|
بلاد تحدثنا عن الميلاد
عزيز سمعان دعيم
الحوار المتمدن-العدد: 8181 - 2024 / 12 / 4 - 10:35
المحور:
الادب والفن
في ختام اجتماع قمة طويل لبلاد وبلدان، ذاقت لمسة وطعم وطأة الفادي الحنان، على تراب الأنين والأحزان، تقرر أن تلخص كلّ بلدة وبلد، وتجمل ما عندها بأقل الجمل... قرر الكلّ بالإجماع إعطاء كرامة افتتاح الجلسة الختاميّة لمدينة الميلاد، فتكلمت بيت لحم قائلة: "أنا خجلانة من تصرفي، فأنا التي تسمى بيت الخبز، وقد شهدت مجاعات كثيرة... وعندما أتاني الشبع الحقيقيّ، وافتقدني سيّد الكون، خبز الحياة النازل من السماء، لم أكن مستعدة... لم أعطه المكان اللائق به... فتحت بيوتي الكثيرة وفنادقي لكثيرين أتوا لزيارتي وللاكتتاب، ولم أكرم سيّد الكون، وكان كلّ ما قدمته له مذود بسيط... أنا يا جماعة خجلى من ربيّ، فكلّ البلاد تطوبني وأنا صغيرة عن كرم وافتقاد سيدي... كلّما أتذكر ابتسامة طفولة الكائن الالهي اللطيفة الحنونة، وهو مستمتع في مذود القش والحبوب... كلّما تعاظم إحساسي بخسارة فرصة عمري، فهي لن تعود ثانية... كم أغبط البشر والبشرية على الفرصة التي ما زالت أبوابها مفتوحة لاستقبال طفل وربّ الميلاد ليولد في قلوب لحمية... فليتهم لا يضيّعون الفرصة... ليت كلّ منهم ينتبه ويتّنبه فلا يضيّع الفرصة... ليتهم..." وأخفت وجنتيها بيديها... وبكت...
ثمّ تكلمت مدينة بيت ساحور مترنمة فقالت: "ما أسعدني أنا التي شهدت أعظم اوركسترا سماويّة لم تشهد مثلها كلّ أرجاء الأرض... ترنمت فوق سماء حقولي جمهرة عظيمة من الكائنات السماوية الملائكية منشدة ومعلنة: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة"... فما أسعدني ببساطة ايمان الرعاة إذ صدقوا رسالة الملاك وقدموا السجود للربّ المعبود..." وابتسمت...
أما أورشليم، مدينة القدس، فوقفت مترددة، ثم قالت: "إخوتي المدن المجيدة... أعترف أمامكن بأن كرامتي وكبريائي المزيفين اشتركا في الخيانة العظمى... فكهنتي لم ترتعش أحاسيسها لميلاد الفادي المنتظر... وملكي هيرودس اضطرب حقدًا وحسدًا... وأنا عاندت الذي أراد مرارًا وتكرارًا أن يجمع أولادي تحت جناحيه... فأنكرته... وسمرته..." وصمتت...
فارتفع صوت بلاد المشرق: "نحن الذين كنّا غارقين في ظلام الخطيّة والعبادات الوثنيّة، أشرق علينا نجم الميلاد فتبعناه... سار مجوسنا وحكماؤنا كلّ الطريق المرير وفي قلوبهم فرح كثير... يبحثون عن الملك الموعود، الذي ظهر نجمه وسطع في النبوات والتاريخ... وبعد بحث وتنقيب وبلا كلل في البحث الجليل وجدنا منشودنا... فقدمنا له سجود قلوبنا... سكبنا أمامه الذهب، المرّ واللبان تعبيرًا عن حبنا كما سكبنا كلّ الكيان... فله المجد لأنه ربّ الاحسان.." فترنمت...
وبصوت كأنه من الماضي البعيد تكلمت بلاد النيل: "كم أنا محظوظة... إذ استقبلت طفل الميلاد الفادي، وحضنته في رمل صحراء بلادي... مكّنت له الأمان، وهو ربّ الجنان، الذي أخرج الشعب في الماضي بيدّ قويّة ورفيعة... وصنع العجائب العظيمة... فعندما سكن بلادي... أحسست بالأمان..." وانتعشت روحها...
أما ناصرة الجليل... وبعد تردد طويل فتحت فاها، وقالت: "صغيرة أنا عن ألطافك يا سيدّ الكون، كيف اخترتني رفيقة حداثتك وشبابك، أنا المجهولة بين مدن الأرض، رفعت مقامي وعليّتني، وأنا لا استحق... فأنا مدينة البشارة والحداثة، وقد أنكرتك مرارًا وتكرارًا... لم أعطك أيّة كرامة... فيا لخسارتي: كيف لم أدرك طيب ولذة العشرة معك، وأنت الذي قلت: لذاتي مع بني آدم... فيا لعظمة حبك وجلالك، يا صاحب القلب الكبير والحبّ الفيّاض الذي لا ينضب، نبع المغفرة والإحسان..." وغرقت في تأملاتها...
وساد الصمت... وخيم السكون... اعلان انتهاء القمّة... عندها فُتِحَت أبواب السماء وتكلمت كلمة الفصل، مجلجلة لتملأ السماوات، فأعلنت تحقيق النبوات: "يولد لنا ولد، ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيبا، مشيرا، إلها قديرا، أبا أبديا، رئيس السلام... هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا...".
فما هو موقفك أنت؟... وماذا تجمل بخصوص علاقتك بالفادي...؟ الذي جال في أرضنا وبلادنا يصنع خيرًا... ويشفي كلّ مرض وضعف في الشعب... الذي قبله وسرّ به البعض... وأنكره وحسده الكثيرون... فهو ما زال يدعو كلًا منا قائلًا:
"تعالوا إلي يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم..."
عزيزي وعزيزتي بلاد كثيرة أضاعت فرصة عمرها فلم تستقبل طفل الميلاد، الفادي المجيد، ورب العباد... وبعضها لم تفوّت أيّة فرصة لتكرم من أكرمها بافتقاده لها... واليوم... بل في هذه اللحظة... وهذا الموقف... يفتقدك الفادي بمحبته... وينتظر قرارك... هل يوجد للرب يسوع المسيح مكان في حياتك؟
هل تقدم له السجود... الكرامة والعبادة اللائقة به؟ أم تستهين بمحبته... وطول أناته... وتجعله ينتظر طويلا الى أن تضيع الفرصة!!! عليك ان تقرر وتختار... فالميلاد ليس فقط ملابس وزينة ومأكولات وبهجة خارجية، بل هو أولا وأخيرا قرار واختيار: اختر الحياة الأبدية والحقيقية مع المسيح...
اختر الحياة الفضلى... فتضمن ابديتك... صلّ إلى الفادي الحبيب واطلب منه أن يسكن مذود قلبك، فيطهره، بل أن يتربع على عرش حياتك... فتنال الحياة الأبديّة الوافرة، الفياضة... وتضمن سلامك... أمانك... سعادتك... فماذا تنتظر؟!!.. نصلي لكي يولد المسيح في قلبك.. في قلوب الجميع.. في قلوب البشريّة جمعاء..
ميلاد مجيد
#عزيز_سمعان_دعيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على عتبة السنة الدراسية الجديدة
-
ما هي الحياة؟ كلمة تخريج الفوج السبعين
-
رعاية رعيّة الله
-
البحث عن معنى الحياة
-
شتّان ما بين الأشرار والأبرار
-
زواج مبارك
-
سليم عطاالله عزيز حاج - الانسان الطيب
-
العداوة
-
منار ودانييل زواج مبارك
-
الكاتب والمربي سمعان عزيز إبراهيم دعيم، سيرة حياة عطرة 1985
...
-
ذكريات معلم في المدرسة المعمدانية في الناصرة
-
كلمة المدير في حفل تخريج الفوج التاسع والستين 2023 في المدرس
...
-
ذكريات طالب في المدرسة المعمدانية - إيليا قبطي
-
الشعانين والفصح تمهيد لقيامة مجيدة
-
الرّبّ يستجيب
-
ثلاثة مواقف
-
تفعيل ثلاثي الأبعاد في شعار المدرسة
-
دراسة في شعار المدرسة المعمدانية – الناصرة
-
دعوة للحياة…. دعوة للراحة
-
كوني اليوم بأفضلِ نسخة لكِ
المزيد.....
-
نافذة جديدة على العالم.. مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة ا
...
-
شون بين يتحدث في مراكش عن قناعاته وتجربته في السينما
-
تكريم مؤثر للفنانة المغربية الراحلة نعيمة المشرقي في مهرجان
...
-
بوتين يتذكر مناسبة مع شرودر ويعلق على رجل أعمال ألماني سأله
...
-
على طريقة أفلام الأكشن.. فرار 9 سجناء من مركز اعتقال في نيس
...
-
-الجائزة الكبرى للشعر الأجنبي- في فرنسا لنجوان درويش
-
الخنجر.. فيلم من إنتاج RT يعرض في مسقط
-
ملف -القندورة والملحفة- الجزائري بقائمة اليونسكو للتراث غير
...
-
صور| طلبة المدارس يتوافدون على معرض العراق الدولي للكتاب: خط
...
-
عيد البربارة: من هي القديسة التي ولدت في بعلبك و-هربت مع بنا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|