أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل صوما - أسرى الأساطير وضحايا الواقع















المزيد.....

أسرى الأساطير وضحايا الواقع


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 8183 - 2024 / 12 / 6 - 10:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اتفاق وقف إطلاق النار برعاية دولية بين إسرائيل وبقايا الدولة اللبنانية في نوفمبر 2024، بعد الخراب الذي حدث وربما سيحدث إذا جددت الميليشيا الإيرانية في لبنان قصفها لإسرائيل، يعيد إلى الذاكرة أهم منعطف في تاريخ صراع القوى التي تحكمّت في لبنان منذ اتفاق القاهرة سنة 1969، وزجت مواطنيه في حروب أهلية بين بعضهم بعضاً ولم تزل، ثم في صراع غير متكافئ مع إسرائيل. كان هذا المنعطف أثناء رئاسة أمين الجميّل.
تقرير في العمق
قبل التحدث عن منعطف "اتفاق أيار" سنة 1983، يجب الإشارة إلى شخصية الرئيس أمين الجميّل، للربط لاحقا بين مواصفاته وقراره والتبعات.
أمين الجميّل حسب تقرير الموساد، التي لديها تقاريرا مفصلّة دقيقة عن معظم رؤساء العالم المؤثرين وكل دول الجوار، ورد فيه عن الجميّل: "محدود ثقافياً وعاجز فكرياً عن إدراك وضع بكامله والتوصل إلى نتيجة عقلانية، كما أنه يضيّع حبل أفكاره بكل سهولة. وما يثير الشفقة والعطف أن الرئيس اللبناني يدرك ذلك تماماً".
التقرير واقعي محايد، لأن أمين الجميّل كان لا يملك أي رؤية مستقبلية. كان رئيساً لبنانياً أتت به ظروف اغتيال أخيه الرئيس بشير الجميّل، ولم يكن يرى لبنان أبعد من شراكة مارونية/سُنية (غير معروف لماذا استبعد الدروز رغم كونهم شركاء أصليين في بناء الوطن) في وسط دول تتحدث العربية، لذلك سقط خائفاً في فوضى مزايدات رفض السُنّة الناطقين بالعربية لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، ووضع لبنان على خط زلازل ما حدث بعد رفضه تصديق "اتفاقية 17 أيار" مع إسرائيل.
قال الجميّل بسطحية انه ليس أنور السادات ليوّقع على اتفاق مع إسرائيل، فتوالت الكوارث على لبنان بدءاً من حرب الجبل (بين ميليشيات الموارنة والدروز) وتهجير المسيحيين من معظم الجنوب اللبناني، وبدء انهيار الليرة، وصعود المّد الإيراني بإنشاء ميليشيا إيرانية في لبنان، وتعيين قائد جيش مشكوك في نواياه رئيساً للوزراء بعدما تعذّر انتخاب رئيس بعد انتهاء ولايته، فأقحم وريثه ميشال عون لبنان في حروب عبثية، ما أدى إلى زيادة تآكل الديموغرافيا السكانية المسيحية وانهيار ما تبقى في مؤسسات الدولة كافة.
أوراق اللعبة
لم يشفع للبنان ما قاله أبوه بيار الجميّل في مؤتمر الحوار الوطني بلوزان لإنهاء الحروب في لبنان: "أنا بيار الجميّل وأقولها: لبنان عربي"، فالدول العربية لا تستطيع سوى الكلام وصياغة الشعارات والمكائد فقط، كما لم يشفع له تجاهله (أمين الجميّل) لدول الثقافة الفرنكوفونية وعلى رأسها فرنسا، واتكاله على الولايات المتحدة. صحيح أن 99.99 بالمئة من أوراق اللعبة في الشرق الأوسط بيد أميركا، كما قال أنور السادات، لكنها في نهاية المطاف لا تستطيع اتخاذ القرار عن أي رئيس! تستطيع دعمه فقط.
أثبتت كل الأحداث والحروب التي حدثت أن "اتفاقية 17 أيار" سنة 1983 بين لبنان وإسرائيل، كانت أهم وثيقة سياسية ربحها أمين الجميّل بدون أي مبادرة أو مجهود ديبلوماسي منه شخصياً، لكنه رفضها بعدما أصابه الهلع من الخطوة التاريخية المصيرية، التي كانت ستنقذ لبنان من الورطة الإقليمية باتخاذ دول الجوار إسرائيل كعدو لأسباب دينية بحتة، ومحاربتها بالوكالة من على أراضيه، وأعلن بزئبقيته أن الاتفاقية "ليست معاهدة سلام وليست اتفاقاً سياسياً، إنما هي اتفاقية تقنية".
زئبقية أمين الجميّل عبّر عنها هو شخصياً عندما قال انه لم يوّقع على أي وثيقة محلية أو إقليمة أو دولية. ويبدو انه زج الوفد اللبناني المُفاوِض بحكم الواقع لأن جيش إسرائيل كان في لبنان، لكن نيته كانت مبيته على رفض أي نتيجة يخرج بها المفاوضون.
تقرير الموساد الواقعي المحايد يفسر سلوك الجميّل، فقد تجاهل تماماً، ربما بناء على توجسه من الجيش السوري الموجود في لبنان آنذاك أيضا(1)، اعلان تفهّم دول مجلس التعاون للبنان وظروفه، وموافقة الزعماء التقليديين السنّة والشيعة في لبنان سنة 1983 على الاتفاقية التي نالت شبه إجماع من الحكومة والبرلمان. هكذا أطاح الجميّل ولم يصدّق على أهم وثيقة بعد وثيقة استقلال لبنان، لتقع الدولة لاحقاً في براثن البعث السوري، وألعوبة حماسيات ومزايدات ومناورات جبهة الصمود والتصدي، وميدان خصومة صدّام حسين مع حزب البعث السوري، ومركز النفوذ الإيراني المتعاظم في المنطقة بشكل عام، وخصوصاً لبنان.
أنطوان فتّال
نصوص اتفاقية 17 أيار قاد مفاوضاتها لبنانياً السفير المثقف الموسوعي النزيه أنطوان فتّال (1918-1987) وورد فيها بنود لصالح لبنان تماماً مقارنة باتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر، والأردن وإسرائيل، وحتى مع السلطة الفلسطينية في "اتفاق القاهرة 1969"، الذي كان فعلاً بدء إعلان نهاية سلطة الدولة على أراضيها، فالاتفاقية التي وصل إليها المفاوض الصلب أنطوان فتّال لم تخدش السيادة اللبنانية حتى في أدق تفاصيلها السياسية والعسكرية والأمنية.
أطاح أمين الجميّل باتفاقية كانت ستعيد سيادة لبنان على أراضيه، منذ سنة 1969، وتحرره من وجود الأشقاء السوريين على أرضه رغماً عنه، لأنه (الجميّل) كان مجرد سياسي لبناني (حربوق) داهية يعرف كيف (يحرتق) يناور ويمشي في حقل ألغام صغائر وحصص أكلة الجبنة (هكذا يصف اللبنانيون سياسيهم وأعضاء برلمانهم وزعماء طوائفهم) ويحصل على ما يريد، ويوقع هذا بذاك.
لم يشأ أمين الجميّل الخروج من أسر تاريخ المنطقة الشبحي الأسطوري الواقع بين غزوة بني قينقاع وموقعة الجمل وخدعة صفين ومصيبة كربلاء، وشاء أن يكون أسير واقع نظام الدول الحديثة، فكان أسوأ من معظم رؤساء وملوك الدول الناطقة بالعربية، واستحق ما قاله له أريئيل شارون تهكما: "إذا لم توقع على هذا الاتفاق، لن يكون لك سلطة في المستقبل سوى على طباخي قصر بعبدا (2)"؛ قصر بعبدا هو القصر الرئاسي اللبناني. والمثير أن هذه النبوءة السياسية انطبقت على الجميّل ومن جاء بعده!
العار الحقيقي
أنصفت وقائع التاريخ اتفاقية 17 أيار مرات كثيرة، مقارنة بما حدث بدءاً من كارثة حرب الجبل بين ميلشيات الموارنة والدروز، مروراً بمعارك ميشال عون العبثية، ثم سيطرة سورية والميليشيا الإيرانية على لبنان تماماً، فمناوشات وحروب إسرائيل ضد الميليشيا الإيرانية في لبنان، وحروب الميليشيا الإلهية في الداخل اللبناني لدرجة سيطرتها على بيروت، حتى ترسيم الحدود البحرية 2022، ثم اتفاقية وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024.
وصف سماسرة سياسيين صِغار من أكلة الجبنة "اتفاقية 17 أيار" بأنها وُلدت ميتة، أو انها اتفاقية الذل والعار، وأطالت ظروف جيناتهم أعمارهم ليشاهدوا الميليشيا الإيرانية وهي تترنح ويُصفى قادة الصف الأول فيها بسبب اختراقها أمنياً بشكل مهين بمن فيهم الرأس المدبر الذي وصف إسرائيل بأنها أوهى من بيت العنكبوت، ما أدى إلى ضعضعتها عسكريا خلال أسابيع، لتخرج فلول الميليشيا بعد الكوارث التي أصابت لبنان ويقولون: ان المقاومة في مرحلة صمود، وأضاف نعيم قاسم كعقائدي يرّقع الهزائم ويفسر الذل والعار على هوى المرشد: "انتصرنا لأننا منعنا العدو من تدمير حزب الله، انتصرنا لأننا منعناه من إنهاء المقاومة أو إضعافها إلى درجة لا تستطيع معها أن تتحرك".
ليس مهماً من ماتوا أو الدمار الرهيب في العقارات والممتلكات وضياع أرزاق الناس أو المعاقين واليتامى والأرامل. الأهم أن يبقى الحزب لينفذ مشيئة الولي الفقيه، بين أناس يؤمنون بهذا الانتصار ويصفقون وينحنون احتراماً، ويعتبرون أن أمثال هؤلاء القادة بركة ونعمة من الله، لأن المهللين باعوا انتماءهم وكينونتهم وعقولهم لمن يقدم الوظيفة والمستشفى والخدمات والحماية وحتى المكيفات، في دولة مغيبة عن سابق تصور وتصميم. لا شيء مجانياً.
بعد كل الزلازل التي حطمت لبنان حكومةً وسيادةً وجيشاً وشعباً، يتضح أن اتفاقية أيار 1983 لو طُبقت لحفظت كرامة لبنان وسيادته واستقلاله، وأن عدم التصديق عليها من أمين الجميّل أوصل لبنان إلى ما هو عليه اليوم من ذل وعار، كونه أصبح لا سيادة له على أراضيه، ومن ثمة شهد معارك وحروب بالوكالة على ترابه، وصار عاصمة تجارة الكبتاغون وغسيل الأموال وتقنين الدعارة الشرعية تحت اسم زواج المتعة وتجارة السلاح وتأجير المرتزقة والتدخل في شؤون دول الجوار.
ويبقى الأمل في تطبيق اتفاقية وقف اطلاق النار 2024، لعودة الحياة إلى بلد وشعب يستحقها، والوصول إلى التوقيع على الاتفاق الإبراهيمي، لأن إسرائيل أمر واقع يستحيل تجاوزه.

(1)من ألغاز السياسات العربية وعدم معرفة الصدق من الدجل أو المناورة من الشعوذة فيها، وهل السياسيون العرب أعداء إسرائيل فعلا أم هذه كذبة إعلامية أطلقوها، ما قاله حرفياً وزير خارجية لبنان في تلك الفترة إيلي سالم لمجلة IM LEBANON:
"قلتُ لحافظ الأسد أنا وأنت وجورج حبش من نفس المدرسة فهل تُصدّق أنني أقوم بما هو غير معلن؟ أجابني: أنت الوحيد الذي كنت تخبرني كل ما يحصل في الإتفاق مع إسرائيل لكن أنا، يا دكتور إيلي، موقعي غير موقعك كذلك موقفي غير موقفك. ولو أنا مكانك لقمت ربما بما قمت أنت به.
بعد حديثنا هذا، قلت له: أنا سأوّقع الإتفاق لأن ما توصلنا إليه هو أفضل ما يمكننا القيام به للبنان وهو ليس إتفاق سلام وليس فيه فتح حدود. أنا مضطر إلى التوقيع في سبيل إخراج الإسرائيلي من لبنان.
قلت له: زلمك (رجالك) يدعون شارون على العشاء في لبنان. فقعته (ألقيت عليه) محاضرة طويلة عريضة. قلت له سأوقّع الإتفاق وأريدك أن توافق عليه. والله إقترب مني وقبلني ولم يفتح فمه بكلمة. والله العظيم هذا ما حصل. صحيح أنه لم يقل موافق لكنه تصرف وكأنه أراد أن يقول لي أقدرك شخصياً لكن مصلحتي غير مصلحتك".
(2) ورد ما قاله شارون لأمين الجميّل في كتاب إيلي سالم وزير خارجية لبنان "الخيارات الصعبة..ديبلوماسية الحل عن مخرج".
تعقيب كاتب المقال: طالما اتهم نظام حافظ الأسد الموارنة بالعمالة، لكن كما يبدو أن أركان الصمود والتصدي والتحدي مسموح لهم بالعشاء والدردشة الودية في لبنان مع شارون أو غيره من الإسرائيليين. وحتى اليوم يتهم منظرو المقاهي السياسية العربية ودراويش الصحوة والحوزات الدينية أي كاتب يدعو للسلام مع إسرائيل بأنه صهيوني عربي.



#عادل_صوما (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمراض الأمة إياها
- أميركا تستعيد وعيها وهيبتها
- صباح في ذاكرة ثقافة البحر المتوسط
- التكاذب منهجهم والغيبيات واقعهم
- الدنيا لا تقع ولن تنتهي
- أسئلة للمؤمنين والذميين الجدد
- سياسة أو دين أو شعوذة
- فشل الدين كمنظومة سياسية
- عواقب تعامي الحكومات الغربية
- اليوبيل الماسي لفيلم -غَزَل البنات-
- استهداف إلهام شاهين
- مات لبنان لتحيا ولاية الفقيه
- أقوى سياسي على الكوكب
- مبادئ مخفية في إنقلاب يوليو 1952
- الفرار من عدالة المؤمنين
- خدعة إرهابية وخدع بصرية
- فواجع الافراط في التسامح
- -حديث وتعليق- و-حقوق الحب-
- صكوك غفران سياسية
- إدارة الصراعات بالأدعية والغيبيات


المزيد.....




- عارضة الأزياء باميلا أندرسون بإطلالة يغيب عنها المكياج..ما ا ...
- محلل لـCNN: الدبابات الإسرائيلية على بعد 30 كيلومتر من دمشق ...
- احتجاجات طلابية تشل التعليم في صربيا
- ترامب: هذا يوم عظيم لأمريكا
- الصين تخطط لإطلاق قطار -أسرع من الطائرات-!
- روسيا.. إصدار كتب حول الذكاء الاصطناعي لطلاب المدارس
- حمية غذائية تساعد على تخفيف الألم المزمن
- اغتيال حسن نصر الله أم سقوط بشار الأسد؟.. إيران تكشف أي الحد ...
- تقارير غربية: حماس تبدي مرونة بشأن اتفاق وقف النار وتوافق عل ...
- -منصة القاهرة- للمعارضة السورية تعلن موقفها من حكومة البشير ...


المزيد.....

- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل صوما - أسرى الأساطير وضحايا الواقع