|
الحياة ولا شيء آخر1992:كيارومستاني الذي يبحث عن مصير ابطاله
بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 8183 - 2024 / 12 / 6 - 13:05
المحور:
الادب والفن
هو الفيلم الثاني في ثلاثية عباس كيارومستاني المسماة على اسم قرية صغيرة في ايران تدعى كوكر اين يقع منزل صديقي...1987 الحياة ولاشيء سواها...1992 عبر اشجار الزيتون...1994 هذه الثلاثية-مع بعض التحفظات-من الممكن اطلاق عليها سينما طريق
صبي في العاشرة من عمره مع والده على الطريق الى قرية كوكر في خضم الأزمة الكبرى في ايران،الزلزال المدمر الذي ضرب ايران في 21 يونيو عام 1990 وادى الى مقتل خمسين الف شخص. المخرج-وسنعرف هذا لا حقا-يفتتح المذياع: التأثير الغربي في الملحنين لدينا بالكاد يستحق ان يعاد النظر اليه،وعلى العكس في شمال أفريقيا،موسيقى جنوب أوروبا وصلت الى توافق استثنائي. في بلادنا تم الحفاظ على النقاء الموسيقي،ليس فقط على نطاق التقاليد الشعبية،ولكن حتى على نطاق الألحان المعاصرة. تعليقنا،هو ان كيارومستاني مخرج متغربن وهذا كان واضحا جدا في حقبته الأخيرة،على أننا قلنا ذلك ذات مرة. من الكادر...من الشيء المألوف،نأخذ صورة مطبوعة عن الحقيقة لقد تهدمت مدن بأكملها،حتى المستشفى أصبح كومة من الحطام...أنه كالعقاب لا أعلم،ماذا فعلت مدينتنا حتى تستحق هذه الكارثة.... المقياس نظري انساني بحت،قبل ان يكون فلسفي،انها فلسفة الشعب البسيط الطيب الذي يقيس كل شيء –كل شيء حتى ابسط ما يحدث معه-ضمن نظرية الجريمة والعقاب. المخرج يبحث عن الصبي الذي كان بطل فيلم (اين منزل صديقي)،ومن الواضح أن الفيلم حقق حضورا في ايران،ومن الممكن القول ان هذه هي الحبكة الوحيدة للفيلم... وكأن هذا المخرج هو كيارومستاني نفسه الذي يبحث ايضا عن المصير الحقيقي لهذا الولد،لبطل فيلم ساطع من افلامه،وهنا ترتدي هذه الحبكة السردية لباس الطبعة الوثائقية...نحن نبحث عن ولد كان ذات مرة يبحث بحثا عميقا مريرا عن منزل صديقه حتى يجعله يتفادى عقاب الاستاذ...في حبكة سينمائية...نبحث عن الحقيقة في حبكة سينمائية ليست خالصة هذه المرة. الطرق مدمرة مغلقة،فأين الطريق الى كوكر...يبدو ان كل الطرق تؤدي الى كوكر،وفي نفس الوقت من المستحيل الوصول اليها في زمن البلية. يلتقي بأحد الناجين من الزلزال يحمل قطعة الراحة-المقصود قطعة قضاء الحاجة في بيت الراحة-...هذا كل ما تبقى لديه هل هذه اشارة تهكمية عن الخروج بأقل الخسائر...؟! من الجميل جدا متابعة الحوار وكتابته بين هذا الرجل-الذي مثل ايضا في فيلم اين منزل صديقي-ومخرجنا: ماذا تعرف عن احمد بور...؟! من هو أحمد بور المخرج:هيا يا رجل...لقد عملو معك في الفيلم... لا اعلم شيئا عنهم،لأنهم ليسو من مدينتي،انهم من كوكر اعلم ذلك،لابد من وجود طريق يوصلنا الى هناك... المخرج:سامحني على السؤال،لكن مع وجود القليل من الماء،لماذا اشتريت هذا الشيء...اين ستضعه؟! ربما يبدو عجيبا بالنسبة لك،لكن بالنسبة لي فأنه شيء لايمكنني الاستغناء عنه،لقد تعودت عليه. ويتابع:ماذا بامكاني ان افعل...؟! الذين ماتوا انتهى امرهم،والذين بقوا على قيد الحياة فالبعض منهم لازالوا بحاجة هذه القطعة الثمينة من البورسلان... مبروك عليك سيد روحي انها الملهاة الانسانية الضرورية....انه الكيتش المغلف بالضرورة الحاجة:الشيء الذي لايمكن له ان يختفي حتى بالكيتش...انه مترابط مع الظروف ومع الاستمرارية ماحدث،هو ان هذه الكارثة مثل الذئب الجائع الذي يهاجم فجأة ويرحل،يلتهم الناس المار عليهم ويترك من لم يمر عليهم سالمين....لا هذا ليس فعل الله يسأله بويا(الصبي):لماذا كنت اكبر سنا في الفيلم،بالاضافة الى انك كنت احدبا...؟! نعم،يبدو أن ذلك يحيرك،تلك الحدبة وضعوها علي في الفيلم،أخبروني بأني يجب ان ابدو اكبر سنا وفعلت ما امروني به،لكنها لم تعجبني،لقد اثقلتني،لم يكن ذلك عادلا. لا اعلم،أي فن هذا الذي يقول ان الناس يجب ان يبدو اكبر سنا واقبح...الفن يعني السعادة،الأشياء الجميلة التي تلمس المشاعر...الفن يجب ان يجدد الناس لا ان يجعلهم شيوخا وعجزة.... حسنا،ان تستمر في الحياة هو ايضا نوع من الفن...اعتققد بأنه اسمى انواع الفنون،ألا تعتقد ذلك...؟! في الحقيقية-والتعقيب للناقد-الاستمرار في الحياة على هذه الشاكلة وفي خضم هذه الظروف هو من الممكن ان نعرفه كما نعرف مصطلح السياسة:انه فن الممكن يرد المخرج:تستمر حيا وأكثر شبابا من ذي قبل،لا يقدر اغلب الناس قيمة فترة الشباب..؟ الشيخ:لكن ليس عندما يشيخون،لايعلمون كيف يستمتعون بها...ولايقدرون ايضا قيمة الحياة حتى يواجهون الموت اوافقك الرأي إذا،اعطينا الفرصة لنعيش حياتنا بالكامل بعد الموت...سنعرف كيف نستغلها بشكل أقضل الحوار أعلاه من الممكن النظر اليه من زوايا عديدة،زاوية الفلسفة الشعبية المأثورة،وزاوية ان الحياة بكل صورها-مهما كانت-هي حتمية،حتمية تماما وحتى اصعب الخيارات الوجودية لايمكن ان تلغيها،بل هذه الخيارات هي صفة دائمة لها ولاستمرارايتها. ان الحياة مستمرة بالرغم من كل شيء،بالرغم من نظرتنا التشاؤمية او التفاؤلية وهي ايضا ستنتهي في يوم من الأيام. ان الشيخ ينطق بالحكمة الوجودية الأقل من بسيطة...تلك الحكمة التي سخر لها انتونيوني اعظم افلامه واعمقها فلسفيا. انه فيلم كبير،وكانه يروي الأنسان،كل الانسان،ولكنه ايضا يكتفي بالاكتفاء ذاته وبأشياء وثائقية أقل من التلميح... انه يقول:أن كل شيء في خضم الموت من الممكن ان يولد من جديد...انه الشيء المشتعل في الحياة...انه صفة الحياة ذاتها أو ما قلنا عنه قسرية الحياة. انه يقول الفلسفة حتى لو كان لايبدو ذلك... في احد المنازل التي يدخلها المخرج صورة كبيرة لشيخ متكئا على طاولة،سارحا أكثر منه متأملا...على الطاولة تتناثر الأشياء العادية ذات العلاقة بالطعام والشراب وهي مشقوقة مع الجدار في المنتصف،وهناك ايضا كأس شاي بارز....ما السر ان تكون هذه الصورة احد ملصقات الفيلم. في حوار عرضي بين الطفل واحداهن: ...لكن البنت الكبرى بقيت في منزل ابي وماتت...هذا ما أراده الله الصبي:الله لايحب قتل عباده إذا لم يقتلهم هو...من قتلهم...؟! الزلزال فعل ذلك...مسكينة ابنتي كانت طالبة متفوقة الزلزال نثل الذئب الجائع الذي يقتل كل من يعترضه ولايفعل شيئا لمن حالفهم الحظ ولم يراهم انه الزلزال الذي قتلهما،من حسن حظ ابنتك انها ماتت،لقد تخلصت من واجبات المدرسة ومن ثم يروي الصبي قصة سيدنا ابراهيم ويتابع: ستسأليني،لماذا قتل الله ابنتك وهي في بداية حياتها...اعتقد ان الناس لو ماتوا ثم بعثوا من جديد سيقدرون الحياة اكثر،واعتقد ايضا ان جميع الناس الذين نجو سيقدرون الحياة بشكل اكبر...سيكونو احسن وسيتعلقون بك اكثر الكل مشغول بكأس العالم،كاس العالم يحدث كل اربع سنوات...والزلزال...الزلزال يحدث كل اربعين سنة نعم،تستمر الحياة،انها مشيئة الله الحوار اعلاه قد يكون نظرة عامة لحالة حياتية خاصة-الزلزال وتبعياته-ولكن لايسعنا ابدا ان ننظر اليه ببراءة خاصة غذا ما أخضعناه لرؤية مخرج على شاكلة عباس كيارومستاني الذي اخرج متأخرا نسخة مصدقة... الحوار اعلاه بالنسبة لمثقف لابد ان ينطوي على الشك الشك فقط ليس الا...ككلمة مجردة لايغفل كيارومستاني عن امتاعنا بالمشاهد الطبيعية التي تشي ايضا بقدرة المخرج-شخصية الفيلم-على التحدي هو وسيارته الرينو الصغيرة جدا...هذه السيارة لازالت قادرة على المسير ومساعدة الكثير من الناس ...قادرة على التغلب على منحدر قوي...قد تصاب احيانا بالملل ولكن هذا الملل لايمنعها من ان تقل لاحقا شخصا يحمل على ظهره سطوانة غاز.... انها الاكثر خصوصية....المساعدة هي القدرة على الاستمرارية في الحياة...التغلب على قسرية منتهية بالاساس..... 2/8/2024
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استعراض ترومان1998(من اخراج بيتر وايلدر وتمثيل جيم كاري): تل
...
-
1900(برناردو برتولوتشي)-1976: فيلم عن الصعود والسقوط الطبقي
-
الريح ستحملنا 1999(عباس كيارومستاني):ارتجال الحياة
-
تذاكر 2005(عباس كيارومستاني): فيلم عن التذكرة التي نحجزها في
...
-
القمر 1979(برناردو برتولوتشي): انه حب اوديبي ولكن ليس بالمعن
...
-
البجعة السوداء(دارين آرنوفسكي) 2010 : اوبرا تشايكوفسكي تحولت
...
-
حياتي في ذلك الزمن الذي قضيته مع انتونين ارتو 1993:مسرح القس
...
-
تجربة 1973(عباس كيارستمي):اللقطة هي الحياة
-
أليس 1990(وودي ألن):صراع
-
سبتمبر 1987(وودي ألن): .اليد الالهية واضحة جدا
-
وردة القاهرة الارجوانية 1985(وودي ألن):السينما مثل المخدر...
...
-
الدخان المقدس 1999(جين كامبيون):على نمط شذرات أميل سيوران ول
...
-
رومانسية الكهولة-تأصيل حلم
-
مأساة رجل سخيف 1981(برناردو برتولوتشي): في عالم الخواء لايمك
...
-
السماء اللواقية1990(برناردو برتولوتشي):محظية الشرق
-
داني روز مسارح برودواي 1984:هناك شيء مطمئن داخل وودي ألن هذه
...
-
أشياء مسكينة: البزوغ الأنثوي الأول لجيل قادم سيغلب منطق العا
...
-
ليالي منتصف الصيف 1982(كوميديا جنسية): بلزاك مبالغ جدا في تق
...
-
نرسيس وغولدمند 2020:غولدمند الذي ظل طوال حياته أسيرا لصورته
...
-
ذكريات غبار النجوم 1980(وودي ألن): المخرج الذي لازال يبحث عن
...
المزيد.....
-
-الزمن الهش- للإيطالية دوناتيلا دي بيتريانتونيو تفوز بأرفع ا
...
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|