|
سقط الأسد: أي مصير ينتظره؟
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 8183 - 2024 / 12 / 6 - 12:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سوريا، أو الجمهورية السورية، لا الجمهورية الإسلامية أو العربية التي حملت على عاتقها تاريخًا طويلًا من الحضارة والتنوع، من- عقد زماني كامتداد لحضارات سابقة في أمكنتها وليس في مكانها، تحوَّلت خلال العقود الماضية إلى ساحةٍ للصراعات والانقسامات، بسبب تعنت الرئيس الأسد قيد الخلع. وكان ذلك نتيجةً مباشرةً لنظامٍ قاده بعنفٍ واستبداد، حيث استولى حزب البعث بقيادة الأسد على مقدرات البلاد، محوِّلًا إياها إلى مزرعةٍ عائلية تُدار بالحديد والنار. منذ أن فُرض الأسد على الشعب، بدأ بتفصيل البلاد على مقاس حكمه. استهل مسيرته بخطواتٍ استبدادية، بدءًا من خرق الدستور لتأمين استمرارية سلطته، حيث عدَّل مواد الدستور لتتناسب مع سنِّه عند توليه الرئاسة، في سابقةٍ خطيرة. أرسى نظامًا قوامه القمع والترهيب، واستغل موارد الدولة لخدمة مصالح عائلته والمقربين منه. لقد جعل من سوريا مسرحًا للفساد المنظَّم، حيث سيطرت أسرته على القطاعات الاقتصادية الحيوية، من النفط إلى الاتصالات، مما أدى إلى تهميش الشعب وإفقاره. كانت الأسرة الحاكمة، بكل أفرادها، رمزًا للفساد والاستبداد. إذ حوَّل الأسد البلاد إلى مسرحٍ لإثراء عائلته، حيث تضخمت ثروات المقربين بينما عانى المواطنون من البطالة والفقر المدقع. هذا النهج الفاسد، الذي امتد لعقود، ساهم في تفكيك المجتمع السوري وإضعاف بنيانه الاقتصادي والاجتماعي. هذا النظام كان مسؤولًا عن تدهور سوريا في جميع المجالات. فبدلًا من أن تكون الدولة نموذجًا للاستقرار والتقدُّم، انزلقت إلى مستنقعٍ من الفوضى. لقد أدخل الأسد، منذ بداية حكمه، البلاد في صراعاتٍ داخلية وإقليمية خطيرة. كان مسؤولًا بشكلٍ مباشر عن استدعاء قوى أجنبية لتثبيت حكمه؛ فتح الأبواب أمام إيران وميليشياتها، وحزب الله بمخططاته التوسعية، وتركيا التي تسعى إلى استعادة أحلامها العثمانية، وروسيا التي جعلت من سوريا قاعدةً لتحقيق طموحاتها الجيوسياسية. لم يكتفِ النظام بتوريط البلاد في حروبٍ داخلية، بل أطلق يد الفساد والمحسوبيات لتدمير ما تبقَّى من المؤسسات. أُفقرت البلاد، وتشرَّد الملايين، وقُمع الشعب بكل الوسائل الوحشية الممكنة. العائلة الحاكمة كانت رمزًا لتجسيد روح البعث التسلطي؛ حزبٌ استولى على السلطة تحت شعارات الوحدة والحرية، ليقمع كل صوتٍ معارضٍ ويحرم السوريين من أبسط حقوقهم. لقد شكَّل البعث، تحت قيادة الأسد، نموذجًا صارخًا للطغيان، حيث تم تجريد المجتمع من إمكانياته الطبيعية للتقدُّم. كان من الممكن أن تحقق سوريا الكثير، لولا تسلُّط هذا الحزب وتحويله البلاد إلى سجنٍ كبيرٍ لشعبها. مع سقوط الأسد، تواجه سوريا سؤالًا وجوديًا: كيف يمكنها أن تُعيد بناء نفسها بعد كل هذا الخراب؟ المصير الذي ينتظره النظام، بعد سنواتٍ من الفساد والدمار، يرتبط بقدرة السوريين على تجاوز إرث البعث والاستبداد. لن تكون هذه المهمة سهلة، في ظل وجود قوى داخلية وخارجية تسعى لاستغلال الوضع لصالحها.
وداعًا للأسد: احتمالات كثيرة
سوريا ما بعد الأسد تقف على مفترق طرق. الاحتمالات متعددة ومتشابكة، لكنها تحمل في طيّاتها فرصًا لبناء مستقبل جديد. على ألا يكون لتركيا أي حضور في سوريا ما بعد الأسد، لئلا تسير البلاد نحو "الأخونة"، وهو خطر يهدد التنوع والتعايش فيها. أما إذا كان ما يجري وفق مخطط دولي كما يُقال، ويتحفظ العارفون بالأمر عن الكشف عن تفاصيله- إن لم يكن في الأصل تنجيماً قد يصدق- فإن هناك إمكانية لإعادة رسم خريطة سوريا من جديد. لكن في ظل الظروف الراهنة، فإنه من الصعب أن يتخلى المقاتلون، الذين يعتمد عليهم النظام الدولي جزئيًا، عن قبضة القيادة إلى أجل غير مسمى، إذا ما كانت التطورات قد تمت بالاعتماد عليهم وحدهم. وعلى أي حال، فإنه لا يمكن تحقيق انتقال مستقر دون إشراف دولي يضمن تسيير الأمور بطريقة تمنع حدوث مجازر جديدة، وتفتح المجال للسوريين للتوافق على مستقبلهم. من بين كل هذه الاحتمالات، تبرز حقوق الكرد كمسألة جوهرية، كما تنص على ذلك الدساتيرالدولية في حق تقريرالمصير، أو الانضمام دون سوريا فيدرالية ترتعد المعارضة المأجورة من ذكرها، كل هذا وذاك بحسب الإجماع الكردي بما يخدم مصلحة ثاني قومية في سوريا تعيش فوق ترابها. لكن قبل كل شيء لا بد للكرد أن يتفقوا بعيدًا عن التأثير الميداني لحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي أضر بالقضية الكردية وأساء إلى العلاقة مع المكونات الأخرى، التي أظهرت مواقف أكثر عنصرية على امتداد حوالي عقد ونصف مضى، كامتداد وترجمة لعنصرية البعث، وبدا ذلك على نحو خاص خلال المؤتمرات التي عُقدت من قبل المعارضة المسيرة لا المخيرة. إبعاد هذا التأثير عن مسار الكرد السياسي والاجتماعي يمكن أن يُعيد ترتيب الأولويات لتحقيق شراكة حقيقية مع باقي السوريين في بناء الدولة الجديدة. إذ على حزب العمال الكردستاني (PKK) وكل جهة كردستانية أن تكون عاملًا مساعدًا للكرد دون أي تدخل. وأي علاقة بفكر وسياسات حزب العمال الكردستاني تُعد أمرًا مدمرًا للكرد في سوريا، كما هو الحال في كل جزء كردستاني آخر. سوريا ما بعد الأسد تقف على مفترق طرق. الاحتمالات متعددة ومتشابكة، لكنها تحمل في طيّاتها فرصًا لبناء مستقبل جديد. من أولويات المرحلة المقبلة العمل على إنهاء التدخلات الخارجية التي عرقلت تطور البلاد، خاصةً الدور التركي الذي سعى إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب استقرار سوريا. إبعاد تركيا عن سوريا المستقبل سيمثل إنجازًا كبيرًا في مسار إعادة الإعمار واستعادة السيادة الوطنية، لطالما أن إيران وعبر يدها الضاربة- حزب الله- أو عبر تدخلها المباشر باتت تجر أذيال الهزيمة. الأمل الوحيد يكمن في إرادة الشعب السوري لإعادة بناء بلاده، وإبعادها عن جميع أشكال التسلُّط. سوريا التي كانت تنبض بالحياة لا تزال تمتلك من الإمكانيات ما يُعيدها إلى مكانتها الطبيعية، بشرط التخلص من إرث الظلم الذي خلَّفه النظام.
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مأساة سري كانيي وتل أبيض: الوجه الآخر للتهجير في أوج التجاهل
-
إطلاق النار الاستباقي ووسائل التواصل الاجتماعي مقاربة نفسية
...
-
الشائعات في زمن الحرب: بين التضليل والتحقق
-
أردوغان متذاكياً مجرم محتل في صورة ملاك!
-
قوافل العودة إلى عفرين: حين يصبح الحنين إلى- المنزل الأول- م
...
-
مصطلح الثورة في ترجمات القتلة وأشباههم!
-
الكرد وحق الاستقلال و مواجهة مخططات الإبادة
-
سوريا على مفترق طرق.. من أطلق النصرة من قمقمها؟
-
عابرون في مهمة عابرة.. في منفذي المخطط
-
سوريالية المشهد السوري: بين لعبة المصالح وتفكيك الجغرافيا
-
انتفاضة نساء- كاخري-
-
ضابط المخابرات منيرالحريري: ستوب...!
-
الحرب الإلكترونية الأولى في دهاليز الإنترنت!
-
الأدب الكردي المكتوب بالعربية3
-
الروائي المصري أحمد طايل يحاور إبراهيم اليوسف1
-
سليمان كرو إعلامي الإرادة الفولاذية!
-
عين الحياة: في رثاء الجارة الطيبة!
-
صفحات مطوية من انتفاضة الثاني عشر من آذار الكردية 2004- : من
...
-
صفحات مطوية من انتفاضة الثاني عشر من آذار (1-3).. إلى إبراهي
...
-
سبع عشرة سنة من الحفاظ على إحدى أهم المدونات الإلكترونية الك
...
المزيد.....
-
عارضة الأزياء باميلا أندرسون بإطلالة يغيب عنها المكياج..ما ا
...
-
محلل لـCNN: الدبابات الإسرائيلية على بعد 30 كيلومتر من دمشق
...
-
احتجاجات طلابية تشل التعليم في صربيا
-
ترامب: هذا يوم عظيم لأمريكا
-
الصين تخطط لإطلاق قطار -أسرع من الطائرات-!
-
روسيا.. إصدار كتب حول الذكاء الاصطناعي لطلاب المدارس
-
حمية غذائية تساعد على تخفيف الألم المزمن
-
اغتيال حسن نصر الله أم سقوط بشار الأسد؟.. إيران تكشف أي الحد
...
-
تقارير غربية: حماس تبدي مرونة بشأن اتفاق وقف النار وتوافق عل
...
-
-منصة القاهرة- للمعارضة السورية تعلن موقفها من حكومة البشير
...
المزيد.....
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
المزيد.....
|