكرية مع دول المواجهة، الضفة الغربية وقطاع غزة وكذلك الأردن، سوريا، لبنان ومصر. مثلما تنتهك إسرائيل، في الوقت الحالي، اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان فقد انتهكت مرارا كل اتفاق هدنة أوقف حروبها المستدامة. أثناء حرب التطهير العرقي1947-1949 انتهكت كل هدنة طالب بها مجلس الأمن واحتلت قرى في تلك الأثناء. فضلت إسرائيل الانتقام لما تزعمه جرائم متسللين فلسطينيين لقطف ثمار كرومهم وبساتينهم او حمل نقودهم المخبأة وأهراء حبوبهم المطمورة، وبمسوغ تقفي الأثر وصل حدود هذا البلد العربي او ذاك تنظم عملية عسكرية همجية، منها نسف البيوت في قرية قبية الحدودية على رؤوس النيام. أحيانا كان الجنود يرغمون المواطنين المرعوبين على العبور داخل بيوتهم وتهدمها على رؤوسهم. تتالت السنين وإسرائيل ترتكب الجرائم الفظيعة ضد المواطنين في دول الجوار. وكانت الولايات المتحدة تدافع عن إسرائيل وتستسيغ مبرراتها. في ذات الوقت رفض بن غوريون الدخول في تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة خشية ان تقيد الاتفاقية مع الولايات المتحدة مراميه في استئناف التوسع بالأراضي الفلسطينية او لبنان في الجنوب حتى الليطاني وسوريا هضبة الجولان والشريط الجنوبي الموصل حتى الفرات. نظمت إسرائيل غزوات دموية ضد الأقطار المحيطة وسلامة سكانها بدعم الولايات المتحدة الأميركية. شاركت إسرائيل بريطانيا وفرنسا في العدوان على مصر واحتلت القوات الإسرائيلية كامل صحراء سيناء، وأعلن بن غوريون ضمها لإسرائيل؛ فشل العدوان العسكري بفضل المقاومة المصرية شعبا وحكومة وبفضل الإنذار السوفييتي. حينئذ أصدر الرئيس الأميركي، جنرال أيزنهاور، امره لبن غوريون بسحب قواته من مصر وانصاع للأمر. كانت المرة الوحيدة التي عارضت الولايات المتحدة مغامرات إسرائيل العدوانية، وكرر الزعماء العرب مرات، عبثا، الطلب من الولايات المتحدة ردع إسرائيل، ولن تتكرر بيضة الديك وتعرقل الولايات المتحدة مساعي إسرائيل التوسعية وحروبها العدوانية. لكن إسرائيل واصلت التحرش بمصر وشنت أكثر من غارة على غزة اثناء قيادة عبد الناصر؛ ركزت إسرائيل إعلامها وعنف هجماتها العسكرية ضد قطاع غزة الملحق إداريا بصورة مؤقتة لمصر سعيا وراء إحراج النظام المصري وزعزعة الثقة به. استمرت البروباغاندا الصهيونية تهاجم النظام الناصري الى ان شنت عدوان حزيران 1967 بدعم من إدارة جونسون الأميركية وتنسيق معها. اشتركت إدارة جونسون مع حكومة إسرائيل في تنظيم عدوان حزيران. كانت قد أعدت عام 1963خطة العدوان وما يلحقها من إجراءات لحصار الشعب الفلسطيني داخل سجن كبير، كما كتب إيلان بابه في مؤلفه "أكبر سجن بالعالم". الدلائل عديدة على التنسيق المشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لإنجاح عدوان حزيران أولا وضع حد لنفوذ عبد الناصر المناهض للامبريالية الأميركية؛ وثانيا وضع المنطقة تحت النفوذ الأميركي – الإسرائيلي. يوحي بهذا الهدف التسمية التوراتية التي تهواها إسرائيل حرب "الأيام الستة" -خلق الله العالم في ستة أيام "ثم استوى على العرش". وأثناء حرب الغفران 1973 نظمت الولايات المتحدة جسرا جويا نقل الأسلحة والذخائر والنفط الى إسرائيل. وقدمت لإسرائيل أيضا صورا التقطها قمر صناعي أميركي عن ثغرة بين الجيشين المصريين في سيناء عبرها شارون الى قناة السويس وانتقل الى ضفتها الغربية. وهذا وفر للمفاوض الإسرائيلي قوة ضغط مكنته من الانفراد بالفلسطينيين والتصميم على رفض أدني مطلب لهم في دولة ذات سيادة. رفض بيغن في مفاوضات كامب ديفيد بإصرار التنازل للفلسطينيين يقدمه للسادات حفظا لماء الوجه، مكسبا مع اتفاق كامب ديفيد. ساعد الرئيس كارتر بإقناع السادات قبول عرض بيغن بشأن سيناء على ان يعوضه لاحقا وفي دورته الثانية رئيسا للولايات المتحدة. لم يحفظ الصهاينة الجميل لكارتر فأثاروا ضده زوبعة سياسية حين اعترض على مشروع بيغن للتوسع الاستيطاني بالضفة ووقفوا في الحملة ا لانتخابية ضده مؤيدين للمرشح ريغان. كررت الولايات المتحدة دعم إسرائيل في غزو لبنان عام 1982، ووقف "الوسيط " الأميركي، فيليب حبيب، بحزم بجانب إسرائيل في إصرارها على رحيل جميع وحدات المقاومة بدون شروط، بعيدا عن لبنان والحدود الإسرائيلية. ونكثت اميركا الوعود بحماية مخيمات الفلسطينيين في لبنان، فحدثت مجرة صبرا وشاتيلا. وكان شارون قد وضع خطة بالاتفاق مع بشير الجميل لتنظيم مجازر في مخيمات الفلسطينيين بلبنان باختلاق وترويج أكذوبة إبقاء عرفات عناصر المقاومة بالمخيمات. لكن اغتيال بشير الجميل أوقف المؤامرة الإسرائيلية. على غرار الرئيس ترومان مضى مرشحون لانتخابات الرئاسة يقايضون الأصوات الوازنة بتأييد الدولة الصهيونية في إجراءاتها : حفظ عن الرئيس الأميركي جون كندي قوله في ديسمبر 1961، وكان قد اغتيل قبل إكمال فترته الرئاسية “أعرف أنني انتخبت بسبب أصوات اليهود الأمريكيين. أنا مدين لهم بانتخابي. أخبروني، هل هناك شيء يمكنني القيام به للشعب اليهودي؟" وعن الرئيس بيل كلينتون، مايو 1995، “… قبل أن يتم انتخابي لمنصب الرئاسة، تعهدت بأن أكون مؤيدًا لا يتزعزع لإسرائيل. لقد حافظت على هذا الالتزام”. اما باراك حسين أوباما، وفضل العرب إطراءه بكنية "أبو حسين" فمن أقواله بعد انتخابه عام 2008 "...سأحمل إلى البيت الأبيض التزاماً لا يتزعزع بأمن إسرائيل". في تسعينات القرن الماضي، وإثر الانهيار السوفييتي، أعلنت الامبريالية الأميركية أطماعها لفرض سيطرتها الكونية لمدة قرن؛ بهذا الصدد أصدرت مجموعة من المحافظين الجدد بيان القرن الأميركي وضعه ديك تشيني وبول فولوويتز. وفي العام 1996 اعدت مجموعة من المحافظين الجدد برئاسة ريتشارد بيرل دراسة تتعلق بدور الشرق الأوسط في مشروع القرن الأميركي بعثته لبنيامين نتنياهو. بموجب مضمون الدراسة أعلن نتنياهو في حملته الانتخابية الجارية حينئذ عدم الانسحاب من الضفة الغربية، وبدأ حملة نشطة للتوسع الاستيطاني بالضفة. كان ذلك إيذانا بارتفاع قيمة ودور الاستيطان في استراتيجية الامبربالية في الشرق الأوسط وتعاظم قيمة إسرائيل في المنظومة الامبريالية العولمية. تجلت القوة الإمبريالية للولايات المتحدة يوم غزت العراق بتحريض من نتنياهو والحركة لصهيونية في مارس/آذار 2003؛ فسرت كوندوليزا رايس، مستشارة الرئيس جورج دبليو بوش للأمن القومي، أهداف الغزو في مقال افتتاحي بصحيفة واشنطن بوست (أغسطس/آب2003) إذ كتبت: "اليوم، يتوجب على أمريكا وأصدقائنا وحلفائنا الالتزام بإجراء تحول طويل الأمد في الشرق الأوسط". عادت رايز من جديد تتحدث عن شرق أوسط جديد عام 2006 لدى عدوان إسرائيل الفاشل على لبنان. أطلقت صفة "آلام ولادة شرق أوسط جديد" على الصدام العسكري الناجم عن العدوان، فشل العدوان وتأخر تشكيل النظام الجديد بالشرق الأوسط كي يثيره نتنياهو في حرب الإبادة الجماعية الجارية منذ 8اكتوبر 2023. ضمن هذا السياق دخلت إبادة الشعب الفلسطيني او ترحيله حيز التنفيذ. فما يجري في قطاع غزة أكثر من مجازر وأوسع من مجرد تصفية فسيولوجية لعشرات ألاف الفلسطينيين، حيث أنزلت خلال عام بقدر ما انزلته حروب الماضي من كوارث. الدولة الصهيونية تقدم الخدمة لمنظومة الامبريالية إذ تظهر لشعوب العالم ولشعوبها أيضا الكلفة الفلكية لمحاولة الانفكاك من السيطرة الامبريالية؛ والعدوان المستمر حرب بالوكالة تستهدف إخضاع المنطقة بأسرها للهيمنة الامبريالية – الصهيونية. ان تقديم المليارات لإسرائيل كي تواصل حربها للهمجية في غزة لدرجة استعمال حق الفيتو بوجه وقف الحرب تفتح رؤية جديدة لوظيفة إسرائيل في مخططات المنظومة الامبريالية.. كان مستبعدا اقتلاع شعب في هذا العصر حيث تشابك وتقاطع العاقات الدولية وتحت أضواء شبكات الاتصال ومراقبة قوانين حقوق الإنسان والشرعية الدولية. منذ أكثر من نصف قرن والليبرالية الجديدة تشيع القسوة والفظاعة في العلاقات الاجتماعية وبين الدول، تسخر من أفكار التضامن والتعاطف، تروج لمبدأ صراع البقاء وبقاء الأصلح، تعتبر إسقاطات الرأسمال الاحتكاري في الحياة الاجتماعية والعولمية معيار العدالة وبذلك فضحايا النشاط الرأسمالي فاشلون لا يستحقون البقاء، ناهيك عن التعاطف والاستفادة من الضمان الاجتماعي. قبل عقود خرج علينا خدم الرأسمال بان ثلث البشرية يديرون فعاليات الرأسمال والباقون فضلات بشرية. وقيل حينئذ ان سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني ليست سوى تجربة تديرها إسرائيل والاتحاد الأوروبي لتصفية “فضلات بشرية" لم يعد لها حق الوجود، أو إبادته كي تحول فلسطين بكاملها دولة صهيونية وقاعدة انطلاق لتشكيل قلعة امبريالية بالمنطقة. تسيدت قيم الليبرالية الجديدة وثقافتها ميادين الحياة؛ فبتنا نشاهد الصمت بينما المنابر الإعلامية تقدم وجبات يومية من ضحايا جرائم الحرب. الصهيونية منذ بدايات نشاطها بالمنطقة فرضت إجراءاتها قدرا لا يرد وإرادة عليا؛ فوضعت بذلك حركة التحرر العربية امام تحد كبير.
.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف أدمن الصهاينة انتهاك الشرعية-6
-
الكابوس .. دولة منفلتة العقال
-
كيف ادمن الصهاينة انتهاك الشرعية-3
-
كيف أدمنت الصهيونية انتهاك الشرعية الدولية-2
-
كيف أدمنت الصهيونية انتهاك الشرعية الدولية-2
-
كيف أدمنت الصهيونية انتهاك الشرعية الدولية
-
ديبلوماسية المشترك الإبراهامي-2
-
-الإبراهيمية- وحواشيها : المنطلقات والأهداف(1من2)
-
إسرائيل بلا أقنعة
-
أربعينية رحيل المناضل الوطني ، الشيوعي نعيم الأشهب
-
سياسة أميركا الخارجيية رعت الفاشية بالداخل
-
المشهد الأشد بشاعة وقذارة في سياسة الولايات المتحدة
-
إسرائيل أعظم استثمارات أميركا بالشرق الأوسط
-
جدار جابوتينسكي في غزة
-
تراث باولو فريري: من من يسيطر على التعليم يمتلك القدرة على ت
...
-
تراث باولو فريري: من يسيطر على التعليم يمتلك القدرة على تشكي
...
-
الحقائق خلف حرب الإبادة في غزة ولبنان وما يضمره الكيد الصهيو
...
-
إيديولوجيا الصهيونية تدمير وإبادة جماعية تقنّعها بالدفاع عن
...
-
مشروع الشرق الأوسط الجديد ينهض من بيات ه الشتوي
-
نتفنيد أكذيب الصهيونية واختلاقاتها
المزيد.....
-
إعلان حزب البعث وتعهد الجولاني وفيديو يربط الأسد بالمخدرات..
...
-
كاميرا CNN تتجول داخل قصر بشار الأسد.. شاهد ما رصدته وما قال
...
-
إسرائيل وسوريا ما بعد الأسد: تحركات مؤقتة أم خلق وضع جديد؟
-
المكسيكيون يودعون نائبهم بينيتو أغواس أتلاهوا بعد مقتله في ه
...
-
ملابسات اغتيال بمسدس صدئ!
-
هل يكفّر زوكربيرغ عن ذنبه بحق ترامب؟
-
قدري جميل: الحوار بين السوريين يجب أن يخلو من أي تأثير خارجي
...
-
إعلام فلسطيني: 15 قتيلا على الأقل بقصف إسرائيلي استهدف منزلا
...
-
مجلة -تايم- تختار ترامب -شخصية العام-
-
السجائر الإلكترونية تثير القلق مجددا.. مراهق كاد يفقد حياته
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|