|
الغواية الثقافية بالأموال الحكومية
حسين رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 8184 - 2024 / 12 / 7 - 10:01
المحور:
الادب والفن
1 تأخر المشهد الثقافي العراقي في امتصاص لحظة التغيير النيساني 2003 وسقوط النظام الدكتاتوري الحاكم، ولم يشرع في وضع اسس لمشهد ثقافي جديد، يعمل وفق رؤى وبرامج ثقافية تعزز دور الادباء والفنانين وتفكك مركزية الدولة في التحكم وقيادة المشهد الثقافي، في الشهور الاولى كانت هناك محاولات خجولة سرعان ما تحولت الى صراع حول ادارة اتحاد الادباء ونقابة الفنانين، لتنتج الانتخابات الاولى هيئة ادارية باغلبية يسارية سعت الى ابعاد التاثير السياسي السلطوي عن عمل وادارة الاتحاد، لكنها دفعت ثمن ذلك بشحة الدعم المالي للفعاليات الثقافية الذي كان يراد تقديمها وفق شروط سياسية سلطوية، ما ادخل الاتحاد حينها الى فتح جبهة صراع مع القوى السياسية الحاكمة والمتحكمة في ادارة شؤون البلاد .. مع ذاك وغيره من مضايقات حكومية وحزبية ، عملت ادارة الاتحاد منذ العام 2004 وحتى 2016 بالممكن والمتوفر من اموال نسبة كبيرة منها كان من استثمار النادي الاجتماعي، والبقية دعم من جهات وشخصيات ثقافية، كما في مهرجان الجواهري التاسع الذي عقد بجمع تبرعات مالية بعد تخلي الجهات الثقافية المعنية عن دعمه، ( اذكر من بين المتبرعين كان الشاعر الفقيد مظفر النواب ) ، ومع شحة الاموال ، لكن المهرجان مثل صورة ناصعة للعمل الثقافي الحقيقي، كما كانت قنوات التواصل مع الادباء العراقيين في المنفى قائمة وتمت دعوة اسماء عديدة للمشاركة في الفعاليات والمهرجانات ، فضلا عن الاحتفاء وتكريم من يزور البلاد، وكل هذا دون اي دعم او رعاية حكومية، وكان ثمة حرص من ادباء المنفى وادارة الاتحاد في تلك المرحلة الابتعاد عن المال السياسي الحكومي كي تجنب الاتحاد اي مساءلة ثقافية مستقبلا .. مؤسسة المدى للثقافة والفنون والاعلام وعلى مدى سنوات عدة استضافت جمعا كبيرا من المثقفين والادباء والفنانين العراقيين في فعاليات ايام المدى الثقافية، ومعرض المدى للكتاب، فضلا عن الملاحق الثقافية التي كانت تخصص للاحتفاء بتجارب ثقافية وفنية وادبية عراقية مرموقة، ودون ان تعد المثقفين بالاقامة بقصور وفناق فخمة، ودون اي مغريات او إغواءت، هذا فضلا عن طباعة نتاجاتهم الثقافية والفكرية والاديبة وتقديمهم في كل المحافل الثقافية المحلية والعربية .. 2 حاول النظام السابق عبر مؤسسته الثقافية المتمثلة حينها بوزارة الثقافة والاعلام، واتحاد الادباء والكتاب في العراق، وما يسمى مكتب الثقافة القومية، إغواء عدد من المثقفين والادباء والفنانين العراقيين ممن هاجروا وهربوا حين استشعروا الخطر الذي سيداهم البلاد، خاصة بعد ملاحقة واعتقال وسجن وتعذيب عدد من اصدقائهم وزملائهم من الادباء والكتاب، ورغم كل ما قدمه النظام من اغواءت واغراءات كان ثمة رفض تام للعودة الى البلاد او حتى التفكير بزيارة قصيرة، مثلما اراد ذلك في التسعينات من القرن الماضي حيث عرض على عدد كبير من الادباء الذين يعيشون في المنفى المشاركة في المهرجانات والنشاطات الثقافية لكن حتى تلك الدعوة قوبلت بموقف صارم وموحد، اذ كان هناك تواصل بين ادباء المنفى وعدد من الادباء ممن لم تسنح لهم فرصة الهروب وفضلوا الانزواء والعيش بكفاف وعوز خاصة في حصار التسعينات الاقتصادي، هذا التواصل كان يوضح ما يحدث في التدخل الثقافي وكيف توزع الهبات والمكافآت والامتيازات على المقربين من النظام، وحاشيته و ازلام الثقافة الزيتونية الذي كانوا يتباهون بما يكتبون من مديح وتمجيد لراس النظام وحزبه، ويعدون الايام بانتظار مناسبة بعثية لكسب مكافأة المليون دينار، بل ان بعضهم كانوا يتسابقون على النشر في ايام المناسبات. كان موقف مثقفي وادباء المنفى العراقي مشرفا، ووجه صفعة للنظام وأزلام ثقافته، الذين سرعان ما شنوا حملات التسقيط واشاعوا ما اسموه "ادباء الداخل والخارج" وهي محاولة لتمزيق الموقف الثقافي ضد النظام السابق ومحاولة لاعادة نمط ثقافة البعث لكن تحت غطاء جديد، كل تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع وكان لادارة اتحاد الادباء (2004- 2016) الموقف الصارم من محاولات عودة مداحي الطاغية، الى الواجهة الثقافية، كذلك المساهمة في تقديم كل ما يمكن من مساعدة لادباء المنفى ممن ياتون بزيارات لذويهم، وموقف اتحاد الادباء من سياسية النظام الجديد والمحاصصة والفساد والارهاب، والطائفية والمحسوبية ومحاولات تهميش دور المثقفين والادباء العراقيين، حيث كانت الفترة من العام 2028 وحتى 2016 مشحونة جدا بين الاتحاد والسلطة السياسية ووزارة الثقافة .. 3 مهرجان الجواهري 15 دورة الشاعر حسب الشيخ جعفر بغداد 23 – 26 تشرين الاولى 2024 والذي احتفى بالشاعر المصري عبد المعطي حجازي، والشاعر المغربي محمد بنيس، مع طبع مختارات شعرية من قبل دائرة الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة والسياحة والاثار العراقية، هذا المهرجان ومع مبلغ تكاليفه العالية، اثار جملة من الانتقادات والاعترضات من قبل الادباء العراقيين، جاءت، بسبب الدعوات، التظيم، القراءات الشعرية، المحسوبية والعلاقات الشخصية، وعد آخرون المهرجان الذي عقد برعاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إسوة ببقية المهرجانات التي شهدته وتشهد مدن البلاد، عملية ترويج انتخابي مبكر، لكسب اصوات الادباء حيث من المؤمل ان تعقد الانتخابات المقبلة في ايار او حزيران 2025 . الشاعر عبد الزهرة زكي كتب في منشور عبر صفحته في موقع الفيسبوك متسائلا عن سبب الاحتفاء بحجازي وبنيس واغفال الاحتفاء باسماء شعرية عراقية مثل "فاضل العزاوي، عبد الرحم طهمازي، صادق الصائغ، جليل حيدر، ياسين طه حافظ، صلاح فائق، من شعراء الستينيات. من عشرات التعليقات على منشور عبد الزهرة علق د. حمزة عليوي مدير تحرير مجلة الاقلام التي تصدر عن دار الشؤون الثقافية حيث كتب (فقد سعيت بشكل شخصي لإثارة السؤال الكبير: لماذا لا يُدعى فاضل العزاوي لبغداد في أي من المهرجانات الثقافية "وللأمانة هو سؤال وجهه الشاعر حسين علي يونس"؟ وكان السؤال موجها للمستشار الثقافي والمدير العام لدار الشؤون الثقافية الصديق د. عارف الساعدي، وقد رد متفضلا برسالة أحتفظ بنسخة منها، وهي مرسلة عبر تطبيق الواتساب. قال: لقد دعوت الشاعر فاضل العزاوي عشرات المرات. وكان الرفض هو الجواب. وختم الكلام بالقول: الدعوة مفتوحة للعزاوي وغيره، وسيقيمون في أفخم فنادق بغداد وأفضل بيوت الدولة العراقية. وذكر بالنص مهرجان الجواهري القادم، وكان الكلام في مطلع أيلول ربما قبله). هذا التعليق يثير اكثر من علامة استفهام وتعجب، وينبه الى عملية اغواء واغراء جديدة تمارس مع المثقفين والادباء الرافضين للسلطة والنظام السياسي القائم على المحاصصة والمحسوبية، كما يبين تحول المسؤول الثقافي الى داعية ومروج للسلطة التي ازعم انها لاتعرف من فاضل العزاوي ولا تعرف زملاءه من ادباء المنفى، وليس السلطة فحسب بل النظام الحاكم بشكل عام، الذي وضع الثقافة في اخر اهتماماته حتى ان وزارة الثقافة كانت مجرد وزارة ترضية لهذه الكتلة وتلك، لكن بعد تفغيل دور هيئة السياحة والاثار في الوزارة باتت لها اهمية عن الكتلة التي تبحث عن رئاسة هيئة السياحة والاثار، لما فيها من واردات مالية عالية جدا. ما تزال اساليب المؤسسة الثقافية في زمن النظام السابق تنشط بشكل خفي لكنها تتوسع في المؤسسة الحكومية واتحاد الادباء والمؤسسة الاكاديمية في اهمال دراسة ادباء المنفى العراقي، وهذا ليس بالصادفة بل بموقف مسبق .
#حسين_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توثيق جرائم البعث
-
الموازنة والتوازن في الإنفاق والاستثمار
-
ثورة ١٤ تموز.. العدالة والإنصاف
-
الترشيد والاستهلاك
-
الإذاعة بين التهريج والتسطيح
-
السلوك الاجتماعي
-
الخوف من حقبة الأسئلة
-
إثراء طبقي وإفقار مجتمعي
-
رموز ومرجعيات ثقافيَّة
-
التربية والعمل
-
التغير المناخي يدق جرس الإنذار .. هل سيغير الحال والأحوال؟
-
قوانين متحالفة
-
حكومة الخدمة
-
محنة البلاد والاستثمار!
-
احترام المواطن .. احترام الدولة
-
النقد المجتمعي
-
النشيد الوطني العراقي
-
الحكم غيابيا هل يكفي؟
-
نهضة بغداد !
-
خدمات وأرباح الشركات الأجنبية
المزيد.....
-
-الزمن الهش- للإيطالية دوناتيلا دي بيتريانتونيو تفوز بأرفع ا
...
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|