|
اليمن بين العمل الإنساني والجَوْسَسَة
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8183 - 2024 / 12 / 6 - 11:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لاحظنا تكاثر المنظمات غير الحكومية في العراق بعد احتلاله، وتوظيف هذه المنظمات العديد من كوادر منظمات اليسار، وحدث نفس الشيء في أفغانستان وفي فلسطين، بعد الإنتفاضة، ثم بَعد مفاهمات أوسلو، وعمومًا رافقت المنظمات "غير الحكومية" الجُيُوش الغازية والكوارث والحُروب التي تُخلّف الدّمار والموت والنّزوح والجوع والمرض، وهي ظروف استثنائية تستغلها الإستخبارات والدّول الإمبريالية لاختراق المجتمعات وتفتيتها ومنع وحدتها ومقاومتها، أي تجريدها من حصانتها باستغلال أوقات حَرِجَة يُحاول الناس خلالها البقاء على فيد الحياة وتضميد الجراح، وتُحَول الإستخبارات "الغربية" هذه المآسي إلى فرصة ذهبية للإختراق في غياب أدوات الرقابة والمحاسبة...
اعتقلت سلطات اليمن، سنة 2021، مجموعة ( أكثر من عشرين ) من العاملين بالمنظمات "غير الحكومية" وبمؤسسات العمل "الخَيْري" و "الإنساني" والمنظمات التي تَدّعي نشر الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان، واتّهمتهم حكومة صنعاء بالعمل ضمن "خلية تجسس" لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمُوساد الصهيونية، وتكتّمت سلطات الولايات المتحدة واليمن عن الخبر، وبدأت سلسلة من المفاوضات السرية لإطلاق سراح المُعْتَقَلِين، ولمّا فشلت المفاوضات، بدأت الولايات المتحدة تُسرِّبُ روايتها إلى الصحافة الخليجية الناطقة بالعربية التي تتهم سلطات اليمن باضطهاد العاملين بالمجال الخَيْرِي والإنساني، مما دفع حكومة اليمن إلى الكشف علانية عن اكتشاف شبكة التجسس، وأعلنت حكومة صنعاء، خلال شهر حزيران/يونيو 2024، تفكيك خلية تجسس واسعة النّطاق تعمل لصالح وكالة المخابرات المركزية (الولايات المتحدة ) والموساد الصّهيوني، وتتغَطّى بزيّ المنظمات غير الحكومية، فيما وصفتهم الولايات المتحدة "بمسؤولين من الأمم المتحدة والوكالات الدبلوماسية والمنظمات غير الحكومية..." واعتبرتهم رهائن يجب إطلاق سراحهم بدون شروط، وذكرت الأخبار المُسَرّبة احتمال مبادلة العَشَرات من هؤلاء المُعتقَلين بآلاف السجناء والمعتقلين اليمنيين لدى السعودية والإمارات وحلفائهم في جنوب اليمن، بضغط من الولايات المتحدة...
تم تجنيد يمنيِّين من قِبَل معهد الدّيمقراطية ( NED ) الذي يقوم بجمع المعلومات وإعداد التحقيقات والدراسات لوكالات الاستخبارات الأمريكية والقسم السياسي والاقتصادي في السفارة الأمريكية في صنعاء وكذلك الإستخبارات الصهيونية وتمكنت هذه المنظمات من اختراق مجموعات من المثقفين والفئات الوُسْطى في المجتمع اليمني، منذ سنة 2009، بدون عِلْمٍ من العُمَلاء أحيانًا، وتمكنت المخابرات الأجنبية من استغلال بعض الإنقسامات داخل المجتمع اليمني، وبواسطة الضغط النّفسي والإبتزاز الجنسي، لجمع المعلومات الاستخبارية عن الدفاعات الجوية المحمولة والمركبات الجوية بدون طيار والصواريخ الباليستية، وتم استخدام هذه المعلومات لاحقًا للتنفيذ الغارات الجوية السعودية ضد أهداف عسكرية.
خضع بعض الجواسيس المُعْتَقَلِين لسلسلة من الاختبارات، منها اختبار كشف الكذب، وتلقى دورات بإشراف ضباط المخابرات الأمريكية، وتدريبات أخرى على التّخفِّي والتّسلّل إلى المنظمات الدولية مثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، وعمل بعض العُملاء في برامج إدارة التنمية في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وفي الشركات الخاصة الأمريكية والبريطانية، وخصوصًا شركات المقاولات العسكرية التي فتح بعضها فُرُوعًا في اليمن ودُويلات الخليج وتُشكل مكاتب هذه الشركات غطاءً لجَمْعِ المعلومات، وإعداد المسوحات الميدانية، والقيام بحملات إعلامية لتغيير اتجاهات الرأي العام بشأن بعض القضايا، مثل فلسطين، وتنفيذ دراسات بشأن وسائل الإعلام المحلية، وتنظيم دورات تدريب وحملات إعلامية بهدف تجنيد قادة إعلاميين للترويج للتطبيع مع الكيان الصّهيوني، تحت ستار "قبول الآخر المُختلف عنّا والتعايش السلمي"، واهتمّت إحدى المنظمات الأخرى التي تُساهم وزارة الحرب الأمريكية والوكالة الأمريكية للتعاون الدّولي في تمويلها، "بدراسة الطوائف اليمنية وفهم مرجعياتها واستغلالها للتطبيع وتأجيج الخلافات الطائفية”، واستخدمت المنظمات الأمريكية نفوذها لتعيين بعض العُملاء في مناصب العمل الإنساني والحقوقي مثل مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في صنعاء، واستغلال اتصال الموظفين بالعديد من المواطنين والمسؤولين اليمنيين واستغلال تنقل الموظفين بين المحافظات اليمنية، لِجَمْع المعلومات وتزويد الاستخبارات الأمريكية بمعلومات حول مطار صنعاء وحركة النقل ومعسكرات المقاومة وقواعد إطلاق الصواريخ والقوات البحرية التي استهدفتها الضربات الجوية السعودية لاحقًا، وفق التصريحات التي نشرت وسائل الإعلام اليمنية مقتطفات منها وعن علاقات هؤلاء الجواسيس بالمسيحيين الصهاينة البروتستانت الذين يدعمون الكيان الصهيوني، وعلاقاتهم بمنظمة "دار السلام" التي تتعاون مع منظمات صهيونية في الولايات المتحدة وأوروبا، بذريعة "تعزيز التعايش والتطبيع مع الكيان الصهيوني "، كما تم تدريب العُملاء المُتَمَرِّسين على تجنيد جواسيس بين المتدربين وعلى الرصد والتقييم وجمع المعلومات العسكرية وتحديد مواقع المنشآت العسكرية والتصنيعية، ومواقع تخزين البضائع والغذاء والوقود والخدمات الأساسية، وأكّد أكبر الجواسيس التّركيز على تجنيد الجواسيس تحت ستار برامج التبادل الثقافي وتحسين المهارات، والمنح الدراسية، مثل برنامج فولبرايت الذي يقدم منحًا دراسية لخريجي الجامعات المتفوقين لقضاء عام ونصف في التحضير لدرجة الماجستير في الولايات المتحدة، حيث يتم خلال هذه الفترة، مراقبة الطّلبة وتقييم الجواسيس المحتملين، ودراسة مهاراتهم، ليتم تجنيد الأفراد المختارين من خلال مؤسسة EducationUSA التي لها مقر في عَدَن، كما يلعب برنامج همفري للمنح الدراسية، المخصص "للموظفين المدنيين المتميزين" دورًا في اختيار الجواسيس، فضلا عن دَوْر برامج المتحدثين والزوار الدوليين بالولايات المتحدة والعديد من المبادرات الأخرى التي تُشرف عليها المؤسسات الأمريكية ولهذه المؤسسات صؤلَة وثيقة بالمخابرات الأمريكية التي نجحت في تجنيد العديد من الجواسيس المحليين من خلال هذه المبادرات، ومن خلال الفعاليات التي تُقَام في السفارات الأمريكية ( ويحضرها بعض زعماء اليسار في البلدان العربية) والنّدوات الثقافية والمَعارض، والمنح التعليمية للطلاب المتفوقين في معاهد مثل YALI ( وهي منظمة غير حكومية تدعمها الحكومة الأمريكية تُرَوّج للمثلية الجنسية في البلدان ذات الثقافة "المُحافِظَة باعتبار المثلية "حرية شخصية" يجب أن تكون عَلَنِيّة) و Oxide و AMIDEAST، ويُدير هذه المعاهد – التي تستهدف الشباب النّشطين والمؤثرين في محيطهم - ضُبّاط المخابرات أو المُتعاونون معهم
يتكفل أحد ضُبّاط المخابرات الأمريكية ( يتمتع عادةً بالحصانة الدّبلوماسية) بالحفاظ على التواصل المستمر مع المجندين الذين عينتهم سفارة الولايات المتحدة من المؤسسات العامة، وخاصة دائرة الجوازات ووزارة الداخلية وغيرها، بهدف سرقة قاعدة بيانات الوزارات التي تتضمن معلومات دقيقة عن كافة المواطنين، وتتم معالجة هذه البيانات في طابق مُخصّص لوكالة الإستخبارات ( سي آي إيه) داخل السفارة أو في مبنى تابع لها...
إن ما يحصل باليمن حصَلَ ويحصُل في جميع الدّول، بدرجات متفاوتة، فالولايات المتحدة – وتلميذها الكيان الصهيوني – تتجسّس على حلفائها في حلف شمال الأطلسي وأوروبا، حيث تم كشف العديد من الوقائع بهذا الشأن، لكن خطورة التّجسّس في البلدان المُحتلّة تتمثل في تعريض حياة الفُقراء والنّازحين والمُشَرّدين للخطر، إضافة إلى خطر القصف والتّدمير والجوع والمرض، وتستخدم الإستخبارات الأمريكية و"الغربية" هذه المآسي – التي تُسَبِّبُها جيوشها وعُملاؤها – لابتزاز المواطنين وسلطات بعض البلدان ومنظمات المقاومة بواسطة المنظمات "الخيرية" و "الإنسانية" والمنظمات غير الحكومية بشكل عام، وكان المؤتمر الوطني الإفريقي قد رفض – منذ سنة 1976 – بعد مجازر "سويتو" أن تعمل المنظمات غير الحكومية الأجنبية في جنوب إفريقيا، بدون إشراف المؤتمر الوطني الإفريقي الذي يُحَدّد الحاجيات ويُشرف على تنظيم وإنجاز وتقييم عمل المنظمات "غير الحكومية"...
وردت معظم المعلومات بموقع (mintpressnews ) بتاريخ الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمبر 2024
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عَسْكَرَة التكنولوجيا وتحويلها إلى سلاح اقتصادي أو حَرْبِي
-
سوريا ضمن مُخَطّط -إعادة تشكيل الشرق الأوسط-
-
الصحراء الغربية: فرنسا والمغرب ينتهكان -القانون الدولي-
-
مَجْزرة -ثياروي- - السنغال 01 كانون الأول 1944 – 2024
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد مائة، بتاريخ الثلاثين من تشرين
...
-
ضرورة مُقاومة مخططات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد التاسع والتّسعون، بتاريخ الثال
...
-
السنغال – ظروف وآفاق فَوْز حزب -باستيف- المُعارض
-
استغلال الكوارث من قِبَل المخابرات الأمريكية وشركاتها
-
الدّيمقراطية الأوروبية في الغِرْبال الفلسطيني
-
الإتحاد الأوروبي مدرسة فساد
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثّامِن والتّسعون، بتاريخ الس
...
-
إيطاليا – خلفيات قوانين الهجرة واللُّجُوء
-
صناديق الإستثمار المفترسة
-
مُناورات -فينكس إكسبرس 24- والعلاقات العسكرية التونسية - الأ
...
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّابع والتّسعون، بتاريخ التا
...
-
المال عَصَب الإنتخابات الأمريكية والحروب العدوانية
-
آفاق مسرحية الإنتخابات الأمريكية
-
الولايات المتحدة قُبَيْل الإنتخابات
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّادس والتّسعون، بتاريخ الثا
...
المزيد.....
-
عارضة الأزياء باميلا أندرسون بإطلالة يغيب عنها المكياج..ما ا
...
-
محلل لـCNN: الدبابات الإسرائيلية على بعد 30 كيلومتر من دمشق
...
-
احتجاجات طلابية تشل التعليم في صربيا
-
ترامب: هذا يوم عظيم لأمريكا
-
الصين تخطط لإطلاق قطار -أسرع من الطائرات-!
-
روسيا.. إصدار كتب حول الذكاء الاصطناعي لطلاب المدارس
-
حمية غذائية تساعد على تخفيف الألم المزمن
-
اغتيال حسن نصر الله أم سقوط بشار الأسد؟.. إيران تكشف أي الحد
...
-
تقارير غربية: حماس تبدي مرونة بشأن اتفاق وقف النار وتوافق عل
...
-
-منصة القاهرة- للمعارضة السورية تعلن موقفها من حكومة البشير
...
المزيد.....
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
المزيد.....
|