بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8181 - 2024 / 12 / 4 - 20:53
المحور:
كتابات ساخرة
في عام 2005، كنت أبحث عن مغامرة جديدة بعيدا عن ضغوط الحياة اليومية، فقررت السفر إلى الجزائر واكتشاف جمالها الطبيعي. اخترت مدينة باينام، المعروفة بغاباتها الكثيفة، كوجهة لي. كانت توقعاتي تدور حول قضاء عطلة هادئة في أحضان الطبيعة، لكن القدر كان يحمل لي مغامرة غير متوقعة تماما.
أثناء إقامتي في "فيلا الحاج الحسن"، التي كانت محاطة بالغابات المورقة، التقيت بشيخ مسن ذو لحية بيضاء. بدا كأنه خرج من أحد أفلام "الكاوبوي"، إلا أن هيئته كانت تخفي عمقا فكريا كبيرا. بدأنا نقاشا طويلا حول الوضع في الجزائر، وقد بدا لي أنه حكيم ذو رأي نافذ في قضايا المجتمع والسياسة. كنت أستمع إليه باهتمام شديد، متأملا في كل كلمة يقولها.
لكن سرعان ما تغير مسار الحديث. سألني فجأة: "هل ترغب في العمل معي في الغاب؟". في البداية، ظننت أن المقصود هو عمل زراعي أو قطع الأشجار في الغابة، خاصة في ظل المناظر الطبيعية الخلابة التي تحيط بنا. لكن المفاجأة كانت كبيرة عندما اكتشفت أنه كان يقصد "الغاب" ليس كمكان طبيعي، بل كرمز للانخراط في نشاطات تنظيم جهادي. فاجأتني هذه الدعوة التي لم أتوقعها أبدا، وأدركت أنني كنت أمام اختبار حقيقي لقيمتي الشخصية.
رفضت عرضه فورا، مشددا على أنني لا أقبل الانخراط في أي أعمال قد تمس مبادئي أو تهدد سلمي. كان شعورا غريبا أن أجد نفسي في موقف كهذا في مكان كان يفترض أن يكون ملاذا للسلام والهدوء. استعرضت الموقف مع صديقي المقرب، رضوان، الذي لم يستطع تمالك نفسه من الضحك. قال لي مبتسما: "كنت على وشك أن تتحول إلى بطل في فيلم أكشن، لكنك اخترت أن تكون بطلا في فيلم كوميدي!" رغم تهكمه، إلا أنني كنت ممتنا لأنني ابتعدت عن هذا الطريق المظلم.
اليوم، وأنا أفكر في تلك اللحظات، أدرك تماما أن القدر قد وضعني في موقف صعب لاختيار الطريق الصحيح. وأشعر بالفخر لأنني اخترت العودة إلى حياتي الطبيعية، بعيدا عن أي صراع قد يغير مسار حياتي. في النهاية، عدت إلى بلدي المغرب، الذي لطالما كان رمزا للسلام والاستقرار.
وفي بلدي، بين أهلي وأصدقائي، أعيش في أمان بعيدا عن أي تهديدات. وعندما أتمشى في الغابات أو أستمتع بمغامراتي في الطبيعة، أشعر بالسلام الذي لا يمكن لأي صراع أن يعكر صفوه. أستطيع قطع الأشجار لأغراض التخييم والشواء، لا أكثر.
لقد كانت تلك التجربة بمثابة درس كبير في اليقظة والحكمة. تعلمت أن القدر قد يضعنا في مواقف غير متوقعة، ولكن القرار في النهاية يعود لنا. والعودة إلى المغرب، وطن السلم والسلام، كانت الخيار الذي منحني راحة البال والطمأنينة.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟