|
الوجه والكارما وقصص أخرى لمديحة جمال: قصص تحدثنا عن أوجهنا المتعددة
سلوى الرابحي
الحوار المتمدن-العدد: 8182 - 2024 / 12 / 5 - 15:15
المحور:
الادب والفن
"الوجه والكارما وقصص أخرى" هو عنوان المجموعة القصصية الأولى لمديحة جمال... قصص كتبت بلغة جمعت بين هذيان اللحظة المحمومة وحكمة التجربة، بين جمالية الرؤى و قبح العالم... قصص تحدثنا عن أوجهنا المتعددة… عن الأضداد المتصارعة فينا عن تأرجحنا بين القبح والجمال… بين الخنوع والرفض، بين غليان أصواتنا الداخلية وهدوء ملامحنا، بين صورة نريدها لأنفسنا و صور أخرى لنا يرسمها الآخرون . نحن في هذه القصص أمام مرآة تخلخل صور أوجهنا فتعرينا "الكارما" أمام النوايا باعتبارها ارتداد أفعال الخير أو الشر بمثلها على صاحبها. قصص تصفع أبطالها والقارئ في آن معا بنهايات محمومة بالسؤال... وزعت الكاتبة عالمها القصصيّ على ثلاثة أجزاء حملت العناوين التالية: -يا وجهي هل أشبهك؟ - يا وجهي كم أشبهك. - وجوه عالقة. I- يا وجهي هل أشبهك؟ أسئلة كثيرة تفرعت في الذهن: هل نشبه صورنا المنعكسة في المرآة أو في عيون الآخرين؟ هل نحن صورنا؟ هل هذه الذوات التي وسمناها بـ "نحن" تعكس صور الحقيقة/ حقيقتنا؟ هل تعكس أفعالنا الواعية منها واللاواعية؟ هل أنت أيها القارئ مثل الكاتبة ومثل بعض الشخصيات في قصص مديحة جمال عاجز أحيانا عن معرفة ملامحك؟ ذوات حائرة لم تتعرف إلى وجوهها أو بالأحرى ترفض أن تتعرف عليها، هي لم تستطع سبر أعماق الحياة فهي الصارخة : "أريد أحمر شفاه كي أكتب على مرآة الحمّام وصيّتي الأخيرة قبل أن أغطس في البانيو بكلّ طقوس الحياة." . الذات أيضا حمّالة الوجه المرتجف، المتردّد، الخائف، المتوسّل... فالوجه ليس سوى قطعة منزوعة عن الجسد الأصل لتغرس في صورة جسد آخر ، هل نحن هذا الوجه الأثيم؟ ما الإثم أصلا؟ هل هو أفعالنا أم صورة يخلقها الواقع والمجتمع؟ فالملامح في قصة الساعة الخامسة هي ملامح البطلة ولكن حقيقة الفعل خارجة تماما عن زيف الصورة. "ما أقبح العالم"… هي صرخة اختزلت المعنى، فلئن بدت صورة البطلة قبيحة في أعين العالم، فإن وجه العالم بشع في نظر البطلة. وجه "يفر من حقل لا يشبهه" ، ومن عنف رمزيّ وماديّ... وجه "منفوخ كالبالون ومزرقّ كمَسْخٍ" وآخر غزاه البرص، لكن البطلة وإن هزتها صورة وجهها لدى الناس في البداية فإنها بطرح سؤال يا وجهي هل أشبهك؟ جعل منها. "شيئا فشيئا (ترى) في ذلك البياض نقاء ورفضا لتلوّن الناس و(أحست) بأنّ(ها) قد بعثت من جديد على شكل روحي لا جسدي..."
II- يا وجهي كم أشبهك: يمكن أيضا أيها القارئ أن تكون مزهوّا بصورة وجهك في المرآة وأن تظن أنك تشبهه تماما وأنك متحكم في الملامح والمعنى وأن داخلك يشبه وجهك المكشوف ... حينها، يكون فعلك ثابتا مثل شجر امتدت جذوره في الأرض التي ألفها وألفته. في هذا الجزء بدت أوجه الشخصيات شبيهة بدواخلها... شخصيات قادرة على المواجهة... فمثلا في قصة قصائد ظالمة كانت البطلة جريئة حين واجهت فارس وقالت له بكل ثقة وسخرية: "أعرّفك بنفسي هويدة بنت النمر، تلك التي من المفترض أنك تعرفها جيّدا، ألم تُقضّي معك ليلة رائعة؟" وفي قصة "الوجه" كانت البطلة مؤمنة بالحب ولم تتنازل عن طفلها المولود خارج الإطار الزوجيّ وخارج العرف المجتمعي، لأنها كانت مستعدة لمواجهة العالم من أجل هذا الوجه الذي رسمته على بطنها وكان شبيها تماما بمولودها... أما في قصة "جانفي سطل ماء بارد"، فقد كانت البطلة ثائرة رافضة للظلم والقهر وكان وجهها المعروض في التلفاز صنوا لروحها، تلك التي يقطنها الفن. تعددت أوجه الشخصيات في هذا الجزء، لكن المسافة الفاصلة بين الظاهر والباطن تكاد تكون منعدمة فالوجه بتقاسيمه وتعبيراته ليس سوى صدى لما يعتمل في النفس من رؤى حتى لو كانت فكرة مجنونة أو فكرة لا يمكن تصديقها. يكفي أن تكون الشخصية مؤمنة بفكرتها، مصدقة لنبضاتها في الروح والجسد والملامح. فمثلا أيها القارئ يمكنك أن تهزأ من قول أحدهم: -"ماركيز ليس أفضل مني" ، لكن لا يمكنك أبدا أن تزعزع إيمانه بهذه الفكرة الخاصة به وحده والمرسومة على ملامحه والمحفورة في أحلامه... الشخصيات في هذا الجزء تؤمن بالحلم حتى وهي في قمة ضعفها. تقول البطلة وهي تنتظر نهاية العالم: - " سأولد من جديد على شكل شجرة زيتون معمِّرة. هو الحلم يهدي حياة أخرى لصاحبه ويفتح له أبواب الخيال والفن والخلود.
III- وجوه عالقة: هي وجوه عالقة في منزلة بين المنزلتين... فلا هي شبيهة ما تريد أن تكون ولا هي مختلفة أو مزيفة... إنها الوجوه الجامدة في لحظة ما، فلا يحق لها القفز في الزمن أو الالتفات إلى الوراء. هي "تلك الأرواح المعذّبة، المنتظرة لخلاصها" . هي تلك الوجوه التي لم تنصفها العدالة في الأرض فبقيت تتأرجح بين حياة وموت، عالقة في لحظة سرقت منها الحياة... أو هي وجوه عالقة في لحظة مضت فلا تستطيع تجاوزها، لأنها بكل بساطة لحظات استثنائية لا يمكنها أن تتكرر لفرط حلاوتها... مثال ذلك أن تعلق في قصة حب قديمة فلم يعد قلبك قادرا على الحب من جديد وقد يصل بك الأمر أن تعلق في رائحة من أحببت فتصير أنفا يرفض أن يشمّ عطرًا غيرَه. قصص مديحة جمال، أتت مثل ماء متدفق من شلال عال أو مثل مطر غزير وكثيف... قصص مشبعة بالحلم والشعر والتمرّد... هامش: في مجموعة الوجه والكارما وقصص أخرى لمديحة جمال ستكون أمام قصص تجعلك تفر من مرآة مشروخة أو تقف أمام مرآة تنعكس فيها ملامح روحك حرة من أعين الآخر وأخرى تكون فيها أنت المرآة .
#سلوى_الرابحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعنى الجريح
-
مشاهد
-
نوار الملح أزهر في قرطاج
-
التمثال
-
زمن يفر من الرؤى
-
فاطمة
-
سفر الحب : تطهر بقداسة الحب أيها المدنّس فينا: اطلالة على آخ
...
-
ديسمبر
-
القلبُ عارٍ يا حبيبي
-
شجر يشدو مثل طيور الحب
-
أمسكْ وجهكَ في متاهة المرآة قراءة في قصص قصيرة جدا - قبعة غر
...
-
رواية القاضي والبغي للمنوبي زيود: العقاب في بغاء الروح والجس
...
-
رواية -نوّة- للكاتبة التونسية وحيدة المي: قتلة الروح
-
-استعارات جسديَّة- للشاعر نمر سعدي: خرائطُ الجرحِ في طينٍ أث
...
المزيد.....
-
-الزمن الهش- للإيطالية دوناتيلا دي بيتريانتونيو تفوز بأرفع ا
...
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|